توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعا بريديا خاصا بفن الملحون    بيدرو سانشيز: إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار الإقليمي    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ينتقد بيان خارجية حكومة الوحدة ويصفه ب"التدخل غير المبرر"    الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    لقاء بوزنيقة الأخير أثبت نجاحه.. الإرادة الليبية أقوى من كل العراقيل    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    التوافق المغربي الموريتاني ضربة مُعلمَين في مسار الشراكة الإقليمية    من الرباط... رئيس الوزراء الإسباني يدعو للاعتراف بفلسطين وإنهاء الاحتلال    مسؤولو الأممية الاشتراكية يدعون إلى التعاون لمكافحة التطرف وانعدام الأمن    المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة بطنجة تقدم توصياتها    توقع لتساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1800 م وهبات رياح قوية    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    ال"كاف" تتحدث عن مزايا استضافة المملكة المغربية لنهائيات كأس إفريقيا 2025    ألمانيا تفتح التحقيق مع "مسلم سابق"    الدرك الملكي يضبط كمية من اللحوم الفاسدة الموجهة للاستهلاك بالعرائش    التقلبات الجوية تفرج عن تساقطات مطرية وثلجية في مناطق بالمغرب    مدان ب 15 عاما.. فرنسا تبحث عن سجين هرب خلال موعد مع القنصلية المغربية    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات وهبات رياح قوية    الحوثيون يفضحون منظومة الدفاع الإسرائيلية ويقصفون تل أبيب    أميركا تلغي مكافأة اعتقال الجولاني    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع    "فيفا" يعلن حصول "نتفليكس" على حقوق بث كأس العالم 2027 و2031 للسيدات        مهرجان ابن جرير للسينما يكرم محمد الخياري    دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة        اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    الطّريق إلى "تيزي نتاست"…جراح زلزال 8 شتنبر لم تندمل بعد (صور)    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مراكش تحتضن بطولة المغرب وكأس العرش للجمباز الفني    طنجة: انتقادات واسعة بعد قتل الكلاب ورميها في حاويات الأزبال    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    البنك الدولي يدعم المغرب ب250 مليون دولار لمواجهة تغير المناخ    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفاعلون الدينيون بعد 16 ماي 2003
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 31 - 12 - 2008


في إطار الندوات والتحاليل الفكرية والسياسية التي دابت على تنظيمها مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد ، نظمت حلقة التحلبل السياسي في نهاية 2007 ندوة فكرية، شارك فيها عدد من الباحثين والمفكرين المرموقين حول موضوع «الفاعلون الدينيون بعد أحداث 16 ماي 2003» بمشاركة الأساتذة محمد ظريف و يوسف بلال ومحمد العيادي ومحمد الطوزي وآخرين. الندوة -التي صدرت أشغالها في »الدفاتر الزرقاء« التي تصدرها »حلقة التحليل السياسي« في عددها 10 (عدد دجنبر 2007)- أطرتها الورقة التقديمية للأستاذ محمد ظريف تحت عنوان «الفاعلون الدينيون بعد 16 ماي 2003» تلتها تعقيبات الأساتذة يوسف بلال ومحمد العيادي. وفيما يلي الورقة التقديمية وتوضيحات الأستاذ محمد ظريف وتعقيب الأستاذ محمد العيادي. محمد ضريف الاستراتيجية الجديدة خلقت حقلا دينيا شبه مغلق بالنسبة لموضوع الفاعلين الدينيين بعد احداث 16 ماي، ماهو اساسي متضمن في النص باللغة الفرنسية، واشكالية المداخلة بشكل عام هي متضمنة في العنوان، بحيث اتحدث عن الفاعلين الدينيين بين ما اسميته بتسيس جزئي، وتسيس مفروض. فكما هو متضمن في النص، كنت اريد ان القي الضوء على مسألتين اساسيتين ربما طرحتا بعد احداث 16 ماي بشكل اثار كثيرا من الالتباسات. المسألة الاولى تتعلق بعلاقة ماهو سياسي بما هو ديني في المغرب بعد احداث 16 ماي، حيث كانت هناك قوى حداثية او علمانية تدعو الى الفصل بين ماهو ديني وماهو سياسي. وفي نفس الوقت كانت هناك تأويلات مقدمة من المؤسسة الرسمية في المغرب تحاول ان تلقي الضوء على طبيعة العلاقة. واعتقد بأن الخطابات الملكية كانت واضحة في ضبط العلاقة مابين هو سياسي وبين ماهو ديني، ولو ان الامر احيانا لم يقرأ بشكل سليم. كما ان الملك محمد السادس تحدث في الاستجواب الذي اشرت اليه في النص، والذي ادلى به للجريدة الاسبانية البايس عن كون الدولة في المغرب ليست علمانية. وكان هناك تصور سائد يرى ان النسق السياسي المغربي، يسير نحو احداث نوع من الفصل بين ماهو ديني وماهو سياسي ولو علي مستوى الفاعلين الفرعيين، اي الفاعلين الدينيين والفاعلين السياسيين في نفس الوقت، بحيث لا يتدخل الفاعل الديني في الحقل السياسي ولا يتدخل الفاعل السياسي في الحقل الديني. واعتقد ان احداث 16 ماي، فرضت تصورا آخر، بمعنى ان المؤسسة الرسمية في المغرب حاولت ان لا تحدث نوعا من التمييز بين ماهو ديني وماهو سياسي، ولكن ان تحدث نوعا من التمييز بين منزلة الفاعل الديني و دور هذا الفاعل. بمعنى هناك تمييز ليس بين الفعل الديني والفعل السياسي ولكن هناك تمييزا بين المنزلة وبين الدور، بحيث ان هذا الفاعل الديني ينبغي ان يحافظ على طبيعته كفاعل ديني، ولا يسمح لهذا الفاعل بأن يغير طبيعته، اي ان ينتقل من فاعل ديني إلى فاعل سياسي، ولكن يسمح له بلعب دور سياسي. معنى ذلك، ان الاستراتيجية الدينية الجديدة التي اعلن عنها الملك بعد 30 ابريل 2004، كانت تقتضي ان يلعب الفاعلون الدينيون ادوارا سياسية. وعندما نرجع للوثائق الاساسية التي صدرت عن وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية ومنها وثيقة دليل الامام والخطيب والواعظ، والتي تروم رسم مهام الأئمة والخطباء والواعظين كفاعلين دعويين، بحيث نجد ان هناك اصرارا على كون الامام والخطيب والواعظ لا تقتصر مهامهم على ما يسمى بالتنمية الروحية ولكن ينبغي لهم كذلك ان يؤمنوا بما اسمته الوثيقة بالتنمية الوطنية، بمعنى أن هناك عبارات ومصطلحات تشير بشكل واضح الي الدور السياسي الذي اصبح متطلبا من الفاعل الديني. كما ان هذه الاستراتيجية الدينية الجديدة جعلتنا امام ما اسميته بحقل ديني شبه مغلق، لأن الاعتقاد السائد هو ان استراتيجية 30 ابريل 2004 اسست لحقل ديني مغلق بحيث هناك تحكم في جميع الفاعلين، ولكن ماهو اساسي هو اننا بصدد محاولة تشكيل حقل ديني شبه مغلق. فمن جهة هناك إرادة للتحكم في الفاعلين الدينيين بحيث ان العلماء فقدوا استقلاليتهم من خلال إعادة هيكلة المجلس الاعلى للعلماء والمجالس العلمية المحلية، وتحويل رابطة علماء المغرب الى الرابطة المحمدية للعلماء، كما ان المفتين كذلك والذين يمارسون وظيفة الافتاء فقدوا وجودهم بشكل عام. حيث من الصعب الآن ان نتحدث عن مفتين مستقلين مادام ان هذه الاستراتيجية الدينية حصرت الافتاء فيما يسمى بالهيأة المكلفة بالافتاء داخل المجلس العلمي الاعلى. كذلك الحال بالنسبة للخطباء والوعاظ والائمة، وقد اشرت الى المقرر الصادر عن وزير الاوقاف والشؤون الاسلامية في 10 مارس 2006، والذي يحدد المواصفات والشروط المتطلبة في الإمام، بحيث يمكن ان نقول بأن عملية توظيف الإمام والخطيب أو الواعظ أصبحت تخضع لنفس الشروط ونفس المسطرة التي يخضع لها كل موظفي الدولة في المغرب. و لكن رغم هذه الرغبة في التحكم، نجد ان الدولة كانت عاجزة عن الاستغناء عن فاعلين دينيين كانت ترغب في اقصائهم او على الاقل عدم السماح لهم بالمشاركة في الحقل الديني، فنجد ان هناك رغبة في اضفاء مصداقية علي السياسة الدينية الجديدة بعد 30 ابريل 2004، حيث ان هذه السياسة انبنت اساسا على فكرة التقريب بين الخطاب الرسمي الديني والخطاب الديني الشعبي. لذلك نجد الآن بأن كثيرا من الفاعلين الدينيين الذين كانت الدولة ترغب في إقصائهم اصبحوا حاضرين وبقوة داخل الحقل الديني حاليا. وهكذا نجد داخل المجالس العلمية المحلية ممثلين عنهم، وطال الامر الائمة والخطباء في المساجد كذلك ممن ينتمون أصلا الى حركة التوحيد والاصلاح، وهناك من ينتمي او يتعاطف مع جماعة العدل والاحسان، اكثر من ذلك هنالك رموز للتيار السلفي الوهابي أصبحت حاضرة في الحقل الديني عكس ما يعتقد. بمعنى ان هناك الآن كما قلت حقلا دينيا شبه مغلق يطلب فيه من الفاعلين الدينيين ان يقوموا بدور سياسي. حينما نتحدث عن الفصل ما بين هو سياسي وماهو ديني، فذلك يفيد أنه لايسمح الآن للفاعل الديني ان يتحول الى فاعل سياسي،ولكن الاستراتيجية الدينية الجديدة لايمكن لها أن تنجح في المغرب حاليا الا اذا قام الفاعل الديني بأدوار سياسية. لذلك أحلت على الوثيقة الصادرة عن وزارة الاوقاف «دليل الامام والخطيب والواعظ» لأنها تعتبر وثيقة أساسية. كما أن هناك الكثير من الحوارات التي أدلى بها وزير الاوقاف تتحدث عن دور العلماء في إنجاح الخيار الديمقراطي في المغرب. بمعنى انه لايمكن إطلاقا للفاعلين الدينيين ان يساهموا في إنجاح الاستراتيجية الدينية اذا لم يقوموا بأدوار سياسية. لذلك فالوثيقة التي أشرت إليها واضحة لأنها تتحدث اولا عن كون القيمين الدينيين عليهم ان ينتقلوا من القيام بدور التنمية الروحية الى دور التنمية الوطنية. وأصبح يطلب من القيمين الدينيين ثانيا ان يأخذوا بعين الاعتبار في تعاطيهم مع الشأن الديني متغيرات المحيط الدولي، من أجل تقديم صورة عن إسلام متسامح معتدل الخ. اذن هذا فيما يتعلق بالمسألة الاولى التي أردت توضيحها، وهي انه حينما نريد ان نتحدث عن الفاعلين الدينيين بعد 16 ماي ونتحدث عن علاقة ماهو سياسي بما هو ديني، فالتمييز ليس على مستوى الفعل الديني والفعل السياسي، ولكن التمييز بين منزلة الفاعل الديني والدور الذي ينبغي ان يقوم به. واعطى هذا مثالا مستوحى من بعض التصريحات التي أدلى بها وزير الاوقاف تتعلق بإمكانية السماح لخطباء المساجد مثلا بالترشيح في الانتخابات، ولكن اذا أراد الخطيب او الامام ان يترشح للانتخابات عليه ان يختار بين دور الامامة او دور النيابة في المجالس المنتخبة. بمعنى أنه يسمح للفاعل الديني ان يتحول الى فاعل سياسي شريطة ان يفقد ماهيته كفاعل ديني. ولكن أن يجمع بين صفته كفاعل ديني وبين اعتباره فاعلا سياسيا، فالاستراتيجية الدينية لاتسمح بذلك. ولكن كما قلت هناك تركيز واضح على أن الاستراتيجية الدينية الجديدة لايمكن ا ن تنجح الا بفاعلين دينيين يقومون بأدوار سياسية. هذه هي المسألة الاولى التي أردت ان أوضحها من خلال هذه المداخلة. المسألة الثانية تتعلق بما أسميته la politisation imposée التسييس المفروض، معناه ان اكراهات 16 ماي 2003 فرضت على الفاعلين الدينيين، ان يؤمنوا أدوارا سياسية او ان شئتم ان يؤمنوا حاجيات سياسية متطلبة في المرحلة الراهنة. وهو القسم الثاني من المداخلة بعنوان Acteurs religieux et satisfaction des nouveaux politiques besoins بمعني ان الفاعلين الدينيين الآن يطلب منهم ان يؤمنوا الحاجيات السياسية الجديدة المرتبطة بالمرحلة وهنا أشرت الى أمرين أساسيين وهما: الامر الاول يتعلق بحاجة المؤسسة الرسمية الى شرعنة دينية وهذه الشرعنة لايمكن ان يؤديها الا فاعلون دينيون واشرت الى دور الفاعل الصوفي والفاعل السلفي. طبعا عندما أتحدث عن الفاعل الصوفي لا أريد من خلال ذلك ان أرجع الى التاريخي ولكن فقط أشرت الى أنه بعد الاستقلال أصبحت الصوفية الى حد ما تشكل دعامة للخيار الرسمي. بمعنى آن الاسلام الرسمي الذي هو إسلام علماني بطبيعته تستجيب له الصوفية كخيار. وبعد أحداث 16 ماي ، كما قلت، أعادت الدولة النظر في طبيعة علاقتها بالتيار الصوفي. لا أريد أن أتحدث عن المكونات الجديدة التي طرحت في الخطاب بعد 16 ماي حول العقيدة الاشعرية والمذهب المالكي والتصوف على طريقة الجنيد كما أشار الى ذلك وزير الاوقاف، ولكن أقول بأنه كانت هناك مراهنة على التصوف باعتبار ان هذا التصوف يمكن له ان يؤمن الحاجيات الجديدة للمؤسسة الرسمية على مستوى الشرعنة. وهنا تحدثت عن رمز أساسي للصوفية في المغرب وهي الطريقة البوتشيشية وفسرت لماذا خرجت هذه الطريقة في صيف سنة 2005، عندما أدلت نادية ياسين بتصريحات لبعض الصحف حول المؤسسة الملكية، لأول مرة الشيخ حمزة كصوفي بعيد عن السياسة يخرج عن صمته ويصدر بيانا يندد فيه بكل من ينتقد الملكية ويعتبرها حمت المغرب وحافظت على وحدة المغاربة. بمعنى آخر، هذا البيان في نظري يلخص ويختزل الدور الذي أصبح مطلوبا من الصوفية ان تؤديه في مرحلة ما بعد 16 ماي، نفس الدور يؤديه الآن الفاعل السلفي باتجاهيه. لأنه الآن كما قلت، عندما خاضت الدولة الحرب ضد السلفية هي خاضتها ضد توجه داخل التيار السلفي وهوما يسمى بالاتجاه السلفي الجهادي . في حين ان الدولة بعد 16 ماي استعانت برموز السلفية الوهابية او السلفية التقليدية، سواء داخل المجالس العلمية او حتى في تنشيط الحقل الديني. التيار السلفي ليس مقصيا كما يعتقد الكثيرون، هناك اتجاه محدد وهو الاتجاه السلفي الجهادي وهذا التيار يطرح اشكالات هنا في المغرب لأنه حتى الذين يعتبرون سلفيين جهاديين ويوجدون داخل السجون يتبرأون من العنف ويدافعون عن المؤسسة الملكية. بمعنى ان التيار السلفي باتجاهيه يؤمن هذه الشرعنة الدينية للمؤسسة الملكية ولو ان السلفيين يؤمنون هذه الشرعنة بطريقة أخرى. ونلاحظ ان هناك معركة الآن بين السلفيين لابراز ولائهم للمؤسسة الملكية، فهؤلاء السلفيون يركزون في أنشطتهم على مواجهة جماعة العدل والاحسان، سواء على المستوى العقدي حيث ينتقدون التوجه الصوفي لجماعة العدل والاحسان ولكن في نفس الوقت هناك تركيز على الجانب السياسي بحيث ان كثيرا من السلفيين التقليديين ينتقدون ويؤاخذون عبد السلام ياسين لكونه يقول بالخروج على الامام الخ. وأشرت الى كتاب احد السلفيين الصادر مؤخرا وهو بنصالح الغربي «إرشاد الحائرين» والذين من خلال قراءته يمكن أن نأخذ فكرة عن الدور الجديد الذي اصبح مطلوبا سواء من الفاعل الصوفي أو من الفاعل السلفي. الامر الثاني ويتعلق دائما بتأمين الحاجيات السياسية الجديدة له ارتباطا بالفاعل الاسلامي، واعتقد بأنه لم يكن الفاعل الاسلامي أقرب الى السلطة ولم تكن السلطة اقرب الى الفاعل الاسلامي اكثر مما هو عليه الحال في هذه اللحظة. معنى ذلك، انه قبل أحداث 16 ماي يمكن ان نتحدث عن حسابات كانت مستحضرة من قبل السلطة في تعاملها مع الفاعل الاسلامي بالخصوص، ولكن بعد احداث 16 ماي أدركت الدولة بأن الاتجاه السلفي الجهادي بشكل عام من شأنه ان يزرع فكرا متطرفا وان الاسلاميين بإمكانهم ان يقوموا بدور أساسي في احتواء فكر او ايديولوجيا العنف. بشكل عام، حاولت من خلال هذا النص ان ألقي بعض الاضواء على مسألتين اساسيتين، الاولى ينبغي علينا ان نعيد النظر فيما يقال عن فصل ماهو ديني عن ماهو سياسي بعد احداث 16 ماي، وفي الثانية يجب ان نعيد النظر فيما يقال عن التباعد الموجود بين الفاعلين الدينيين خاصة الفاعلين الحركيين من جهة والسلطة من جهة أخرى. مناقشة محمد العيادي التفجيرات الارهابية المتزامنة التي نفذت يوم 16 ماي 2003 في أربعة أماكن مختلفة في الدار البيضاء من طرف مجموعة تكفيرية قادمة من حي هامشي بالمدينة، تشكل حدثا بارزا في حياة التيار الاسلامي بالمغرب. انها تسجل دخول الحركة الجهادية والتكفيرية للساحة السياسية بالبلاد، وتكشف في نفس الوقت احد اوجه الاسلام السياسي اليوم. فالتيار الاسلامي في المغرب كان مقتصرا حتى الآن على تعبيرين سلميين: اصلاحي ومع الشرعية يمثله حزب العدالة والتنمية، وراديكالي احتجاجي تمثله جماعة العدل والإحسان. وهجمات الدار البيضاء وسعت مجال الحركات الاسلامية بالمغرب. البلد الذي أصبح في مواجهة التطرف الديني في تعبيراته الاكثر عنفا. ومنذ ذلك تم اكتشاف وتفكيك عشرات الخلايا الجهادية، وكل موجة من الاعتقالات تكشف حصيلتها من التنظيمات الجديدة المستعدة للتحرك: أنصار المهدي، جماعة التوحيد والجهاد. حزب التحرير الاسلامي... هذا المكون الجديد للمشهد الاسلامي بالمغرب يثير عنصرين اساسيين: العنصر الاول يتعلق بالبعد الخارجي للحركات الجهادية المغربية. والعنصر الثاني له طبيعة ايديولوجية وهو على علاقة بدخول الوهابية في الحقل الايديولوجي للتيار الاسلامي بالمغرب. فيما يخص العنصر الاول، هناك علاقات ثابتة بين بعض المنظمات التي تم اكتشافها مؤخرا بالمغرب او بعض قادتها الميدانيين مع تنظيمات جهادية خارجية مثل التنظيم الجزائري، الجماعة السلفية للدعوة والقتال او قاعدة الجهاد الاسلامي في بلاد الرافدين بزعامة ابو مصعب الزرقاوي، او الجماعة الاسلامية المغربية المقاتلة وهو التنظيم الذي بايع اسامة بن لادن وتنظيم القاعدة. وهذا البعد «الدولي» للتنظيمات الجهادية المغربية هو احد مميزات هذا الوافد الجديد على ساحة الاسلام السياسي بالمغرب الذي ظل حتى الان محليا ووطنيا. وتورط بعض عناصر الشتات المغربي في اهم بؤر الجهاد اليوم، في افغانستان ولا سيما في العراق وفي اهم التفجيرات الارهابية التي وقعت في هذه العشرية الاولى من القرن 21 في العالم ، في الولايات المتحدة (11 شتنبر 2001) في مدريد (11 مارس 2004 ) في مدينة الظهران بالسعودية (2006) وفي غيرها، هو احد مؤشرات هذا البعد الدولي للجهاد المغربي. وتشكل الايديولوجية الوهابية العنصر الثاني المميز لهذه الحركات الجهادية، فالوهابية ذات المرجعية الفقهية الحنبلية تتميز بصرامتها وقراءتها النصية للقرآن. فالوهابية التي ظلت هامشية ومحدودة في المغرب و خاصة مطبوعة بطابعها الورعي وغير السياسي في الخمسينات والستينات من القرن الماضي (حالة تقي الدين الهلالي) وستتقوى الوهابية في المغرب في سنوات الثمانينات و التسعينات من القرن الماضي من خلال تأسيس شبكة من المدارس لتعليم القرآن، تؤطرها جمعيات ذات ولاء وهابي مثل جمعية الدعوة للقرآن والسنة بزعامة الشيخ المغراوي (تأسست سنة 1976) هذا الشيخ الوهابي القريب من العربية السعودية الذي استفاد من ريعها المالي، كان وراء شبكة من المدارس القرآنية فاقت المائة، موزعة عبر مدن المغرب، هذه الوهابية الورعة وغير المسيسة ستصبح مسيسة ومتطرفة في اواسط التسعينات من القرن الماضي مع ميلاد الوهابية الجهادية في اعقاب الانشقاق داخل الحركة والتعارض مابين شيخين وتيارين داخل الوهابية: محمد بن عبد الرحمن المغراوي، والوهابية التقليدية من جهة، ومحمد الفيزازي والوهابية الجهادية من جهة اخرى، هذا الانشقاق داخل الوهابية بالمغرب هو ترجمة محلية للانقسامات داخل التيار الوهابي السعودي بين الوهابية التقليدية للعائلة الحاكمة والوهابية المتمردة لأسامة بن لادن. ومن ثم شهد التيار الاسلامي المغربي تنوعا على المستوى المذهبي والفقهي في الوقت الذي لم يكن التنوع الذي يميز الحركات الاسلامية بالمغرب حتى الان يرتكز سوى على مواقف ايديولوجية وسياسية خاصة بكل حركة اسلامية. فالوهابية استخدمت كمرجع عقائدي لشبكة الجماعات الجهادية النشيطة في تسعينيات ونهاية القرن الماضي، لا سيما في الاحياء الهامشية لمدينة الدار البيضاء والمدينة العتيقة بفاس وسيدي الطيبي ومكناس وطنجة وتطوان... وفي العديد من مناطق المغرب التي تعرف انقلابا امنيا وانحرافا كبيرين. وهذه الارضية هي التي احتلها شيوخ الوهابية مثل عبد الوهاب رفيقي (ابو حفص) ، ومحمد الفيزازي وعبد الكريم الشادلي وعمر حمدوش وغيرهم من امثال حسن الكتاني والجماعات التكفيرية المحلية مثل جماعة التكفير والهجرة وجماعة الصراط المستقيم وجماعة اهل السنة والجماعة والعديد من الجماعات التكفيرية الاخرى. (تابع ص: 6) مفاجأة 16 ماي السلطات العمومية كانت تسمح بأنشطة الجماعات الوهابية لأنها كانت تعتبرها غير مسيسة، بامكانها مواجهة نفوذ التيار الاسلامي الاحتجاجي لجماعة العدل والاحسان ولانها مقبولة كجماعات أمن وتخليق من طرف السكان ضحايا الانحراف واللاأمن اليومي، وبالتالي فإن التيار الوهابي تغلغل في المجتمع المغربي ولاسيما في المناطق الهامشية للمدن الكبرى وفي الاحياء العتيقة وفي دور الصفيح، حيث خرجات مجموعات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والخرجات العقابية الليلية التي يقودها شيوخ على رأس شبان نشيطين من بينهم منحرفون سابقون ثابوا، واصبحت هذه الممارسات عادية ومتكررة. وفي ذلك الوقت كان العنف الاسلامي على أشده في والجزائر، وكانت الطبقة السياسية المغربية مرتاحة في ابراز سلمية المجتمع المغربي والاسلامي السياسي بالمغرب. من جانبه كان ملك المغرب آنذاك، يبرز الوجه الديني لشخص الملك ويقدم الملكية المغربية كملجأ ضد التطرف الاسلامي في المنطقة. لكن انتحاريي 16 ماي كذبوا هذه الفرضيات بتقديم الدليل على أن التيار الجهادي التكفيري في صيغته المغربية، مثله مثل التيار الجهادي العالمي تبنى نفس الافكار ونفس الاساليب. وفي بيان تكفيري وزع قبل بضعة ايام من انفجارات 16 ماي نقرأ مايلي. «ان نساءكم واطفالكم غنيمة لجيش الله» وهكذا، باسم الاسلامي تم اعلان الحرب على المجتمع المغربي الذي تعتبره مجتمعا كافرا. والنظام السياسي للبلد يوصف بدوره لكل اوصاف الكفر ويصنف ضمن الانظمة الاستبدادية الكافرة التي يتوجب اسقاطها. فأحداث 16 ماي كانت أولا مفاجأة كبرى، سواء بالنسبة للسلطات العمومية او بالنسبة للطبقة السياسية التي اكتشفت تطرفا دينيا في شكل لم تكن تشك في وجوده بالمغرب،إلى أن اختار هذا الاخير الانتقال الى العمل الارهابي. اما سكان الطبقات الفقيرة فقد كانت متعودة على انظمة السلفية الجهادية منذ ما يزيد عن عشر سنوات، وقد كانت شبكة من الائمة الوهابيين البارزين يجوبون اطراف البلد خلال هذه الفترة، يعطون الدروس والخطب امام حضور اغلبهم شباب في كل مرة يزيد عدده، من جانبها كانت الصحف والمجلات تنقل عبر صفحاتها انشطة هؤلاء الخطباء الذين اصبحوا نجوما بالنسبة لوسائل الاعلام التي تتسابق لنقل تصريحات واستجوابات عدد من الخطباء الذين تقدمهم كمنظرين للسلفية الجهادية بالمغرب، حسن الكتاني، عبد الوهاب رفيقي، محمد الفيزازي، عبد الكريم الشادلي، عمر حمدوشي... وحتى النشطاء الجهاديون مثل زكريا الميلودي او يوسف فكري. حتى في السجن، كانوا ايضا يجدون الوسيلة للتعبير عن افكارهم على صفحات هذه الجرائد. وهكذا كانت افكار ومشاريع السلفيين الجهاديين تنشر على صفحات الجرائد المغربية بل وحتى على شاشات القنوات الفضائية (محمد الفيزازي على قناة الجزيرة) وبالتالي فإن مفاجأة ودهشة الطبقة السياسية في اعقاب الاعمال الارهابية بالدار البيضاء لا يمكن الا ان تثير الدهشة والمفاجأة لدى المراقبين العارفين بواقع التيار، الاسلامي بالمغرب. الفاعلون الدينيون في الحقل السياسي يشكل تعدد الفاعلين الدينيين في الحقل السياسي احد مميزات هذا الحقل اليوم في المغرب. فالامام والفقيه والزاوية كانوا اهم الفاعلين الدينيين في الحقل السياسي في الماضي. وانضاف الى هؤلاء الفاعلين الثلاثة مع مرور الوقت خطباء وجمعيات وتنظيمات واحزاب سياسية ذات طبيعة دينية. والاتجاه إلى هيمنة الملك على الحقل الديني كأمير للمؤمنين او الرغبة في «اقامة حقل ديني شبه مغلق» واعداد سياسة عمومية في المجال الديني تحت اشراف وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية، ليست وليدة اليوم وليست مرتبطة باحداث 16 ماي 2003 في الواقع، مع هذه الاحداث نشهد تأكيد الاتجاه إلى الهيمنة على الشأن الديني من طرف الملك، وتحسين السياسة العمومية في هذا المجال على ثلاث مستويات اساسية: المستوى المؤسساتي ومستوى السياسة العمومية والمستوى الايديولوجي. مفهوم الملك أمير المؤمنين، جواب على التيار الاسلامي النقاش العمومي حول المسألة الدينية بالمغرب منذ ميلاد وتطور الحركات السلفية في هذا البلد، ركز على مسألة وزن الاسلاميين في المشهد السياسي. نقاش تصاعد مع اضفاء الشرعية السياسية على التيار الاسلامي والنتائج الانتخابية القوية التي حققتها حزب العدالة والتنمية لا سيما في الانتخابات التشريعية لسنة 2002. وبعلاقة مع هذه القضية طرحت اشكالية العلاقة بين السياسي والديني في دولة تدعي انها غير علمانية. وفي خطاب القاه امام اعضاء المجالس الجهوية للعلماء يوم 2 فبراير 1980 قال الملك الحسن الثاني: «صحيح ان الحكومة والعلماء يشكلون عائلة واحدة، فالدين والعالم الدنيوي متداخلان. ويوم ستفصل دولة مسلمة الديني عن الدنيوي، في ذلك اليوم، اذا ما حدث، سيجوز ان نترحم مسبقا على هذه الدولة». والملك محمد السادس اكد هذا التصور للدولة في اعقاب تنصيبه على العرش وطرحت من جديد المسألة الدينية، لكن هذه المرة بحدة في اعقاب احداث 16 ماي وظهور التطرف الارهابي بوضوح في المسرح السياسي للمغرب. واصبح الملك مدعوا من جديد الى إعادة تحديد علاقة السياسي والديني ووظيفة امير المؤمنين في دولة تصنف نفسها غير علمانية. وخصص الملك محمد السادس في خطب (29 ماي 2003، 30 ابريل 2004 و 30 يوليوز 2004) اساسا للمسألة الدينية واشكالية علاقة السياسي والديني. يقول الملك «يجب أن يتم الفصل بوضوح بين الديني والسياسي، وبالنظر الى قدسية المسلمات التي يحملها الدين والتي يجب ان تكون في مأمن عن كل خلاف او تنازع، ومن ثم ضرورة مواجهة اي استعمال للدين لاهداف سياسية (خطاب 30 ابريل 2004)» من جهة أخرى يؤكد محمد السادس انه «في ظل الملكية الدستورية المغربية، الدين والسياسة لا يجتمعان إلا في شخص الملك. امير المؤمنين (خطاب العرش 30 يوليوز 2004 ) و يعطي قانون الاحزاب السياسية الصادر بظهير 1 - 06 - 18 بتاريخ 14 فبراير 2006 يعطي اطارا قانونيا لهذا الفصل بين السياسي والديني وينص في فصله الرابع على الغاء أي تأسيس لحزب سياسي على أساس ديني..» وهو الشرط الذي سيجبر حزب العدالة والتنمية الى مراجعة قوانينه التأسيسية حتى يتلاءم مع القانون الجديد ويبتعد عن تصنيفه كحزب ديني. حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والاصلاح، نحو إعادة توزيع الادوار حزب العدالة والتنمية الذي التزم لفترة، موقفا دفاعيا امام الهجمة التي تعرض لها سواء داخل الدولة او في أوساط الطبقة السياسية في أعقاب العمليات الارهابية لسنة 2003، نجح بعد ذلك في استعادة زمام المبادرة كفاعل سياسي إسلامي شرعي يعلن ولاءه اللامشروط لإمارة المؤمنين، يضفي الشرعية على هويته ونشاطه من خلال بنود دستور البلاد الذي يعتبر المملكة المغربية «كدولة اسلامية» والذي ينص في فصله السادس أن «الاسلام هو دين الدولة». والبنية المزدوجة للحركة سمحت للفاعلين فيها في نفس الوقت بالعمل الدعوي من خلال حركة التوحيد والاصلاح، و بالعمل السياسي في إطار حزب العدالة والتنمية. والمعطى السياسي الجديد الذي نشأ عقب 16 ماي أدى بالحركة الى التوجه نحو نوع من التخصص لدى أطرها. بعضهم أكثر نشاطا في المجال الدعوى، بينما آخرون يحتلون مجال العمل السياسي، مما مكن حزب العدالة والتنمية ان يتلاءم مع قانون الاحزاب الجديد الذي تم اعتماده في سياق احداث 16 ماي 2003 . توزيع الادوار والمهام بين البنيتين ليس كاملا تماما بحيث ان أهم زعماء الحركة مازالوا يحملون الصفتين الدعوية داخل حركة التوحيد والاصلاح، والسياسية داخل حزب العدالة والتنمية، والاعلان عن إصدار جريدة ناطقة باسم حزب العدالة والتنمية في أفق انتخابات 2007 يسير في اتجاه هذا التخصص والتمييز بين عمل حركة التوحيد والاصلاح بأجهزته الخاصة، خاصة جريدة «التجديد» وعمل حزب العدالة والتنمية كحزب سياسي ببنياته وأجهزته الخاصة لاسيما في مجال الصحافة. العدل والاحسان: تأكيد مبدأ اللاعنف، ولكن دائما الخلافة على الطريق النبوي بالنسبة للحركة الاسلامية العدل والاحسان، الامور مختلفة ولم تتغير بعد 16 ماي، إنها حركة تعارض شرعية الملكية وتهدف الى استبدالها بخلافة سيرا على النهج النبوي، والاعتراف بشرعية الملكية هو الشرط الذي تضعه السلطة لإضفاء المشروعية على الحركة وتحولها المحتمل الى حزب سياسي شرعي . لكن جماعة العدل والاحسان رفضت دائما التنازل حول هذه النقطة باستمرارها تجسيد المعارضة الاسلامية العنيدة للملكية، والتي لم تتخل عن أهدافها وعن سيناريو «القومة». هذا العنصر يميز العدل والاحسان عن حزب العدالة والتنمية ويشكل بالتالي خصوصيتها في مشهد الحركات الاسلامية بالمغرب. والبنيات الداخلية للجماعة هي بنيات وضعت من طرف الحركة قبل أحداث 16 ماي 2003، وهي بنيات تستجيب لتنظيم تقدمه الجماعة كنوع من التخصص حسب كل مجال لنشاطها. والدائرة السياسية للجماعة كنوع من التخصص حسب كل مجال لنشاطها. والدائرة السياسية للجماعة هي جزء من هذه البنيات ولايعني أي فصل بين السياسي والديني في عقيدة العدل والاحسان،وموقف النظام من عبد السلام ياسين وجماعته لم يتغير بعد أحداث 16 ماي. و أعضاء الجماعة لم يتعرضوا للمضايقة في إطار الاعتقالات التي تلت تفجيرات الدار البيضاء، وانشطتها مازالت مسموحة في الحدود التي رسمتها السلطات. ويبدو ان قيادة الجماعية تتحرك في إطار هذه الحدود وتتحاشى حتى الآن المواجهة مع السلطة. وهي بذلك تضمن الحد الادنى لتواجدها وظهورها وتتحاشى في نفس الوقت بطش السلطة التي أظهرت قدراتها الاستئصالية بمناسبة الحملة ضد السلفيين الجهاديين. وأحداث 16 ماي كانت بالنسبة للجماعة بالخصوص مناسبة للتذكير باثنين من شعاراتها: الاستقلالية تجاه الخارج ورفض العنف. السلفية وعولمة الجهاد أحداث 16 ماي 2003 بالدار البيضاء تشكل بداية تحول راديكالي في وضعية السلفية الوهابية بالمغرب. هذا التحول يهم من جهة موقف السلفيين الجهاديين تجاه الدولة المغربية ومن جهة أخرى موقف السلطات العمومية المغربية تجاه السلفية الوهابية. على المستوى الاول تسجل تفجيرات الدار البيضاء تحولا راديكاليا في الاستراتيجية الارهابية للسلفيين الجهاديين المغاربة. فبعد أن كان الجهاد يقتصر على محاربة «الكافر» في «أراضي الاسلام»، في افغانستان والبوسنة والشيشان وغيرها. خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، يوسع الجهاديون المغاربة اليوم عملهم ليشمل المغرب. وبخلاف الحركة الجهادية المصرية التي كانت في البداية وطنية قبل ان يتم تصديرها وتصبح دولية، فإن الحركة الجهادية المغربية كانت دولية في البداية ثم أصبحت محلية ووطنية مع تفجيرات 16 ماي. والدولة المغربية، الى جانب دول اسلامية أخرى، التي كانت متساهلة وربما متواطئة مع الحركة الجهادية الدولية عندما كان تجنيد «مقاتلي الايمان» يتم في واضحة النهار فوق أراضيها، وعندما كانت اموال دعم الجهاد تمر عبر شبكات ابناكها، وجدت نفسها في مواجهة استراتيجية الجهاد الدولي فوق أراضيها. وجغرافيا الجهاد الدولي التي أصبحت تتسع أكثر فأكثر تمثل عولمة للإرهاب لايستثني أي بلد بما فيها الدول والبلدان الاسلامية التي كانت تعتقد أنها في منأى عن هذه الظاهرة. تفجيرات 16 ماي 2003 تمثل أيضا تحولا في موقف السلطات المغربية تجاه السلفية الوهابية يترجم عبر مواجهة «العقائد الاجنبية» وكذا عبر إبراز وتشجيع «الاسلام المغربي» وتحييد النشطاء الجهاديين والائمة البارزين للسلفية الوهابية عقب التفجيرات الارهابية ل 16 ماي 2003، ترافق مع وضع وتنفيذ سياسي متعددة الابعاد بقيادة وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية لفائدة اسلام محلي مرادف لهوية دينية وطنية. ويمكن ان نقرأ في الموقع الالكتروني لوزارة الاوقاف أنه «منذ الانفصال السياسي للمغرب عن العباسيين سنة 172 للهجرة، عاش المغرب وحدة سياسية مكنت من أن تكون له وحدة ايديولوجية وعقائدية. هذه الوحدة تظهر في تبني المغرب طيلة تاريخه للعقيدة الاشعرية والمذهب المالكي والطريقة الصوفية ، ويختم كاتب الموقع بالقول ان العقيدة الاشعرية والمالكية والصوفية تشكل جزءا من الهوية الثقافية والاجتماعية للمجتمع المغربي. وتؤكد وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية نفسها كفاعل استراتيجي في وضع وتنفيذ هذه السياسة الدينية للدولة المغربية، وارتفعت ميزانيتها بشكل مهم بعد تفجيرات الدار البيضاء. والوزير المكلف بهذا القطاع يظهر كذلك كمنظر لهذا «الاسلام المغربي» الذي يريد ان يكون تاريخيا وفي نفس الوقت متماشيا مع الاختيارات السياسية للمغرب العصري. سياسة عمومية في خدمة الهيمنة على الحقل الديني الاتجاه نحو الهيمنة في المجال الديني من طرف الدولة تأكد بشكل صارم بعد تفجيرات 16 ماي 2003، ففي خطابه يوم 30 ابريل 2004 المخصص للمسألة الدينية. يتحدث محمد السادس عن وضع وتنفيذ استراتيجية مندمجة شاملة ومتعددة الابعاد، هدفها هو «إعطاء دفعة وتجديد الحقل الديني من أجل تحصين المغرب ضد مغامرات التصرف والارهاب» والاجراءات التي اتخذت في هذا الاتجاه متعددة وتهم بالخصوص: - إعادة هيكلة وتجديد مجالس العلماء - تعويض رابطة علماء المغرب القديمة بالرابطة المحمدية للعلماء الجديدة. - مأسسة الفتوى التي أصبحت من اختصاص الدولة وضمن المجال الخاص للمجلس الاعلى للعلماء تحت سلطة الملك أمير المؤمنين. - وضع سياسة لتكوين الفقهاء. - اتخاذ اجراءات صارمة لتوظيف ومراقبة القيمين على الشؤون الدينية. - احتلال المجال الاعلامي من خلال اطلاق إذاعة للقرآن وقناة تلفزية موجهة خصيصا لإبراز الاسلام الرسمي. - إطلاق برنامج لتجهيز المساجد بشاشات تلفزية تنقل الخطب الدينية الرسمية في أماكن العبادة. - القضاء على أماكن العبادة غير المهيكلة وإعداد خريطة وطنية للمساجد مراقبة كليا من طرف السلطات العمومية. - إقرار تشريع صارم لاسيما فيما يخص الاستثمار الخاص في بناء المساجد. العلماء فاعلون منتدبون للسياسة الدينية للدولة العلماء هم الفاعلون الاساسيون لعمل الدولة في المجال الديني. وهم مدعون للعمل في إطار الاختيار المذهبي للدولة وأيضا هم مكلفون بمهمة واضحة ومحددة من طرف السلطات العمومية بعد تفجيرات 16 ماي والمتمثلة في محاربة «التيارات الدينية الدخيلة» . وهذا الطلب من جانب الدولة تجاه العلماء لايقتصر على البعد الروحي، بل يتعداه الى أبعاد سياسية داخلية وخارجية تبرز «تصورا معتدلا ومتسامحا للاسلام المغربي». ويتعلق الأمر هنا بدور سياسي منوط بالعلماء يجعل منهم مندوبين مكلفين بتنفيذ السياسة الدينية للدولة. هل يتعلق الامر هنا بتغيير في الوضع السياسي للعلماء؟ ام بدور فرضته الظرفية منذ مجيء الفاعل الاسلامي الاحتجاجي الى الساحة السياسية الوطنية؟ صحيح ان الاستراتيجية الدينية الجديدة للدولة لاتحرم الفاعل الديني، أي العلماء، من الاضطلاع بأدوار سياسية، بينما تمنع عليه التحول الى فاعل سياسي. لكن لابد من توضيح ان منح هذا الدور للعلماء ليس وليد احداث 16 ماي 2003 ولكنه يعود إلى التسعينيات من القرن الماضي في وقت اصبح الاسلام السياسي منافسا للملكية في الميدان الديني. فخلال اجتماع بمراكش يوم 2 فبراير 1980 خاطب الملك الحسن الثاني رؤساء واعضاء المجالس الجهوية للعلماء بالكلمات التالية: «لا أعرف علماءنا الاجلاء، لمن أو لماذا، لكم أنتم، ام للإدارة، ام للسياسة ام للبرامج، يعود سبب غيابكم عن الممارسة المغربية اليومية؟ (...) يمكن ان أؤكد أنكم أصبحتم «أجانب»(...) أيها السادة إننا نؤدي جميعا... ثمن هذا الغياب. أنتظر منكم ان تكونوا ليس فقط أساتذة تنشرون المعرفة ولكن ايضا منشطين لحلقات فكرية (...). بعد ذلك بسنتين يوم 14 يوليوز 1982 بمناسبة افتتاح اشغال الدورة الاولى للمجلس الاعلى لعلماء المغرب، أوضح الحسن الثاني اكثر الدور السياسي الذي تريد الدولة من علمائها الاضطلاع به في ظرفية منافسة سياسية مع الاسلاميين، يقول الملك «إن عملكم يجب ان يتمثل اولا وقبل كل شيء في ابعاد كل ما من شأنه ان يبعد عن العقيدة ويبعد المؤمنين من مكارم دينهم (...) اذن عليكم ابعاد الشر وبعد انجاز هذه المهمة يتوقف عملكم هنا حتى تتفادوا ان تتكون لا شعوريا فكرة قيام كهنوت، بينما ديننا يرفض هذا التنظيم، فلا كهنوت في الاسلام». وفي الاستراتيجية الدينية للدولة اليوم، فإن هذا الدور السياسي هو المطلوب من العلماء القيام به. والمجلس الاعلى و المجالس الجهوية للعلماء التي تشكل بنيات تأطير العلماء التي وضعت في سنوات الثمانينيات من القرن الماضي، تم تجديدها وإعادة هيكلتها لتلعب هذا الدور، ايضا تم إشراك مندوبيات وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية (نظارة الاحباس) التي زاد عددها وتم تجديد مسؤوليها في أعقاب تفجيرات 16 ماي. ورابطة علماء المغرب (التي تأسست سنة 1961 في إطار قانون الجمعيات) التي كانت تتمتع باستقلالية نسبية تجاه السلطات العمومية والتي كان من المفترض أن تدافع عن مصالح الفقهاء والعلماء امام هذه السلطات، عهد اليها هي ايضا بدور في السياسة الدينية الجديدة للدولة بعد ان تم تغيير اسمها ووضعها القانوني، حيث اصبحت هيئة تابعة للدولة برئاسة موظف سام بوزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية. مراقبة اماكن العبادة من خلال التأطير العقدي للمؤمنين يوميا شهد بدوره دفعا ملحوظا في أعقاب تفجيرات 16 ماي من خلال مطاردة الفقهاء غير «المذهبيين »المستقلين او المرتبطين بتيارات اسلامية احتجاجية من جهة ومن جهة أخرى من خلال ضخ فقهاء وخطباء حديثي التكوين ضمن قنوات الاسلام الرسمي. فالاتجاه نحو هيمنة الملكية على الحقل الديني ليس واقعا جديدا مرتبطا بأحداث 2003،بل على العكس فهو معطى قديم ناتج عن بروز وتطور الحركات الاسلامية في سنوات السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، هذا الاتجاه يتعزز أكثر اليوم مع الظرفية السياسية الجديدة حيث الاتجاه الاسلامي يكتسي أبعادا بالغة التنوع والتطرف ودور العلماء يفهم في هذا الاطار. فالعلماء رجال دين وأيضا موظفون في إدارة عمومية وبالتالي فهم طبيعيا، في خدمة السياسة الدينية للدولة والملك بصفته أمير المؤمنين هو السلطة العليا في هذا المجال، وبهذه الصفة فهو رئيس المجلس الأعلى للعلماء. والعلماء من جهتهم وكيفما كانت درجتهم أو وظيفتهم هم مفوضون من هذه السلطة، مكلفون بنقل العقيدة الدينية الرسمية وتطبيقها في مجال افتحاصهم على كل المستويات، سواء في مستوى حماية العقيدة أو تأطير المؤمنين أو محاربة العقائد التي يحملها الخصوم السياسيون والدينيون. وتفجيرات 16 ماي 2003 لم تكن في هذا الاطار سوى حدثا مأساويا كشف من جهة الاختلالات في تدبير الشأن الديني، ومن جهة أخرى دفع السلطة العمومية إلى تسريع وتحسين سياستها العمومية في المجال الديني في السابق بتوفير الوسائل المالية الضرورية التي لم تكن متوفرة لوزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية المكلفة بتنفيذ هذه السياسة. هذه الوزارة ومن يحمل مسؤولية تسييرها أصبحوا منذ تلك الأحداث كفاعلين استراتيجيين لايوازيهم سوى الجهاز الامني الدي عاد بدوره إلى الواجهة فى أعقاب أحداث 16 ماي 2003 وبروز التهديد الارهابي الاسلاموي على التراب المغربي. والملاحظ في هذا الصدد، أن دور وزير الاوقاف والشؤون الاسلامية الحالي في ظل حكم محمد السادس كممثل شرعي للوجه الديني للنظام يبدو دورا يندرج في سياق تقليد ملكي قديم يعود بالنسبة للعائلة الملكية الحاكمة حاليا إلى القرن 13 على الأقل في عهد السلطان محمد بن عبد الله، الذي كانت توجد ضمن حاشيته سلطة دينية ذات مكانة وفية يمثلها الفقيه تاودي بن سودة، ويبدو أن السلاطين مولاي حفيظ ومولاي يوسف، محمد الخامس، الحسن الثاني ومحمد السادس يسيرون على نفس النهج باختيار كل واحد لشخصية ذات مكانة وموالية لعقيدة السلطان. فالفقهاء الوزراء أبو شعيب الدكالي، مولاي العربي العلوي ،عبد الكبير المدغري،واحمد التوفيق يؤكدون استمرارية هذا التقليد بالنسبة لعائلة ملكية أبرزت بالأمس كما اليوم، مصادر شرعيتها الدينية واحتواء ومواجهة خصومها لاسيما الذين ينافسونها في الهيمنة على المستوى الديني. الزوايا مع الشرعية ولا سياسية قبل وبعد 16 ماي 2003 شكلت الزاوية فاعلا دينيا وسياسيا أساسيا في المغرب ما قبل الاستعمار، تم تغيير دورها السياسي كليا مع الاستعمار ،تم مع الدولة الوطنية مستقلة ونشيطة على الساحة السياسية للمغرب التقليدي، أصبحت الزاوية فاعلا دينيا سلبيا وتابعا للدولة الاستعمارية أولا ثم الدولة الوطنية فيما بعد، فهي ليست فاعلة على الساحة السياسية الحالية بالبلاد، ويقتصر تعبيرها في هذا المجال في ولائها الثابت للملكية، ونشاطات الزاوية تقلصت إلى الجوانب الدينية، وهي نشاطات مراقبة كليا من السلطات العمومية. والقصر من جانبه يحتفظ بروابط رمزية مع بعض العائلات الكبيرة المنحدرة من الأولياء (الكتانيين، الوازانيين، الناصريين، العلميين...) ويبدي عطفه ورعايته تجاه رموز الأولياء الكبرى في المغرب، خاصة من خلال حضور وفود رسمية وممثلين شخصيين للملك في الاحتفالات السنوية المنظمة في مقرات بعض الزوايا ومن خلال الهدايا الملكية التي تتوصل بها عائلات الأولياء أو من خلال زيارات الملك لأضرحة أبرز الأولياء ورموز الصوفية في المغرب، والوضع الديني والدور السياسي للزاوية البوتشيشية يندرج في هذا الاطار ولا يميل إلي أي خصوصية لا في الوضع السياسي للزواية ولا في الدور السياسي الذي يحدده القصر للزاوية. والسيد احمد التوفيق أحد أتباع الزاوية البوتشيشية، ليس الوزير الوحيد المنحدر من زاوية الذي يحتل منصبا وزاريا في الحكومة المغربية، ونذكر في هذا السياق حالة المختار السوسي أحد الوجوه البارزة للطريقة الدرقاوية وزاوية إليغ والذي عين وزيرا في أول حكومة بعد استقلال المغرب وحالة المكي الناصري من أتباع الزاوية الناصرية الذي عين لفترة طويلة وزيرا للأوقاف والشؤون الاسلامية. وتواجد شخصيات تنتمي لعائلات شريفة وعائلات أولياء داخل القصر وفي محيط الملك ليس استثناء، فالوضع الديني للزاوية البوتشيشية وغيرها، والدور السياسي المنوط بها من طرف الدولة لم يتغير عقب أحداث 16 ماي 2003، فهذا الدور يبقى مرسوما في نفس الاطار الذي سبق شرحه والشيخ عبد السلام ياسين الذي كان من أتباع الزاوية البوتشيشية قبل أن يغادرها في مغامرة سياسية داخل منظمته الاسلامية الخاصة، أوضح في رسالته الشهيرة «الاسلام أو الطوفان» خلافه السياسي مع الزاوية البوتشيشية ويشرح في نفس الوقت الفرق على المستوى السياسي، بين الفاعل الاسلامي المحتج والفاعل الولي الصوفي بقوله «رأيت ** تدخل إلى الزاوية وكيف اجتاحتها الهدايا ودون أن أكل، سأقدم نصائحي بينما قلبي يتمزق شفقة على أولئك الذين عرفوني بالله وعلموني الحب والرحمة ،وكان العداء والعنف هو رد هؤلاء على نصيحتي، هذا العنف بلغ أوجه عندما نصحتهم بالجهاد والتعبئة للدفاع عن الاسلام الذي أصبح عندنا مسرحية موجهة..» المواقف السياسية لفائدة النظام بمناسبة بعض الأحداث السياسية الخاصة من جانب الزاوية البوتشيشية لا تنم عن أي تغير لا في الموقف السياسي للزاوية ولا في موقف الملكية منها، وهذه الخرجات السياسية ليست حكرا على الزاوية البوتشيشية، فكل الزوايا تلجأ إليها سواء بمناسبة أحداث سياسية معنية أو من خلال الرسائل الموجهة باستمرار إلى القصر بمناسبة الاحتفالات والمواسم الخاصة بهذه الزوايا. فالاستراتيجية الدينية المسماة جديدة للدولة، التي أعلن عنها بعد أحداث 16 ماي 2003 هي في الواقع امتداد لسياسة بدأ تنفيد خطوطها الرئيسية منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي في وقت بدأت الحركات الاسلامية تتطور في المشهد السياسي للبلد، وأحداث 16 ماي 2003 لم تكن في هذا السياق الا مناسبة لتنقيح هذه السياسة وبالأخص ضمان الموارد المالية الضرورية، سواء لبناء المساجد أو لتكوين وتعليم الاطر الدينية أو لاحتلال المجال الاعلامي من خلال خلق اذاعة وتلفزة مخصصة للخطاب الديني وإطلاق برامج دينية خاصة على أمواج الاذاعة الوطنية وعلى شبكة برامج القنانتين الوطنيتين. فالأمن الروحي هو الشعار الجديد الذي أعطي لهذه السياسية الدينية الرامية إلى إقرار هيمنة الدولة على المجال الديني الذي تتهدده الحركات الاسلامية الاحتجاجية التي تتحرك خارج الحقل السياسي الشرعي. ومنذ أحداث 16 ماي 2003 تتهدده الحركات الجهادية الجديدة المرتبطة عقائديا بالجهاد الدولتي. التعقيب على أي هناك مجموعة من القضايا التي طرحت، أعتقد بأننا لا نختلف حولها ولكن يحتاج بعضها إلى توضيح، ففي كثير مما قيل كان النقاش يتمحور عن السياسة الدينية بعد 16 ماي وليس عن الفاعلين الدينيين. وأنا عندما تناولت الموضوع كباحث التزمت نوعا ما بجوهر الموضوع، كنت أبحث في الفاعلين الدينيين بعد هذه الأحداث حيث تحدثت في المحور الأول عن موقع هؤلاء الفاعلين في الاستراتيجية الدينية الجديدة، وفي المحور الثاني كنت أتحدث عن مدى استجابة أو مدى قدرة الفاعلين الدنيين على تأمين ما تطلب منهم السلطة في المرحلة أو في السياق الجديد. إذن، هذه نقطة لابد من توضيحها. فيما يتعلق بما يقال عن سقوط الاستثناء المغربي بعد أحداث 16 ماي، فأنا أعتبر أن الاستثناء المغربي لم يسقط. لماذا؟ عندما نتحدث عن سقوط الاسثناء فقد كان ذلك في مصر، في الجزائر. كان في دول كانت فيها الحركة الاسلامية تؤمن بالمشاركة واضطرت للجوء إلى العنف السياسي. مثلا حالة الجبهة الاسلامية للانقاذ في الجزائر فقد أسست حزبا شارك في الانتخابات، وعندما وقع ما وقع اضطرت إلى تأسيس جيش اسلامي للانقاذ واضطرت إلى اللجوء إلى العنف. لذلك فالذين لجأوا إلى العنف في 16 ماي في المغرب ليست هي الجماعات الاسلامية، هذه مسألة واضحة. لذلك لو لجأ الاسلاميون إلى العنف لسقط هذا الاستثناء. ينبغي أن نتساءل عمن لجأ إلى العنف في 16 ماي؟ نتحدث عن السلفية الجهادية الخ. ولكن الامور كما قلت غير واضحة، وأنا قد أشرت بأن أحداث 16 ماي كانت بمثابة عقوبة أوقعتها القاعدة بسبب تعاون المغرب مع الاجهزة الامريكية. طيب، إذن إذا كانت القاعدة هي التي خططت ومولت لما وقع، بمعنى أن ما وقع في 16 ماي لا يعبر عن حقيقة تطور المجتمع المغربي. لذلك أنا قلت بأن الاستثناء المغربي لم يسقط، الاسلاميون اضطروا بعد أحداث 16 ماي ليس إلى تغيير مواقفهم، اضطروا إلى توضيحها. كل أدبيات جماعة العدل والاحسان، حركة التوحيد والاصلاح والبديل الحضاري، حتى الشبيبة الاسلامية أعادت ومارست نقدا ذاتيا والموقف المشترك هو نبذ العنف » «لذلك عندما نحلل الحقل الديني، لاينبغي أن نختزل هذا الحقل في الاسلاميين، لدينا مجموعة من المكونات، إذا ركزنا النقاش فهناك ثلاث مكونات أساسية للحقل الديني: هناك الفاعل الصوفي، الفاعل الاسلامي والفاعل السلفي. ولا علاقة إطلاقا للفاعل الاسلامي بالفاعل الصوفي ولا بالفاعل السلفي. وعندما نتحدث عن L ISLAMISME، نتحدث عن ظاهرة عرفت النور في سنة 1928 مع حسن البنة والاخوان المسلمين في مصر وتطورت هذه الظاهرة. السلفية الوهابية كانت موجودة منذ القرن الثامن عشر، الصوفية كانت أقدم. لذلك عندما يقال بأنه بعد 16 ماي وقع تشرذم داخل الاسلاميين. أنا بالعكس، بعد 16 ماي وقع تقارب بين مكونات التيار الاسلامي في المغرب. قلت بأن العدل والاحسان أصبحت تسعى إلى المشاركة السياسية، البديل الحضاري أصبحت تطالب بالترخيص لتتحول الى حزب،مواقف حركة الاصلاح والتوحيد واضحة. فيما يتعلق بحزب العدالة والتنمية فهو ليس فاعلا دينيا،فإذا كنا نتحدث بمنطق خطاب السلطة من الداخل وما تقتضيه متطلبات التحليل، فحزب العدالة والتنمية هو حزب سياسي يرتكز على جمعية دينية هي حركة التوحيد والاصلاح. ماهي طبيعة هذه العلاقة، هذه مسألة أخرى. ولكن على الأقل وفق ما تحدثت عنه عندما قلت بضرورة التمييز بين المكانة، المنزلة الدور، فقد رفض تماما أن تحتفظ حركة التوحيد والاصلاح أو أي جماعة بهيكلها وأن تؤسس حزبا آخر. كانت هناك تجربة في سنة 1992، حركة الاصلاح والتجديد أسست حزبا سياسيا باسم التجديد الوطني ورفضته السلطات. ولكن بعد وصول محمد السادس تغيرت الأمور، لذلك عندما أشارت الاستاذة بورقية إلى الثوابت، فذلك يعني التمييز بين مجال ما هو بنيوي وما هو ظرفي، فحتى أقول جماعة العدل والاحسان سعت إلى تقوية حزبها السياسي الذي أسسته سنة 1998، بمعنى أن هناك استمرارية. عندما أتحدث عن الشبيبة الاسلامية أقول بأن مطيع غير موقفه مباشرة بعد وفاة الحسن الثاني. البديل الحضاري طالب بتشكيل حزب قبل 16 ماي ومنذ صيف 2002. ولكن فيما يتعلق بنموذج البديل الحضاري فهو النموذج الآن الذي تطرحه السلطة كرسالة موجهة إلى الجماعات الاسلامية. بمعنى أنه إذا أردتم ان تتحولوا إلى فاعلين سياسيين عليكم أن تتنازلوا عن منزلتكم كفاعلين دينيين. حزب البديل الحضاري لم يحتفظ بحركة البديل الحضاري. طبعا فيما يتعلق بحزب العدالة والتنمية لا يمكن أن نحلل مواقفه انطلاقا من الراهن، لأننا نعرف أن حزب العدالة والتنمية كان له دور اقتضت الظروف أن يقوم به وهو إحداث نوع من التوازن في الساحة بعد رفض أحزاب الكتلة الديمقراطية المشاركة في تجربة التناوب، في صيغتها الأولى وفي صيغتها الثانية. وكان هناك اختيار واضح هو أن يتم التأسيس لتوازن داخل الحقل السياسي وليس داخل الحقل الديني، لأن التوازن داخل الحقل الديني كانت تقوم به حركة التوحيد والإصلاح. إذن، بعد أحداث 16 ماي أصبح حزب العدالة والتنمية أكثر وضوحا لأنه قبل هذه الأحداث كان يعتبر نفسه حزبا إسلاميا، ولكن بعد 16 ماي أصبح يعتبر نفسه حزبا وطنيا بمرجعية اسلامية. بمعنى تبلور الوعي بضرورة التمييز على الأقل، ليس بشكل واضح، بين ما هو سياسي وما هو ديني. رغم أن حزب العدالة والتنمية هو ضحية الاختيارات الرسمية، ينبغي أن نستحضر هذه المسألة لماذا؟ لأنه في عهد الحسن الثاني كنا فقط في حاجة إلى إسلام رسمي، أما في عهد محمد السادس فنحن في حاجة إلى إسلاموية شبه رسمية،لنكن واضحين. لذلك فالارتباط أو أحيانا هذا التردد الذي نرصده داخل حزب العدالة والتنمية هو نتاج السياسة غير الموجهة المنتهجة من قبل السلطة، هناك ارتباك يجب أن نعترف به. لا يوجد خطر اسلامي في المغرب اليوم والملكية لا تستشعر خطرا إسلاميا وهي تدرك بأن هناك تطرفا دينيا لا يمثله الاسلاميون، والملكية تسعى إلى تأسيس أو تكوين جبهة دينية لمواجهة التطرف الديني. وكما قلت أصبح الخيار الآن هو ما يسمى بـ »ISLAMISME OFFICIEUX« قد تمثله حركة التوحيد والاصلاح في شقه الدعوي. فيما يتعلق بعقلنة الفعل الديني، أعتقد أنه إذا تحدثت عن العقل الديني أو الفعل الديني فإنك تتحدث عن سياسة عمومية وبالتالي تتحدث في إطار منظومة التدبير LE SYSTEME DE GESTION في حين أن الفعل الديني في المغرب ينتمي إلى منظومة الشرعنة LE SYSTEME DE LEGITIMATION وبالتالي كل مشروعية هي بالأساس غير عقلانية، لأنها تبحث ليس عن رضا الباحثين ولكن عن رضا الجمهور. لذلك عندما نتحدث عن العقلنة، فإننا نتحدث عن منظومة التدبير وليس عن منظومة الشرعنة التي ينتمي إليها.. نعم، أنت تتحدث عن ماركس فيبر في اطار نظام ديمقراطي، فهذا الأخير عندما يتحدث عن المشروعية العقلانية يتحدث عن الدولة الحديثة، الدولة اللائكية. لا تنسى وقد أشرت إلى ذلك، بأن محمد السادس يقول بأن الدولة في المغرب ليست دولة علمانية.. أنا أقول بأنه في المغرب لا توجد مشروعية عقلانية بل هناك استثمار لخطاب ايديولوجي يجعلنا أمام عدد من المشروعيات ولكن هذه المشروعيات ليست في منزلة واحدة. فعندما تشير الاستاذة أمينة بأنه لا يمكن مناقشة النصوص المتعلقة بالنظام الملكي أو النصوص المتعلقة بالدين، فأظن أنه حتى الدستور المكتوب الذي يرمز إلى المشروعية العقلانية فهو يعطي الأولوية للدستور التاريخي والعرفي. الاشكال الذي يطرح عندنا هو أن هذه الرغبة في التحكم الآن في الحقل الديني ستكون لها تداعيات سلبية على مستوى الممارسة الديمقراطية، لأن هذه الرغبة في تكريس أحادية دينية تتزامن مع تبني المؤسسة الرسمية لخطاب يبشر بالتعددية السياسية. لكن في إطار دولة لا علمانية كما قلت، كيف يمكن التوفيق بين الأحادية الدينية وهذه التعددية السياسية التي تتحدث عن الديمقراطية وتعدد الأحزاب!

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.