كل عام وأنتم بخير.. عبارة تعودنا على قولها في مستهل كل عام جديد، فنسمع جوابا معسولا مشابها لأننا مكتفون بالبحث عن الخير في ثنايا الكلمات، رغم أن الحقيقة توحي بخلاف ذلك.. نستعير اللغة لكي نتعايش مع الواقع المرّ والقبول بالصعب في زمن انقلاب الموازين واختلال القيم. "" ها نحن نستقبل عاما جديدا-1430/ 2009، بعدما ودعنا عام 2008/1429 بما حمله من أحداث ووقائع تباينت في جسامتها وأهميتها وتداعياتها سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي أو الدولي.. دعونا نركز في هذا المقال على الشق الماليزي، ما دامت الأحداث الدولية أُشبعت تعليقا وتحليلا ودراسة، ولنستعرض أهم المحطات التي شهدتها ماليزيا خلال السنة المنصرمة، وسأكتفي بثلاثة منها. كان من أبرز المحطات الوطنية إجراء الانتخابات العامة في مارس 2008، وهي الانتخابات التي رفعت من سقف الحراك السياسي والمخاض الفكري والحزبي بماليزيا نتيجة ما أفرزته من "تسونامي سياسي" صادم أثار جدلا كبيرا في أوساط الطبقة السياسية والرأي العام الماليزي. ما يهمنا هنا هو قدرة الإرادة الشعبية على صناعة القرار، ومدى تأثير وجود معارضة قوية بالبلاد في الأداء السياسي العام وانعكاسات ذلك على الحالة المعيشية للمواطنين، حيث عاينّا كيف حاولت الحكومة الارتباط أكثر بنبض الشارع، ويكفي الإشارة هنا إلى حجم المساعدات الاجتماعية المخصصة في ميزانية 2009، وإجراء تخفيض ثامن للتوالي في أسعار النفط ليصبح السعر الحالي للتر الواحد أقلّ مما كان عليه قبل أزمة أسعار البترول العالمية، كما أنّ من نتائج ذلك تزايد الضغوط على رئيس الوزراء الحالي عبد الله بدوي للتنحي عن الحكم، وهو ما سيتم في مارس 2009 ليتولى نائبه نجيب عبد الرزاق رئاسة الحزب والائتلاف الحاكم والحكومة الفدرالية بدلا عنه.. ثاني محطة أساسية كانت مأساة انهيار 14 بيتا سكنيا في حي /بوكيت أنترابانغسا/ بالعاصمة كوالالمبور، مما خلف خمسة قتلى وجرح 17 آخرين وإخلاء ما بين 3000 و5000 شخص لمنازلهم تحسبا لما لا يحمد عقباه لاحقا. الكارثة أثارت جدلا على أعلى المستويات بين من يلوم الطبيعة والقضاء والقدر كالعادة (وزير الإسكان أونغ كا شوان)، وبين من لم يستبعد تورط الإهمال البشري في وقوع المأساة (وزير الأشغال محمد زين محمد). وأمام تضارب المواقف وتزايد التراشق الإعلامي وانشغال الرأي العام الماليزي، كان لزاما أن تتدخل سلطات ولاية سيلانغور بكل حزم وصرامة لمعالجة الموضوع من كل جوانبه وأبعاده. وهكذا أعلن كبير وزراء ولاية سيلانغور عبد الخالد إبراهيم أن حكومته المحلية حددت 15 موقعا من أراضي سفوح المرتفعات المهددة بمخاطر الانهيار في منطقة /أمبانغ جايا/، ودوائر منطقة /غومباك/ البرلمانية، مشددا على أن أصحاب الأراضي ملزمون بأخذ مخاطر الانهيار بعين الاعتبار قبل تشييد أي بنايات سكنية، ومنوها إلى أن من سيتخلف عن تحمل مسؤوليته ستُصادر أرضه طبقا للفصل 13 من القانون الوطني للعقارات انسجاما مع المصلحة العامة. المحطة الثالثة تمثلت في مصادقة البرلمان الماليزي مؤخرا على قانون إحداث مفوضية مكافحة الفساد المالي، وهو ما سيضيف إلى ترسانة ماليزيا القانونية والمؤسساتية جهازا مستقلا ومسؤولا من شأنه الارتقاء بمستوى الشفافية والنزاهة داخل القطاعين العام والخاص. وفي هذا الإطار أعلن الوزير المعتمد لدى ديوان رئاسة الوزراء محمد نظري عبد العزيز، أثناء مناقشة مشروع القانون بالبرلمان، أن الحكومة أيدت منح أطر المفوضية رواتب عالية لكي ينجحوا في مهمة محاربة الفساد المحفوفة بالتحديات والمخاطر، مشيرا إلى إلى أن عمل المفوضية سيشمل أيضا القطاع الخاص الذي يشهد بدوره –حسب الوزير- مظاهر الفساد المالي، غير أنه لا يحظى باهتمام السياسيين ووسائل الإعلام للحديث عنه كما هو الحال بالقطاع العام على حد قوله، ومضيفا أن المستثمرين الأجانب المتورطين في تقديم الرشاوى إلى الموظفين العموميين لن يكونوا معفيين من المساءلة القانونية بموجب الفصل 21 من القانون. بدل أن نعيد الكلام المكرر، تعالوا نغوص في أعماق المعاني، "فالبلاغة التي تجرح المعنى"، كما قال محمود درويش، هي المدخل إلى اكتشاف جراحنا النازفة على ناصية واقع أمتنا الذي يتطور من سيء إلى أسوأ في زمن الاستخفاف بالدم العربي والمسلم! عام جديد ودم وصمت.. كيف نجرح المعنى كي نقوله؟ كيف نصنع حلما ولا نبدده؟ ومع ذلك تمنياتنا لماليزيا وسائر شعوب الدول الإسلامية بسنة سعيدة! وكل عام وأنتم بألف خير!