قال والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، إن "تأثير العمالة وسوق الشغل لا يقتصر على مستويات العيش، بل هو عامل من عوامل مساهمة في الإدماج والتماسك الاجتماعي"، مؤكدا أن "التشغيل يقع في قلب اهتمامات السياسات العمومية ومقياس فعلي لأداء هذه السياسات". الجواهري، الذي كان يتحدث خلال افتتاح النسخة الثالثة من المؤتمر السنوي ل"شبكة البحث التابعة للبنوك المركزية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، المنعقد بالرباط على مدى يوميْن (الخميس والجمعة)، في موضوع "أسواق العمل والتحول البنيوي"، سجل أن "قضايا الشغل والتشغيل تُعد بالنسبة للبنوك المركزية متغيّراً رئيسيًا حاسماً يؤثر على الاستهلاك والاستثمار؛ وبالتَّبَع، في النهاية، على أسعار السلع والخدمات". ودعا والي البنك المركزي المغربي، بحضور وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، يوسن سكوري، وجمع من خبراء وأكاديميين باحثين عالميين ومن منطقة «MENA»، إلى "الفهم الشامل لتطوّرات ومتغيرات سوق العمل"، لأن ذلك "ضروري لتسيير وتيسير مهام البنوك المركزية، لاسيما في مجال السياسة النقدية". وعن سياق المؤتمر الذي ينظمه بنك المغرب بالتعاون مع "مكتب كبير الخبراء الاقتصاديين بالبنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، قال الجواهري إنه "ثمرة تعاون مثمر مع البنك الدولي والمصارف المركزية الأعضاء في شبكة البحوث الإقليمية". "هذا اللقاء هو جزء من «الطريق إلى مراكش»، وهي سلسلة من الأحداث التي بدأت قبل بضعة أشهر، هادفة إلى التحضير والترويج بشكل جيد للاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي ستستضيفها بلادنا في الفترة من 9 إلى 15 أكتوبر في مراكش"، يتابع والي بنك المغرب. ولم يخلُ حديث الجواهري أمام المشاركين في المؤتمر المذكور من ثناء واضح على "الجهود الدؤوبة والتعبئة التي جعلت هذا الحدث ممكناً"، خاصّا بالذكر روبرتا غاتي، كبيرة الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في البنك الدولي، التي اضطلعت، حسبه، ب"دور حاسم في التنسيق بين مختلف أصحاب المصلحة والمهتمين بعقد هذا المؤتمر". "معضلة تزداد حِدّة" "في منطقتنا تزداد معضلة التشغيل –وما يتصل بها من قضايا العمالة- حِدّة"، يسجل والي بنك المغرب، وزاد مستحضرا في السياق ذاته أرقاما ومعطيات دالّة وصارخة: "بشكل عام، تبلغ البطالة (في منطقة "الشرق الأوسط وشمال إفريقيا") ضِعف المتوسط العالمي؛ أيْ بنسبة 10.4 في المائة مقارنة ب 5.8 في المائة عام 2022′′. وحذر الجواهري من "تأثير خاص للبطالة والعطالة عن العمل على الشباب"، نظرا لأن "واحداً من كل أربعة منهم عاطل عن العمل، وحوالي ثُلث الفئة التي تتراوح أعمارها بين 15 و24 عاماً ليسوا موظفين أو متعلِّمين أو متدرّبين". ومن المفارقات التي شدد عليها الجواهري، خلال كلمته، أن "كثيرا من البلدان تشهد عطالة 'الخريجين الشباب' باعتبارهم الأكثر معاناة من البطالة، التي عادة ما تكون طويلة الأمد"، وفق تعبيره؛ كما أشار إلى أن "المنطقة تظل -أيضا- في مواجهة مشارَكة منخفضة من طرف النساء في سوق العمل، ونسبة إدماجهن تظل ضعيفة"، موردا أن "معدل نشاطهنّ يبلغ حوالي 20 في المائة، وهو أقل بكثير من المتوسط العالمي البالغ 50 في المائة تقريباً". وسجل المتحدث ذاته أن "العديد من هذه النتائج التي تميز منطقتنا (مينا) تُلاحَظ في بلدان ناشئة ونامية، على عكس الاقتصاديات المتقدمة، التي يشكل فيها التشغيل تحديا ضمن نطاق تأثير أقل"، موردا أن "جودة فرص العمل هي الفارق بين بلدان نامية وأخرى متقدمة". واعتبر الجواهري أنه "من الواضح أنّ قضايا التشغيل مرتبطة بشكل وثيق بالديناميات الاقتصادية"، مقترحا أنه "يمكن للسياسة العامة/العمومية أن تؤدي دوراً تمهيدياً في إعداد الشباب لسوق العمل؛ من خلال تحسين نوعية التربية، التكوين/التعليم، موازاة مع الاستثمار في رأس المال البشري". "براديغمات تتغيّر" "اليوم، مع تغييرات بارزة في البراديغمات والتحولات العميقة التي بدأتها الصدمات المتعاقبة في السنوات الأخيرة أو تسارعت وتيرتها، أصبح فهم تطور أسواق العمل أكثر صعوبة"، يقول الجواهري، خالصا إلى أن "ذلك ما يجعل صياغة السياسات العمومية في التشغيل والاقتصاد أكثر تعقيدا". وخص المتحدث ذاته بالذكر "تغير المناخ، الذي من المتوقع أن تكون عواقبه المباشرة وغير المباشرة كبيرة، لاسيما في بلدان مثل المغرب، حيث مازالت الفلاحة تستأثر بحصة كبيرة من القوة العاملة"، لافتا إلى أن "ظهور الحمائية والسيادة الاقتصادية يؤدي إلى إعادة تشكيل سلاسل الإنتاج، وبالتالي إلى إعادة توزيع العمالة على الصعيد الدولي". يشار إلى أن هذا الموعد الاقتصادي ستتخلل برنامجه مداخلات نخبة من أبرز الاقتصاديين على صعيد العالم، أبرزهم الأستاذة إستير دوفلو، الحائزة على "جائزة نوبل في الاقتصاد سنة 2019′′؛ كما سيعرف مشاركة كبار المسؤولين الذين يمثلون المؤسسات الوطنية والدولية، إلى جانب أوساط أكاديمية وممثلين عن القطاع الخاص. وتتناول أشغال المؤتمر، بالأساس، القضايا والتحديات التي تواجه سوق العمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ارتباطاً بتداعيات جائحة كوفيد-19، وتغيّر المناخ والتحول الرقمي، مسلطا نقاشاته وندواته الفرعية على "الضغوط الجيوسياسية وتصاعد سياسة الحمائية، وجودة رأس المال البشري وتطوير القطاع الخاص"، حسب بلاغ للمنظمين.