"الانتخابات والغرباء" يغضبان "نقابة موخاريق" من جلسات حوار وزارة التربية    مساعدات إنسانية لدواوير في جرسيف    من بينهم إذاعة إلياس العماري.. الهاكا تجدد تراخيص أربع إذاعات خاصة    الملك يعين الأعضاء الجدد باللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي    اثنان بجهة طنجة.. وزارة السياحة تُخصص 188 مليون درهم لتثمين قرى سياحية    ضبط شخص متورط في الذبيحة السرية بطنجة وحجز أكثر من 100 كيلوغرام من اللحوم الفاسدة    شاب ثلاثيني ينهي حياته في ظروف مأساوية بطنجة    "القسام" تنشر أسماء 4 مجندات إسرائيليات ستفرج عنهن السبت ضمن اتفاق وقف إطلاق النار    بوتين يقول إنه مستعد للتفاوض مع ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا    السكوري: برنامج "وفيرة" نموذج للإندماج والتنقل المهني الدائري    إعلان نوايا مشترك بين المغرب والبرتغال لتعزيز العدالة في إطار كأس العالم 2030    أرقام فظيعة .. لا تخيف أحدا!    التعاون المغربي الموريتاني يُطلق تهديدات ميليشيات البوليساريو لنواكشوط    ترامب يطلق أكبر عملية طرد جماعي للمهاجرين غير النظاميين    توقيع عقد مع شركة ألمانية لدراسة مشروع النفق القاري بين طنجة وطريفة    كرسي الآداب والفنون الإفريقية يحتفي بسرديات "إفا" في أكاديمية المملكة    بالصدى .. بايتاس .. وزارة الصحة .. والحصبة    الدرك الملكي يحجز طن من الحشيش نواحي اقليم الحسيمة    على خلفية مساعي ترامب لزيادة حجم الإنتاج...تراجع أسعار النفط    دوامة    معرض فني جماعي «متحدون في تنوعنا» بالدار البيضاء    الفنانة المغربية زهراء درير تستعد لإطلاق أغنية « جاني خبر »    رواية "المغاربة".. نفسانيات مُركبة    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    الذكاء الاصطناعي.. (ميتا) تعتزم استثمار 65 مليار دولار خلال 2025    محاكمة بعيوي في قضية "إسكوبار" تكشف جوانب مثيرة من الصراع الأسري لرئيس جهة الشرق السابق    ترامب يرفع السرية عن ملفات اغتيالات كينيدي ولوثر كينغ    مهدي بنسعيد يشيد بحصيلة الحكومة ويدعو لتعزيز التواصل لإبراز المنجزات    الصيد البحري : تسليم 415 محركا لقوارب تقليدية لتحسين الإنتاجية والسلامة البحرية    تركيا..طفلان يتناولان حبوب منع الحمل بالخطأ وهذا ما حدث!    إضراب عام يشل حركة جماعات الناظور ليوم كامل احتجاجا على تغييب الحوار    العطلة المدرسية تبدأ مع طقس مستقر    معهد التكنولوجيا التطبيقية المسيرة والمعهد المتخصص في الفندقة والسياحة بالحوزية يحتفيان بالسنة الأمازيغية    السلطات البلجيكية تحبط محاولة استهداف مسجد في مولنبيك خلال صلاة الجمعة    اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس: خطوة أولى نحو السلام أم محطة مؤقتة في طريق الصراع؟    تراجع التلقيح ضد "بوحمرون" إلى 60%.. وزارة الصحة في مرمى الانتقادات    "الطرق السيارة" تنبه السائقين مع بدء العطلة المدرسية    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى: مشروع قانون الإضراب غير عادل    تعيين الفرنسي رودي غارسيا مدربا جديدا لمنتخب بلجيكا    بورصة البيضاء تفتتح التداول بارتفاع    الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة…انتشار حاد لفيروس الحصبة وفقدان أرواح الأطفال    نادي أحد كورت لكرة السلة يحتج على قرار توزيع الفرق في البطولة الجهوية    تنفيذا لتعهدات ترامب .. أمريكا ترحل مئات المهاجرين    لقجع ينفي ما روجه الإعلام الإسباني بخصوص سعي "فيفا" تقليص ملاعب المغرب خلال مونديال 2030    العصبة الوطنية لكرة القدم النسوية تعقد اجتماع مكتبها المديري    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    مايك وان" يُطلق أغنية "ولاء"بإيقاع حساني    رقم قياسي .. أول ناد في العالم تتخطى عائداته المالية مليار أورو في موسم واحد    سيفعل كل شيء.. سان جيرمان يريد نجم ليفربول بشدة    جوائز "الراتزي": "أوسكار" أسوأ الأفلام    تألق نهضة بركان يقلق الجزائر    الحكومة تحمل "المعلومات المضللة" مسؤولية انتشار "بوحمرون"    عبد الصادق: مواجهة طنجة للنسيان    أخطار صحية بالجملة تتربص بالمشتغلين في الفترة الليلية    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحملة على الأستاذ بنشقرون: قضية خطبة أم سعي لتصفية حساب مع الحقل الديني؟
نشر في التجديد يوم 12 - 07 - 2004

قد يظن البعض أن الحملة على السيد بنشقرون هي مجرد انتقاد لخطبة لم تصادف هوى لدى بعض المحسوبين على الحداثة أو ممن يتلذذون على الصفحات بممارسة سادية كتابية ما فتئت تضرب ذات اليمين واليسار وفي الحكومة وفي المعارضة وفي الفنانين والمثقفين وفي الإسلاميين والعلمانيين، وفي الثوابث والمتغيرات، وفي الأصول والفروع وفي نظام الأسرة ونظام الدولة، غير أن الأمر أكبر من ذلك، لأنه يتعلق بحملة إرهابية فكرية منظمة وقد تكون تحت الطلب تشبه حملات محاكم التفتيش، تهدف إلى إسكات العلماء وتستهدف في الجوهر الحقل الديني بجملته، بعد أن فشلت حملتهم السابقة في استدراج الدولة إلى مقاربة استئصالية شاملة تبدأ مع حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح، وتنتهي إلى تجفيف التدين في المجتمع وإضعاف الشرعية الدينية للنظام تمهيدا لعلمانية متطرفة في المغرب. ويبرز هذا المقال أبعاد الحملة المذكورة. أين هولاء القوم من خلق النصيحة لو كانوا صادقين؟ الخطباء والعلماء والأئمة والحكام أيضا هم بشر ممن خلق يصيبون ويخطئون. والمعصوم من البشر واحد هو محمد صلى الله عليه وسلم، وعصمته جاءت من الوحي الذي كان يتنزل على قلبه من ربه ومن
تسديد القرآن له، كما ثبت ذلك في عدة مواقع من القرآن الكريم. ومن أجل ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يستشير صحابته في ما لم يوح إليه، كما ثبت في غزوة بدر حينما اختار منزلا ينزل فيه المسلمون استعدادا للنزال، فما كان من الحباب بن المنذر إلا أن سأله يا رسول الله رسول الله: أمنزل أنزلكه الله أم هو الحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الحرب والمكيدة، فقال الحباب: إنه ليس بمنزل، فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن نزل عند المشورة وغير المنزل. وأقر الإسلام هذا المبدأ في النصيحة بين الأمة، حينما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: >الدين والنصيحة، قلنا لمن يارسول الله قال لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم<. وهذا أبو بكر الصديق أول الخلفاء الراشدين يقرر في خطبة التنصيب يبدأ ولايته بالعمل بمبدإ النصيحة والتقويم حين يقول: >أما بعد فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أصبت فأعينوني وإن أخطأت فقوموني<. وإذا كان هذا المبدأ مقررا وصالحا في نصيحة ولاة المسلمين ممن يتحملون الأمانة العظمى والولايات الكبرى، فما بالك بما دونها من الولايات والمسؤوليات، ومنها خطبة الجمعة؟ ومعنى ذلك أن العالم أو الخطيب أو
الإمام ليس منزها عن الخطأ، وأن كلامه لا يكتسب قدسيته وصوابه من ذاته، بل مقدار موافقته للحق الذي جاء به الكتاب والسنة، وأن اجتهاداته يرد عليها الصواب المأجور مرتين أو الخطأ المأجور أجرا واحدا. وإنما قرر الإسلام مبدأ النصيحة والتواصي بالحق والتواصي بالصبر بين المؤمنين حتى تكتسب الأمة حصانة من الزلل والانحراف، وحتى تترشد اجتهادات قادتها وأئمتها، وذلك مقصد عظيم من مقاصد مبدإ النصيحة ومبدإ الشورى. لكن النصيحة لها شروط وآداب، ومن أهمها أن تكون نصيحة لله لا أن تكون وشاية أو تحاملا أو تنفيسا لما في الصدر من الأحقاد والعلل والأمراض. خطاب الفتنة يعيد نفسه مثلما التاريخ يعيد نفسه لكن التاريخ والواقع الإسلاميين قد شهدا ويشهدان مظاهر وأصناف مختلفة من الشذوذ عن قاعدة النصيحة، فقد استغل الخوارج والسبئية مثلا قاعدة انفتاح نظام الأمة وقياسه على النصيحة والشورى وحرية التعبير لزرع الفتنة والنيل من قيادات الأمة، وهو ما يشهد له مثلا اغتيال الخلفاء الثلاث عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، وفي حالة الخليفتين الأخيرين تم استغلال معطيات حقيقية أو اصطناع مبررات غير موجودة، وفي كلتا الحالتين تنكب
السبئية والخوارج وأهل الفتنة طريق الرشد في النصيحة وآدابها، واستعملوا سلاح الوشاية والكذب وتلفيق التهم، وتهويل بعض الأخطاء الصغيرة والنفخ فيها من أجل تحقيق مآربهم الشخصية وتنفيس أحقادهم الدفينة، وذلك حينما رفع الخوارج شعار لا حكم إلا لله ما كان من علي بن أبي طالب إلا أن قال: الكلمة حق يراد بها باطل. ومن المفيد أن نقف عند ما يؤثر على قاتل سيدنا عثمان عمو بن الحمق حين طعنه تسع طعنات غادرة قائلا: >فأما ثلاث منها فإني طعنتهن إياه لله تعالى وأما الأخريات فلما كان في صدري عليه<، وقد كان هذا من قوم متأولين فما بالك اليوم من قوم مردوا على إطلاق ألسنتهم بالسوء في أصول الإسلام وعلمائه ودعاته والشخصيات الوطنية من كل طيف، وأشرعوا صفحات جرائدهم لإشاعة الشذوذ الفكري والخلقي تحت دعوى محاربة الطابوهات ودعوى الحداثة؟ اليوم يعيد التاريخ نفسه، ولكن بشكل أبشع وأخطر، إذ ها نحن اليوم نقف شاهدين على جيل جديد من دعاة الفتنة والخوارج عن الأمة وإجماعها ومرجعيتها، ممن يريدون قلب الموازين وجعل المعروف منكرا والمنكر معروفا. انتقاد لخطبة أم تصفية حسابات مع الحقل الديني في المغرب.؟ نقول هذا بمناسبة الزوبعة التي
يثيرها حزب الاستئصاليين حول خطبة الجمعة التي ألقاها قبل أسبوعين رئيس المجلس العلمي للدار البيضاء وخطيب مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء السيد رضوان بنشقرون. ويشهد الله أننا لم نكن لنقف عند الموضوع لو قام من قام ليثير موضوع الخطبة، فناقشها مناقشة علمية موضوعية بالدليل والحجة، يثبت الحق الذي فيها ويرد ما قد يكون مرجوحا، مما ذهب إليه صاحبها ويفصل ما ورد فيها عاما ويقيد ما ورد نفيها مطلقا، لكن كتبة حزب الاستئصاليين وبالمناسبة فهو ليس تنظيما سياسيا حزبيا، ولكنه مجموعة موثورة من الحاقدين والمندسين في بعض المنابر الإعلامية التي اتضحت هويتها ورسالتها ممن ندبوا أنفسهم لقلب الموازين والدفاع عن الشيطان وقلب المعروف منكرا والمنكر معروفا والتشكيك في الثوابت الدينية والوطنية، وتوهين العرى الخلقية تحت شعارات الحرية والحداثة والديمقراطية وهي كلها منهم براء أقول بدل أن يسلك هؤلاء سبيل النصيحة البناءة التي تسهم في تطوير أداء العلماء والخطباء والوعاظ، وهم ليسوا معصومين أو منزهين، وجدناهم يسلون سيف الاستئصال وينصبون محاكم التفتيش في النيات والضمائر ويلقون ألسنتهم بالقذف واتهام العلماء والخطباء
بموالاة القاعدة وبن لادن ويدعون إلى تكميم الأفواه ونصب المشانق الفكرية والمعنوية، وهم الذين صموا آذاننا زمنا طويلا عن حرية الفكر وحرية التعبير. كان من الممكن أن لا نقف عند الموضوع لو تصدى لتصحيح ما ورد في الخطبة المذكورة، مما قد يعتبر تعميما أو اجتهادا مرجوحا لو كنا نعلم عند الذين تولوا كبر تلك الحملة الإرهابية الفكرية المتدثرة برداء الحداثة غيرة على الحقل الديني وعلى المساجد وخطبة الجمعة، وعلى الأخلاق والقيم، أو مراعاة لقيم مجتمعنا المغربي المسلم ولتقاليده في العفة والحشمة في الملبس والكلمة والكتابة والنشر، لكن صحيفتهم شاهدة على أنها اختارت مسارا معاكسا لذلك كله، إذ لا يخلو عدد منها من مقالات تعرض بأحكام الشريعة أو تخدش بالحياء من الصور العارية والكلمات العارية والأفكار العارية والمواقف العارية والمفضوحة. كان من الممكن أن لا نقف عند هذا الموضوع لو كانت القضية داخلة في إطار أدب المناظرة الدينية أو أدب الحجاج التي يزخر بها تراثنا الإسلامي أو ضمن دائرة الاختلاف بين العلماء الذي هو رحمة بما يرتبط بهذا الخلاف، وتلك المناظرة وذلك الحجاج من أصول وضوابط، لكن الأمر ليس كذلك، بل هي حملة ضمن
حملات تستهدف مقومات المجتمع المغربي، بما فيها الطابع الإسلامي للدولة وتستهدف المقومات الخلقية للمجتمع المغربي المسلم والمعايير والموازين القيمية المستقرة داخله، والتي تميز من خلالها بين الحلال والحرام والخير والشر، وبين الأولياء والخصوم للأمة والوطن. والظاهر أن بعض الحداثيين المنسوبين ظلما وزورا للحداثة قد أرادوا، أو أراد لهم غيرهم، أن يأخذوا المجتمع رهينة من خلال التوظيف المغرض للأحداث الإرهابية الإجرامية بالدار البيضاء التي أدناها ولازلنا وسنظل، وذلك من خلال استغلالها لاستدراج أصحاب القرار لتبني منهجهم القائم على الإرهاب الفكري والاستئصال وتكميم الأفواه. فلما خاب ظنهم وضل مسعاهم وأسقط في أيديهم من خلال تبني الدولة مقاربة شمولية حكيمة في مواجهة الإرهاب لا تقتصر فقط عند المقاربة الأمنية، بل أدخلت المقاربة الفكرية والتربوية وملء الفراغ في مجال الحقل الديني، الذي عادة ما يستعمل لاستنبات أفكار الغلو والتطرف وإعادة هيكلته، حيث توسعت خريطة المجالس العلمية لتعطي كل جهات المملكة وطعمت المجالس العلمية بكفاءات جديدة من النساء والرجال. وأكد أمير المؤمنين على أن تلك المجالس وجب ألا تبقى جزرا
معزولة بما يعنيه ذلك من انفتاح المجالس العلمية على كافة العلماء، وهو المنهج الحكيم الذي ثبت نجاعته وآتى أكله في معالجة كثير من المعضلات، مثل المسألة الحقوقية، وذلك حين انفتح المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان على كافة الفعاليات الحقوقية، ولقد كان الاستئصاليون يريدونها حربا شاملة تعتمد منهج تجفيف المنابع بدعوى أن المسؤولية المعنوية عن الأحداث تتحملها خطب الجمعة والتعليم الديني والحركات الإسلامية المعتدلة من الدعوة إلى الاستئصال السياسي إلى الدعوة لنصب مشانق الاستئصال الفكرية وبما أن الاستئصاليين قد شنوا حملة هوجاء كانت تسعى لجر الدولة إلى مواجهة شاملة مع كل ما له صلة بالمرجعية الإسلامية، وفي هذا كان سعيهم الحثيت لإثبات ما سموه المسؤولية المعنوية عن الأحداث الإرهابية ل16 ماي، لكنهم رجعوا بخفي حنين من تلك المغامرة الاستئصالية بعد أن ظنوا أنها فرصة تاريخية، كان لا بد من إعادة الكرة في محاولة يائسة تتجاوز هذه المرة حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح وتستهدف الحقل الديني الرسمي نفسه، ومن أجل التشكيك في جدوى المقاربة المذكورة، وللصياح بلسان الحال والمقال : ألم نقل لكم إنه كان أولى بكم
اعتماد مقاربة الاستئصال فهي الأجدى في الحال والمآل؟ وأن الدولة أصبحت ترعى الغلو والتطرف الذي ينبت الإرهاب بالتركيز على خطبة جمعة، من خلال خطيب ورئيس المجلس العلمي للدار البيضاء، ومن خلال مسجد له رمزيته هو مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء. محرضين إياها على نصب المشانق الفكرية للعلماء والخطباء والوعاظ والإيحاء، وكأن الدولة المغربية الإسلامية دستورا، دولة أمير المؤمنين، هي داخلة باستمرار في مواجهة مع العلماء والأئمة والمساجد، وكأن العلماء والأئمة والمساجد هم في حرب مفتوحة مع الدولة ينازعونها المشروعية الدينية. وبما أن أولئك الاستئصاليين متأكدون من أن مثل هذا لا يمكن أن يتحقق في المغرب، فلا أقل من ممارسة الإرهاب الفكري على العلماء والخطباء وفرض نمط جديد من الرقابة عليهم ومحاصرتهم بمشاعر الخوف والتهيب من أداء واجبهم الديني في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتفاعل المتواصل مع الواقع الاجتماعي، وهو الأمر الذي طالما تمت مؤاخذتهم عليه، بل إن أمير المؤمنين في حفل تنصيب رؤساء المجالس العلمية دعا رابطة علماء المغرب والرابطة المحمدية للعلماء للخروج من سباتها العميق للاضطلاع بواجبها إلى جانب
المجالس العلمية في التأطير الديني للمجتمع وملء الفراغ الذي قد يكون أحد أسباب استنبات التطرف. الخلاصة إذن واضحة، والمستفيد من إرهاب العلماء وإسكاتهم وفرض الوصاية عليهم هم الغلو والتطرف، وبما أن الاستئصاليين يودون أن يرتبط العمل الإسلامي سواء في صورته الرسمية أو الشعبية بالغلو والتطرف والإرهاب على اعتبار أن ذلك يخدم الصورة النمطية التي تسهل من خلالها الدعوة لاستئصاله واستئصال أهله، كما تيسر ذلك للوبي الصهيو أمريكي المتنفذ في الولايات المتحدة الأمريكية على مستوى الإعلام ودوائر القرار السياسي، ذلك أن من مصلحتهم توهين أداء المؤسسة العلمية الرسمية وإضعافها وإضعاف مصداقيتها أمام الشباب وجعلها مقصورة في قضايا الحيض والنفاس، حتى إذا تناولت القضايا العامة تنادوا وصاحوا وزعقوا متوعدين مولولين. ولذلك نقول ونؤكد أن الحملة على العلماء والخطباء والمساجد بدعوى التجاوزات التي تقع في هذه الخطبة أو تلك لا تخدم إلا الغلو والتطرف. ولو كان أهلها ذوي غيرة على الدين وحسن فهمه وتبليغه، ولو كان أهلها أهل نصيحة صادقة لسلكوا إلى النصيحة آدابها وشروطها، ولما أطلقوا ألسنتهم بالسوء والقذف والتجريح الشخصي والاتهام
في النيات والتفتيش في الضمائر والفجور في الخصومة، الذي جعله النبي صلى الله عليه وسلم آية من آيات النفاق إلى جانب الكذب في الحديث والإخلاف في الوعد، مؤكدا أن المؤمن إذا كانت فيه واحدة منهم كانت فيه خصلة من خصال النفاق حتى يدعها.
محمد يتيم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.