شهد الأسبوع الماضي بداية حملة على العلماء والخطباء، انطلقت بطلب الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين فتح تحقيق حول مضامين خطبة بن شقرون رئيس المجلس العلمي لمدينة الدارالبيضاء يوم 24 6 2004 , والدعوة إلى الرقابة المسبقة على خطب الجمعة. لتكمل جريدة الأحداث المغربية البقية فتشن الحملة على عموم العلماء والخطباء والمجالس العلمية، التي سبق وأن اتهمتها بأنها تغط في نوم عميق، معتبرة أن بعض أعضائها يتناقضون مع الرؤية الرسمية للدولة، ولا يكيفون خطبهم مع اختيارات المغرب الكبرى ومع الاختيارات الكونية. فلماذا تم التهويل من خطبة بن شقرون بدل طرح المسألة مع المسؤولين في الوزارة الوصية دون خلق زوبعة؟ ولماذا ركب التيار الاستئصالي على الحدث، وهاجم من أسماهم بخطباء الأصولية داخل المجالس العلمية؟ وكيف سمح لنفسه التجرؤ على العلماء ونعتهم بما لايليق من الأوصاف؟ وماهي أهدافه من كل ذلك؟ الخطبة المشجب كانت خطبة بن شقرون ليوم الجمعة 24/6/2004 بمسجد الحسن الثاني، التي بثت على القناة الأولى مباشرة، نقطة بداية فصل جديد في معركة فتحها طلب إحاطة للفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين حول مضامين الخطبة المذكورة، التي اعتبرها ظلامية وشاذة ولا تنسجم مع المشروع الديمقراطي الحداثي، وتكلفت جريدة الأحداث المغربية بإتمام باقي فصول المعركة والحملة بحيث قامت بتأويل الخطبة المذكورة والتعسف عليها وتقديمها بالشكل الذي يخدم أهداف محركي الحملة في عناوين عريضة، دون أن تشير من باب الموضوعية إلى أن الرجل طرح مشاكل حقيقية يعاني منها المجتمع والأسرة من قبيل زواج المصلحة وكوارثه التي تملأ الجرائد والمحاكم، وسيراعلى منهج الكيد والوشاية والتدمير، اكتفت بالقول بأن الخطبة خلقت بلبلة واسعة في أوساط الشارع المغربي، لأن الخطيب غلف بزعمها رسائله فيها بحيث لا يظهر من رسالتها السياسية إلا الشئ القليل، وفتحت مجددا النقاش حول مدى إشراف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وتأطيرها للحقل الديني. وسرعان ما انتقلت الأحداث المغربية ومن سار على منوالها من خطبة السيد بن شقرون لتشن حملة على قطاع عريض من العلماء والخطباء بدعوى أنهم مقربون من هذه الحركة او تلك ، وهكذا أوردت في المقال غير الموقع في الصفحة الأولى ليوم 3/7/2004 كلاما نسبته لناظر التمس عدم الكشف عن اسمه، والذي يتابع الجريدة المعلومة يدرك أنه أحد كتبتها، يقول فيهكلنا نعرف تغلغل الحركات الإسلاموية المتطرفة داخل المجالس العلمية في نظارات الأوقاف وفي المساجد حتى تلك الخاضعة لمراقبة الشديدة، ونحن نعرف المنتمين لهذه الحركات ونعرف الكثيرين من الفقهاء والوعاظ لا يرضون على السياسة الرسمية في تسيير الشأن الديني بل منهم من يحضر الدروس الرمضانية...لكن خرجة بنشقرون تظل مثيرة للانتباه لعله أراد إيصال رسالة من طرف معين إلى من يهمهم الأمر أو لعله كان مكلفا بهذا الإيصال. وما يدل على أن الحملة لا تقصد التنبيه إلى ما اعتبره البعض تجاوز وقع في الخطبة وخالف الضوابط الشرعية والأصول الدينية؟. بقدرما تقصد التنقيص من العلماء والتشهير بهم دون وجه حق، قول رئيس التحرير الضرورة للجريدة المعلومة، وبكل سخرية واستهزاء في تقديم نشر نص الخطبة المشجب :يعتبر العلامة الفهامة والحبر الفهامة وتكراراها ثمان مرات، وقوله في مقال آخر: الخطبة لغز مطروح أمام المتدخلين في الحقل الديني، فوراء السحنة الناصعة البياض والمختفية وراء لحية مشذبة بعناية ترافقها لكنة حديث فاسية تقليدية، تختفي كثير من علامات ما يريد الآخرون. معتبرا خطبة السيد رضوان بن شقرون الموالية تراجعا فيما تظل خطبة أمس لنفس الخطيب علامة على أن البعض لا يتورع حين يشتد الخطب عن مراجعة المواقف لأن الثبات على المبدإ ربما يكلف الإنسان ما لا طاقة له به لأن الإنسان خلق ضعيفا، والحاصل أن الرجل ركز في الخطبة المقصودة على بيان الأهمية التربوية والتوعوية لخطبة الجمعة التي بات واضحا أن هناك نية عند البعض في التضييق عليها. ولكن تأكيد رئيس التحرير الضرورة على أن الثبات على ماسماه بالمبدإ يكلف الإنسان مالا طاقة له به دليل على أن التيار الاستئصالي عازم على المضي في إرهاب الخطباء والعلماء الذين لا يصوغون خطبهم وفق مشروعهم الديمقراطي الأحداثي ويفضلون المذهب المالكي. سياق الحملة يعتبر المتتبعون أن الحملة الجديدة على خطباء الجمعة التي تبناها التيار الاستئصالي تأتى كحلقة ضمن سلسلة يتلون فيها خطابه حسب طبيعة المرحلة، ابتدأت قبل 16 ماي حيث كان يعتبر أن العلماء والخطباء وما كان يعرف برابطة علماء المغرب خاملون ولا يقومون بدورهم الديني التأطيري، مما سمح للحركات الإسلامية المتطرفة بالتغلغل في وسط الشباب وزرع أفكارها وغير ذلك ....، أوبالتهجم على بعضهم بدعوى تسييس منبر الجمعة، وبعد وقوع الأحداث الإرهابية ليوم 16ماي الأسود، وجه سهامه واتهاماته للحركات الإسلامية المعتدلة ولحزب العدالة والتنمية محملا إياها جميعا ما سماه ب المسؤولية الأخلاقية والمعنوية في حصول الأعمال الإرهابية، حيث بدل كل مافي جهده لتسميم الوضع السياسي، والسعي نحو تأزيم العلاقة بين أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس ، وبين الحركات المذكورة والحزب وبالتالي الدفع في اتجاه حل هذا الأخير، إلا أن الخطاب الملكي ليوم 29ماي2003 الذي حمل المسؤولية فيما وقع للجميع خيب آمال التيار الاستئصالي وجريدته، فآوى إلى جحره إلى حين. وبعد أن أقدم أمير المؤمنين على هيكلة الحقل الديني وتحديد وظائف واضحة للعلماء والخطباء يوم 30أبريل الماضي حيث أكد على أن الإسلام سيظل أهم مقومات الشخصية المغربية، وكذلك وحدة العقيدة والمذهب التي منَّ الله بها على المغرب منذ القديم، والأساس المتين الذي قامت عليه وحدة الأمة المغربية، والعامل الفعال الذي ضمن لها التماسك والاستقرار، ووقاها من التفكك والانقسام اللذين أصابا كثيرا من الأمم الأخرى، مبديا حرصه على العناية بشؤون الإسلام، وإجراء العمل بأحكامه، والذود عن عقائده، ونشر تعاليمه الصحيحة بين الناس، ليكونوا على بينة وبصيرة من أوامره ونواهيه، في كل ما يرجع إلى أمور دينهم ودنياهم على حد سواء، مع مراعاة ما يقتضيه روح العصر و التطورات المتوالية، ومحاربة المذاهب الأجنبية عن الأمة المغربية وقيمها الأصيلة. بعد ذلك ضاق الأمر بأصحابنا، زعماء التيار الاستئصالي دعاة فصل الدين عن الدولة، خاصة بعدما حسم جلالة الملك في خطاب29 ماي بأن المغرب دولة إسلامية الدين والدولة فيها لا ينفصلان، وعقب تنصيب المجالس العلمية رؤسائها وأعضائها الذين روعيت في اختيارهم مجموعة من المواصفات والشروط، منها على الخصوص التشبع بثقافة شرعية متينة والقدرة على استقطاب جميع الفاعلين في المجال التنويري لسد كل الثغرات التي يتسلل منها الفساد إلى المجتمع، والسمعة الحسنة والذكر الطيب والقبول لدى الكافة، وامتلاك القدر الكافي من الحس النقدي والسياسي، والوعي بما يجري في دنيا الناس وفي العالم، والحذرمن كل ما من شأنه أن يضر بتماسك المجتمع المغربي. واتضح لهم أن بعض العلماء والخطباء المحسوبين أو المتعاطفين مع هذه الجمعية أ و الحركة أو تلك تحينوا الفرصة للتنفيس عن مكبوتاتهم العلمانية، فكان الدكتور الريسوني في البداية ثم رئيس المجلس العلمي للدار البيضاء الأستاذ رضوان بن شقرون بعده، ليعلنوا بأشكال غير مباشرة عن رغبتهم في حصر الدين في الحياة الفردية الضيقة، وفي علاقة الفرد بربه، وعزله عن الحياة العامة وتصرفات الناس ومعاملاتهم، وما إلى ذلك. فبعدما كانوا يدعون إلى عدم إدخال الدين في السياسة نجدهم اليوم بهجومهم على الخطباء والعلماء بدون أدب ولااحترام يسيسون الدين، ويعتبرون كل كلمة لاتوافق هواهم ولا تخدم علمانيتهم تطرفا ورجعية وما إلى ذلك من المعجم المكرور. إن الخبير العارف بالإسلاميين المغاربة المعتدلين يشهد بأنهم لعبوا دورا كبيرا في مواجهة فكر العنف والتطرف، وبأنهم دعوا للعمل السلمي الحضاري على اختلاف في وجهات النظر، وبالتالي ساهموا كما قال الأستاذ ظريف بقدر كبير في تأخير ظهور العنف في المغرب في لحظة كانت الأحزاب السياسية غير قادرة على القيام بدورها المتمثل في تأطير المواطنين. وأن الدولة أدركت مؤخرا بأن القوى التي حافظت على استقرار الأوضاع وجنبت كثيرا من الشباب الانسياق وراء أفكار العنف هي تلك القوى الإسلامية الشعبية التي أثبتت قدرتها على تأطير الشارع، وبالتالي فضلت إدماج الفعاليات الإسلامية القادرة فعلا على تأطير الشارع، والتي يحظى خطاباء ها بنوع من المصداقية، في إستراتيجية تدبير الحقل الديني الجديدة، في أفق خلق نوع من التقارب وربما الانسجام بين الخطاب الديني الرسمي والخطاب الحركي. بعدما اقتنعت السلطة بأن الخطر في المغرب لا يكمن في التيار الإسلامي الذي يعمل في واضحة النهار وفي إطار القوانين الجاري بها العمل، ويقاسم باقي الحركات والأحزاب الوطنية القناعة و التشبث بالثوابت الوطنية. بقدر ما يكمن في التيار المتطرف. وهي القناعة التي لم ترض التيار الاستئصالي، ولن تخدم طموحاته الخفية في الدعوة لعلمانية صريحة تفصل الدين عن الدولة. ماذا يريد التيار الاستئصالي من الحملة على العلماء؟ كما سبق، فالتيارالاستئصالي يخوض معارك بحلقات ضمن سلسلة واضحة في ذهنه، لكنه يغلفها في خطابه الخارجي بحربائية قد تنطلي على البعض، لكنها بالتأكيد لن تكون كذلك على أصحاب الوقت كما يسميهم رئيس التحرير الضرورة في الجريدة المعلومة، كما أنها لن تنطلي على المتتبعين له ولخطاباته ومنشوراته، فقد كشفت حملته على خطبة الجمعة والخطباء والعلماء ومجالسهم بمافيها المجلس الأعلى بتعميم وتشهير رغبة في التضييق عليهم ولم لا الدفع في اتجاه عدم بث خطبة الجمعة عبر التلفاز والإذاعة بحجة الخوف من الظلامية والتطرف لأنها لا تكتب وفق مشروعهم الديمقراطي الحداثوي ، ولم تعطهم صلاحية مراقبتها قبل البث، خاصة وأن خطبة الجمعة تحظى بمتابعة الملايين من المستمعين المغاربة، وأن لخطبة الجمعة موقع مؤثر وحساس في نفوس المغاربة والمسلمين عموما؟ وبالتالي خطرا على مشروعهم. إن المتحاملين على الخطباء والعلماء المغاربة، والمتهجمين عليهم بحجة مبالغة خطيب واحد، على فرض أنه تجاوز حد الاعتدال أو اخطأ أو...، يرومون ترهيبهم ومضايقتهم في أداء دورهم المحدد بشكل واضح في الظهير الشريف المتعلق بإعادة تنظيم المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية الإقليمية، وفي خطاب أمير المؤمنين يوم 30 أبريل. وهم بذلك يدعون برطريقة غير مباشرة الشباب المغربي للتطرف، لأن التيار الاستئصالي عندما يسعى لإسكات صوت العلماء وتكميم أفواهم، يهدف من وراء ذلك إفقاد الحقل الديني عامة والرسمي خاصة المصداقية وسلطته العلمية المقدرة والمعنوية، وبالتالي ظهور مفتين ومؤطرين جهلة ناقمين على الهجمات الاستئصالية والخطابات التي لا تراعي ثوابت الهوية المغربية، وعلى رأسها الإسلام واحترام العلماء والشعائر الدينية التي يسميها التيار المذكور بالطقوس. خلاصة إن التيار الاستئصالي في هجومه على العلماء والخطباء والمجالس العلمية، بعد الهجوم على الحركات الإسلامية المعتدلة، يريد أن يزيل من طريقه كل من يمكن أن يضايق مشاريعه وأفقها العلماني، أو يعارض مخططاته وخاصة على مستوى المجتمع، معولا في ذلك على الضغوطات الأجنبية على الدول الإسلامية، التي بات هذا التيار رسولها بالمغرب، وهو ما يؤكده نشر جريدة الاحداث المغربية يوم الاثنين الماضي، في الصفحة المقابلة للصفحة التي نشر فيها نص خطبة السيد بن شقرون بتقديم رئيس التحرير الضرورة الساخر المستهزأ، نصف صفحة كاملة وبالألوان إشهار قناة الحرة الأمريكية التي سترينا الصورة كاملة، ، حيث اتضحت صورة الجريدة المعلومة كاملة وظهرت كما هي، ووضعت النقاط على الحروف، ومزيدا في وضوح الصورة كانت قد نشرت في العدد الذي قبله مقالا لأحد المنظرين لمشروعها يدعى شاكر النابلسي تحت عنوان محاكمة صدام حسين محاكمة للنظام العربي عامة يقول فيه بالحرف الشعب العراقي اليوم يلقن الأمة العربية بأسرها درسا عظيما من خلال بركات التاسع من نيسان(أبريل) المجيد ,,,.2003هذا الدرس الذي يحاول الإعلام العربي الآن أن يقلل من أهميته هو من أكبر إنجازات فجر التاسع من نيسان (أبريل) المجيد2003 .أفبعد هذا يتبجح الأحداثيون؟ ينشرون للممجدين للاحتلال وللتقتيل والتنكيل والتعذيب الذي سام الشعب العراقي على يد الاحتلال الأمريكي البريطاني، ويشرعنون تدخله في الشؤون الداخلية للدول. تم يتجدثون عن الحداثة والديمقراطية ...وباقي الاسطوانة المشروخة. أبو بكر المساري مواضيع ذات صلة: * الدكتور محمد ضريف ل"التجديد": خطبة بن شقرون تأتي في إطار قيام العلماء بواجب النصيحة * فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب: لا لدعوات تكميم أفواه العلماء والتهجم على الخطباء والدعاة * هذا نموذج من تناقضات جرائد الحداثيين في حربها على العلماء