دعت حركة التوحيد والإصلاح، الجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية، إلى جعل مرور خمس سنوات على الشروع في إعادة هيكلة الحقل الديني بالمغرب مناسبة لإجراء حوار وطني حول حصيلة هذا المسار، ومدى تمكنه من تحقيق أهداف الإصلاح المعلنة، وطبيعة التحديات التي تعترضه والمبادرات المطلوبة لتعميقه وتقويته. جاء ذلك خلال ندوة نظمتها الحركة الخميس المنصرم بالرباط حول تدبير الشأن الديني بالمغرب، للوقوف على المستجدات القانونية والمؤسساتية لمسار الإصلاح في المجال الديني. وقال سعد الدين العثماني، رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، إن هناك جهات تعمل على ضبط الشأن الديني وتطويعه سياسيا. وأضاف العثماني، الذي كان يتحدث في الندوة المشار إليها، أن هذه الجهات تضاف إلى أخرى تروم تطويع الشأن الديني ليتماشى مع تطورات الحضارة الغربية والحداثة، وثالثة تريد النهوض به، مشيرا إلى أنه يتبنى الأطروحة الأخيرة. واعتبر أن الشأن الديني يتم بالمغرب بتفاعل مع إصلاح مختلف مؤسسات المجتمع، مؤكدا أن تدبير المجال الديني بالمغرب يعيش مشاكل مثل القطاعات الأخرى، مشيرا في هذا الصدد إلى الأزمات التي تعرفها قطاعات التعليم والإدارة والقضاء والبحث العلمي والأزمات المرتبطة بالمؤسسات الثقافية، وكذا انتشار دور الصفيح. وقال العثماني إن عمل حركة التوحيد والإصلاح التي ينتمي إليها تنطلق من أهمية إمارة المؤمنين وموقعها في الحقل الديني، وقال: «إن الدولة ملزمة دستوريا بأن تهتم بهذا الشأن» وذلك لضمان وقاية المغرب من أشكال التطرف الدينية أو اللادينية. وأكد أن الموقف الذي تبديه الحركة تجاه إمارة المؤمنين «لا ينطلق من رؤية سياسية بل هو مؤسس على رؤية ميدانية». وحسب مقربين من دوائر القرار بحركة التوحيد والإصلاح، فإن تنظيم الندوة في الوقت الراهن إشارة إلى الجهات المعنية مفادها أن الحركة ستواصل الضغط من أجل جعل المجال الديني بالمغرب يسير في اتجاه إصلاح أكثر لمؤسساته وإعطائه مضمونا آخر ينزع نحو الانفتاح على جميع التيارات وليس الاقتصار على الطرق الصوفية، خاصة وأن المقاربة الأمنية في معالجته تبقى سيدة في التعامل مع الفاعلين غير الرسميين. أما محمد ضريف، الباحث في الحركات الإسلامية، فقد أكد أن التدابير المتعلقة بالشأن الديني توضع وفقا لتصورات السياسيين ومحكومة بتصورات سياسية وبطلب من فاعلين سياسيين وفي إطار السياسة العامة للدولة. ومن هذا المنطلق، يرى ضريف أن أداء المشرفين على الشأن الديني، خاصة بعد تعيين أحمد التوفيق وزيرا للأوقاف والشؤون الإسلامية، بني على إطار استراتيجي. وقال إن التدبير يحيل على السياسة الدينية ولا يكون بمعزل عن السياسة العمومية للبلاد، وأن تأهيل الحقل الديني يسير في نفس الاتجاهات العامة للدولة مثل ما يتم العمل به والدعوة إليه في تأهيل الحقل السياسي، والسعي إلى صياغة سياسة دينية واضحة. واعتبر ضريف أن الهدف من الانغماس في هيكلة الحقل الديني هو ضبط هذا الحقل والرغبة في التحكم واحتكار التأويل الديني ولو أن الحصيلة غير مشجعة». وعلى مستوى آخر، فإن هناك، حسب ضريف دائما، رغبة في تكريس منظومة قيم جديدة مثل «إسلام ليبرالي» و«إسلام علماني»، مشيرا إلى أن المجلس العلمي الأعلى أعطى شرعية لهذا الأمر من خلال بيانه المتعلق بما يسمى المصلحة المرسلة. وأكد ضريف هيمنة البعد الأمني في تصريف المجال الديني بالمغرب، ووجود مفارقة بين ضوابط الاستراتيجية الجديدة وبين شروط تحققها، في وقت تحتكر فيه الملكية الشأن الديني ويتم فيه إبعاد الفاعلين الشعبيين. أما مصطفى الخلفي، مدير نشر جريدة التجديد، فأكد أن حركة التوحيد والإصلاح، التي تحتكم إلى عدة مبادئ في الموقف من المسألة الدينية، لا تنظر إلى إمارة المؤمنين على أنها صفة، بل وظيفة دينية يجب المحافظة عليها ودعمها، وتدعو إلى تنسيق جهود مختلف مكونات الجبهة الدينية التي تدعو إليها، مذكرا بكون الحركة، ومن أجل صيانة المركز الوظيفي بين الديني والسياسي، ترفض تحزيب المساجد واستثمارها في الحملات الانتخابية، وتمنع خطباءها من الترشح في الانتخابات. وتم خلال هذه الندوة، التي عرفت إلقاء الباحث حميد بحياك مداخلة عبد الله ساعف، استعراض التغيرات التي شهدها الحقل الديني على المستويين القانوني والمؤسساتي، وعلى الخصوص مراجعة وهيكلة اختصاصات الوزارة الوصية ومجالس العلماء والمساجد وتعزيز التأطير الديني، وإعادة بناء المجالس العلمية ومضاعفة عددها وتوسيع تركيبتها وتقوية مجال نشاطها وحضورها في الحياة الدينية للمغاربة، وتفعيل دور المساجد وتنمية مساهمتها في محو الأمية والاعتناء بالقيمين الدينيين وإطلاق مشروع إعلامي ديني عبر إحداث كل من قناة السادسة وإذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، علاوة على تكوين الأئمة والمرشدات واعتماد برنامج لتأهيل مؤسسات التعليم العتيق.