نفى محمد الأشعري أن يكون صدر عن الاتحاد الاشتراكي ما يفيد بأنه سيحكم إلى جانب حزب الأصالة والمعاصرة في ,2012 وأكد في حوار مطول مع التجديد ننشره غدا على جزأين أنه ليس على طاولة الاتحاد مشاريع من هذا النوع، نافيا أن يكون الاتحاد قد بعث برسائل إلى أطراف سياسية معينة، موضحا أن للاتحاد قيادة واحدة منبثقة عن المؤتمر بطريقة شرعية وديمقراطية تدبر الخط السياسي للحزب وتعبر عن مواقف الحزب في هذه القضية أو تلك. وأكد الأشعري أن حزبه مايزال متشبثا بموقفه الذي أعلن عنه في بلاغ رسمي بخصوص الوافد الجديد، وأنه مايزال متشبثا بقناعاته بأن الأساليب الماضية يجب أن توضع وراء ظهورنا، مبرزا أن حزبه لا يمكن أن يقبل أن يولد حزب بملعقة من ذهب في فمه، وأنه يجب ألا تكون هناك أي إشارة لتفضيل هذا الحزب أو ذاك، داعيا إلى جعل المؤسسة الملكية مؤسسة سامية فوق كل التعبيرات السياسية، وألا تلصق بها أي وظيفة من الوظائف اليومية للأحزاب السياسية، وأن تظل دائما مرجعية عليا للبلاد يحتكم إليها. وقال الأشعري: لا أرى أي حاجة اليوم لتبوئ تعبير سياسي معين مكانة عليا تقع بين التعبيرات السياسية العادية وبين المرجعية العليا، وشدد الأشعري على أن حزبه لا يمكن أن يقبل هذا الوضع على الإطلاق. وبخصوص ما يجري من حراك سياسي في اتجاه خلق أقطاب سياسية اعتبر الأشعري كل تشكيل فوقي للخريطة السياسية عملا فاشلا وغير مثمر. واعتبر في المقابل أن الذي سينجح في تشكيل الأقطاب السياسية وتقويتها وفي القضاء على البلقنة السياسية هي أنظمة سياسية جيدة وأحزاب جيدة وعمل مؤسسي قوي على مستوى الحياة النيابية والجماعات المحلية، مؤكدا بهذا الخصوص أنه لا بد أن يعطي للمجال السياسي حرية التشكل بناء على القناعات وعلى الشرعية الانتخابية، وعلى القدرة على تأطير المواطنين والتعبير عن تطلعاتهم. وقال الأشعري لا أظن أن المغرب سيظل دائما محتاجا إلى يد خفية لتنوب عن الجميع في وضع الخرائط الآنية والمستقبلية. وانتقد الأشعري بشدة حالة التردد السياسي التي يعيشها المغرب، متسائلا كيف استطاع المغرب أن يطوي صفحة مؤلمة من ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ولم يستطع في المقابل أن يطوي صفحة العبث السياسي وافتعال الخرائط السياسية، وكيف استطاع أن ينجح في تحقيق أوراش كبيرة وأن يحرز تقدما في مجالات عدة، دون أن ينجح في التوجه بوضوح وشفافية وثبات نحو إرساء قواعد ديمقراطية . الجهوية والإصلاح الدستوري سميتم مشروعكم للجهوية الموسعة بالمشروع الأولي، هل يعني هذا أن هذا النقاش لم يكتمل بعد داخل الاتحاد الاشتراكي، أم أنكم تفضلون اختيار الوقت المناسب للإعلان عن المشروع كاملا؟ أميل إلى القول بأننا ننتظر تطور الحوار حول الموضوع لنتمكن من تقديم تفاصيل أكثر تدقيقا. نحن اشتغلنا على كل المحاور الأساسية لمشروع الجهوية الموسعة. وضعنا تصورا متكاملا للتقطيع الترابي، واشتغلنا على سيناريوهات الخريطة الجهوية الجديدة، واشتغلنا كذلك بشكل مدقق على خريطة الاختصاصات، وكل مستلزمات الذهاب إلى أبعد مدى في مجال اللامركزية واللاتمركز. واشتغلنا كذلك على موضوع تدبير الموارد، لأننا نعتبر أن القضية المفصلية في مشروع الجهوية الموسعة هو كيفية تدبير الموارد الوطنية وربط ذلك برؤية للتدبير الترابي للمملكة. واشتغلنا كذلك على كل النقط المتعلقة بالنظام الانتخابي للجهة، بما في ذلك نظام الاقتراع. وكما تتصورون، في المرحلة التي يجتازها الحوار مع اللجنة الاستشارية للجهوية الموسعة، نرى أنه من الأنسب أن نضع المبادئ العامة الأساسية، والتصور العام، على أن نقدم فيما بعد كل التفاصيل الدقيقة. في ورقتكم الأولية للجهوية الموسعة اعتبرتم الإصلاح الدستوري منطلقا أساسيا لهذا المشروع، هل تقصدون بالإصلاح الدستوري تعديل الدستور بما يعني إقحام الجهوية ضمن مواده، أي إصلاح دستوري بقصد المواءمة مع متطلبات الجهوية، أم تقصدون إصلاحا دستوريا حقيقيا يعيد النظر في خريطة الاختصاصات بما يقوي موقع الحكومة ومؤسسة الوزير الأول والبرلمان ويعطي صلاحيات حقيقية للجهات؟ أريد أن أوضح أننا انطلقنا في اشتغالنا على مشروع الجهوية الموسعة من تحليل دقيق وضعه صاحب الجلالة في خطابه حول الموضوع، والذي أكد فيه أن هذا المشروع هو مقدمة لإجراء إصلاح عميق لهياكل الدولة. ولذلك، نحن لا نعتبر أن مشروع الجهوية الموسعة هو مجرد إجراء تقني لتطبيق أوسع للامركزية واللاتمركز، بل نعتبر أن هذا المشروع هو أولا وقبل كل شيء جواب سياسي عن سؤال عريض يتعلق بتحديث هياكل الدولة. أي كيف تصبح ديمقراطيتنا في مؤسساتها الوطنية والجهوية نظاما حديثا للتدبير، وأيضا للممارسة الديمقراطية ولترسيخ الشرعية التمثيلية على المستويين الوطني والمحلي. لذلك، لا مجال لفصل الأمور عن بعضها. لا يمكن أن ننجز اليوم إصلاحا دستوريا جزئيا يتعلق ببعض إجراءات الملاءمة، لأن الأمر أعمق بكثير من ذلك. الأمر يتعلق بإعادة النظر في مواقع المؤسسات الأساسية، وعلى رأسها الحكومة، وكذلك المؤسسات الجهوية التي ترتبط بمشروع الإصلاح هذا. ونعتبر من الناحية العملية، أن البلاد تحتاج اليوم، بعد مرور أزيد من 12 سنة على البدء في تطبيق الدستور الجديد، تحتاج اليوم إلى إعادة نظر عميقة في المقتضيات الدستورية بطريقة تجعل من أفق بناء الدولة الديمقراطية الحديثة أفقا حقيقيا وممكنا. ومن المهم أن ننجز ذلك برؤية شمولية، وليس بنظرة تجزيئية. ومن المهم كذلك أن تستقر البلاد دستوريا حتى لا نلجأ كل مرة إلى فتح ورش الإصلاح الدستوري، وحتى يكون لنا دستور يليق بدولة قوية ومستقرة.. الملاحظ في تاريخ المغرب السياسي أن الاستجابة إلى مطلب الإصلاح الدستوري كان دائما يتم في إطار صراع موازين القوى، وكانت الحركة الديمقراطية تمتلك من التراكم الديمقراطي ما يجعلها قادرة على تحقيق هذا المكسب. اليوم ألا ترى أن موازين القوى هي مختلة لغير صالح القوى الديمقراطية حتى يمكن أن نتحدث عن إصلاحات دستورية بهذا الأفق الديمقراطي الذي تحدثتم عنه؟ لا بد هنا أن ننتبه إلى اختلاف السياق. فيما مضى كان الإصلاح الدستوري مطلبا للقوى المناضلة من أجل الديمقراطية في مواجهة قوى تفضل الاستبداد. كان تطلعا للقوى المدافعة عن دولة الحق والقانون في مواجهة قوى ترى بأن الدولة ينبغي أن تتنظم بطريقة مختلفة عن ذلك. أعتقد أننا اليوم في سياق مختلف تماما. نحن اليوم أولا، تقدمنا على هذه الطريق، وفي اعتقادي ليس هناك اليوم إعادة إنتاج لنفس سيناريو الصراع الذي كان في الستينات والسبعينات وحتى في الثمانينات. هناك اليوم شعور مشترك لدى عدد كبير من الفاعلين السياسيين بأن الإصلاح ليس فقط مطلب هذا الجزء ضد هذا الجزء من الشعب المغربي، ولكنه اليوم ضرورة سياسية واقتصادية واجتماعية. لا يمكن أن نتقدم في تطوير بلادنا، وفي الدفاع عن قضايانا، وفي مقدمتها قضيتنا الوطنية، لا يمكن أن نتقدم في علاقتنا مع أوربا خ وقد كان الاجتماع الأخير في غرناطة موحيا بذلك- لا يمكن أن نبني بلدا قويا وحديثا بدون هذه الإصلاحات. كل الأطراف السياسية تعرف ذلك اليوم. لذلك، نحن لا نطرح قضية الإصلاحات الدستورية من منظور صراع قوى ضد قوى، ويجب أن نبحث في ذلك على موازين القوى. في اعتقادي، عندما ينجز هذا الإصلاح، لن يكون هناك منتصر ومنهزم، ولكن سيكون هناك منتصر واحد هو المغرب الذي سيصبح قادرا على تدبير نفسه بطريقة ديمقراطية حقيقية وذات مصداقية. إذا فهمت تحليلكم، يمكن أن نستنتج أن بعض مراكز النفوذ واللوبيات المقاومة للتغيير والإصلاح وللمشروع الديمقراطي والتي تؤثر في صناعة القرار السياسي، تراجعت ولم تعد تقاوم أي مسعى في اتجاه الإصلاح السياسي والدستوري ؟ لا. ربما لم تتراجع بالشكل الذي تتراجع به في ديمقراطيات مستقرة وحاسمة، ولكن أعتقد بأن هناك اليوم وعي لدى عدد كبير من القوى السياسية بأنه يجب أن نتجاوز هذه اللوبيات، ويجب أن ننتصر عليها. وأنا متأكد أنها ستظل دائما موجودة ومتوفرة على نوع من القدرة على الأذى في كل الأحوال. وحتى الديمقراطيات العريقة لا تسلم من أعداء للديمقراطية الذين يستعملون كل الأساليب للإبقاء على مصالحهم وعلى لوبياتهم. نحن لن نشذ عن هذه القاعدة. سيظل هذا الصراع دائما موجودا. لكن، ما أقصده هو أن الفاعلين السياسيين الأساسيين واعون جيدا بأن مستقبل المغرب ومصلحة المغرب تتوقف على إنجاز هذه الإصلاحات وعلى إرادة حقيقية للإصلاح. وانتصار هذه الإرادة هو الذي سيمنع هذه اللوبيات من إعاقة المشروع الديمقراطي، وليس البقاء في وضعية الجمود، لأن كل استمرار في هذه الوضعية سيقوي لوبيات مقاومة التغيير والإصلاح. الشأن الحزبي والسياسي إذا حاولنا أن نقيس ما تقولون إلى طبيعة الحراك السياسي الذي شهده المغرب منذ سنة ,2007 وبشكل خاص إنشاء حزب سياسي جديد، وفي زمن قياسي، بحيث يسيطر على البرلمان والغرفة الثانية ويتصدر نتائج الانتخابات الجماعية الأخيرة، ويهيمن على مجالس الجماعات ومكاتب مجالس الجهات والأقاليم، ألا يؤشر هذا على أن المغرب لم ينتصر على الممارسات البائدة في صناعة الخرائط السياسية وتشكيل الحزب الأغلبي الذي حضر أصلا للفوز في الانتخابات والتحكم في المشهد السياسي؟ للأسف أنا مضطر للتسليم معك بأن هذه الممارسة أرخت بنوع من الظلال المثيرة للشك وللتخوف، لأنها بكل بساطة تنتمي إلى أساليب الماضي. ونحن كنا نعتبر أننا قد طوينا صفحة الماضي. وقد طويناها حتى في الجزء الأكثر دراماتيكية وهو الجزء المتعلق بملف حقوق الإنسان والانتهاكات الجسيمة التي طالت حقوق الإنسان في المغرب.: بلد استطاع أن يطوي هذه الصفحة المؤلمة، كيف لا يستطيع أن يطوي صفحة العبث السياسي وافتعال الخرائط السياسية. لهذا نحن ما نزال عند تحليلينا وموقفنا بأن هذا الأمر، وبالأساليب التي حدث بها، هو معيق للتطور الطبيعي للديمقراطية في المغرب. نعم هناك مشكل، وهناك ضعف في النسيج الحزبي المغربي، وهناك تأخر في الممارسة السياسية، لكن نعتبر أن الجواب الذي حضر لهذا الضعف ولهذا التأخر هو جواب لا يستقيم مع التطلع الحقيقي الموجود اليوم لدى الشعب المغربي، من طي صفحة الماضي والتوجه نحو المستقبل. يجب أن نقوم بمجهود على أنفسنا كأحزاب سياسية، لأننا ببساطة، لا يمكن أن نعيد الثقة للمواطنين في النسيج الحزبي، ولا يمكن أن نطور الإقبال الجماهيري على التعبيرات السياسية إذا لم نحدث تحولا نوعيا في مصداقية العمل السياسي للبلاد، وإعطاء معنى لما يجري: إعطاء معنى للانتخابات، وإعطاء معنى للعمل الحكومي، وإعطاء معنى كذلك للعمل البرلماني، والعمل الإعلامي، وإشعار المواطنين بأن ما نقوم به في كل هذه العمليات الانتخابية والمؤسسية ليس عملا عشوائيا وعبثيا، بل هو عمل لصيق بالهموم اليومية للمواطنين ومستجيب لتطلعاتهم. لهذا أعتقد بأن هناك ما يبرر البحث عن أجوبة سياسية عن الوضع الذي نعيشه، لكن الأجوبة الخطأ تزيد من تعميق الأزمات التي نعيشها، وهذا شيء يجب أن نقاومه جميعا. لكن حين يصنع الجواب الخطأ خ على حد تعبيركم- خريطة سياسية ينتصب فيها حزب أغلبي يهيمن على المشهد السياسي. كيف يمكن أن يتلاءم هذا مع التطلع الأكبر إلى إصلاحات حقيقية في مسايرة هذه الجهوية التي يراد من خلالها تحديث هياكل الدولة. إلى أي حد يمكن أن يكون هناك انسجام بين التطلع الديمقراطي والدستوري، وبين خريطة سياسية أنتجها الجواب الخطأ؟ ولذلك، نحن نقول في الاتحاد الاشتراكي بضرورة أسبقية الإصلاحات السياسية. لا يمكن أن نتجاوز هذا الوضع الذي نتحدث عنه إذا لم يكن هناك إصلاح عميق للقوانين الانتخابية، إذا لم يكن هناك إصلاح عميق لقانون الأحزاب، إذا لم تكن هناك إصلاحات دستورية عميقة تعيد الاعتبار لجميع المؤسسات وتعيد ربط المواطنين بالمنظومة المؤسسية. كل استمرار في تكريس الأمر الواقع يضرب في العمق المشروع الديمقراطي المغربي. نحن نعتبر أنه لا يمكن أن نتصدى للفساد الانتخابي، أو لظاهرة الترحال، أو لظاهرة شراء الذمم في العمل السياسي، وهي كلها أعمال تحطم آمال الشعب المغربي في مستقبل الديمقراطية في المغرب، وكلها تضعف مشاركة المغاربة في العملية الانتخابية، لا يمكن أن نواجه كل هذه الأوبئة فقط بالنوايا الحسنة والوعظ والإرشاد. يجب أن تكون هناك آليات قانونية، وآليات مؤسسية، وقبل ذلك إرادة سياسية، لإنجاز الإصلاحات الضرورية لطي هذه الصفحة. إنك تلاحظ معي أنه على الرغم من كل التقدم الذي حصل في المغرب، وهنا يجب أن نعترف بأنه قد حصل تقدم في المغرب في مجالات عدة، بالرغم من كل هذا التقدم، لم نستطع حتى اليوم أن نطوي صفحة التردد السياسي في بناء الديمقراطية. لماذا يفشل المغرب الذي نجح في العديد من الأوراش حتى الأكثر حساسية منها، لماذا لا يستطيع حتى اليوم أن يطوي هذه الصفحة ويتوجه بوضوح وشفافية وثبات نحو إرساء قواعد ديمقراطية ليس عليها أي غبار. أعتبر أن هذا التردد السياسي هو الذي ينبغي أن نجتهد في إيجاد جواب عنه. جواب غير مرتجل، وغير مندرج في سياق الأجوبة التقليدية، بل جواب ينبني ويتأسس على تعميق الإصلاح. الملاحظ اليوم في المشهد السياسي أن هناك حراكا في اتجاه إعادة رسم الخريطة السياسية، وهناك حديث يجري عن ضرورة خلق أقطاب، وهناك تحركات تحاول أن تندرج ضمن هذا الإطار تحت مسمى القضاء على البلقنة وتأهيل المشهد الحزبي إما في شكل دمج أحزاب أو تكتل أحزاب أخرى، كيف تقيمون هذه الصيغ التي تشتغل في هذا الإطار؟ وهل يمكن أن تكون إيجابية على المدى المتوسط والبعيد بالرغم من الشكل الذي تتم به؟ أنا أعتبر أن كل تشكيل فوقي للخريطة السياسية عمل فاشل، وغير مثمر. واعتبر في المقابل، أن الذي سينجح في تشكيل الأقطاب السياسية وتقويتها وفي القضاء على البلقنة السياسية هي أنظمة سياسية جديدة وأحزاب جيدة وعمل مؤسسي قوي، وخصوصا على مستوى الحياة النيابية، وكذلك على مستوى الجماعات المحلية. بدون هذا، كل إجراء فوقي يعتبر بأن الرسم القبلي للخريطة سيحل المشاكل هو عودة إلى الأوهام السابقة. ونحن نريد أن نخرج من هذا السياق بصفة نهائية، ونعطي للمجال السياسي حرية التشكل، بناء على القناعات وبناء على الشرعية الانتخابية، وبناء كذلك على القدرة على تأطير المواطنين والتعبير عن تطلعاتهم. وخارج هذا الأمر، لا نظن أن المغرب سيظل دائما محتاجا إلى يد خفية لتنوب عن الجميع في وضع الخرائط الآنية والمستقبلية. لقد وصل المغرب منذ فترة طويلة إلى سن النضج السياسي والاجتماعي، وفي مناسبات عدة، أظهر الشعب المغربي قدرته على التصرف بنضج كبير، ولا أعتقد أن استمرار هذا الحجر على الشعب المغربي من الناحية السياسية سيكون مفيدا لتقدم المغرب وتطوره الديمقراطي مستقبلا. يلاحظ في أدبيات الاتحاد الاشتراكي وبلاغاته السياسية أن هناك وضوحا على مستوى الموقف مما سميتموه بالوافد الجديد، لكن على مستوى تصريف هذا الموقف في تصريحات القيادات الاتحادية، نجد نوعا من التمايز، فمن تأكيد على مضمون بلاغ الحزب البلاغ من الوافد الجديد، إلى الحديث عن نهاية منطق الإيديولوجيا في عقد التحالفات مع الأحزاب، وأولوية الجبهة من أجل الدفاع عن الديمقراطية، ثم جاءت بعد ذلك تصريحات أخرى تعيد الاعتبار للجانب الإيديولوجي في التحالف، وبعد ذلك أتت تصريحات تتحدث عن الحكم إلى جانب البام في 2012؟ مقاطعا. أنا ألاحظ أنك تتحدث عن بلاغ واحد، وتصريحات متعددة. ينبغي أن أؤكد هنا أن التصريحات تنتمي إلى الاجتهاد الذي يمكن أن نقوم به جميعا للجواب عن أسئلة ظرفية، ولكن، البلاغات التي تصدر عن القيادات السياسية بشكل رسمي، هي المواقف التي تم النقاش حولها والاتفاق بشأنها، ولا يمكن أن نخلط بين الأمرين. مرة أخرى، أحيانا يخيل إلي أننا دائما يجب أن نعود إلى البديهيات، ونوضح في كل مرة، كما لو أننا نبدأ من الصفر. طبعا في وضع مثل وضعنا، نحتاج دائما إلى نوع من التنسيق المستند أساسا إلى برامج حكومية أو برامج محلية، وضمن هذا الإطار ليس من الضروري أن نصدر عن تجانس إديولوجي. وقد خضنا تجربة من هذا النوع في حكومة التناوب، إذ كنا نشتغل ضمن طيف واسع من التعبيرات السياسية، لا تجمعنا بها معتقدات إيديولوجية، بل نوجد معها أحيانا على طرفي نقيض فيما يخص بعض التوجهات والرؤى التي تهم المشروع المجتمعي. ولكن، حدث في تلك المرحلة أن اتفقنا على برنامج حكومي، وعلى خريطة للأغلبية الحكومية تمكننا من تطبيق هذا البرنامج. وهذا الأمر ممكن دائما، وأعتقد أن استحالة الحصول على أغلبيات حاسمة ستدفعنا دائما إلى هذا النوع من التعاملات السياسية المشروعة والمتداولة في كل لحظة ديمقراطية. ولكن هذا لا يمنع من أن يؤكد كل طرف سياسي على هويته السياسية والإيديولوجية وأن يعمل على انتصارها على المستوى الاجتماعي وعلى المستوى السياسي. أن نتفق على برنامج مرحلي حكومي لا يعني أننا وضعنا جانبا مشروعنا الأساسي، وهو مشروع بناء مجتمع اشتراكي متحرر قائم على إعادة توزيع عادل لخيرات البلاد وعلى إعطاء مكانة أساسية للمرأة في المجتمع، وقائمة كذلك على إعطاء مكانة أساسية لحرية الإبداع والثقافة في البلاد. هذا مشروع مجتمعي لن نتنازل عنه أبدا مهما كانت ظروف اللقاءات والتحالفات المرحلية. ويجب أن نكون واضحين في هذا الأمر، والتشبث بهويتنا السياسية يجب ألا يفسد للود قضية. هو حق نتشبث به، ونتشبث بحق الآخرين في أن تكون لهم هويتهم السياسية ومشروعهم المجتمعي الذي يدافعون عنه. حتى أكون واضحا أكثر في سؤالي، أنتم تحدثتم عن صناعة الخرائط السياسية وأن ذلك ينتمي إلى العهد البائد، وتحدثتم عن التدخلات الفوقية التي تحاول أن تدفع في اتجاه تشكيل أقطاب معينة، واعتبرتم ذلك جوابا خطأ ومسعى فاشلا. لكن حين يصرح قيادي اتحادي ويقول سنحكم إلى جانب البام في ,.2012 مقاطعا... نحن لم نقل هذا أبدا في الاتحاد. ولم يصدر هذا من الاتحاد أبدا. وعندما أقول إن هذا لم يصدر، أقول ذلك للدفاع عن حقيقة. بطبيعة الحال، نحن اليوم ليس لدينا على الطاولة مشاريع من هذا النوع، فلسنا مقبلين على تشكيل حكومة، ولم نخرج للتو من تجربة انتخابية، وليس أمامنا نتائج خرجت من صناديق الاقتراع تلزمنا بالتفكير في مثل هذا الخيار لتشكيل الحكومة. هذه كلها أنواع من الاستيهامات التي لا علاقة لها بالواقع. ولكن أحيانا تضطر بعض القوى السياسية إلى بعث رسائل من هذا النوع إلى أطراف معينة؟ نحن لم نرسل أي رسالة من هذا النوع. أنا لا أتحدث عن الاتحاد الاشتراكي، وإنما أتحدث عن بعض قياداته، وتحديدا بعض قياداته السابقة؟ أولا، يجب أن لا نفتعل خرائط للقيادات. هناك قيادة واحدة للاتحاد هي المنبثقة عن المؤتمر بطريقة شرعية وديمقراطية. وهذه القيادة هي التي تدبر الخط السياسي للحزب، وهي التي تعبر عن مواقف الحزب في هذه القضية أو تلك. يجب أن نخرج من سياق الرسائل والرسائل المضادة. هذه اللغة غير ذكية في العمل السياسي. وأعتبر أننا يجب أن نخرج من هذا الأسلوب المتخلف القائم على تشفير اللغة السياسية في البلاد. يجب أن نعطي للعمل السياسي نوعا من الصدق والوضوح وأن نتخاطب كأناس ناضجين، وكشرفاء أولا وقبل كل شيء. يجب أن نقول لأنفسنا ما نقوله لغيرنا بنفس الصدق في هذه الأمور، لأن من الآفات المؤلمة في العمل السياسي هو انتفاء هذا الصدق، وهيمنة صورة جد سلبية عن السياسيين مفادها أن المتناورين والمتلاعبين هم الأجدر بالعمل السياسي بينما عندنا تجربة وطنية عظيمة. فالحركة الوطنية والحركة التقدمية والحركة الديمقراطية أنجبت مناضلين كانوا يفضلون أن يمسكوا بجمرة قناعاتهم على أن يطفئوها وسط لغة منافقة. وهذه تجربة يتفرد بها المغرب في الخريطة العربية ككل. يجب أن نستعيد هذه القيم. نحن لا نرفض الحوار، ولكننا نريده أن يكون أولا حوارا حراً وصادقاً ولا يبحث عن الأرباح السريعة في السياسة. مقاطعا: حوارا مع من؟ مع الجميع. حوارا وطنيا يشارك فيه الجميع، ولكن ليس بالحسابات السياسية الضيقة، وإنما هو حوار يجعل على رأس أولوياته المصلحة العليا للبلاد: ما ذا نريد لبلادنا اليوم ومستقبلا؟ وماذا نريد لديمقراطيتنا اليوم وغدا؟ ما هو تصورنا لعمل المؤسسات اليوم وغدا؟. أنا لا أتصور أن هذا الحزب أو ذاك وجد بصفة دائمة ليكون على رأس تدبير الشأن العام.. يجب أن نهيئ المؤسسات التي تضمن للجميع حق ممارسة السياسية الشريفة، سواء تعلق الأمر بهذا الحزب أو ذاك، وليس أن نفصل الأشياء على مقاسنا وعلى اشتهاءاتنا السياسية. تقولون بأن الجواب الذي حضر لتجاوز الضعف السياسي يعيق المشروع الديمقراطي، ولقد تتبعتم تطورات الأحداث، وراقبتم مسلكية الوافد الجديد في العمل السياسي، وأصدرتم بلاغا في الموضوع. هل ما تزالون داخل الاتحاد الاشتراكي تحملون الموقف نفسه الذي عبر عنه بلاغكم؟ أم أنكم طورتم موقفا جديدا من هذا الحزب؟ ليس هناك في المجال السياسي أشياء غير قابلة على الإطلاق للمناقشة والمراجعة. نحن لا نزال متشبثين بقناعاتنا بأن الأساليب الماضية يجب أن نضعها وراء ظهورنا. وأننا لا يمكن أن نقبل أن يولد حزب بملعقة من ذهب في فمه، يجب ألا تكون هناك أي إشارة لتفضيل هذا الحزب أو ذاك. يجب أن نتصرف، كما تصرفنا دائما، بأن نجعل المؤسسة الملكية مؤسسة سامية فوق كل التعبيرات السياسية، وألا نلصق بها أي وظيفة من وظائفنا اليومية كأحزاب سياسية. يجب أن تظل ، كما هي بالفعل، مرجعية عليا نحتكم إليها للدفاع عن الثوابت التي لا يمكن التراجع عنها. إذا سمحت ديمقراطيتنا غدا على سبيل المثال لحزب العدالة والتنمية أن يكون في الموقع الأول وأن يدبر الشأن العام، يجب أن تظل هناك مرجعية عليا نحتكم إليها في حالة ما إذا ارتأى هذا الحزب أو ذاك أن يمس بثابت من ثوابت ديمقراطيتنا الحديثة. يجب أن تكون هناك مرجعية عليا نحتكم إليها جميعا. هذا موضوع واضح ولا أرى أي حاجة اليوم لتبويء تعبير سياسي معين مكانة عليا تقع بين التعبيرات السياسية العادية وبين المرجعية العليا. لا يمكن قبول هذا الوضع على الإطلاق. ونحن في الاتحاد الاشتراكي لن نقبله أبدا، نحن لسنا جامدين في مواقفنا. نحن نحتفظ برأينا في الأساليب التي تم إنشاء هذا الحزب بها، لكن في الوقت ذاته ننتظر ما ستسفر عنه تطورات هذا الحزب في الواقع وفي الحقل السياسي. إذا توجه هذا الحزب إلى مراجعة هذه الوضعية الاستثنائية التي يتوفر عليها، وإذا أصبح حزبا عاديا لا يستفيد من أي تمييز لصالحه، وإذا طور كما يحاول أن يفهم من خلال تصريحات بعض قادته، إذا طور توجها سياسيا يدافع عن الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان ويدافع عن دولة المؤسسات، فنحن لن نبقى سجناء لموقف اتخذناه منه بسبب ظروف التأسيس. سنبحث الموضوع حينها. لكن يجب أن يتغير الوضع في الواقع السياسي الذي نعيشه. وحتى الآن، لم نر ما يؤشر على هذا التغيير العميق، لكن نلتقط من حين لآخر إشارات ربما تنحو نحو هذا المنحى. سننتظر، ونتخذ الموقف المناسب في الوقت المناسب أو عند التطور المناسب. في السابق كان هناك حديث عن لقاء سياسي بين أطراف متعددة من أجل الدفاع عن الديمقراطية كجواب سياسي عن استدعاء صيغ الماضي في صنع الخريطة السياسية وصنع الحزب الأغلبي، هل ما زلتم تنشغلون بهذا العنوان؟ نحن منشغلون بهذا العنوان من وجهة نظر سبق أن طرحناها وهي ضرورة الدفاع اليوم عن جيل جديد من الإصلاحات الأساسية في البلاد. وأعتقد أن هذه الإصلاحات لا تخص حزبا دون حزب. نعتبر في الاتحاد الاشتراكي أن كل الإرادات الصادقة التي تتطلع إلى تطوير الديمقراطية وتطوير دولة المؤسسات، كل هذه الإرادات ستبقى مدعوة للتوافق حول الخطوط العريضة لهذا الإصلاح. أعتبر أن كل الأشياء المتعلقة بالإصلاح الدستوري وإصلاح القوانين الانتخابية، كل هذه الأشياء من الممكن أن يكون حولها توافق لجميع الإرادات الصادقة التي يهمها الإصلاح. وفي هذا لا نريد إطلاقا أن تسود نظرة حزبية ضيقة. وفي ما عدا ذلك فإن باب الاختلاف والاجتهاد مفتوح، لأن الديمقراطية تتيح ذلك. هذا من الناحية النظرية، لكن دعنا نتحدث من وجهة نظر سياسية: الاتحاد الاشتراكي طالب بإصلاح المنظومة الانتخابية، وقد ركز على هذا المطلب كل من حزب العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية وبإلحاح مع اختلاف في بعض التفاصيل التي تخص العتبة، هل يمكن أن نتصور تنسيقا بين هذه الأطراف من أجل تحقيق هذه الإصلاحات؟ أعتقد أن كل حزب على حدة يطور اليوم اجتهادات في موضوع الإصلاح. حزب الاستقلال يلح على إصلاح المنظومة الانتخابية، وأتصور أن له مساهمته في قضية الإصلاح الدستوري. لا أعتقد أن حزبا جديا اليوم في المغرب لا يفكر في موضوع الإصلاحات ولا يبلور اقتراحات مدققة في الموضوع. سيكون من السابق لأوانه اليوم أن نتحدث عن تنسيق هذه الجهود، لكنني أعتبر أن هناك حاجة أولا للحوار حول هذه القضايا، وهناك كذلك تصور لدى الاتحاد الاشتراكي بأن كل هذه الإصلاحات تستدعي مبادرة أساسية لجلالة الملك، وجلالة الملك قام بهذه المبادرة فيما يخص الجهوية الموسعة، وهذا الورش اليوم يقع فيه حوار واسع بين كل الأطراف السياسية، وقد ذهبنا جميعا أمام اللجنة الاستشارية للجهوية الموسعة، وعبرنا فيها عن آرائنا بخصوص هذا الإصلاح. وأعتقد أن هذه النواة الأولى للحوار الوطني مع اللجنة الاستشارية للجهوية الموسعة، قد تكون في المستقبل منطلقا لحوار أوسع، لأنني ألح كما أشرت سابقا إلى أننا اليوم في سياق مختلف عن سياق صراع موازين القوى. نحن في سياق السعي المشترك نحو تحقيق إصلاح حقيقي. تقصدون أن تنتفي الصفة الحزبية عن هذا التنسيق للمطالبة بالديمقراطية، وأن تكون الدولة طرفا أساسيا في الموضوع ضمن حوار تنظمه وتشرك فيه كل الأحزاب؟ أن تكون الدولة طرفا أساسيا في هذا الحوار فهذا ضمانة أساسية لنجاحه. نحن لا نعتقد في الاتحاد الاشتراكي أن هناك طرفا سياسيا يعبر عن رفضه للإصلاح. بالعكس، هناك تعبير واضح من كل الأطراف عن الرغبة في الإصلاح، وهناك اجتهادات مختلفة لتبيان توجهات هذا الإصلاح يجب أن نسهم فيها جميعا كل من وجهة نظره ومن منطلق قناعاته، ويجب أن نصل إلى حوار وطني تكون فيه الدولة طرفا أساسيا ومركزيا لأننا لا نعتبر أن هناك إمكانية أخرى لانتزاع هذا الإصلاح بغير هذا التوافق. شكلتم في الأيام القليلة الماضية لجناً مشتركة بينكم وبين حزب الاستقلال وبينكم وبين حزب التقدم والإشتراكية؛ هل هي محاولة لإحياء الكتلة أم مجرد تنسيق ذي طبيعة ثنائية؟ هي أولا محاولة لتقوية العمل المشترك وإحياء جهود التنسيق والتآزر، وقد فعلنا ذلك بنوع من النقد الذاتي وباستحضار للتحديات التي يفرضها علينا ورش الإصلاح، نحن نتصور أن الكتلة ليست مجرد حنين إلى الماضي، وليست إطاراً جامداً لا يقبل المراجعة والتحديث. لقد كانت منذ إنشائها رؤية للمستقبل وإطاراً مرناً للعمل المشترك وحتى تبقى يجب أن تظل كذلك. الصحافة إذا انتقلنا إلى المشهد الإعلامي، يبدو أن هناك تشابها كبيرا بين ما يجري من حراك داخل المشهد السياسي وما يقابله داخل المشهد الإعلامي: إقبار صحف، وتطويع أخرى والتحكم في خط تحرير منابر ثالثة، ومحاكمات تسلط على رقاب الصحف، وغرامات خيالية. إلى درجة أن البعض اعتبر أن هناك محاولة لتطويع شامل للمشهد الإعلامي لخدمة طرف سياسي أو مراكز نفوذ متحكمة، من موقعكم كيف تقيمون ما يجري من حراك داخل المشهد الإعلامي؟ أنا أعتبر أن الوضع هو أعقد مما ذكرت. أعتبر بأن مجال الصحافة المكتوبة، والتي ركزتم عليها بصفة خاصة ضمن المشهد الإعلامي في سؤالكم، كانت إلى فترة قريبة تهيمن عليها الصحافة الحزبية. وهذه الصحافة كانت في وقت ما صحافة مناضلة ومبشرة بمشروع جديد ومدافع عن حقوق الناس. وكانت في الحقيقة صوت من لا صوت له. وبهذا المعنى، كانت تحقق انتشارا واسعا وتواصلا قويا رغم ضعفها المهني أحيانا. ومن المؤكد أن التطور الذي عرفه المشهد السياسي قد استتبع نوعا من الانفتاح كذلك في المجال الإعلامي. لذلك ظهرت بسرعة تعبيرات صحفية جديدة مستقلة عن الأحزاب، واختطت لنفسها طريقا جديدا يعتمد أكثر ما يعتمد على الأداء المهني وعلى نوع من التواصل المباشر مع الناس، وكذلك على نوع من الجرأة في التطرق إلى القضايا العامة. وإن كان المستوى المهني رغم كل التحسن المهني الذي جاءت به هذه الطفرة لم يصل إلى المستوى اللائق بصحافة جديرة بهذا الاسم. يجب ألا ننسى أن هذه الطفرة الصحفية التي جاءت مع الانفتاح السياسي لم تكن دائما وليدة إرادات مستقلة. فهذا المجال لعب فيه الجميع. وأحيانا اتسع الخرق على الراتق بالنسبة إلى المتدخلين في هذا الموضوع. وكثير من الأصوات الصحفية التي صنعت تمردت على صانعيها فيما بعد. واختلطت فيها كثير من المصالح. منها المصالح الاقتصادية، والمصالح الخاصة بهذه الممارسة. لكن أنا لا أعتبر أن هذا الأمر مزعج، أعتبر أن انفجار الظاهرة الصحفية في المغرب يبقى رغم كل الملابسات المحيطة به، ظاهرة صحية. ويجب الحفاظ على هذا المكتسب. في كل الديمقراطيات تقع الصحافة أحيانا كثيرة فريسة لتدخلات متباينة. في فرنسا وفي بريطانيا، كثير من التعبيرات الصحفية لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة مع أجهزة الاستخبارات لهذا البلد أو ذاك. يعرف الجميع ذلك. وكثير من هذه الدول بواسطة أجهزة استخباراتها تؤثر على الرأي العام من خلال الصحافة، والعلاقة ما بين المصالح الاقتصادية والمنابر الصحفية معروفة وموجودة وليست شيئا استثنائيا، وأتصور أن هذه الأمور سيكون لها وجود حتمي في المغرب. سترتبط كثير من المنابر بالمصالح الاقتصادية، وسترتبط بعضها بالأجهزة، وستحدث تداخلات بين هذه الأمور. وهذا شيء طبيعي في المشهد الإعلامي في ديمقراطية حديثة. هناك أشياء غير مقبولة من الناحية الأخلاقية وهي الابتزاز والاستعمال والدس والافتراء، وهذه الظواهر، أعتقد أن محاربتها لا تتم فقط بالقوانين والزجر ولكن تتم أيضا بتطوير المهنة وقدرة الإعلاميين على تنظيم مهنتهم. القيم والعربية لو نأتي إلى الفقرة الأخيرة والمتعلقة بالقيم. يلاحظ اليوم مجموعة من الظواهر التي أصبحت تثير جدلا حول سمعة المغرب وكرامته، وبشكل خاص كرامة المرأة المغربية؛ دعارة الفتيات المغربيات في الخارج والشذوذ الجنسي والسياحة الجنسية وغيرها. كيف تنظرون إلى هذه الظواهر القيمية؟ ما هي المقاربة التي تقترحونها لمعالجتها؟ أولا، دعني أقول لك بأني أنفر بشكل تلقائي من استعمال بعض الظواهر الاجتماعية بطريقة تصبح نوعا من الاستغلال السياسي. الظواهر الاجتماعية ينبغي أن ننظر إليها بكثير من الجدية وبنوع من الموضوعية، وأن لا نرى فيها مطية للدفاع عن خطاب أخلاقي. وسأحدثك بصراحة في هذا الموضوع. أنا أميل إلى الاعتقاد أن كل واحد ينبغي أن يقوم بعمله ولاشيء غير عمله. من الطبيعي أن يكون في مجتمعاتنا مربون ووعاظ وعلماء ومفتون، وهذا كله ضروري في توازن مجتمعاتنا. وهؤلاء يجب أن يقوموا بعملهم كاملا، ويجب أن يدافعوا عن النظم والقيم التربوية التي ينبغي أن نحافظ عليها محافظتنا على أنفسنا. لكن السياسيين يجب أن يقوموا بعملهم وألا يتحولوا إلى وعاظ ودعاة أخلاق. وفي هذا الإطار، أسجل أننا نتعامل أحياناً مع مثل هذه الظواهر برؤية أخلاقية فقط وهذا مؤسف. لأننا نجد في حقيقة الأمر أن هذه القضايا تعكس اختلالات اجتماعية حقيقية، وليس اختلالات قيمية فحسب. ما يهمني سياسيا في هذا الإطار هو أن نجد الأجوبة العملية على ظواهر صحية خطيرة مثل السيدا وهي تنخر كثيرا من مدننا؛ ليس فقط بسبب ما يسمى بالسياحة الجنسية ولكن أيضا بسبب الأوضاع الاجتماعية اللصيقة بنا نحن وليس بالأجانب. ما الذي يجب أن نقوم به في هذا الاتجاه في مجال التربية والوقاية وإيجاد المراكز المتخصصة لاستقبال المصابين وفي معالجة المرأة المصابة بالسيدا والجنين المعرض للإصابة بها كذلك، وكل ما يتعلق بقضايا التطبيب والعلاج. لا يكفي أن نردد الخطاب الأخلاقي المرتبط بهذه الظاهرة. هذا يجب أن يقوم به العلماء والوعاظ في كل وقت وحين، ولكن نحن كسياسيين يجب أن نجد الحلول للقضايا المرتبطة بالإدمان على الكحول وتوزيع الكحول على القاصرين. يجب أن ننظر إلى الأمور بشكل موضوعي يعالج المشاكل كما هي في الواقع وليس كما هي في تمثلاتنا وتصوراتنا. ألا ترى معي أن أوربا تنشئ العديد من المراكز لمعالجة الإدمان والتحسيس بمخاطر الكحول. إنها تتوجه للظاهرة كما هي في الواقع. لو كان الوعظ والإرشاد كافيا لمعالجة هذه الظواهر لما كانت موجودة في الواقع وتزداد سنة بعد سنة. ولذلك، اسمح لي، أن أؤكد من جديد على أنه لا ينبغي أن نخلط بين وظائفنا. نحن مطالبون بإيجاد حلول للمشاكل الموجودة في الواقع لا أن نتستر عليها بخطاب أخلاقي لأن من شأن هذا التستر أن يخل بقدرتنا على التعامل مع هذه الظواهر بموضوعية وإيجاد حلول لها. في موضوع اللغة العربية، يلاحظ أن هناك موجة من استعمال الدراجة كلغة الكتابة ولغة الإعلام، في نظركم كيف تقرؤون هذه الموجة؟ ألا ترون أنها تندرج ضمن أجندة فرنكفونية لإضعاف اللغة العربية على نسق ما ساقه العروي في كتابه من ديوان السياسة من كون ليوطي كان يعتزم ترسيم الدارجة في المغرب لكنه فشل في ذلك واضطر إلى التخلي عن هذا المشروع؟ أنا أعتبر أن الحديث عن الدارجة ربما يقع في دائرة المبادئ أكثر مما يقع في دائرة الواقع. لأنني ألاحظ أن الدارجة، مثلها في ذلك، مثل اللغة العربية، توجد في مكانة دونية. لا أحد اليوم يستعمل الدارجة بطريقة واسعة في الإنتاج الأدبي والفكري والعلمي. ينبغي أن نكون واقعيين، الدارجة اليوم، لا تتعدى كونها لغة التخاطب اليومي، وما ألاحظه للأسف، في القنوات أو الإذاعات التي تتحدث عنها، هو أمر مخز حقيقة. فالذين يتحدثون بالدارجة يتلفظون بأربع كلمات من الدارجة وعشرة أخرى باللغة الفرنسية، ويسمونها دارجة!. والذين يدافعون اليوم عن الدارجة لا يعرفون الدارجة. وأنا أعتبر اليوم أن إعطاء مكانة للدارجة هو انتصار للغة العربية، لأن العربية هي اللغة الأقرب إلى الدارجة التي نتحدث بها في تخاطبنا اليومي. ولذلك، لا ينبغي أن ننظر إلى الدارجة نظرة دونية، بل ينبغي أن نعتبر أن إعادة الاعتبار لها في حياتنا العامة كلغة للتخاطب اليومي هو تقوية للغة العربية. والغريب أننا نلاحظ في خطابات السياسيين عندنا نوع من الاحتقار للدارجة، إذ ما إن يمسكوا بالميكروفون حتى يتحولوا إلى خطباء مفوهين باللغة العربية. ما أدافع عنه وبقوة، وهو أن اللغة العربية كلغة مكتوبة، وليست كلغة شفوية للتخاطب، يلزم أن نقوم بمجهود كبير لتيسير تدريسها في المدرسة والمقررات الدراسية ويجب أن نعطيها المكانة اللائقة بها في الحياة العامة، لأننا نلاحظ سنة بعد سنة وجود مشاكل كثيرة على مستوى تعلمها. لماذا لا يتعلم أطفالنا اللغة العربية بنفس السهولة التي يتعلمون بها اللغة الفرنسية في المدرسة المغربية؟. هذا سؤال ينبغي أن يطرح على الجميع، وأعتقد أننا لا يمكن أن نحل هذا المشكل بأي تعصب أو انغلاق. لابد من كثير من المرونة والانفتاح لقبول هذا التعدد اللغوي الذي نعيشه في المغرب. فهذا واقع لا يمكن أن نزيله ولا أن نمحوه. اللغة الأمازيغية يجب أن تعطى لها مكانتها. لكن بما أننا اخترنا أن تكون اللغة العربية لغة التعلم والكتابة فهذا يقتضي أن نوجد حلولا حقيقية للمشاكل التي يطرحها تعلمها.