عرفت انتخابات 7 أيلول/ سبتمبر 2007 التشريعية عزوفا ملحوظا، تمثل في نسبة مشاركة انتخابية لم تتعد 37 في المائة، هي الأدنى منذ الاستقلال سنة 1956. ويعبر ذلك بالدرجة الأولى عن أزمة ثقة في العملية السياسية والانتخابية، كما في القوى السياسية المرتبطة بها. تواجه الانتخابات المحلية (البلدية) في 12 حزيران/يونيو 2009 التحدي ذاته، بل أن الاستراتيجيات والتحالفات تدور حول كيفية تجاوز هذا الخطر الذي ينتقص من شرعية العملية السياسية برمتها، فتجد السلطة كما الأحزاب فيه تهديدا لها. والانتخابات هذه هي الثانية في عهد الملك محمد السادس، وتاسع انتخابات جماعية منذ سنة 1956، وهي بمثابة اختبار لعشر سنوات من الجهود الإصلاحية ( 1999 -2009 ) المرتبطة بالتنمية والتدبير المحليان، وسياسة القرب، وما يقال له الديمقراطية المحلية في عهد الملك الجديد. ومقابل الميل للاستنكاف ومعانيه تلك، هناك اندفاع "حزب الأصالة والمعاصرة" الذي شكله منذ اشهر قليلة السيد فؤاد عالي الهمة، المعرّف بأنه صديق الملك، إلى احتلال الساحة. فهل يحفز هذا الاندفاع سائر التشكيلات السياسية لمجابهته، ويمنح بالتالي العملية الانتخابية بعض الجاذبية؟ وهل يمكنه أن يدفع تلك التشكيلات إلى التوافق لقطع الطريق على هذا الوافد الثقيل. "" هل يحل ميثاق الشرف المشكلة؟ وللتحضير لهذه الانتخابات، وضعت وزارة الداخلية "ميثاق شرف" يهدف إلى محاربة العزوف الانتخابي ويدعو الأحزاب وبعض منظمات المجتمع المدني للقيام بدورها في تأطير المواطنين وتشجيعهم على المشاركة، وشنت حملة تعبوية وتوعوية موجهة للشباب بشكل خاص ولعموم الموطنين. أما السلطات، فقد قامت بإدخال تعديلات على الميثاق الجماعي لتعزيز أدوار الجماعة المحلية (البلدية) وتوسيع اختصاصاتها. كما قامت بحملة اعلامية لدعوة المواطنين للتسجيل في اللوائح الانتخابية وفق النظام الجديد الذي يعتمد معيار السكن في الدائرة الانتخابية. وتمت مراجعة استثنائية للوائح، وإدخال تعديلات على مدونة الانتخابات تمثلت في اعتماد البطاقة الوطنية كوثيقة إثبات أثناء عملية التسجيل، أو الدفتر العائلي في حالة عدم توفرها، كما تم رفع العتبة الإلزامية الدنيا لنسبة الأصوات المحصلة من أي لائحة من 3 إلى 6 في المائة من مجموع الناخبين، وذلك للحد من التشرزم السياسي، وتم تخفيض سن الترشيح من 23 إلى 21 سنة، وكذلك رفع تمثيل المرأة في الجماعات المحلية بإحداث "صندوق دعم تمثيلية المرأة في المجالس المنتخبة". فالمدونة كما صادق عليها مجلس النواب سترفع تمثيل النساء، لا سيما في البوادي، إلى 12 بالمائة، وهو تطور جاء نتيجة لمطالب الحركة النسائية، ومن بينها "الحركة النسائية من أجل ثلث المقاعد المنتخبة للنساء في أفق المناصفة"، وهي تضم حوالي ألف جمعية. وتهم هذه الانتخابات 1500 بلدية أو "جماعة" حضرية وقروية لولاية مدتها ست سنوات. وهذه الجماعات تضم ما يقرب من 23367 مقعد منها 2822 مقعد مخصصة للنساء حسب القانون الانتخابي الجماعي الجديد أي بنسبة 12.08 في المائة. أما الكتلة الناخبة، فأضيف إليها نتيجة التعديلات مليون و 640 ألف ناخبا، ليرتفع بذلك حجمها إلى 13 مليون و876 ألف و346 ناخبا. وتجرى هذه الانتخابات وفق نمط اقتراع مزدوج بين الاقتراع اللائحي (في المجال الحضري) والاقتراع الفردي الاسمي ( في المجال القروي). ويفترض أن يشارك في هذه الانتخابات ما يقرب من 33 حزبا، بعضها حديث النشأة ويمثل انشقاقات، وهي تتوزع بين اتجاهات يسارية وليبرالية وإسلامية. ولا تشارك كافة القوى اليسارية والإسلامية في هذه الانتخابات. ف"جماعة العدل والإحسان" المحظورة، والتي تعتبر حسب المراقبين أكبر تنظيم سياسي إسلامي جماهيري معارض، ترى نفسها غير معنية بهذه الانتخابات لأنها تجري في إطار سياسي ودستوري "غير نزيه"، وأنها امتداد لما سبقها من انتخابات واستحقاقات، وبالتالي فلا فائدة من المشاركة فيها . كما أعلنت قوى يسارية مقاطعتها، أبرزها "حزب النهج الديمقراطي"، وهو حزب معترف به ويحسب على اليسار الراديكالي، وأخيرا هناك بعض جمعيات التيار الأمازيغي التي دعت من خلال "التنسيقية الوطنية للحركة الثقافية الأمازيغية بالجامعة المغربية" إلى مقاطعة هذه الانتخابات، بالإضافة إلى "الحزب الديمقراطي الأمازيغي" المنحل. التفاتة إلى حزب "الأصالة والمعاصرة" والأحزاب المتحالفة معه. يعتبر حزب "الأصالة والمعاصرة" الذي نشأ مؤخرا حدثا إعلاميا وسياسيا بامتياز، فهو عقد مؤتمره التأسيسي تحت شعار "المغرب غدا بكل ثقة"، وذلك قبيل خمسة أشهر من موعد الانتخابات الجماعية التي نحن بصددها. وقد حضر المؤتمر 5 آلاف مندوب. ويعتبر إنشاء الحزب تتويجا لمسار بدأ باستقالة الوزير المنتدب في وزارة الداخلية السيد فؤاد عالي الهمة عام 2007 لرغبته في خوض الانتخابات التشريعية في منطقته كمرشح مستقل. وفازت لائحته بالكامل (3 مقاعد)، وهي الوحيدة التي حققت ذلك، كما حققت أعلى نسبة في الأصوات. ويرجع ذلك إلى كون السيد فؤاد عالي الهمة صديق الملك محمد السادس وزميل دراسته، وشغل منصب كاتب دولة ثم وزيرا منتدبا في وزارة الداخلية، وكان تصفه الصحافة بالرجل الثاني في النظام السياسي المغربي. وفي خطوة مفاجئة، وبعد هذا الفوز الكاسح، دشن فؤاد عالي الهمة دخوله السياسي بالهجوم الإعلامي على "حزب العدالة والتنمية" الإسلامي في أول حوار تلفزيوني له. أعطت القناة الثانية حق الرد للحزب الإسلامي، ليستمر التراشق الإعلامي بين الطرفين. وشكل فؤاد عالي الهمة داخل البرلمان بمجلسيه ( مجلس النواب ومجلس المستشارين) فريقا من النواب المستقلين والمنسحبين من أحزاب أخرى بلغ 36 عضوا، ثم بعد ذلك شكل ائتلافا برلمانيا موحدا مع "حزب التجمع الوطني للأحرار" سمي بفريق "التجمع والمعاصرة"، الذي ضمن الأغلبية للحكومة بعد خروج "حزب الحركة الشعبية" إلى المعارضة. وفي مطلع ،2008 أعلن فؤاد عالي الهمة عن تأسيس "حركة لكل الديمقراطيين"، تضم شخصيات من آفاق مهنية ومشارب فكرية وثقافية وحساسيات سياسية وجمعوية متنوعة، هدفها المعلن إعادة الاعتبار للعمل السياسي، ومصالحة المواطن مع السياسة، ومحاربة ثقافة التيئيس وذلك بعد النسبة المتدنية للمشاركة التي عرفتها الانتخابات التشريعية لعام 2007. كما جعلت الحركة من أهدافها الدفاع عن الإصلاحات والورشات الكبرى التي يقودها الملك محمد السادس في إطار "مشروع المجتمع الديمقراطي الحداثي". إلا أن المتتبعين رأوا في تشكيل الحركة نواة لحزب مستقبلي، وهو ما تأكد لاحقا من خلال تجميع خمسة أحزاب في إطار تحالف سيطلق عليه حزب "الأصالة والمعاصرة"، وهذه الأحزاب هي "حزب رابطة الحريات" "الحزب الوطني الديمقراطي"، "حزب العهد"، "حزب البيئة والتنمية"، "حزب مبادرة المواطنة والتنمية"، وهي أحزاب ضعيفة التمثيل في الشارع المغربي. وتم هذا التجميع في شهر آب/أغسطس 2008، لينعقد المؤتمر التأسيسي في كانون الثاني/ يناير 2009. وقد انتخب المؤتمر بالتوافق الشيخ بيد الله أمينا للحزب (وزير صحة سابق – مستقل) بينما بقي فؤاد عالي الهمة ضمن القيادة في المكتب الوطني للحزب. يعلن "حزب الأصالة والمعاصرة" أنه جاء لترشيد العمل الحزبي وعقلنة المشهد السياسي المغربي، من خلال الدعوة إلى إنشاء أقطاب سياسية تتنافس على برامج سياسية نوعية، وهو مطلب ما فتئ العاهل المغربي يطالب به الأحزاب منذ توليه الحكم، لأن من شأن ذلك أن يضفي مصداقية على العمل السياسي بدل التشرذم الذي يطبع المشهد الحزبي المغربي (أكثر من 33 حزبا). وقد جاء قانون الأحزاب الجديد لسنة 2005 (الذي دخل حيز التنفيذ سنة 2006) بمبدأ التحالف والاندماج بين الأحزاب. وفي هذا الإطار، تم تجميع الأحزاب السياسية الخمسة، كما يقوم الحزب بمشاورات للتحالف مع أحزاب أخرى يراها قريبة منه ك"حزب الحركة الشعبية" و"حزب الاتحاد الدستوري" وكذلك الرفع من مستوى المشاركة الانتخابية من خلال توسيع قاعدته الانتخابية والتعبئة لضمان مشاركة مكثفة تتجاوز نكسة 7 ايلول /سبتمبر 2007. وبقيت "حركة لكل الديمقراطيين" محتفظة بكيانها "المستقل" عن "حزب الأصالة والمعاصرة" رغم أن أعضاءها القياديين هم قياديو الحزب . أما "حزب العدالة والتنمية" فيعتبره حزب "الأصالة والمعاصرة" خصما سياسيا (فلم يدعه لحضور افتتاح المؤتمر التأسيسي)، ومواجهته ميدانيا من بين الأهداف التي يؤكد عليها فؤاد عالي الهمة في كل لقاءاته مع مؤيديه أو في حواراته الصحفية. وفي هذا الإطار يسعى" حزب الأصالة والمعاصرة" لقطع الطريق أمام اكتساح أي قوة سياسية غير مرغوب فيها من طرف السلطة، خصوصا الإسلاميين المشاركين في الانتخابات، وبالتحديد "حزب العدالة والتنمية" الذي كانت مشاركته الانتخابية منذ 1997 وحتى 2009 محط تخوف من طرف دوائر محلية وخارجية، من أن تؤدي إلى إرباك المعادلة السياسية المتحكم فيها من قبل وزارة الداخلية. أما الأحزاب اليسارية، وعلى رأسها "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" فتعتبر "حزب الأصالة والمعاصرة" "وافدا جديد" أو " الحزب الإداري الجديد" [1] وامتدادا لمناورات سياسية وانتخابية سابقة مارستها السلطة لخلق "حزب الدولة" (كما هو الشأن في مصر وتونس)، وقد حدث ذلك في انتخابات 1963 حيث أسس مستشار الملك الراحل الحسن الثاني، أحمد رضا كديرة، "جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية"، وحدث الأمر نفسه في انتخابات 1977 بتأسيس "حزب التجمع للأحرار"، وفي 1984 بتأسيس "حزب الاتحاد الدستوري". وفشلت هذه التجارب، مما يحكم على هذه التجربة الأخيرة بالفشل. وأمام عملية تجميع الأحزاب التي يقوم بها "حزب الأصالة والمعاصرة"، يقوم اليسار المغربي بالدعوة إلى تجميع قواه المبعثرة من خلال عقد اجتماعات وندوات حول توحيد اليسار، بل أعلن أحد قياديي حزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" الذي يعتبر قطب اليسار المغربي، عن إمكانية التحالف مع "حزب العدالة والتنمية" لحماية الديمقراطية ومحاربة الفساد. وهذا التقارب بين عدوين تاريخيين (اليسار والإسلاميين) هو نتيجة ظهور "حزب الأصالة والمعاصرة". إلا أن الدعوة بقيت يتيمة لأنها لم تصدر عن الهيئة التقريرية للحزب، وليست محط إجماع داخله فضلا عن أنها رد فعل ليس إلا. القوى "الإسلامية" تتحدد القوى الإسلامية المشاركة في الانتخابات بحزبي "العدالة والتنمية" و"النهضة والفضيلة". أما "حزب البديل الحضاري"، وهو حزب إسلامي شارك في انتخابات 2007 التشريعية، ولم يحصل على أي مقعد، فقد تعرض للحظر القانوني في 18 كانون الثاني/ يناير 2008، بعد اكتشاف وزارة الداخلية المغربية ل"خلية إرهابية" سميت إعلاميا ب"خلية بلعريج" نسبة إلى قائد الخلية، وتتكون من 35 فردا من ضمنها أمين عام الحزب، المصطفى المعتصم، والناطق الرسمي باسمه، محمد الأمين الركالة، وهما رهن الاعتقال. أما "حزب العدالة والتنمية"، فهذه ثالث انتخابات جماعية يشارك فيها. وقد عرفت هذه المشاركة تدرجا، فأول انتخابات جماعية شارك فيها الحزب بشكل غير رسمي، هي انتخابات 1997، تحت لائحة "اللامنتمون"، ثم انتخابات 2003 حيث غطت مشاركة الحزب نسبة 18 بالمائة من الدوائر، وكان يعتزم المشاركة بنسبة 40 بالمائة لولا الأحداث الإرهابية التي ضربت مدينة الدارالبيضاء في 16 أيار/ مايو 2003 وحمّل فيها الحزب المسؤولية المعنوية من طرف خصومه السياسيين والأيديولوجيين. والآن يعتزم الحزب المشاركة في هذه الانتخابات بنسبة 40 في المائة، أي تقديم 10 آلاف مرشح، وهذا التدرج في الترشيح يعكس رغبة الحزب في طمأنة النخبة السياسية المتحفظة على دخول الإسلاميين حلبة الانتخابات، وكذلك فهي تعود إلى عامل حذر ذاتي، فهذه أول تجربة واسعة يخوضها الإسلاميون، مما يجعلها تجربة تأسيسية بمعنى من المعاني. ورغم الموافقة الرسمية لمشاركة إسلاميي "حزب العدالة والتنمية" في الانتخابات التشريعية والجماعية، فلا زالت العلاقة مع السلطة يطبعها التوجس. ورغم المرونة والبراغماتية التي يبديها الحزب، وتجنبه أي اصطدام مع السلطة، خصوصا بعد أحداث 16 أيار تلك، فلا زالت القاعدة هي "محاكمة النوايا". فرغم احتلال "العدالة والتنمية" المرتبة الثانية للفائزين بحصوله على 46 مقعد، مباشرة بعد حزب الاستقلال الذي حصل على 52 مقعداً، لم يستدع للتشاور أثناء تشكيل الحكومة المنبثقة عن انتخابات 2007 التشريعية، كما يقتضي ذلك المنطق الدستوري. وقد دفعه هذا "التهميش" إلى المعارضة. لقد بدأ "حزب العدالة والتنمية" استعداده لهذه الانتخابات الجماعية معتقدا أنه يملك حصيلة إيجابية في تسيير بعض المجالس البلدية التي يرأسها أعضاؤه، ومنها مجلس مدينة مكناس، وبلدية مدينة تمارة والقصر الكبير ومدينة خنيفرة، كما أنه أبدى مرونة في التعامل مع بعض الأنشطة، كالمهرجانات الغنائية والاحتفال بمهرجان "ملكة الجمال" في مدينة صفرو (قرب مدينة فاس)، إذ تعامل مع هذه الأنشطة بمنطق الحزب السياسي وليس الحركة الدعوية، فانتقدها في الجانب التقني والتدبيري كترشيد النفقات والتسيير والشفافية، وليس في الجانب الأخلاقي فقط، وذلك في إطار سياسية التمايز الوظيفي التي ينهجها بين السياسي والدعوي أو بين الحزب والحركة، رداً على انتقادات خصومه السياسيين والأيديولوجيين، المتمثلة باتهامه بازدواجية الخطاب ومحاولة فرض نمط أخلاقي معين بالضد من الحريات الشخصية. يضاف إلى ذلك نشاطه في المظاهرات التي نظمت للتنديد بالجرائم الإسرائيلية في غزة، ومشاركته المكثفة في قيادة هذه المظاهرات من حيث الكم الجماهيري بمعية الأطراف السياسية الأخرى، إسلامية ويسارية ومستقلة، معارضة ومؤيدة للحكومة . وإذا كان الحزب يسرق الأضواء قبل وبعد المحطات الانتخابية التي شارك فيها، ويحظى باهتمام إعلامي خاص في الداخل والخارج، فإن الأمر تكرر قبيل الانتخابات البلدية المقبلة، من خلال مجموعة من الأحداث هي: عزل رئيس مجلس مدينة مكناس المنتمي لحزب العدالة والتنمية وتحويل ملفه إلى القضاء بناء على خروقات سجلتها مفتشية وزارة الداخلية واعتبرتها جسيمة، وذلك في إطار عملية تفتيش قامت بها الوزارة في عدة جماعات ومقاطعات أدت إلى عزل ثلاث رؤساء. في الفترة نفسها، كان هناك اهتمام إعلامي مبالغ به حول انسحاب ما يقرب من 71 عضوا من حزب العدالة والتنمية في كل من مدينة صفرو و الناضور والدارالبيضاء، وكذلك انسحاب الكاتب الإقليمي للنقابة المنضوية تحت الحزب في مدينة طنجة، وانتقاله إلى نقابة يسارية أخرى بسبب غياب الديمقراطية الداخلية. أصدر الوزير الأول بلاغا شديد اللهجة بحق الأمين العام ل"حزب العدالة والتنمية" يندد فيه باستغلال الحزب للقضية الفلسطينية وأحداث غزة التي هي قضية كل المغاربة ملكا وحكومة وشعبا. هدم السلطات مشروع "الهضبة الخضراء" الكائن بضواحي مدينة تمارة، دون توضيح من السلطات الوصية، رغم قانونية المشروع الذي أنجز من طرف الجماعة الحضرية لمدينة تمارة التي يرأسها عضو ينتمي إلى "حزب العدالة والتنمية" . وإذا كانت الانسحابات تبدو عادية في مسار أي حزب سياسي، خصوصا قبيل الانتخابات التي تعرف حركة الذهاب والإياب بين الأحزاب السياسية لأسباب شخصية وانتخابية بالدرجة الأولى، إلا أن الاهتمام الرسمي والاعلامي المبالغ فيه بهذه الأحداث، دفع الحزب إلى التشكيك بخلفيتها، وهي تزامنت في فترة واحدة، فأعتبرها رسالة سياسية هدفها الضغط عليه نفسيا ومعنويا في إطار سياسة التحجيم والضبط حتى يبقى ضمن الخطوط المرسومة له. القوى "اليسارية" تعتبر القوى اليسارية الخاسر الأكبر في انتخابات 7 أيلول/سبتمبر 2007 التشريعية السابقة. ف"الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" تراجع إلى الصف الخامس، أما القوى اليسارية الأخرى فلم تنجح رموزها القيادية في كسب المقاعد، ولعل التشرذم الذي يطبع هذه القوى ( ثمانية أحزاب أغلبها منشق عن بعضه البعض) سبب رئيسي في هذه النكسة. ومن أبرز تجليات هذا التشرذم دخول قوى يسارية في تنافس فيما بينها في بعض الدوائر، مما تسبب في تشتيت الأصوات وانعكس سلبا على نتيجة الانتخابات وعلى موقع اليسار الذي تراجع إشعاعه منذ تجربة "التناوب التوافقي" سنة 1998 بقيادة الوزير الأول عبد الرحمن اليوسفي (من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية). يضاف الى هذا التراجع العزوف الانتخابي، مما دفع القوى اليسارية إلى دق ناقوس الخطر، وعقد ندوات لتشخيص وضع اليسار والوضع السياسي العام لإيقاف هذا المنحى التراجعي. وشكلت مناسبة الانتخابات الجماعية المقبلة، ودخول "حزب الأصالة والمعاصرة" حلبة المنافسة من خلال سياسة تجميع الأحزاب وتكوين قطب سياسي كبير، وكذلك رفع "حزب العدالة والتنمية" الإسلامي لمستوى ترشيحه، بالإضافة إلى مسألة العتبة المحددة في 6 في المائة، حافزا لتجميع القوى اليسارية وتجاوز واقع التشرذم والبدء في صياغة التحالفات فيما بينها. وهكذا أقامت أحزاب "الاشتراكي الموحد" و" المؤتمر الوطني الاتحادي" و"الطليعة الديمقراطي الاشتراكي" تحالفاً أطلقت عليه "تحالف اليسار الديمقراطي"، ووضعت ميثاق شرف تحدد من خلاله معايير الترشيح للانتخابات المحلية، ومقاييس لاختيار المرشحين باسم التحالف، وألزمت الأعضاء بالتوقيع على هذا الميثاق. أما حزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية"، وكان أبرز أحزاب اليسار المغربي، فما زال لم يقرر إلى الآن موقفه من مسألة التحالفات، وهل سيبقى ضمن"الكتلة الديمقراطية" التي تجمعه مع كل من "حزب التقدم والاشتراكية" (حزب يساري) و"حزب الاستقلال" (حزب يحسب على اليمين المحافظ)، وهي الأحزاب الثلاثة التي يتشكل منها الائتلاف الحاكم، إضافة لأحزاب أخرى وتكنوقراطيين، أم سينفتح على الأحزاب اليسارية الأخرى في تحالف اليسار الديمقراطي، أم سيخلق مفاجأة بتحالفه مع "حزب العدالة والتنمية" كما صرح بذلك أحد قياديي الحزب...ويؤشر تأخره في تحديد إستراتيجيته إلى الأزمة العميقة التي يمر بها والصراعات الداخلية التي تخترقه والتي انفجرت في العلن. الخلاصة يبقى الرهان الأساسي في هذه الانتخابات هو ضمان مشاركة مكثفة من قبل الناخبين، حتى لا يتكرر سيناريو انتخابات 7 أيلول/ سبتمبر2007، حيث وجهت النسبة المتدنية للمشاركة الانتخابية صفعة قوية للأحزاب وللعملية السياسية والانتخابية برمتها. وهذا الرهان يهم جميع الأحزاب السياسية المشاركة، وكذلك السلطة، باعتبار أن قوة المشاركة السياسية والانتخابية يضفي نوع من المشروعية على النظام السياسي القائم ويشكل دعامة أساسية لاستقراره واستمراره. أما رهان القوى السياسية فيتحدد حسب تناقضاتها الآنية وطموحاتها الانتخابية في أفق الانتخابات التشريعية لسنة 2012. فبالنسبة لليسار، تعتبر هذه الانتخابات محطة تجميع لقواه بغاية استعادة مواقعه وفعاليته التي فقدها. وبالنسبة للإسلاميين، تعتبر هذه المحطة الانتخابية في غاية الأهمية لتطبيع وجودهم السياسي والحفاظ على القاعدة الانتخابية التي عرفت بعض التراجع. وما دام كل حزب لن يستطيع تغطية كل الدوائر بمفرده، إضافة إلى القانون الانتخابي الذي يحول دون حصول أي حزب على أكثر من 50 في المائة من الأصوات، يبقى خيار التحالفات الحزبية هو الخيار المطروح بين العائلات السياسية، سواء منها المتقاربة أو المتباعدة أيديولوجيا، مادام تسيير الشأن المحلي لا يخضع للاصطفاف الأيديولوجي، كما حدث في انتخابات 2003 الجماعية (البلدية) حيث اختفت التمايزات بين اليمين واليسار، وبين المعارضة والأغلبية. • باحث في "مركز الدراسات والأبحاث الاجتماعية"- الرباط. (مبادرة الإصلاح العربي) www.arab-reform.net