الملك محمد السادس يعزي في وفاة قداسة البابا فرانسوا الأول    "ترانسبرانسي" تدعو للتحقيق في الاختراق السيبيراني وفي دعم الماشية وترفض الهدم التعسفي للمنازل    عبد النباوي: استعمال الذكاء الاصطناعي لحل المنازعات سيغير مفهوم استقلال القاضي    الدورة ال17 من المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب تسلط الضوء على الإشكالية الشائكة المرتبطة بالماء    مهنيو النقل الطرقي يستنكرون "احتكار" المحروقات ويطالبون مجلس المنافسة بالتحرك    أقصبي: الدولة سمحت باستنزاف الفرشة المائية لصالح نموذج فلاحي موجه للتصدير    الفاتيكان.. وفاة البابا فرنسيس عن 88 عاما    تنديد حقوقي بالتضييق على مسيرتين شعبيتين بالدار البيضاء وطنجة رفضا لاستقبال "سفن الإبادة"    الرباط تحتضن منافسات كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم داخل القاعة للسيدات    تحقيقات فساد وصراع سياسي يهددان ملف إسبانيا لتنظيم مونديال 2030    رحيل المطرب والملحن محسن جمال    تكريم الدراسات الأمازيغية في شخص عبد الله بونفور    المغرب يحتفل بالأسبوع العالمي للتلقيح تحت شعار:"أطفالنا كانبغيوهم، بالتلقيح نحميوهم"    المغرب يقود تحولاً صحياً شاملاً: تنزيل مشروع ملكي نال اعترافاً دولياً    الشعباني: المباراة ضد شباب قسنطينة الجزائري "مرجعية" لما تبقى من المنافسة    العثور على بقايا أطراف بشرية في دورة مياه مسجد    نهضة بركان وجمهورها يُلقّنان إعلام النظام الجزائري درساً في الرياضة والأخلاق    تحسينات جديدة في صبيب الإنترنت تفتح النقاش.. لماذا تبقى الأسعار مرتفعة في المغرب؟    نزيف التعليم    الوزير برادة: نتائج مؤسسات الريادة ضمانة استمرار الإصلاح التربوي بعد 2026    رئيس الجمعية المغربية لحماية الحيوانات ل "رسالة24" : الكلاب في الشارع ضحايا الإهمال… لا مصدر خطر    اندلاع حريق في "جبل خردة" يغطي مدينة ألمانية بالدخان    وزير الدفاع الأمريكي يقدم معلومات سرية في "دردشة"    خصومنا الإيديولوجيون ليسوا مجرمين    فاس... مدينةٌ تنامُ على إيقاع السّكينة    المعارض الدوليّة للكتاب تطرح اشكالية النشر والقراءة..    شريط "سينرز" يتصدر عائدات السينما في أمريكا الشمالية    نهضة بركان تصدم الإعلام الجزائري    كيوسك الإثنين | الداخلية تطلق ورشا ضخما لرقمنة "الحالة المدنية"    الذهب يلامس أعلى مستوى له في ظل تراجع الدولار    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الإثنين    بعد ‬تحذير ‬البنوك ‬من ‬محاولات ‬التصيد ‬الاحتيالي..‬    الغضب يتصاعد .. موظفون يشعلون نيران الاحتجاج أمام البرلمان    أنشيلوتي يبعث برسالة للجماهير : ما زلنا نؤمن بالحلم    وفاة الفنان المغربي محسن جمال بعد صراع مع المرض    وفاة محسن جمال واحد من رواد الأغنية المغربية    توقعات أحوال الطقس لليوم الاثنين    بكلمات مؤثرة.. هكذا ودع زعماء وساسة العالم البابا فرانسيس    الريسوني.. عندما تتحول معاداة الصهيونية إلى معاداة مغلفة للسامية...!    تنفيذا لوصيته.. البابا فرنسيس يختار مكان دفنه بعيدا عن تقاليد الفاتيكان    وفاة حارس المرمى الأرجنتيني "المجنون" هوغو غاتي عن عمر ناهز 80 عاما    نهضة بركان يضع قدما في النهائي بتغلبه على النادي القسنطيني الجزائري    تراجع أسعار النفط بأكثر من واحد بالمئة في التعاملات الآسيوية المبكرة    الفاتيكان يعلن وفاة البابا فرنسيس غداة ظهوره في عيد الفصح    الأساتذة المبرزون يضربون للمطالبة بالنظام الأساسي    شاب يُنهي حياته شنقاً داخل منزل أسرته بطنجة    نحو سدس الأراضي الزراعية في العالم ملوثة بمعادن سامة (دراسة)    دراسة: تقنيات الاسترخاء تسمح بخفض ضغط الدم المرتفع    الفاتيكان يعلن وفاة البابا فرنسيس    الزاهي يفتح أسئلة القراءة في متون السوسيولوجي عبد الكريم الخطيبي    لقاء إقليمي بالحسيمة يسلط الضوء على آفاق الاستثمار في إطار قانون المالية 2025    الكشف عن نوع جديد من داء السكري!    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    مغرب الحضارة: حتى لا نكون من المفلسين    ‪ بكتيريا وراء إغلاق محلات فروع "بلبن" الشهيرة بمصر‬    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دور بيها يا الشيباني
نشر في المساء يوم 16 - 06 - 2009

الأرقام عنيدة كما يقول المثل الفرنسي. لكن الأكثر عنادا منها زعماء الأحزاب السياسية المغربية. ورغم تحقيق بعضهم لنتائج غير مرضية فإننا نقرأ على صدر جرائدهم الحزبية صباح الاثنين افتخار كل واحد منهم بالمرتبة المتقدمة التي أحرز عليها في الانتخابات الجماعية.
ورغم أن أكبر المنتصرين في هذه الانتخابات هو حزب الأصالة والمعاصرة، فإن الأحزاب التي جاءت بعده أصرت جميعها على تقديم رتبها المتأخرة على شكل انتصار عظيم. وهكذا نقرأ في جريدة العلم، لسان حزب الاستقلال، أن الحزب مستمر في احتلال صدارة المشهد الحزبي والسياسي في البلاد. رغم أن حزب الهمة فرض على حزب الفاسي التراجع إلى المرتبة الثانية و«سرق» منه أعيانه الذين كان يكتسح بهم المدن والقرى. أما عبد الواحد الراضي فلم يجد ما يبرر به تقهقر الحزب إلى المرتبة الرابعة سوى القول إن الاتحاد حقق تقدما مقارنة بالانتخابات السابقة. ومن ذهب من الصحافيين إلى مقر الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي ليلة الإعلان عن النتائج سيفهم جيدا هذا «التقدم»، فالمقر كان أفرغ من قلب أم موسى.
أما حزب العدالة والتنمية فقد فضل أن يتجنب الحديث عن نتائج الاقتراع الفردي الذي احتل فيه المرتبة السادسة، وركزت جريدة «التجديد» على الاقتراع باللائحة الذي احتل فيه الحزب الرتبة الأولى.
هذا يؤكد أنه ليست هناك قراءة واحدة ونهائية للأرقام، وإنما هناك قراءة متقلبة تتحكم فيها المصالح العليا لكل حزب.
وبغض النظر عن الأرقام والنسب المائوية والمؤشرات، فقد تركت هذه الانتخابات انطباعا عاما لدى الرأي العام بأن حزب الأصالة والمعاصرة اكتسح الرقعة الجماعية بجيوش أعيانه «الجرارة». وأكاد أجزم بأن الصور الأكثر بقاء في ذاكرة الناخبين هي صور مرشحة الأصالة والمعاصرة كوثر بنحمو وهي تعتلي صهوة الجرار في دائرة بوقنادل التي تحولت فجأة إلى أشهر دائرة في المغرب بعد أن «سلط» عليها مراسلو الصحف الأجنبية أقلامهم وعدسات آلات تصويرهم.
فقد استطاعت كوثر «الفرماصيانة» أن تنتزع مقعدها في جماعة بوقنادل بفضل ألبوم الصور المثيرة التي تهافتت الجرائد على نشرها، في الوقت الذي فشل فيه وزير التشغيل الاتحادي جمال أغماني في انتزاع مقعده في بلدية تابريكت، رغم أن الجرائد نشرت ألبوم صوره إلى جانب «الدجايجية» وباعة البيض في «السويقة». وطبعا، فالفرق شاسع بين من يلتقط صورا مع باعة «البيبي والبط» وبين من تلتقط صورا بالديكولطي مع جرار يذكر المغاربة بذلك الإشهار الذي كان يمر في تلفزيون السبعينيات حول «لايلوند، تراكتور الصح والعمل».
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو هل سيقدم جمال أغماني، وزير التشغيل، استقالته من الحكومة بعد فشله في نيل ثقة ناخبي دائرته وحصوله على حوالي 300 صوت، خصوصا وأن عباس سبق له أن اشترط نجاح الوزراء في الانتخابات للبقاء في الحكومة، احتراما للمنهجية الديمقراطية المفترى عليها.
وإذا كانت كوثر الصيدلانية قد نجحت في ضمان مقعدها في البلدية عن طريق «تهييف» الحملة الانتخابية، نسبة إلى هيفاء وهبي، فإن زملاء لها في مراكش ينتمون إلى عالم الصيدلة والطب والتمريض، قد فشلوا فشلا ذريعا في الحصول على أي مقعد في البلدية. مع أنهم ترشحوا إلى جانب حزب يحمل رمز «الغزالة». وهذا دليل آخر على أن «الغزالة» لا يجب أن تكون بالاسم فقط بل بالفعل، وأمامهم مثال صيدلانية بو قنادل. ومن هول الصدمة، فقد قرر هؤلاء الأطباء اعتزال الحياة السياسية والعودة إلى قاعات عملياتهم وأقسام المستعجلات وترك الساحة لأولاد العروسية ومن هم على وزنهم «يتبوردون» فيها على صهوة «العود» الدستوري. وقديما قال المغاربة «إلى شفتي صاحبك راكب على قصبة كوليه مبروك العود».
وإذا كان أصحاب لائحة «البلوزة البيضاء» قد فهموا الدرس وقرروا ترك الانتخابات لأصحابها يطلون بزبلها رؤوسهم، ويئسوا من النخبة المثقفة والمتعلمة وتأكدوا من أن الناس لا يرغبون في التغيير، فإن الاتحاد الاشتراكي يبدو مصرا على اللدغ من الحجر نفسه أكثر من مرة. فرغم فشله في الحصول على أي مقعد على مستوى دوائر مراكش الخمس، فإنه يبدو مرتاحا لهذه النتيجة.
والواقع أن أبرز حدث شد إليه الأنظار خلال الحملة الانتخابية هو نعت الهمة لعباس الفاسي بالشيخ، أو «الشيباني» كما يقول المغاربة. وقد كان هجوم الهمة على عباس لاذعا إلى الحد الذي بدأنا نشك معه في أن السي فؤاد سيغني لعباس أغنية «دور بيها يا الشيباني دور بيها، دور بيها تخدم عليك وعليها». والمقصود طبعا بالتي يدور عليها عباس هو الحكومة. هذا إذا لم تكن «شي تقرفيدة» عن طريق تعديل حكومي. ولذلك أخرج الهمة لعباس من جبته شابة تجيد الوقوف أمام عدسات المصورين، لكي تكون رمزا لشباب الحزب المنافس لحزب «الشيباني» عباس.
ولم يكن استعراض تلك الصور المثيرة لدلوعة الأصالة والمعاصرة عبثيا، وهاهو الهمة، مؤسس الحزب، يقول بعد حصوله على المرتبة الأولى في الانتخابات إن حلمه هو تأسيس تجربة حزبية شبيهة بتجربة حزب المستقبل في لبنان بزعامة ابن الحريري. وهو الحزب الموالي للغرب، وفرنسا على وجه الخصوص، مع فارق بسيط، هو أن الهمة ليس بحاجة إلى إنشاء محطة تلفزيونية وجرائد تابعة له كما صنع الحريري، لأن هناك جرائد في المغرب تقوم بهذه المهمة على أكمل وجه. الله غالب. أما التلفزيون فقد رأينا كيف أن المدير العام للقطب الإعلامي العمومي فيصل العرايشي جاء خصيصا لزيارة الهمة في مقر حزبه ليلة الإعلان عن فوزه. وهي الزيارة التي لم يقم بها العرايشي لبقية مقرات الأحزاب السياسية الأخرى، والتي لم ير فيها زعماء هذه الأحزاب تحيزا مفضوحا من مدير قطب إعلامي عمومي إلى زعيم حزب بعينه.
وبالإضافة إلى حضور العرايشي إلى مقر حزب الأصالة والمعاصرة، لاحظ الزوار الذين جاؤوا مباركين للهمة نصره المبين كيف أن الجميع أصبح يعامل كوثر بنحمو كنجمة الليلة بدون منازع، مع أنها كانت إلى حدود الأمس نكرة لا يعرفها سوى زبائن صيدليتها في الحي الذي توجد به. وهذا التوجه نحو «تهييف» الحياة الحزبية في المغرب على الطريقة اللبنانية يخفي حربا إعلامية وإيديولوجية بين حزب الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية على وجه الخصوص. وهي الحرب ذاتها التي يخوضها رئيس المركز السينمائي ضد الإسلاميين وخطابهم عن طريق تشجيع إنتاج أفلام مغربية تطبع مع لغة الشارع وتشجع الممثلين على الظهور في أوضاع «فشي شكل» يعتبرها الساهرون على «الأمن السينمائي» الوطني ضرورية لمواجهة «الظلاميين».
ومنذ السبت الماضي، لم يعد الرمز المميز لحزب الأصالة والمعاصرة هو «التراكتور»، وإنما كوثر بنحمو على صهوة التراكتور. إنها صورة حزب ولد وفي فمه ملعقة من ذهب. حزب يريد أن يعطي عن المشهد السياسي صورة طرية وجامحة ومثيرة وعلى قدر كبير من الجاذبية. وهي الصورة التي تقابلها صورة بالألوان الفاقعة لوزير أول «شيباني» يحمله فوق الأكتاف رجال غلاظ أشداء، وصورة حزب إسلامي معارض يرفع شعار العفة والحجاب والحياء، تمثله في البرلمان نساء محجبات.
وبغض النظر عن الأرقام والنسب التي حققتها هذه الأحزاب المتنافسة في الانتخابات، فإن المعركة الحقيقية هي التي تدور اليوم بين هذه الصور الثلاث: صورة الدلوعة كوثر، وصورة «الشيباني» عباس، وصورة بنكيران بلحيته المقصوصة بعناية.
فأي الصور سيتم تعليقها غدا على الحائط القصير للديمقراطية المغربية المفترى عليها...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.