يتطرق أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، عبد الرحيم منار السليمي، في هذا الحوار، إلى ما أسماه التوازنات السياسية الجديدة، التي تطبع المشهد السياسي الوطني، غداة حصول حزب الأصالة والمعاصرة على المرتبة الأولى في جماعيات شهر يونيو الماضي، وهي التوازنات التي جعلت «الوافد الجديد»، يخوض حروبا هي أشبه بتغيير في استراتيجية عمله، والتحول من دور المدافع إلى دور المهاجم، في الوقت الذي قد يؤدي صراعه مع بعض المكونات الحزبية، وخاصة مع «البيجيدي»، إلى مخاطر تبرز إحدى تجلياتها في توظيف وزارة الداخلية وربما في الرغبة في إضعافها من أجل الحصول على مكاسب سياسية - وصف ما يجري بين حزب الأصالة والمعاصرة من جهة، والداخلية وبعض الأحزاب السياسية من جهة أخرى، بأنه حرب وجود؟ < في اعتقادي أن المسألة هي أكبر من حروب تدور بين المكونات التي ذكرت وبين الحزب الجديد، الأصالة والمعاصرة، فالأمر يتعلق بتوازنات سياسية جديدة أفرزتها الانتخابات الجماعية الأخيرة، بحيث نشهد حاليا انهيارا ملحوظا للتوازن الذي أسس بالمغرب في الانتخابات التشريعية لسنة 1997، في إطار التناوب والذي تم تطعيمه خلال سنتي 2002 و2007، إنه التوازن السياسي الذي لم تتضح كل ملامحه بعد بشكل نهائي، وهو التوازن الذي يدفع لأول مرة الأحزاب السياسية إلى الاصطدام، وأقصد هنا ما يوصف اليوم بالحروب خاصة بين حزبي الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية، وبين الأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار، منها الصراعات التي تفرزها التوازنات السياسية الجديدة الناتجة عن انتقالات داخل الأحزاب، ما كان يسمى «الزبونية الإيديولوجية»، ولا أقصد هنا الزبونية بمفهومها القدحي، لصالح زبونية المنافع، أضف إلى ذلك التكلفة السياسية، لذلك فإن كل ما نراه اليوم من صراعات ومناوشات والتهديد باللجوء إلى القضاء من طرف الأحزاب السياسية، على اختلاف ألوانها، كلها إرهاصات تعبر بما لا يدع مجالا للشك أن هناك توازنا سياسيا هو قيد التشكل والولادة، لكن ملامحه الأساسية لم تتضح بعد، رغم أن المؤشرات الأولى تبين أن له العديد من المخاطر من أبرزها، أنه توازن يسير في اتجاه إفراز مشروعين كبيرين، أولهما مشروع «البام» والثاني هو مشروع «البيجيدي»، وتتضح تلك المخاطر التي يحملها المشروعان أولا، من خلال استعمال العدالة والتنمية لورقة حزب الأصالة والمعاصرة للاحتجاج على الدولة، وثانيا انطلاقا من أن كلا الحزبين موجودان في المعارضة وبالتالي فإن هذا التواجد سيقود إلى عزل التحالف الحكومي، وكذا سيقود، على المستوى المحلي، إلى بروز نوعين أو نمطين من التسيير الجماعي؛ قد يخلق العديد من المشاكل والمواجهات، خاصة أن المشروعين يقودان اليوم جنبا إلى جنبا بعض المجالس الجماعية المحلية الكبرى كالدار البيضاء مثلا، ولذلك لاحظنا تنامي فكرة الاحتجاج والتهديد بالانسحابات. - ما هي حقيقة الصراع بين حزب الأصالة والمعاصرة ووزارة الداخلية؟ < فعلا تعتبر تصريحات حزب الأصالة والمعاصرة ضد وزارة الداخلية انتقالا في إستراتيجية العمل، بحيث نرى الحزب يسير على شاكلة الأحزاب المغربية العريقة، التي كانت دائما تتهم الوزارة بوجود عناصر من بينها هي ضد التغيير، والجديد في خطاب الأصالة والمعاصرة، هو أنه يتميز في انتقاده ما بين تدبير بعض الملفات والتدخل في بعض القضايا وفي نفس الوقت يوظف خطابا آخر مفاده أن أسماء بعينها من الداخلية تشتغل فقط ضد حزب الأصالة والمعاصرة، لذا فإننا نجد أنفسنا بصدد ازدواجية في الخطاب، وهذه الازدواجية أتاحت الفرصة لحزب العدالة والتنمية لتوجيه انتقاده أحيانا إلى الدولة وكل مؤسساتها عبر مدخل حزب الأصالة والمعاصرة، وأحيانا أخرى إلى هذا الأخير عبر وزارة الداخلية، إنه خطاب يريد من خلاله حزب الهمة القول بأن في وزارة الداخلية يوجد فريق تقني وآخر يريد الاشتغال بمنطق قديم يحارب التغيير، ليبقى المستفيد في هذه الحالة هو حزب العدالة والتنمية، بحيث وجدنا العدالة والتنمية تشيد بمؤسسة عمال الوزارة عندما وقفوا ضد بعض منتسبي الأصالة والمعاصرة، في الوقت الذي شن الأخير هجوما على هؤلاء العمال، ومن تم فإن مخاطر هذا الصراع، لا تكمن في وزارة الداخلية كقطاع حكومي ولكن المخاطر هي في توظيف الوزارة، وأحيانا الرغبة في إضعافها من طرف هذين الحزبين. - ألا يمكن القول إن حزب الأصالة والمعاصرة يتحول اليوم، وبعد الانتخابات الجماعية الأخيرة، من دور المدافع إلى دور المهاجم؟ < لنلاحظ أولا أن ولادة حزب الأصالة والمعاصرة تمت داخل مرحلة من الصراعات وأراد لاحقا التغيير في طريقة عمله واستراتيجيته، بمعنى انتقل من متلق للصراعات في مرحلة معينة إلى استراتيجية الهجوم في إحدى المراحل، سواء عبر انتقاد بعض الأطراف في وزارة الداخلية، أو الهجوم على «البيجيدي»، بينما اليوم تحول حزب الأصالة والمعاصرة إلى مرحلة بناء الهجوم بعد نتائج الانتخابات الجماعية الأخيرة، حيث أصبح الحزب يبني مشروعيته على نتائج تلك الانتخابات، ليغير استراتيجيته وليصبح مسؤولو الحزب يتحدثون على مشروع، بمعنى أنه اليوم باستطاعتهم تبني مشروع مضاد للمشروع الثاني، الذي يتبناه حزب العدالة والتنمية، إلا أن مشروع «البام» تضمن عددا من الأخطاء، من بينها الخطأ الصادر عن الندوة الصحافية، التي أعلن فيها الحزب أنه سيتحالف مع كل الأحزاب السياسية باستثناء حزب العدالة والتنمية، وهو التصريح الذي كان بمثابة هدية ل«البيجيدي» الذي وظفه ضمن استراتيجيته في الاحتجاج على كل النتائج وعلى الطريقة التي تم بها تشكيل مكاتب المجالس المحلية، ثم هناك الخطأ الثاني من خلال التلويح بإمكانية مقاضاة بعض الأطراف الحزبية، وبعد التهديد بمقاضاة حزب العدالة والتنمية، فإن مسؤولي الحزب صرحوا بأنهم يتهيؤون للتوجه إلى القضاء ضد حزب التجمع الوطني للأحرار، وهو ما قد يخدم حزب العدالة والتنمية الذي قد يخرجه ذلك من الانعزالية التي يتهم بها، في الوقت الذي يلعب فيه حزب الأصالة والمعاصرة دور الضحية، ليحتل بذلك المكان السابق الانعزالي للعدالة والتنمية وهو ما قد يحدث إشكالا، بحيث في الوقت الذي بدأ فيه «البام» يتحدث عن مشروع مجتمعي وترشيد السياسات العمومية، فإن من شأن مثل هذه الصراعات أن تشوش على مشروعه ذاك، والذي قد يؤثر سلبا عليه، خاصة أن الثقل ازداد على عاتقه بعد النتائج الجماعية الأخيرة، في الوقت الذي لا يمكن أن تؤثر مثل هذه الصراعات على «البيجيدي»، لأن الأصالة والمعاصرة قدم طيلة مدة تواجده تشخيصا للمرحلة ما أدى إلى وجود انتظارات كبرى لدى الرأي العام، في الوقت الذي قد يكون أي تعثر للأصالة في مشروعه هو في صالح العدالة والتنمية الذي أصبح ظاهرة احتجاجية رغم أنه يسير مجالس بعض المدن، وما بين الانتظارات الكبرى والظاهرة الاحتجاجية فإن المآل قد يؤدي إلى وجود مخاطر على الساحة نتيجة هذه التوازنات الجديدة. - هل يعتبر ذلك مناورة فقط؟ < المناورة هي جزء من الفعل السياسي للأحزاب عموما، ولا شك أنه يدخل ضمن استراتيجية مكونات هذه التوازنات الجديدة.