شئنا أم أبينا، اتفقنا أم اختلفنا معها، فجماعة العدل والإحسان نجحت -بدون شك- في تدبير ملف معتقليها السياسيين بكل ذكاء وحنكة سياسية حتى لحظة الإفراج عنهم، فالدعم المادي والمعنوي والاحتضان الاجتماعي والتبني السياسي لقضيتهم كلها عوامل عززت الصمود وطول النفس وجعلتهم لم يخضعوا لمساومات النظام المغربي ولا لضغوطه. فنحن إذا قارنا تجربة المعتقلين العدلاويين مع سائر التجارب السابقة في المغرب وخاصة تجربتي اليسار المغربي بشقيه المعتدل والراديكالي والتجربة الإسلامية المتمثلة في الشبيبة والتيار السلفي الجهادي، نجد مجموعة من نقاط التشابه من قبيل خلفيات النظام وتوظيفاته لقضية الاعتقال السياسي ومن حيث عدد المعتقلين الكبير، ومن حيث مدد المحكومية الطويلة، ومن حيث حجم التجاوزات والانتهاكات التي شابت أطوار التحقيق والمحاكمات، وأيضا من حيث قسوة الأحكام لكن النتائج كانت مختلفة إلى حد كبير فمع التجارب السابقة نجح النظام في تدجين بعض الأطراف أو على الأقل تشذيب مخالبها لتأهيلها للانخراط في العمل السياسي ولإدماجها في اللعبة السياسية بقواعدها وشروطها المتعارف عليها والمعروفة سلفا في ظل نظام ملكي فيما بعد. كما نجح في إحداث تصدعات فكرية وتنظيمية نتج عنها مراجعات فكرية وانشقاقات حزبية. لكنه فشل فشلا ذريعا مع جماعة الشيخ ياسين التي ظلت مستعصية على دخول بيت الطاعة المخزني، بل خرج معتقلوها أكثر تشبثا بالمبادئ التي دخلوا من أجلها السجن وتصريحات المعتقلين توضح بشكل كبير أنه لا تراجع عن خط مواجهة النظام المغربي إلى حين انفجار القومة/ الثورة كما في تصور الجماعة، يقول الدكتور محمد الزاوي في الكلمة التي ألقاها باسم المعتقلين ونشرها موقع الجماعة الرسمي :"ونحن إذ يُمضّنا انصرام زهرة شبابنا خلف القضبان، فقلوبنا لا تأسى على ما أصابها من ضراء، ولا تتحسر على ما فاتها من نعماء، فالدعوة إلى الله حرفتنا المثلى، ومستقبل دولة الإسلام مرمى حركاتنا وسكناتنا. وما عند الله خير وأبقى وأنقى" مؤاخذات على تجربة الاعتقال السياسي لكن هذا لا يعني عدم وجود بعض الملاحظات على الملف نجملهما في ملاحظتين كبيرتين: أولا : الجماعة لم توظف ملفها أو لم تستثمره حقوقيا بشكل جيد لتطوير الوضع الحقوقي في المغرب رغم أنه كان من أضخم الملفات التي ظلت عالقة في فترة ما بعد سنوات الرصاص، وكان يمكن أن يكون قاطرة لإحداث طفرات كبرى في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة بالمغرب بالنظر إلى قوة الجماعة جماهيريا وتنظيميا و إيديولوجيا ويمكن تفسير ذلك باحتمالين *إما أن الجماعة رأت في إبقاء الوضع على ما هو عليه ورقة رابحة في وجه السلطات المغربية وحجة لإجهاض أي مشروع تفاوضي مع النظام ترى الجماعة أن وقته لم يحن أو أن نتائجه غير مضمونة وهو الأمر الذي تؤكده قيادات الجماعة حين قولها "أن الملف ظل الصخرة التي تحطمت عليها كل المساومات والمفاوضات" *والاحتمال الثاني هو عدم التجاوب الذي أبدته المنظمات الحقوقية في المغرب التي يسيطر على أجهزتها اليسار نظرا لحساسية الملف باعتبار أن الطالب المتوفى(المعطي بومليل) ينتمي إلى أحد فصائل اليسار القاعدي من جهة، ومن جهة للعداء الإيديولوجي الكبير فالجماعة في اعتقاد المنظمات الحقوقية الجديدة نسبيا على ممارسة العمل الحقوقي( غير المسيس أو المؤدلج) تعتبر من الأصولية الإسلامية الراديكالية المعادية لقيم الديمقراطية و الحداثة. يضاف إلى ذلك أن المنظمات الحقوقية لم تكن مستعدة للتصادم مع النظام المغربي بشأن جماعة وضعها ملتبس وغامض سياسيا وقانونيا فلا هي مشروعة ولا هي ممنوعة . ثانيا: تجربة الاعتقال السياسي التي مرت بها الجماعة رغم طولها لم تفرز إنتاجا فكريا أو أدبيا كما لدى تجارب السابقة في صفوف الإسلاميين خاصة الإخوان المسلمين أو التيارات العروبية أو اليسار في المغرب ونذكر في هذا الصدد كتابات (صلاح الوديع الشاوي عبد القادر عمر التلمساني )فرغم الشهادات العلمية الأكاديمية التي حصلها المعتقلون لم ينتج المعتقلون على الأقل لحد الآن ما يمكنه أن يسهم في تطوير الفكر السياسي الإسلامي أو يغني التجربة أو الرؤية السياسية المغربية عموما، أو حتى ما يوثق لتجربتهم في الاعتقال في إطار ما بات يعرف "بأدب السجون "ويفسر ذلك بعاملين أيضا *أولا الكاريزما التي يتمتع بها مؤسس الجماعة "ذ ياسين" وهو الأمر الذي يطبع كتاباته أيضا التي يرى فيها الكثير من أتباعه مشروعا فكريا متكاملا يحسون بالعجز والضآلة أمامه، فهو عند أتباعه أبدع منظومة فكرية متناسقة متكاملة لا تحتاج إلى تطوير وهو ما يفسر نوعا ما العقم الذي تعاني منه الجماعة في مجالي التأليف والكتابة عموما وليس الأمر مقصورا على المعتقلين. فإذا استثنينا كتاب "أضواء على المشروع المجتمعي لجماعة العدل والإحسان" ل ذ عمر إحرشان عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية تبقى سائر الكتابات دون التطلعات مقارنة مع ضخامة المشروع الفكري والسياسي للجماعة الذي يحتاج مزيدا من التدقيق والتطوير في العديد من القضايا ولعل إنشاء ما يطلق عليه هيئة "رابطة الكتبة " بأمر من الأستاذ ياسين وتحت رعايته الشخصية ومشروع"سلسلة ألف كتاب" هي إحدى الخطوات التي تمت مؤخرا للخروج من شرنقة الجمود الفكري والثقافة الشفوية والاستلاب المرضي *ثانيا يحاول أنصار الجماعة تبرير هذا العقم الفكري بأجواء الحصار والتضييق التي يعاني منها أعضاء الجماعة حيث لا تتاح لهم فرص وإمكانات لنقاش فكري أو سياسي منفتح على باقي الفاعلين السياسيين والمجتمعيين، كما أنهم يرون أن المنع الذي طال جرائد الجماعة ومنابرها الإعلامية ساهم في ذلك بشكل كبير، وهو مبرر لا يصمد كثيرا أمام غزارة ما يكتبه وما كتبه مرشد الجماعة نفسه حتى من داخل السجن وحتى إبان سنوات الرصاص. الملاحظ عموما من خلال ما تابعناه على موقعها الرسمي على الإنترنيت، أو من متابعة ما نشرته بعض الجرائد من تصريحات، فإن الجماعة ركزت على الانتصار وعلى فشل المخزن في تحقيق أهدافه من وراء هذا الملف وعلى الجوانب التربوية كحفظ لقرآن والتحصيل العلمي وقوة اللحمة والرابطة بين المعتقلين وصلابة الموقف والتباث على المبادئ الخ...، غير أنه من القضايا الكبرى التي لم تتجرأ أقلام الجماعة أو حتى خصومها من طرحها، هي قضية -تعتبر من أكبر القضايا- التي شكلت تحديا لكل التنظيمات التي خاضت تجربة الاعتقال أو حتى بعض الدول التي مرت بتجربة ما يسمى ب"العدالة الانتقالية" هي قضية"إدماج المعتقلين السابقين"في بلد كالمغرب المعدود من الدول التي رغم أنها خاضت تجربة "الإنصاف والمصالحة" لم تتمكن من إدماج المعتقلين السابقين اجتماعيا ومهنيا وسياسيا وإنسانيا. لهذا يمكن أن نقول إن أكبر تحد يواجه جماعة العدل والإحسان مستقبلا هو إدماج معتقليها تنظيميا ومجتمعيا، واستثمارهم كموارد بشرية لتعزيز حضورها داخليا وخارجيا بإنشاء مراكز للبحث والإعلام ودعم قضايا مجال حقوق الإنسان.وليس الاكتفاء بمناشدات الدولة المخزنية كما ورد على لسان مسؤول الهيئة الحقوقية داخل الجماعة ذ محمد السالمي الذي طالب الدولة بإدماجهم خاصة, أنهم حملة شواهد عليا كم فعلت مع بعض المعتقلين السابقين :"إنهم ضحايا مخطط سياسي ذي مقاربة مخزنية، في فترة تاريخية مضت. وقد قضوا زهرة شبابهم في السجن. وهم الآن حملة دكتوراة وشهادات جامعية عليا، وذوو كفاءات علمية تؤهلهم لاندماج سريع يليق بمكانتهم. وهم الآن أهل للمساهمة في إصلاح جامعي فعلي، يجنب المؤسسات الجامعية المغربية ما تتخبط فيه من عنف، ودماء بين مختلف الفصائل الطلابية، وهم أهل للمشاركة في بلورة عمل حقوقي في خدمة هذه البلاد التي يعتزون بالانتساب إليها، وفي عمل سياسي، نرجو من العلي القدير أن ييسره.".