هناك أشياء عديدة كان المنظمون يرغبون في الوصول إليها من عشرين فبراير لم يتمكنوا من بلوغها, وهناك رسائل كانوا يبتغون إيصالها وقفت في الطريق لأن الكثيرين تصدوا لها ومنعوها من البلوغ. أهم العوائق التي وقفت دون بلوغ مسيرات 20 فبراير أهدافها هم الناس الذين استولوا عليها ورفضوا تركها للشباب. سبق لنا وأن قلنا إن جماعات سياسية لا وزن لها في الشارع المغربي لايجب أن تستولي على نضالات الشباب المغربي, وسبق لنا وقلنا إنه من اللائق للأحزاب التي لاوزن لها وللشخصيات التي لاشعبية لها من ولبقية الأطراف المعروفة بنزاعاتها مع السلطات المغربية أن تترك الحركة "فالتيقار". لكن هؤلاء الناس رفضوا. هم اعتبروا أننا نستكثر عليهم جني أرباح نضال يرونه اليوم في التلفزيون ويعتقدون أنه قادر على أن يخترق الشاشات لكي يصل إلى الشارع المغربي, لذلك أصروا على أن تكون وجوههم القديمة هي التغليف الأفضل للوجوه الجديد التي دعت لتظاهرات العشرين. وحين أتى شعبنا لكي يستطلع ما الذي يقع وجد الوجوه الكالحة إياها التي فشلت في قيادة نضالات الشعب المغريي في االزمن القديم, وهي تحاول الاستيلاء على نضالات الصغار الجدد, فأقفل راجعا. وجد الشعارات ذاتها, والوجوه ذاتها والأعلام ذاتها, ووجد أساسا الرغبة ذاتها في السطو على كل شيء, لذلك أحس شعبنا أن لاجديد, وقرر أن يضرب صفحا عن الموضوع كله. أحد الأصدقاء وهو مستقر خارج أرض الوطن كلف نفسه عناء التنقل إلى المغرب والاستقرار في فندق لمدة ثلاثة أيام لكي يشارك في العشرين من فبراير, وحين أتى الأحد وأطل إطلالة أولى على المسيرة في الرباط ورأى الوجوه إياها عاد إلى غرفته في الفندق, ومن ثمة قرر أن يتصل بالخطوط الجوية التي أتى على متنها لكي يطلب تسريع سفره يوم الإثنين. قلت له إنه يتسرع, أجابني "لقد أخطأت, اعتقدت أن المغرب تغير فعلا, لكن وعندما رأيت الديناصورات القديمة تستولي على الميكروفونات والواجهة, فهمت أن لاشيء تغير وأنه من العيب أن يناضل الجيل الجديد من أجل أن يصل الجيل القديم إياه إلى المناصب الجديدة في المغرب المغاير". تأملت في كلام الصديق طويلا ووجدت أنه كلام حق يراد به الحق فعلا, وأنه من الصعب أن تجادله فيه. للأسف الشديد كانت تلك هي أول الأخطاء. بعدها كانت الكثير من الهفوات التي جعلت العشرين من فبراير يخرج بالشكل الذي رأيناه به. أساسها أن الناس رأت في الشاشات العربية شيئا ما يتم في دول أخرى فقالت إنه من السهل تقليده, وثانيها أن كثيرا من شعارات التظاهرات هي شعارات أكل عليها الدهر وشرب, ولم تعد تعني الشيء الكثير بالنسبة لأبناء شعبنا, ثالث الأخطاء أن الكثيرين اعتقدوا أن شعبنا كله يعرف شيئا إسمه الفيسبوك قبل أن يجدوا أنفسهم يوم الأحد أمام أناس لايعرفون ماذا يريدون, ويقفون لكي يرددوا شعارات يسمعونها في التلفزيون الرسمي, لا , بل إنني سمعت بأذني شابا في ساحة نيفادا بالبيضاء يقول وهو يلوح بالعلم المغربي "اللي جاي يشجع المغرب يشجع معانا واللي مابغاش يمشي بحالو". سألت نفسي يومها أين الشعارات الكبرى التي تم الاتفاق عليها؟ وأين الإصلاحان السياسي والدستوري؟ وأين الشباب الذين عبروا عن مواقف متقدمة للغاية في السياسة والتصور السياسي للبلد ككل؟ وأين الروح التي رأيناها في مظاهرات ميدان التحرير بمصر ورأيناها في قرطاج بتونس؟ لا, بل أين من نظروا لنا للمغرب الجديد, وأقاموا لنا سرادق العزاء الكبير بخصوص الوضعية السياسية الحالية في البلد؟ أعترف أن صدمتي كانت كبيرة, وأنني ملزم اليوم بانتظار شيء كبير يخرج من وطني لكي أعود للاقتناع مجددا أن هناك أملا في أن تتحرك الأمور في الاتجاه الذي أراه سليما. حقيقة رأيت ابتسامة أصوليين يوم الأحد وهم يتصورون أن المغرب أصبح ملكا لهم, ورأيت أناسا آخرين يفصلون على المقاس بلدا لانعرفه لكي يضعونه في الجيب في الأيام المقبلة, لكنني لم أر الشباب الذين ضربت معم موعدا لكي أسلمهم قياد البلد. لم أر الفيسبوكيين, أو رأيت منهم فقط ملامحا باهتة غابت في خضم الكذب الذي اختلقه الكبار مجددا لكي يطيلوا به أمد استيلائهم على كل الأشياء يوم الأحد الماضي, حين عدت قرابة الرابعة زوالا إلى ساحة نيفادا ووجدت فيها أناسا يتجولون, بعد أن أخلاها من كانوا صباحا ينادون بتغيير كل شيء, قلت لنفسي إن المسافة فعلا قصيرة للغاية بين الحلم وبين الكابوس, يكفي أن يتدخل سارقو الأحلام لكي يزيلوا نهائيا هذه المسافة ولكي يخلطوا بين كل الأشياء.