لماذا يحزن الإنسان ويشتكي دائما أنه وحيد مغترب؟ لماذا يشعر بالسخط لوحدته وبعده عن وطنه ؟ لماذا تُجبرك الوحدة أو الغربة على التأخر والرجوع للوراء؟ لو عقلت لوجدت أنك ولدت وحيدا وستموت وحيدا . "" فلماذا الحزن لو قضيت دنيتك الصغيرة وحيدا ؟ لقد جئت لدنيا بمفردك وستفارقها بمفردك ، وكل من حولك ممن تبحث عن رفقتهم سيتركونك بمفردك ، تذكر بينهم من تركك ورحل في الدنيا ، ومنهم من سيوصلك لقبرك ويتركك أيضا ويرحل إذن فعلى من تحزن ؟وعلى ما تحزن... ؟ لا تجعل شموخك ينكسر، فالحياة الدنيا أنفاس معدودة في أماكن محدودة. إن كنت وحيدا في بلدان الغير تقذفك الغربة والحنين إلى التفكير في الماضي التي تعلم أنه لن يعود وتتذكر يوم وداع أمك التي بكت ولم تستطيع مسح دموعها، وهذا أباك الذي هزمه رحيلك رغم قوته، وهاته حبيبتك التي وعدتك بانتظارك، وتتذكر أصدقائك المارين في حياتك، سرعان ما تعلم أنك يستحيل أن تراهم ليندمل الجُرح ويموت الشوق وترحل عنك الأحزان والدموع لتخلق إنتصارا مصطنعا من هزيمة محتمة. تذكر قبل أن تأخذ قرار الرحيل كنت تُحس بعدم الاهتمام بك كمواطن له الحق في عمل شريف تحيا به كريما ويجنبك المذلة وسؤال القريب والبعيد، ألم تشعر أن دورك كمواطن له دور حقيقي في إختيار من يُمثله أو ينوب عنه في مؤسسة الوطن غير موجود، ألم يحاول الوطن مسح هويتك، ألم تُطعن من الخلف من طرف أبناء وطنك يوما، تذكر عندما كنت ترى الظلم و تتضح لك معالمه دون أن تجرؤ على نعته، تذكر عندما تصلب الحرية في اليوم ألف مرة على جدار العنصرية و الدكتاتورية، والظلم عندها تشعر بالغربة المريرة داخل الوطن، هل تذكر عندما كنت ترى أحلامك الوردية تُذبح أمام عينيك وهي لا تزال في مهدها، تذكر عندما ترى نظام بلدك يتحطم على صخرة الفوضى من طرف أعمدته... نعم اضطررنا لحزم حقائبنا وذكرياتنا وما بقى من كرامتنا لنبدأ في البحث عن وطن يقبل بنا ويأوينا، كرامتنا جعلتنا نمضي قدما للبحث عن وطن يتبنانا رغم أن الحنين يعذبنا، نعم كان الرحيل وإعلان الفراق قدر مخبئ لنا، تلك هي الحياة ! تلك التي علمتنا أننا إذا أحببنا شيئا أو كان لوجود أحدهم راحة بجانبنا لابد من يوم من الأيام من أن نودعه أو يرحل عنا ونفقده وأن مهما كان الطريق طويلا فله " نهاية "، قد يكون الفراق قاس،ولكن تكفينا الذكرى ، تلك التي سطرت نفسها على جدار الزمن ذلك الكنز الذي يمتلكه الإنسان ويفخر به ويسمو به، تلك الزاوية المشرقة التي لن يصيبها الظلام أبدا تلك الذكرى التي إن سرتم في طريق النسيان، فإنها تذكركم بهم، الذكرى لاتموت أبدا، ولكنها قادرة على التجدد فسيأتي يوم يقوم شخص ما بتجديدها على صفحات الوطن بين مواطنين ليسوا غرباء داخل وخارج الوطن. *مهندس وباحث من أمريكا [email protected]