هل أفهم من هذا الكلام أن الملك أعلن عن أهداف كبرى وأن هناك جهات في دائرة صناعة القرار السياسي تفرمل هذه الأهداف بدعوى استقرار البلد، أو بدعوى أن المشهد السياسي غير مؤهل؟ قبل أن أجيبك عن سؤالك، أشير إلى أنني قلت بأنه كانت هناك أهداف كبرى، وأن تحقيق هذه الأهداف يتطلب مجموعة من الوسائل في مقدمتها وجود أحزاب سياسية. وقد تم الالتفاف على هذه الأهداف لكون الأحزاب السياسية ضعيفة، لكن لا ننسى أن هناك وسائل أخرى ضرورية لتحقيق هذه الأهداف، ومن بينها وجود بيئة ملائمة وعدم وجود إكراهات تعطل تحقيق هذه الأهداف. وسبق وقلت أن أهم هذه الإكراهات الظاهرة الإرهابية التي استهدفت كثيرا من الدول بما فيها المغرب. عندما نقول هناك جهات سعت إلى تعطيل هذه الأهداف، لا أتحدث في هذا السياق عن الملك كشخص، ولكني أتحدث عن المؤسسة الملكية التي يوجد فيها مجموعة من الفاعلين الذين يساهمون في اتخاذ القرار الذي يخضع بدوره لعملية جد معقدة، ولا شك أن الملك يستمع إلى محيطه وخبرائه ومستشاريه. وحين نتحدث عن هذا المحيط لا نتحدث عن كتلة منسجمة، وإنما نتحدث عن محيط تخترقه العديد من التناقضات. إننا باختصار نتحدث عن محيط تتصارع فيه العديد من المصالح، وأكيد أن هناك جهات داخل محيط الملك، أو داخل دائرة صناعة القرار السياسي لا يرغبون في الذهاب بعيدا في تجربة الانفتاح السياسي أو في الاستمرار في إرساء دعائم التجربة الديمقراطية، ويقدمون وجهات نظر تدعم وجهة نظرهم من خلال استنادهم إلى الوقائع التي تحدث في المغرب. فالملك محمد السادس عندما يبلغ بنسبة الفقر المنتشر في المغرب ونسبة الأمية والهشاشة والبؤس الاجتماعي، أكيد أن هناك من له مصلحة في تعطيل المسار الديمقراطي والتضييق على الحريات بدعوى الاهتمام بالجانب الاجدتماعي والاهتمام بقضايا المواطنين المباشرة ويتم تصوير ما تقوم به الأحزاب على أساس أنه نوع من العبث وأنه صراع ضيق بين نخب لا علاقة لها بالشعب، ومن هنا نفهم لماذا يتم التركيز على إبراز الفجوة بين الأحزاب وبين المواطنين بدعوى أنها غير قادرة على تأطير المواطنين واستخدام نسبة المشاركة الضعيفة للتدليل على ذلك. علينا ألا نعتقد أننا أمام ملائكة يفكرون بمنطق مثالي ولا يهمهم إلا مصالح المواطنين. هناك صراع اجتماعي على مصالح وامتيازات، وتستخدم فيه السياسية ومن خلالها تستخدم القرارات السياسية من أجل تحصين الامتيازات أو من أجل الحصول على امتيازات جديدة. هذا بالطبع هو قانون السياسة، وهو لا ينسحب فقط على حالة المغرب فقط وإنما ينسحب على مختلف الدول. لاحظ ما جرى زمن بوش، فالمحافظون الجدد كانت لهم مصالح واضحة في تحطيم العراق وتم تقديم مبررات تبين من بعد ذلكأنها ذرائع وتبريرات واهية. الآن على الأقل بدأت معالم الخريطة السياسية في المغرب تظهر، فبعد خروج الهمة من الداخلية والجدل الذي رافق هذا الخروج والذي صاحب كل المباردات التي أطلقها من بعد سواء حركة لكل الديمقراطيين أو حزب الأصالة والمعاصرة وهل يتعلق الأمر بحزب السلطة يعيد إنتاج تجربة الفديك أم انه فاعل سياسي مثله مثل بقية الأحزاب السياسية، الآن بعد أن فاز هذا الحزب بالرتبة الأولى في الانتخبات وبعد أن أخذنا مسافة من هذه الأحداث، هل نحن أمام حزب السلطة؟ أم نحن أمام إطار سياسي أريد به خلاله فرملة الإسلاميين وتحجيمهم؟ أولا، أعتقد أن الملك قد استغنى عن خدمات فؤاد عالي الهمة كمسؤول في الدخلية مكلف بالعديد من الملفات. ويمكن أن نستنتج ذلك مما قاله فؤاد عالي الهمة نفسه حين أكد أن أي مسؤول عندما يشعر بأنه غير قادر على العطاء عليه أن ينسحب، بمعنى آخر، إن الذين يعتقدون أن الملك كلف فؤاد عالي الهمة بإعادة هيكلة الحقل السياسي في نظري يجانبون الصواب، لأن الملك لديه الكثير من الوسائل لإعادة هيكلة الحقل السياسي دون أن يلجأ إلى خدمات فؤاد عالي الهمة، أنا أقرأ ما وقع انطلاقا من كون فؤاد عالي الهمة غادر موقع المسؤولية وقرر أن يرشح نفسه في مدينة بن جرير واستطاع أن تفوز لائحته بأغلبية واضحة، لكن علينا هنا ألا ننجر وراء بعض التحليلات المتسرعة. عندما خرج الهمة من وزارة السلطة وأعلن عن ترشيحه في ابن جرير تحدث محللون سياسيون عن قرب تعيين الهمة وزيرا أولا بعد انتخابات ,2007 واضصطر عالي الهمة إلى أن ينفي ذلك وتوضيح موقفه في القناة الثانية، بل هناك من السياسيين والمحليين من قال بأن الهمة سينتخب رئيسا لمجلس النواب، وتبين بعد ذلك ألا شيء من هذا قد حصل. أنا كباحث وكمواطن في نفس الوقت، أجد نفسي أمام حالة شخص راكم خبرة على مستوى تحمله مسؤولية حساسة في وزارة الداخلية، ونجح في تكوين شبكات ضمت المثقفين ورجال الإعلام والفنايين والممنتخبين والرياضيين، بل أكثر من ذلك، عندما عادر موقع المسؤولية، كالن هناك عدد لا باس به من الذين يتحملون المسؤولية في دوايب الدولة محسوبين عليه ولا زالوا إلى الآن. لذلك، عندما التحق فؤاد عالي الهمة، سبقته مجموعة من التحليلات على أساس أنه رجل الملك والتف حوله عدد من البرلمانيين واستطاع أن يشكل فريقا برلمانيا كبيرا في الغرفة الأولى وتطور الأمر بسبب تسارع الأحداث ليشكل حزب الأصالة والمعاصرة. بالنسبة إلي، رجل كان يتحمل المسؤولية، وغاردها ليبحث عن موقع سياسي، من حقه أن يوظف ما يمتلكه من أوراق ليؤسس مشروعه السياسي. المشكل غير مرتبط بفؤاد علي الهمة، بقدر ما يرتبط بجزء من النخبة المغربية التي لا زالت تبحث عن طريق للحصول على منافع وامتيازات، وهنا أرجع للإجابة عن سؤالك، وأقول: بكل تأكيد حزب الأصالة والمعاصرة ليس حزب الملك، لكن هذا الحزب أردنا ذلك أم لم نرد يستخدم الرأسمال الرمزي للدولة المغربية وللمؤسسة الملكية، فهو على سبيل المثال حين يتبنى تقرير الخمسينية ويدعي أن تصوراته ورؤاه مستمدة من تقرير الخمسينية وتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة فهذا استغلال رمزي لمنجزات تحققت باسم الدولة المغربية وليست باسم فؤاد عالي الهمة ومن معه. هل هناك من التحق بفؤاد عالي الهمة لأنه يعتقد بأن حزبه هو حزب الملك. بكل تأكيد نعم، بل هناك من داخل الحزب من يروج لذلك، لأن هناك اعتقاد بأن المغاربة يبحثون عن أحزاب مرتبطة بالسلطة، لكن علينا أن نتساءل هل هذا السلوك لا يساهم في قتل السياسة في المغرب؟ أنا أعتقد أن الرأسمال الرمزي للدولة وللمؤسسة الملكية ينبغي أن يبقى بمنأى عن التوظيف السياسي، فالمغاربة كلهم ملكيون بما في ذلك جماعة العدل والإحسان، ولا زلت أتذكر الحوار الذي أجرته الأسبوعية الجديدة مع نادية ياسين والتي قالت فيه بأنه لو أجريت انتخابات في المغرب لنجح فيها الملك بالأغلبية. ومن ثمة، يكون واجبا علينا كباحثين أن نناقش مجموعة من الفرضيات عن الوظيفة التي من أجلها خلق هذا الحزب. نبدأ بالفرضية الأولى: هل أحدث هذا الحزب لإعادة هيكلة الحقل السياسي؟ مجريات ما يقع في المغرب، وتركيبة حزب الأصالة والمعاصرة تبرز بالملموس أنه لا يساهم في تحقيق هذه الوظيفة، لأنه كرس ممارسات كان الكل ينتقدها ويسعى للتخلص منها وفي مقدمة ذلك ظاهرة الترحال السياسي. والكل استغرب كيف وقف ضد تطبيق المادة الخامسة من قانون الأحزاب، وكان مفروضا من حزب يدعو إلى تخليق الحياة السياسية أن يكون أول مدافع عن هذه المادة، ويدعو إلى تطبيقها. وبالإضافة إلى هذا المؤشر نضيف مؤشرا ثانيا، فحزب الأصالة والمعهاصرة كان يتحدث عن تقليصه لعدد الأحزاب السياسية لأنه استطاع أن يدمدج خمسة أحزاب مرة واحدة، لكن العبرة بالخواتم، فالقادري رجع ليؤسس حزبه، والوزاني والعلمي فعلا نفس الشيء، ثم لا ننسى أن هناك أحزابا جددية قد أضيفت، لذلك، فالقول بأن حزب الأصلة والمعاصرة جاء لعقلنة المشهد السياسي هو أمر لم يتحقق بدليل أن البلقنة السياسية لا زالت مستمرة، والدليل أن 30 حزبا التي شاركت في الانتخابات كلها حصلت على تمثليلة في المجلس المنتخبة ولو بنسبة ضعيفة وآخر حزب حصل على سبعة مقاعد وهو الاتحاد من أجل الديمقراطية، وحتى عندما يقال أن عقلنة المشهد السياسي تحققت إلى حد ما لأن 8 أحزاب حصلت على 90 في المائة من المقاعد، علينا أن نذكر بأن ذلك لم يتحقق بفضل الأصالة والمعاصرة وإنما تحقق بفضل ما أضيف إلى مدونة الانتخاباتة على مستوى فرض عتبة 6 في المائة. وهذا ما يجعلنا ننتهي إلى خلاصة بهذا الصدد وهو أن حزب الأصلة المعاصرة فشل في هذه الوظيفة ولم يستطع أن يعيد هيكلة المشهد السياسي