هذه الدراسة غطت مرحلة ما بين 16 ماي 2003 إلى حدود سنة ,2005 هل يمكن تعدية مفردات الأطروحة التي قدمتها في هذه الدراسة إلى ما بعد ,2005 وهل لا زال النظام السياسي يعتمد نفس الأسلوب في التمييز بيم منزلة الفاعل الديني ودوره السياسي؟ هذا الأسلوب في التمييز بين منزلة الفاعل الديني ودوره والذي اعتمد بعد 16 ماي 2003 سيظل أسلوبا مناسبا لتدبير الحقل الديني بشكل فعال خاصة وأنه يصعب إقناع الفاعل الديني بالاقتصار على ما يندرج ضمن الفعل الديني الصرف لاسيما وأن الحدود الفاصلة بين ما هو ديني وما هو سياسي غير مضبوطة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، هذا الأسلوب يتلاءم مع طبيعة الدولة المغربية كدولة غير علمانية، وهو ما أشار إليه بوضوح الملك محمد السادس في الاستجواب الذي أدلى به لجريدة البايس الإسبانية في يناير 2005 عند شدد على أن الدولة المغربية ليست دولة علمانية ولا يمكنها أن تكون كذلك. هذا الأسلوب عبر عن نفسه مؤخرا في البيان الصادر عن المجلس العلمي الأعلى فيما يتعلق برفع التحفظات عن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. لكن ألا ترى معي أنه وقع تحولات في السياسة الدينية بعد 2005 لجهة إقصاء ما يصطلح عليه التيار الوهابي من مؤسسات الحقل الديني، وهو ما سبق أن أشرت إليه في حوار سابق؟ من إيجابيات أحداث 16 ماي ,2003 أن السلطات المغربية بدأت تميز بين مكونات الحقل الديني، حيث صار هناك تعامل خاص مع التيار الصوفي، وإعادة تقدير لدور التيار الإسلامي، في حين كان هناك نوع من الحذر في التعاطي مع التيار السلفي، فالسلطات احتاجت إلى خدمات التيار الصوفي، كما استفادت من خدمات التيار الإسلامي خاصة حركة التوحيد والإصلاح، وليس هناك من مؤشرات تدل على وجود قطيعة بين السلطات وجماعة العدل والإحسان، ولعل في زيارة وزير الأوقاف أحمد التوفيق لتقديم العزاء في وفاة عضو مجلس إرشاد الجماعة الأستاذ العلوي السليماني دليل على ذلك. أما ما يتعلق بالتيار السلفي الوهابي، فإن السلطات كانت لا ترى أن هناك حدودا فاصلة بين ما يسمى التقليدية أو السلفية العلمية وبين السلفية الجهادية ولعل اعتقالها للشيح حسن الكتاني وهو يمثل السلفية العلمية يرمز إلى هذا التوجه وهذا الفهم، لكن التقديرات السياسية كانت تدفهع السلطة السياسيى بعد اعتداءات 16 ماي 2003 إلى التعاطي بشكل منفرد مع مكوني التيار السلفي، فتصدت في البداية للسلفية الجهادية، وبعد ذلك حاولت أن تنهي علاقتها مع السلفية التقليدية العلمية خاصة وأن كل التقارير والدراسات كانت تعتبر السلفية العلمية هي حاضنة السلفية الجهادية إضافة إلى أن السلطات المغربية كانت ترغب في إعطاء صورة منسجمة على مستوى خطابها الديني الذي يتحدث عن ثلاث مكونات للهوية الدينية المغربية ومنها التصوف، ولذلك لم يعد منطقيا السماح بوجود التيار الوهابي الذي يتناقض تمام التناقض مع التيار الصوفي، وما دام أن الاستراتيجية الدينية يف المغرب حددت أهدافها بكل وضوح وأعلنت عن تصديها للمذاهب الدخيلة، فكان من الضروري أن يتم التصدي للتيار الوهابي، ناهيك عن الإكراهات الدولية بحيث أن هناك إجماعا على مستوى صناع القرار السياسي في الغرب حول كون الوهابية هي رافد من روافد السلفية الجهادية. ذكرتم أن الحركات الإسلامية باعتبارها فاعلا دينيا تقوم بدور سياسي لتأمين حاجيات النظام السياسي، فهل يتعلق الأمر بخدمة النظام السياسي أن يتعلق الأمر بتقاطع مصالح سياسية بينها وبين النظام السياسي بخصوص تدبير الحقل الديني وطبيعة الدور الذي تقوم به الحركة ضمنه؟ ما هو أساسي هو أن كل الجماعات الإسلامية اليوم تشتغل من داخل النظام السياسي القائم، فلا توجد جماعة إسلامية، بما في ذلك جماعة العدل والإحسان، لا تعترف بثوابت الدولة، فكل الجماعات الإسلامية تدعو إلى الإسلام وتتشبث بالوحدة الترابية للمغرب، وكل الجماعات الإسلامية تنادي بملكية دستورية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فقد حدث تطور في أداء الجماعات الإسلامية بحيث بدأت تتخلص من الطابع الديني الصرف، وبدأت تولي اهتماما بالشأن السياسي، وهذا ما نجحد تعبيره حتى على المستوى التنظيمي، ففعاليات من حركة التوحيد والإصلاح التحقت بالحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية (العدالة والتنمية لاحقا)، وحركة البديل الحضاري تحولت إلى حزب سياسي، وجماعة العدل والإحسان بدورها أسست حزيها السياسي المسمى بالدائرة السياسية، والحركة من أجل الأمة أسست حزبها السياسي (حزب الأمة). فاختيارات هذه الجماعات أضحت واضحة، وهي في اللحظة التي شرعت في مباشرة الشأن السياسي حسب ما يخدم مشاريعها فهي تدرك في نفس الآن أنها ستؤمن جزءا من الحاجيات السياسية للنظام السياسي القائم الذي تشتغل من داخله.