في قلب الأحداث دائما "" حظي وما يزال ما يسمى في الخطاب الرسمي "الحقل الديني" باهتمام متزايد خلال السنوات الأخيرة، فقد سلطت عليه الأضواء غداة أحداث الدارالبيضاء الأليمة واعتبر وقتها التأطير الديني الرسمي للمواطنين قاصرا وعاجزا أمام المد الوهابي، فأعادت الوزارة الوصية النظر في الهيكلة التنظيمية للمندوبيات الجهوية واعتمدت التقطيع الإداري للجهات سعيا لمواكبة ناجعة واعتماد ما يعرف بسياسة القرب، ودشنت مشروع تأهيل الوعاظ والواعظات، وأطلقت القناة السادسة بكلفة خيالية تقدر بالملايير؛ كل ذلك لملء الفراغ المهول في التأطير والتوجيه الدينين للحد من الاستقطاب الديني الوهابي والتصدي لغزو الفتاوى الفضائية. وقبل شهور أعلن على انطلاق برنامج استكمال تأهيل القيمين على المساجد وتمكينهم من التغطية الصحية وبرنامج تكوين وتحيين تكوين الأئمة والخطباء بالعالم القروي، في تزامن مع إحداث المجالس العلمية بالخارج للحد هذه المرة من المد الشيعي الآخذ في التنامي واستهداف المغاربة بأوروبا لا سيما الشباب منهم وفق تقارير استخباراتية أوروبية وأمريكية. واليوم يجري تجديد المجالس العلمية الإقليمية تحت إشراف شخصي لوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية ليطفو من جديد على سطح الأحداث الحقل الديني حتى غدا المشجب الذي تعلق عليه كل الأزمات اجتماعية كانت أو سياسية. فما سياق هذا التجديد؟ وما هي دوافعه وأهدافه؟. السياق العام جرت العادة المغربية أن حلحلة الملفات والقضايا يتم بفعل مؤثر خارجي تقرير منظمة أو هيئة دولية مثلا ولا يخرج حدث تجديد المجالس العلمية عن هذا السياق أو على الأقل سرع به؛ حيث جاء تجديد المجالس العلمية في خضم تفاعلات توتر العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإيران على خلفية أنشطة للسفارة الإيرانية تهدد الأمن والاستقرار الروحي للمغاربة كما جاء في بيان وزارة الخارجية والتعاون، ولم يتأخر دخول وزارة الشأن الديني على الخط، إذ سارعت لتعميم خطبة جمعة 13مارس2009 على المساجد تدعو المغاربة للعض بالنواجذ على مذهبهم السني، وتشير من طرف خفي لأزمة دبلوماسية بين المغرب وإيران. المغرب من جديد في موقع الاستهداف حسب الخطاب الرسمي وفي أكثر المجالات حساسية: الإسلام الذي يعتبر نقطة ارتكاز شرعية النظام السياسي. مجرد تساؤلات حري بالقائمين على الشأن العام للبلاد أن يبحثوا في الأسباب التي تجعل الأمن العام للبلاد في هذه الدرجة من الهشاشة، حيث لا فرق بين فيضانات وأمطار وبين عزو جراد أو جفاف وبين موجة صقيع وبين إخفاق في استحقاق رياضي وبين رأي فقهي حول سن الزواج وبين تقرير هيئة مهما كانت مغمورة فكيف إذا كانت أممية.... أما في شأن المد الشيعي فالأولى أن يساءل الخطاب الديني الرسمي ومعه المنظومة التربوية ككل للبحث في الثغرات التي يمكن من خلالها استقطاب المغاربة من طرف أي كان قبل المد الشيعي. ألا يراد رسميا أن يكون المغرب بلد حوار الحضارات؟ أليست حدود المغرب المادية والمعنوية مشرعة أمام كل التيارات والمذاهب؟ ألا يحتضن المغرب كل الملتقيات بما فيها الشواذ وعبدة الشيطان؟ ألم تغز الأنشطة التبشيرية فئات من المغاربة الذين لا يترددون في الإعلان عن اعتناقهم المسيحية رغم تجريم القانون المغربي لهذا الفعل؟ ألم تكتسح أنشطة المنظمات المسيحية مناطق معزولة ونائية من المغرب لم تستطع الدولة تأمين حاجياتهم المادية قبل الروحية؟ وفي ارتباط بالمد الشيعي، ما درجة نجاعة الخطاب الديني الرسمي على مستوى خطب ومواعظ المساجد أو على مستوى وسائل الإعلام لا سيما التلفزية منها، وقد صنفت القناة السادسة أخيرة من حيث حجم المشاهدة مقارنة مع بقية القنوات الوطنية؟ ألم تقم قيامة الدولة ولم تهدأ على إثر فتوى فضائية حول تحريم الفوائد البنكية على السلفات السكنية، وأصدر وقتها المجلس العلمي الأعلى رسالة تجاوزت ضوابط الرد العلمي وشجبت الفتوى واعتبرتها تدخلا في الشؤون الداخلية لمغرب يقوم على "إمارة المؤمنين"، ووعدت بالانكباب على الموضوع وما زال المغاربة ينتظرون جواب المجلس العلمي الأعلى إلى اليوم؟ دوافع وأهداف إذا كانت التدابير والإجراءات السابقة محكومة بهاجس التحكم في الحقل الديني رغبة في ضبط إيقاعه وحركيته من جهة، وفي الحيلولة دون توظيف الخطاب الديني من طرف الحركة الإسلامية عموما حدا لجماهيريتها وشعبيتها من جهة أخرى مما "مخزن" الخطاب الديني الرسمي فعزله عن الشعب، فإن التدابير الجديدة الظاهرة من خلال ضوابط انتقاء أعضاء المجالس العلمية تروم نوعا من المصالحة مع "المنعشين الدينيين" من العلماء والوعاظ، بحيث طعمت المجالس بذوي الشعبية والإشعاع العلمي ممن جرى تهميشهم وإقصاؤهم في تشكيل المجالس العلمية الإقليمية التي انتهت ولايتها. بمعنى أن الدولة وجدت اليوم نفسها في ورطة تدني مصداقية الخطاب الديني الرسمي واضطرت للانفتاح على من أقصتهم في محاولة ظاهرها مصالحة وباطنها مخزنة لقطاع يرتبط بالمشاعر القلبية وليس بالتدابير الإدارية. وختاما، إن الإجراءات التي عرفها الحقل الديني منذ حوالي عقد من الزمن جاءت ردة فعل، ولم تأت نتيجة قناعة لدى المسؤولين لتطوير أداء الخطاب الديني إشباعا لحاجيات الشعب الروحية كما يردد السيد الوزير التوفيق في كل مناسبة، أو وفق ما يقتضيه تطور العصر وما يستجد في حياة الناس من قضايا، فتعمقت الهوة وازداد البون بين الخطاب الرسمي الديني وبين نبض الشعب، ما يجعل الإجراءات آنية ومؤقتة قد يتم نسخها بمجرد تغيير أسباب نزولها على حد تعبير أهل التفسير.