الزواج العرفي، زواج المتعة، الزواج المسيار، أسماء عديدة تطلق على بعض الأنواع من الزواج، التي يختلف العلماء حول شرعيتها بمختلف بلدان العالم الإسلامي، ورغم أن المغرب ظل على مر الزمن معروفا بالزواج الذي يكون من بين شروط صحته الإشهار، فإنه لم يكن بمنأى عن هذه الأصناف التي بدأت تخترق عادات وتقاليد المغاربة، إذ إن بعض الأنواع من الزواج المنتشرة ببعض البلدان ومنها الزواج العرفي أصبحت تنتشر في أوساط الطلبة والموظفين وفي صفوف السلفيين، وإن كانت لا ترقى إلى مستوى الظاهرة. حب يقود إلى زواج عرفي لم تكن سناء تعرف أن مصيرها سيكون هو الشارع رفقة طفلة صنفت في «خانة» الأطفال غير الشرعيين، بعد «زواج» عرفي دام أزيد من ست سنوات، لجأت إليه بعدما عجزت عن الابتعاد عن شخص أدمنت حبه، كان يعمل مهندسا بإحدى الشركات. بدأت قصة حب بين سناء وسمير بعدما تعرفا على بعضهما بمقهى بالعاصمة، فقرر الارتباط بها وإقامة حفل زفاف يليق بوضعه الاجتماعي، غير أن أسرته رفضت قطعا أن يتزوج ابنها من فتاة تنحدر من أسرة فقيرة، واعتبرت أن أي ارتباط من هذا النوع سيجلب للعائلة السخرية والاستهزاء. تزوج سمير من فتاة ثرية كانت من اختيار والدته، غير أنه لم يقو على فراق سناء التي كانت بالنسبة إليه الحب الأول والأخير، خاصة أنها قررت أن تقطع صلتها به بعد زواجه، تشبثه بها دفعه لأن يقترح عليها افتضاض بكارتها والحمل منه، كي يجد حجة أمام القاضي لإثبات النسب وتوثيق الزواج. لم تقتنع سناء باقتراحه، وأكدت له أنها لن تقبل بهذه الأفعال التي تخالف أخلاقها، حسب قولها. لم ينقطع حبل التفكير عند سمير في أن تظل محبوبته إلى جانبه، فخطرت على باله فكرة الزواج العرفي حتى يضفي طابع الشرعية على علاقتهما. بعد أخذ ورد، قبلت سناء الفكرة، ولأنها يتيمة من جهة الأب، طلبت رأي والدتها فرفضت الاقتراح، لكن إصرار سمير الذي أكد لهما أن هذا الإجراء سيكون مرحليا لا غير، لين موقف الوالدة، فباركت زواجهما. نهاية فاشلة استأجر سمير شقة بمدينة تمارة، وبحث في صفوف أصدقائه عمن يقبل بفكرة الشهادة على زواجهما، فقبل ثلاثة منهم، وأقام حفلة عشاء استدعى إليها والدة سناء وأختها. وثق الطرفان «زواجهما» على ورقة كتباها بصيغة نقلت من أحد المواقع الإلكترونية، واتفق الجميع على ألا يتعدى الخبر جدران الشقة. بدأت سناء، التي تعمل موظفة، حياتها الجديدة رفقة سمير الذي نادرا ما كان يغيب عنها، وكان يبرر غيابه عن بيت زوجته الأولى وأسرته بكثرة عمله الذي يتطلب أسفارا عديدة. بعد شهور حملت سناء، فغمرتها فرحة عارمة كأي أم تسمع بخبر حملها، لكن سرعان ما فكرت في مصير المولود، الذي سيحرم من التسجيل في الحالة المدنية ومن الدراسة، ففكرت في الإجهاض، غير أن سمير رفض وأصر على أنه يرغب في أبناء منها، ووعدها بأنه سيأتي يوم يوثق زواجه عند قاضي الأسرة، غير أنه جاء يوم لم يكن في الحسبان، حيث انتقل سمير إلى العمل خارج المغرب ليقيم هناك رفقة زوجته الأولى، وترك سناء تجر أذيال الخيبة والحسرة على حب لم تجن منه إلا الأسى. تقول سناء وهي تبكي «أخبرني أنه سيسافر وطلب مني أن أنسى كل شيء بيننا عارضا علي مبلغا ماليا مقابل ذلك، فرفضت، ومزقت ورقة الزواج العرفي، ولم ألجأ إلى القضاء لأنه لا دليل لدي يثبت زواجي به، كما أنني لا أرغب في فضحه، ولجأت إلى الجمعيات النسائية من أجل أن أسجل ابنتي في حالة مدنية خاصة بي». هكذا كانت قصة حب انتهت بفراق بعد زواج عرفي دام حوالي ست سنوات كانت ثمرته طفلة دون أب. معارضة العائلة بعدما عارضت أسرة عبد اللطيف، موظف، زواج ابنها من فاطمة التي يراها الأنسب له لمواصلة مسيرة حياة «الرفاه والبنين»، لجأ إلى الزواج منها عرفيا. يقول عبد اللطيف «تعرفت على فتاة ورغبت في الزواج منها على سنة الله ورسوله، لكن كانت معارضة شرسة من قبل عائلتينا، ولأننا نقطن بعيدا عنهما، أقبلت على الزواج العرفي بعدما قبلت فاطمة بالفكرة». وعن دواعي عدم لجوئه إلى توثيق زواجه مادامت إمكانية عقد الراشدة على نفسها متاحة، قال عبد اللطيف « أنا اقترحت الفكرة على فاطمة لكنها رفضت بشدة لأنها لا ترغب في ذلك بدعوى أن عقد القران ينبغي أن يكون برضى أهلها وأن يكون علانية وليس سرا». لا يفكر عبد اللطيف في الإنجاب حاليا وفاطمة كذلك، كما لم يقوما بكتابة العقد العرفي، لكنهما قررا إشهار زواجهما السنة المقبلة، دون الاكتراث لما سيؤول إليه الوضع من مشاكل أسرية. يحكي عبد اللطيف أنه غير مرتاح تماما لهذا النوع من الارتباط، ويراه مرحليا لا غير، لأنه سأل عن حكم الدين في هذا الارتباط، فقيل له إنه لا يجوز شرعا. إذا كانت بعض المشاكل الأسرية هي التي تقف وراء اللجوء إلى هذا النوع من الزواج، فإن هناك من لديه كل الإمكانيات لإعلان زفافه لكنه يفضل هذه «التخريجة»، ومن أمثال هؤلاء، محمد الذي أنهى حياة زوجية دامت حوالي ثماني سنوات رفقة زوجة تنتمي إلى طبقة ثرية نتج عنها أربعة أبناء، و«جرجرة» في المحكمة، وبعد سنتين من العلاقات غير الشرعية، قرر معاودة الكرة مرة أخرى، لكن دون وثيقة، فلم يجد حلا سوى الزواج العرفي. يقول أحد أقاربه «لقد أصبح اسم الزواج مقترنا لدى محمد بالإرهاب، فدخل في علاقات غير شرعية مع العديد من الفتيات، لكن أراد أن يتزوج من جديد فلم يحب أن يوثق قرانه، فلجأ إلى الزواج العرفي، واستدعى بعض أصدقائه كي يكونوا شهودا على زواجه، وكتبا ورقة بخط يديهما». عروض كثيرة أكدت زينب، موظفة 25 سنة، أن عروض الزواج العرفي في صفوف الشباب من مختلف الطبقات والمستويات الاجتماعية تتزايد، وليست مبرراتها دائما عراقيل الأسر، بل أحيانا تكون بدافع التملص من أي مسؤولية مادية خاصة بعد صدور مدونة الأسرة، التي أنصفت المرأة، على حد قولها. وقالت إن الزواج العرفي عرض عليها أربع مرات من لدن أشخاص لهم مؤهلات مادية محترمة، ولكن يتهربون من أي ارتباط شرعي وقانوني. تحكي زينب «هناك من يرغب في أن يتملص من التبعات المادية والقانونية لأي رباط شرعي، فيلجأ إلى هذه الوسيلة، وهناك فتيات يقبلن بذلك، خاصة مع ارتفاع نسبة العنوسة، وانتشار العلاقات غير الشرعية، أما أنا فلم أقبل بأي عرض من العروض الأربعة». ومن الذين يلجؤون إلى الزواج العرفي أيضا، بعض المنتمين إلى تيار السلفية، الذين لا يؤمنون بالقانون الوضعي، فقد أكدت سمية عيضمن، مساعدة اجتماعية بجمعية التضامن النسوي، أنه بعد أحداث 16 ماي الإرهابية توافدت على الجمعية حالات من النساء بعدما رزقن بأطفال وصلوا إلى سن التمدرس وكن متزوجات من سلفيين رفضوا الاعتراف بأبنائهم. وأوضحت عيضمن أن هؤلاء ليسوا مثل الذين يتزوجون بالفاتحة ويعلنون زواجهم ويكون سبب إقدامهم على هذه الخطوة هو البعد الجغرافي كما هو الشأن في العديد من القرى، بل بالعكس هناك منهم من يقيم بالدار البيضاء، ومع ذلك يلجأ الرجل إلى الصلاة ركعة واحدة ويضع خاتما بأصبع المرأة، وتقول له زوجتك نفسي، ويقول لها إنك زوجتي أمام الله. وتشرح المساعدة الاجتماعية، في تصريح ل«المساء» أن هذه الفئة لا تؤمن بعقد القران وتوثيقه لأنها تعتبره قانونا وضعيا، ولم تستقبل الجمعية حالات من الزواج العرفي الموثق كتابة، بل كل الحالات تكون شفوية. لا زواج دون إعلان أبرز أحد العاملين بمحكمة قضاء الأسرة في الرباط، أن الزواج العرفي بالمعنى المتعارف عليه في مصر، غير موجود بالمغرب لأنه لا توجد عقود مدنية توثقه، ونادرا ما تصل هذه القضايا إلى المحكمة، لوجود أوامر صارمة بعدم توثيق هذا النوع من العقود. على عكس ذلك فالزاوج الذي يمكن أن نسميه ب«العرفي» هو «زواج الفاتحة»، يقول المتحدث نفسه، الذي تكون فيه كل شروط الزواج إلا توثيقه الذي لا يتم لأسباب اجتماعية مثل البعد عن المحكمة أو الفقر، أما ما دون ذلك فلا يمكن تسميته زواجا. وقال المتحدث نفسه «هناك حالات قليلة بلغتنا تتعلق بثبوت الزوجية، وقدمت دليلا على ذلك عقدا مصادقا عليه بإحدى المقاطعات بمدينة بني ملال، وكان مضمونه أن الطرفين زوجان على سنة الله ورسوله، وهناك حالة أخرى مشابهة تتعلق بعقد موثق عند كاتب عمومي. وحسب عبد السلام البوريني، رئيس الهيئة الوطنية لعدول المغرب، فإنه لا يوجد شيء اسمه الزواج العرفي في الإسلام، فالزواج شرعا هو الذي يمر عبر مراحل تبتدئ بالخطبة ثم تحديد الصداق وحضور الشهود ثم إعلان الزواج، إلى غير ذلك من أركان الزواج الصحيح. ويوضح البوريني، أنه كان فيما مضى لا يوثق لكن توثيقه أصبح ضرورة شرعية من أجل الحفاظ على حقوق الطرفين، «لكن أن يعاشر رجل امرأة ويعتبرها زوجة له سرا ودون العقد الشرعي والقانوني فهذا يعتبر فسادا ولا يسمى زواجا والأبناء الناتجين عنه أبناء زنا»، يؤكد رئيس الهيئة الوطنية لعدول المغرب. بعض الطلبة يغلفون علاقاتهم الجنسية بغطاء الزواج العرفي يتردد كثيرا أن الزواج السري أو «العرفي» بين الطلبة منتشر بشكل كبير، منهم من يلجأ إلى كتابة ورقة بخط اليد تفيد بأن الطرفين متزوجان على سنة الله ورسوله، ويوقعها شاهدان، ومنهم من يلتزم شفويا ليدخل الشريكان في علاقة تامة في انتظار حصول الزوج على العمل بعد إتمام دراسته. ليلى، طالبة بمدينة الرباط، تعرفت على شاب ونشأت بينهما علاقة حب تطورت بعدها إلى علاقة جنسية، فعرض عليها الزواج سرا إلى حين إتمام دراستهما، لأن ظروفه لا تسمح له بإعلانه وقتها. رفضت ليلى هذا الاقتراح، وشددت على أنها تفضل أن تبقى عانسا على أن تدخل في هذا النوع من العلاقات. أما سارة (طالبة، 21سنة) بالدار البيضاء فأكدت ل«المساء» أن طالبا (25 سنة) يدرس معها عرض عليها الزواج عرفيا، غير أنها رفضت لأنها ترى أن زميلها يريد التحايل عليها من أجل الدخول معها في علاقة غير شرعية ويريد تغليفها بغلاف اسمه «الزواج العرفي». وأكد العديد من الطلبة، في حديثهم ل«المساء» أن الزواج العرفي بين الطلبة منتشر، وليس شيئا جديدا سواء في صفوف الطلبة العاديين أو الذين يحملون فكرا معينا. وهناك حالات عرفتها كلية الآداب والعلوم الإنسانية بابن امسيك بالدار البيضاء، منذ أربع سنوات، يقول مراد «كنت أعرف بعض الطلبة الذين تربط بينهم رابطة الزواج العرفي، فمثلا كان طالبان من السلفيين، كنا نظن أنهما متزوجان فلما سألنا الطالب أخبرنا أنه متزوج منها عرفيا، لأن والديهما يرفضان زواجهما في هذه المرحلة، كما هو الشأن بالنسبة لطالبة أخرى «بنت دارهم» غير محجبة، علمنا من خلالها بأنها متزوجة من طالب يدرس معها، وأنهما ينويان الإعلان عن زواجهما بعد أن يشتغل الطالب». «عيش طالب وطالبة تحت سقف واحد، والتصريح بأنهما زوجان لم يكن بالشيء الجديد، فمنذ أن كنا في الجامعة كان هذا السلوك منتشر بين الطلبة، ولا تصرح الطالبة بأن من تسكن معه عشيقها بل زوجها وهناك التزام بينهما بترسيم علاقتهما بمجرد ما تسمح الظروف بذلك»، يقول محمد، طبيب، ليوضح أن حالات عديدة كانت منتشرة بشكل كبير في الأحياء الجامعية. لا يقتصر الزواج العرفي على الراشدين بل هناك حالات في صفوف القاصرين، فقد سبق أن عرفت إحدى الثانويات بمدينة سلا حالة تلميذة وتلميذ كتبا عقدا بخط يديهما وبصماه بالدم، كدليل على ارتباطهما القوي، ولم ينكشف أمرهما إلا عندما حملت التلميذة، وكانت القضية ستصل إلى المحكمة،لولا توصل الأسرتين إلى حل يقضي بإجهاض القاصر لحملها وتمزيقها الورقة مقابل مبلغ مادي، خاصة أن أسرة التلميذ من طبقة غنية، حسب ما أكده مقرب من التلميذة.