ذكرتم أن فرضية إعادة هيكلة المشهد السياسي التي يفسر بها البعض مبرر وجود حزب الأصالة والمعاصرة غير صحيحة؛ بدليل أن هذا الحزب لم ينجح في هذه الوظيفة، فكيف تناقشون بقية الفرضيات؟ الفرضية الثانية التي يسوقها البعض وهي أن حزب الأصالة والمعاصرة جاء لمواجهة ما يسميه بالظلاميين وفي مقدمتهم حزب العدالة والتنمية. هذه الوظيفة التي يتحدث عنها البعض هي أكبر دليل على أن الملك لا يمكن أن يقف وراء حزب الأصالة والمعاصرة، لأنه منذ سنة ,1979 اقتنع الملك الحسن الثاني بقاعدة سياسية أساسية هي أنه لا يمكن مواجهة أي فاعل ديني بفاعل سياسي، وما يؤكد هذه القاعدة أن اليسار فشل في محاربة الإسلاميين لأنهم لا يمتحون من نفس المرجعية، وقد لاحظنا كيف وظف الملك الحسن الثاني التيار السلفي الوهابي في مواجهة الحركة الإسلامية. على الأرض اليوم، لا يوظف الملك محمد السادس الأحزاب السياسية لمواجهة التيار السلفي الجهادي وإنما وظف التيار الصوفي، لأن هناك مرجعية مشتركة بين التيارين، وهذا يؤكد بأن الملك محمد السادس استوعب هذه القاعدة السياسية التي انتهى إليها والده. لكن علينا أن نرصد هنا بعض التناقضات: مباشرة بعد انتخابات السابع من شتنبر 2007 تهجم فؤاد عالي الهمة على حزب العدالة والتنمية، وفي نفس الوقت أدلى بتصريحات لبعض الصحف يفسر فيها فوزه بنسبة ساحقة من الأصوات بكونه استطاع أن يقنع أتباع جماعة العدل والإحسان للتصويت عليه في ابن جرير، ولاحظ أنه مؤخرا قبيل انطلاق الحملة الانتخابية بدأ فؤاد عالي الهمة يتحدث عن حزب العدالة والتنمية كحزب وطني منخرط في الشرعية، وخصص نصيبا وافرا من تهجماته إلى جماعة العدل والإحسان التي اعتبرها مناهضة أو تعمل من خارج النظام القائم. أنا أعتقد أن الموقف من حزب العدالة والتنمية كان محكوما بسببين: السبب الأول: هو أن فؤاد عالي الهمة حتى قبل أن يؤسس حزبه، كان يسعى إلى إحداث نوع من التقارب بينه وبين الاتحاد الاشتراكي، ولا ننسى هنا أن بعض مناضلي الاتحاد الاشتراكي قد التحقوا بحركة لكل الديمقراطيين، وكان فؤاد عالي الهمة وهو يخطو خطواته نحو تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة يسعى إلى إحداث نوع من التقارب مع الاتحاد الاشتراكي وكان يدرك عمق التناقضات بين الاتحاد الاشتراكي وبين العدالة والتنمية، لذلك، لم يكن موقف الأصالة والمعاصرة من حزب العدالة والتنمية موقفا عدائيا بقدر ما كان محكوما بحسابات سياسية ظرفية؛ هي إعطاء مشروعية لمشروعه السياسي الجديد، لكن تبين لفؤاد عالي الهمة فيما بعد أنه فشل في مسعاه في هذا الخيار، وأصبحنا نسمع تصريحات قيادات حزب الأصالة والمعاصرة تصف التحالف بين الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية بالتحالف الهجين وغير الطبيعي، وهي في الحقيقة حين تصفه بهذه الأوصاف، إنما تتوجه بالخطاب إلى الاتحاد الاشتراكي أكثر مما تتوجه إلى العدالة والتنمية. السبب الثاني: وكما هو معلوم حزب الأصالة والمعاصرة هو حزب حديث النشأة، ولم يمر على تأسيسه سنة، وحتى عندما أراد أن يبلور أدبياته وتصوراته حصرها في تقرير الخمسينية وتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، هو في الحقيقة حزب لا زال يبحث عن ذاته. ونحن نعرف أن أي حزب إذا لم يستطع أن يشكل لنفسه إيديولوجية تحدث لأعضائه شعورا بالوحدة، وذلك من خلال إيجاد خصم سياسي، سواء كان هذا الخضم حقيقيا أو وهميا، فإنه لا يمكن أن يستمر، ولذلك، أنا أعتقد أن إعلان الخصومة مع العدالة والتنمية محكوم بهذا المنظور، أي أن قيادة الأصالة والمعاصرة كانت تقصد إحداث حالة من الوحدة داخل التنظيم في مواجهة حزب سياسي آخر، بتعبير آخر، كان الهدف هو محاولة إشعار أتباع الحزب بالتميز عن الآخرين، لاسيما أن نقطة ضعف هذا الحزب هو أنه فسيفساء من المواقف السياسية والمرجعيات الفكرية المتباينة، ولذلك كان لا بد من إيجاد خصم سياسي، سواء كان حقيقيا أو وهميا. وضمن هذا المنظور أنا أعتقد أن التركيز على العدالة والتنمية كخصم سياسي مفهوم سياسيا بالقدر الذي كنا نفهم الخصومة السياسية التي نشبت بين الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية في مرحلة من المراحل. وأرجع هنا لأقول: إذا كان حزب الأصالة والمعاصرة يعتقد بأنه يمكنه أن يواجه الإسلاميين فلن يكون أبدا هذا هو مشروع الملك محمد السادس وما يطمح إليه؛ لسبب بسيط هو أن الملك يعتقد أنه لا يمكن مواجهة حركة إسلامية بفاعل سياسي. وماذا عن الفرضية التي تقول بأن هذا الحزب أحدث لتوفير غطاء برلماني للحكومة المنبثقة عن اقتراع السابع من شتنبر، على اعتبار أن حكومة عباس الفاسي هي حكومة أقلية وأن فريق الأصالة والمعاصرة هو الذي أكمل نصاب هذه الحكومة بدعمه لها؟ لا يمكن قبول هذه الفرضية لسبب بسيط، وهو أن الذين يعتقدون أن الملك وراء إحداث حزب الأصالة والمعاصرة لأداء هذه الوظيفة سيغيرون رأيهم، خاصة بعد تحول حزب الأصالة والمعاصرة إلى موقع المعارضة، وكان من المفترض أن تسقط الحكومة، لكن تجديد الملك ثقته في حكومة عباس الفاسي، ووالحديث الآن عن إدخال الحركة الشعبية إلى الحكومة واستكمال هذه الحكومة لنصابها، كل ذلك يبرز أن هذه الفرضية هي غير واردة تماما وغير قادرة على التفسير الصحيح للوظيفة التي من أجلها جاء حزب الأصالة والمعاصرة. أنت تبطل ثلاث فرضيات تفسيرية تم تداول بعضها إعلاميا على نطاق واسع، فما هي الفرضية التفسيرية التي تميل إليها؟ حزب الأصالة والمعاصرة دون أن ترتبط به المؤسسة الملكية تأسس لإضفاء المشروعية على موت الانتقال الديمقراطي، فمنذ وصول الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي في مارس 1998 تبلور خطاب يتمحور حول مقولة الانتقال الديمقراطي، وأثيرت أسئلة عديدة عن مآل هذه التجربة، وكان بعض السياسيين وفي مقدمتهم محمد اليازغي يدعون إلى ضرورة الدخول إلى الديمقراطية بأقصى سرعة حتى نغادر دائرة الانتقال الديمقراطي، لكن بعد اقتراع السابع من شتنبر لاحظنا ألا أحد يتحدث اليوم عن مقولة الانتقال الديمقراطي، وتم تبرير ذلك بضعف الأحزاب السياسية، وأن الرهانات حاليا ليست هي الانتقال الديمقراطي، وإنما هي إعادة التصالح بين المواطن وصناديق الاقتراع، بين المواطن والسياسة، معنى ذلك أننا رجعنا إلى نقطة الصفر في التجربة السياسية، بل أصبح هناك مفهوم جديد للانتماء إلى الحكومة من قبل الحزبيين، فعندما التزم عبد الواحد الراضي في حالة انتخابه كاتبا أول للحزب، صرح بعد ذلك بأن قرار بقائه أو مغادرته للحكومة هو اختصاص ملكي، ولاحظنا أن هذا التصور كرسه حزب الأصالة والمعاصرة بتجميده لعضوية أحمد اخشيشن في الحزب، مع أن المنطق كان يقتضي أن يقدم استقالته أو يطلب إعفاءه لكي يكون الحزب منسجما مع قراره الانتقال إلى المعارضة. أنا في الحقيقة أميل إلى هذه الفرضية الرابعة، على اعتبار أن كل ما تحقق من مكتسبات سياسية في تجربة الانتقال الديمقراطي بدأ يتبدد لأن هناك ممارسات بدأت تتكرس لا علاقة لها بمفهوم الانتقال الديمقراطي