في الصورة المكفوفون الأشقاء، هدى ونورة وبدر بإلحاح من أسرته تزوج عبد الكريم لگناوي بخنيفرة من ابنة خالته فاطمة نشابي، المنحدرة من قرية بويجمان، ولم يكن يعلم بما قيل ويقال عن علاقة زواج الأقارب بالأمراض والعاهات والإعاقات التي تصيب مواليد هذا النوع من الزواج، خصوصا إذا كان الزوجان يحملان نفس الجينات، أو لعل عبد الكريم اعتقد أن كل ما يقال عما يسميه الأطباء بالهيموفيليا والتلاسيميا والهيموغلوبين ما هي إلا إشاعات وبدع، مما حمله على عدم الاهتمام بإجراء فحص طبي قبل الزواج، إلا أنه وقف على حقيقة الأمر عندما وضعت زوجته ذكرا (بدر) الذي ما إن استنشق أنفاسه الأولى، في اليوم العاشر من يونيو عام 1993، حتى لوحظ أنه وُلد مكفوفا، ولم يكن من والده عبد الكريم إلا تسليم أمره لله قبل أن يتقدم بطفله إلى المستشفى الإقليمي بخنيفرة، ومنه إلى مستشفى ابن سينا بالرباط، وربما كان طبيعيا أن تجنح به ظروفه الصعبة إلى المعتقدات الشعبية المعروفة عندما وجد نفسه بقلب بعض الأضرحة والأسياد، والفقهاء وباعة الأعشاب، عل عمى طفله يكون عابرا نحو الشفاء. وفي الوقت الذي أقنعه فيه أحد الأطباء المختصين في الوراثة بالتوقف عن الإنجاب على اعتبار أن احتمال إنجابه لأطفال يبصرون يبقى من المستحيلات، كانت زوجته حينها حامل، ولم يستطع عبد الكريم إخضاعها لعملية إجهاض انطلاقا من أمله الكبير الذي كان يتملك عاطفته الأبوية، وبالتالي اعتبر مسألة الإجهاض من المحرمات، وشاء القدر أن تضاف إلى بيته، يوم 23 يوليوز 1997، طفلة ثانية مكفوفة أطلق عليها اسم (هدى)، وحينها اتفق الزوجان على الرضا بالمكتوب وعدم الإنجاب، غير أن خطأ في تنظيم النسل جعل الزوجة تحبل مرة ثالثة، ولم يكن بمقدور الزوج كالعادة سوى الاستسلام لما قد يأتي به مصيره، وجاء يوم 14 ماي 2006 الذي وضعت فيه زوجته حملها ورزقا الزوجان بطفلة مكفوفة (نورة)، وكم كان حظهما مؤلما في إضافة بنتا ثالثة إلى شقيقيها المحرومين مثلها من نعمة البصر. ووالد الأشقاء المكفوفين، والمولود عام 1968 ليس سوى رجل من عائلة فقيرة أبا عن جد، تراه كل يوم يسوق "تاكسي صغير" في دروب مدينة خنيفرة، أو يجيب المتعاطفين معه على هاتفه النقال، وقد ظل ذلك الباحث عن لقمة العيش بين عدة حرف لم يكن آخرها عمله في الخياطة لفترة طويلة بوجدة، وبينما ليس باستطاعة الإنسان أن يختار لنفسه ما يشاء فقد تبنى هذا الأب صراعا قويا من أجل ضمان استقرار الأسرة بأن سجل ابنه (بدر) بمؤسسة محمد الخامس لإنقاذ الضرير بفاس، وبالنظر لبعض الظروف القاسية انقطع هذا الابن عن الدراسة ليلتحق لفترة قصيرة بمعهد ديني بخنيفرة، أما شقيقته (هدى) فقد ولجت أحد المساجد العتيقة وغادرته بعد مدة وجيزة، ويجهل ماذا يخبئ الغد لشقيقتيهما الصغرى (نورة) التي تتلمس طفولتها على سكة الظلام. وجميع الأشقاء المكفوفين هم الآن في وضعية مؤلمة ولا ينتظرون غير الشفقة والعون الصحي والنفسي، والدفع بهم إلى الاندماج والتأقلم مع حالتهم ليحيون حياة طبيعية، وكلما ازداد نموهم كبرت حاجتهم للرعاية خلف النور ولحقهم في الترفيه واللعب والقفز مثل باقي أقرانهم، وبقدر ما أن الأب والأم في أشد الحيرة والتمزق، فلا خيار لهما غير الحرص على ألا يحس أي واحد من أبنائهما بالنقص والحرمان، وكلاهما مقتنع بأن رباط زواجهما بات متلاصقا ولا حل للمصاب غير مشاركة أحدهما الآخر رحلة الحياة بحلوها ومرها، ومن حين لآخر يفشي الزوج لأقرب الناس إلى قلبه أن عذاب الضمير وثقته في إنسانية الحياة يمنعه من التفكير في أي حل رهيب من قبيل الانفصال عن زوجته أو في التخلي عن واجبه تجاه أبنائه المكفوفين، من حيث لا ذنب لهذا أو ذاك في شيء، كما لا علاج للأمر غير الصبر الجميل وانتظار رحمة الله وانتباه المسؤولين والمحسنين والهيئات الطفولية لمحنتهم. ويلاحظ بشدة غياب التوعية والتحقيق الطبي اللازم بخصوص زواج الأقارب، الأمر الذي أضحى معه هذا الزواج يشكل نسبة مرتفعة، وبسبب عدم إجراء فحص طبي للزوجين قبل الزواج يساهم في تهديد سلامة الأجيال والمجتمع بانعكاسات عوامل الوراثة وبالأمراض والإعاقات من قبيل التشوهات الخلقية والعيوب البدنية والمنغولية والنمو غير المكتمل والتخلف العقلي والحساسية، وحسب بعض الخبراء فإن الخطر قد يحدث قبل الولادة مثل تسمم الحمل والإجهاض، وربما ليس بالكثرة التي يعتقدها أو يؤكدها البعض من خلال بعض الدراسات، إلا أنه هناك استثناءات ومن واجب الزوجين القريبين توخي الحذر والحيطة حتى ولو من الصعب ثني بعضهم عن الزواج فيما بينهم حين تحضر قوة الحب أو العامل الأسري. [email protected] mailto:[email protected]