عندما احتل حزب الأصالة والمعاصرة الرتبة الأولى في الانتخابات الجماعية والمهنية التي جرت مؤخرا، محققا نتائج مثيرة للاهتمام لم تحققها حتى أعرق الأحزاب، لم يعلق أمناء هذه الأحزاب على «اكتساح الوافد الجديد» لتلك النتائج، واكتفى بعض الأعضاء الحزبيين بالتعبير عما أسموه «العودة إلى الوراء»، في إشارة إلى أن حزب فؤاد عالي الهمة، الذي يتهمه معظم الحزبيين بقربه من القصر، يريد تكرار تجارب حزبية سابقة، أُطلقت عليها ولازالت صفة «الأحزاب الإدارية». إلا أن «الاكتساح» وليس «السيطرة»، كما تريد مليكة الشيكر، العضو في المجلس الوطني ل«البام»، التمييز بينهما، لم يأت سُدى أو عن عبث وإنما جاءت النتائج التي حققها حزب الأصالة والمعاصرة نتيجة «عمل استراتيجي» و«أسلوب» نهجهما الحزب من أجل التقرب أكثر إلى الناخبين، بعيدا عن «الشعارات والوعود غير المجدية»، التي بات المواطن لا يطيق سماعها من مختلف مسؤولي الأحزاب، حسب الشيكر. وتضيف العضو في حزب «التراكتور»، والتي فازت بمقعد في الاستحقاقات الجماعية الماضية في مجلس مقاطعة حسان بالرباط، أن ما حققه الحزب سواء في جماعيات 12 يونيو الماضي أو في ما يتعلق بالانتخابات المهنية الأخيرة، وكذلك النتائج الإيجابية التي سيحققها في الاستحقاقات المقبلة، على مستوى مجالس العمالات والأقاليم وبداخل الغرفة البرلمانية الثانية، من خلال انتخابات تجديد ثلث الغرفة، فإن كل ذلك يعتبر نتيجة «الأمل» الذي حمله مرشحو الحزب لدى المواطنين، بعدما فقدوا ذلك في الأحزاب الأخرى، عبر مختلف المحطات الانتخابية. وردت الشيكر عن متهمي حزب الأصالة والمعاصرة بكونه اعتمد بالأساس على «الأعيان» لتحقيق اكتساح في نتائج الاستحقاقات السابقة، وخاصة منها ما يتعلق بالانتخابات المهنية، المعروفة بسيطرة أصحاب المهن المنظمة والمصالح المشتركة، بالقول إن «الاتهام» لا أساس له من الصحة موردة كمثال على ما زعمت في قولها، أن لوائح الحزب المقدمة لخوض انتخابات مجلس جماعة حسان، حيث فازت على مستوى اللائحة التكميلية، وباستثناء شخص واحد من المرشحين، فإن الباقين هم إما موظفون عاديون أو أصحاب حرف، مؤكدة في ذات السياق على أن أساس أي نجاح هو ضرورة التحلي بالديمقراطية، والتي لن تتأتى إلا بإشراك المواطن والتقرب منه ومعرفة مختلف احتياجاته اليومية، تخلص العضو في حزب الأصالة والمعاصرة. وإذا كان حزب الأصالة والمعاصرة يُرجع ما حققه من نتائج مهمة في الاستحقاقين الماضيين، إلى ما يصفه المنتمون إليه ب«الأسلوب الجديد» في التعامل مع المواطنين، بعيدا عن «الشعارات السياسية الاستهلاكية»، كما دأبت على ذلك مختلف الأحزاب، فإن «ثمة عاملا أساسيا ومؤثرا» في المشهد عموما، لا يجب إغفاله وكان حاسما في إسعاف الحزب لتحقيق ما حققه من نتائج، وهو ما يفضل «الوافد الجديد» نعته ب«الجمود السياسي داخل الأحزاب»، ويسميه البعض «الوهن والضعف»، الذي تشهده الساحة الحزبية والسياسية الوطنية، كما يرى ذلك أيضا الباحث في العلوم السياسية، محمد الأعرج، الذي أضاف أن حزب فؤاد عالي الهمة استفاد من فراغ سياسي بعد فقدان المواطنين الثقة في الأحزاب السياسية خاصة بعد خيبة الأمل في حكومة التناوب التي قادها عبد الرحمان اليوسفي في البداية، ثم في النسخ الأخرى التي تلت حكومة القيادي الاتحادي البارز، هذا دون أن ننسى، يقول الأعرج، انسحاب اليسار أو على الأقل تراجعه على مستوى تأثيث المشهد السياسي؛ إنها الوضعية التي أفرزت «مرشحين غير قادرين على إقناع الناخب بالتوجه إلى صناديق الاقتراع من أجل التصويت على المرشح الكفء». لكن «النتائج غير المفاجئة»، التي حققها حزب الأصالة والمعاصرة على مستوى الانتخابات المهنية بالخصوص، هي شيء لا يدعو إلى «الاستغراب»، باعتبار أن «الحزب الأغلبي»، حسب وصف القيادي في حزب الاستقلال، امحمد الخليفة، في تصريح سابق ل«المساء»، عندما يتم خلقه بالمغرب فإنما يراد له أن يكون الأول في كل شيء، قبل أن يُعلق بالقول ساخرا «جفت الأقلام وطويت الصحف»، وهو ما يحيل على التسليم، كما ذهب إلى ذلك أيضا متتبعون وسياسيون كثيرون، بحقيقة هذا «الاكتساح» للوافد الجديد على الساحة السياسية الوطنية، بداية مما حققه في الانتخابات الجماعية الأخيرة، ومرورا بانتخاب أعضاء الغرف المهنية ومجالس العمالات والأقاليم، وكذا بتجديد ثلث مجلس المستشارين، خلال الشهر المقبل، ووصولا إلى الانتخابات التشريعية سنة 2012. إنه الاكتساح الذي ساهم فيه أيضا عامل أساسي آخر في الحياة السياسية المغربية، ألا وهو انخفاض نسبة المشاركة في الاقتراع، كما يخلص إلى ذلك الباحث الجامعي، محمد الأعرج، حيث في الوقت الذي يعتبر ذلك «عقابا للأحزاب السياسية» يمارسه الناخب بالعزوف عن الذهاب إلى الاقتراع لافتقاده الثقة في تلك الأحزاب، فإن ذلك أفسح المجال لحزب الأصالة والمعاصرة، الذي استقطب العديد من الأطر الحزبية، لكي يكون محط اهتمام من لدن الناخب، كما المرشح على حد سواء، «ليس لأنه يحمل برامج جديدة، بل فقط لأنه حزب جديد وجد الساحة فارغة من منافسين أكفاء».