المختار الغزيوي * : ما الذي سيحدث في المغرب يوم 20 فبراير؟ الكثيرون يخشون طرح السؤال رغم أنه سؤال اليوم بامتياز في المغرب كله. الشعب يريد، ليس تغيير الحكومة، ولكن يريد فقط معرفة ما سيقع في هذا اليوم الأشهر. وسائل إعلامنا، وعوض أن تتلقف الحدث وتحاول فهمه، اقسمت بشأنه إلى قسمين: قسم يقول إن الشباب الذين دعوا إلى التظاهر الأحد المقبل مسيحيون فاسدون يمضون اليوم بطوله في تناول المحرمات ويرتبطون بأدندات خارجية وداخلية اللهم وحدها يعلم مداها ومنتهاها. وقسم يقول لنا إن الثوراتالتي طالما راودت في أحلام النوم واليقظة الكثيرين في المغرب هي في طريقها اليوم إلى التحقق بكل اختصار، أو في الحقيقة بكل اختزال معيب. كنا ننتظر بعد كل مارأيناه في تونس ومصر أن يمتلك إعلامنا ذكاءه المغربي الخاص به, الذي يصلح لكي نستله في هذه الأوقات العصيبة لكي نقدم به الدليل على نبوغنا المغربي الذي ألف بشأنه الكبير عبد الله كنون كتابا كاملا دون أن نتمكن نحن الأجيال الحالية من رؤية آثار هذا النبوغ إلا نادرا. لكن وعوض الاستفادة التي كانت ولاتزال ضرورية وحيوية, وجدنا إعلامنا يختار تكرار الأخطاء التي سقط فيها إعلام تونس ومصر قبلنا: اتهامات بالتخوين والعمالة والأجندات الخارجية من جهة, واتهامات بالتمخزين ولعب اللعبة لصالح أصحاب الحال من جهة ثانية. هل هناك صوت عقل وسط بين كل هذا الهراء؟ بالتأكيد يوجد, خاصة وأن الظرف عصيب, واللحظة موغلة في الخطورة. واليوم وقبل أي زمن آخر علينا أن نفهم بشكل واع وعاقل ومتعلم ماسيحدث في 20 فبراير, وأن نقرأه القراءة اللازمة والصحيحة قبل فوات الأوان. هناك مشاكل كثيرة في هذا البلد. من الرشوة التي تنخر اقتصادنا داخليا إلى الوساطة التي تجعل الأغلبية الغالبة من الشعب تتفرج على قلة وهي تفعل بالبلد ماتريد, مرورا بعملية إفراغ قاتلة للعمل السياسي من جدواه, وجعله مجرد طريقة لكي يعتلي أميون وأنصاف متعلمين و"حرايمية" من الدرجة الأولى كل واجهات الأحزاب السياسية, في الوقت الذي اختار النظيفون _ وهم موجودون في البلد _ الانزواء في الظل والابتعاد عن تصدر أي واجهة من الواجهات لإيمانهم بأن الناس تشك فعلا في كل من تراه يخرج اليوم إلى العمل العام وتعتبره راغبا في الاغتناء وصنع "السي في " الشخصي لاأقل ولا أكثر. هناك مشكل بطالة خانق في البلد, هناك أجيال ورا أجيال من المغاربة تسلمت شهاداتها الجامعية ووضعتها في الرف ومضت لكي تقاتل الحياة بيدين عاريتين, هناك أسر اغتنت من أزمة المغاربة, وجعلت شعبنا يعتقد أن كل شيء يوجد بين يدي أسرة واحدة أو اثنتين في الوثت الذي يمضي فيه فقراؤنا اليوم بطوله في مراقبة هؤلاء المحظوظين دون الخوف من الموت غما كما قال الشاعر يوما. هناك طبقة مثقفة استقالت من هم الشعب. أصبحت مترهلة ببطون وكرافاتات بذوق رديء للغاية يذكرنا أن من يرتدونها لم يألفوا بعد الذوق السليم, وأنهم محدثو نعمة من الطراز الأول والواضح. هناك مسؤولون اختلطت في أذهانهم المناصب التي وضعوا فيها بضيعات والديهم, فأصبحوا غير مترددين في العربدة في هذه المناصب وفعل كل مايحلو لهم دون خوف من مراقبة كيفما كان نوعها. هناك برلمان لم نعد نعرف لماذا يصلح وأحزاب تضحكنا وتبكينا ولا تقوم بأي مهمة أخرى غير هاتين المهمتين نهائيا. هذه هي صورة كأسنا الفارغ, بالمقابل هناك رغبة في رتق ما اتسع من ثقوب في الوطن منذ 1999 شهرناها وكنا شهودا عليها,وأهدتنا الصدفة الجميلة فرصة التوقف عند كثير من تفاصيلها. هناك صفحات سوداء طويت, وهناك صفحات أخرى بيضاء كتبت لنا في المغرب الجديد الذي يبدو لبعض من لم يستفيدوا من الوضعية شبيها تماما بالمغرب القديم علما أن الأمر كاذب تماماو ومن عاش الحياة المغربية قبل 1999 وعاش بعدها يعرف الفرق جيدا ولا حاجة إطلاقا للتذكير. هناك أوراش لايمكن وصفها إلا بالكبرى في البلد, هناك نية في العمل على تدارك كل مافات, وهناك ريح حرية هبت علينا بنسبية مكنتنا من أن نقول ونكتب مانريد, ولم تتوقف إلا مرات قليلة لكي تذكرنا بهشاشة كل مكتسباتنا وأننا ملزمون بالحفاظ عليها لئلا تطير من بين أيدينا في رمشة عين, بعد أن أمضت أجيال عديدة أوقاتا وأعمارا طويلة في النضال من أجل الوصول إليها. هناك مسؤولون جدد وصلوا إلى مناصب المسؤولية لاعلاقة لهم بالأسماء التي ظلننا نرددها فيما بيننا من عائلات تستولي على كل شيء في المغربو وهناك إشارات عديدة على أن أعلى سلطة في البلد تريد القطع مع ماض ليس سهلا على الإطلاق. هناك أشياء أخرى كثيرة هنا وهناك, لايمكننا أن نحصرها في هذا الحيز, لكن هناك بالمقابل رؤية وسطية ومعتدلة هي رؤية المغربي لكل مايحدث في بلده عليها أن تحركنا الآن. لسنا جيدين إلى درجة السويد, ولسنا سيئين إلى درجة أي ديكتاتورية تختارون وضع إسمها هنا, لكن المشكل الذي نعيشه في البلد اليوم هو مشكل تواصل بين أجيال وأجيال, وهذا الكلام قلناه وتعبنا من قوله إلى أن تعب هو منا. انعدام التواصل هذا يجب أن يتوقف, ولدينا اليوم فرصة تاريخية _ أراها إيجابية للغاية_ في 20 فبراير لكي نقول للجدد, للوليدات, للصغار الغاضبين أن من حقهم أن يغضبوا لأن البلد نسي أن يتواصل معهم, واكتفى بمونولوغه القاتل, لكن عليهم ألا ينسوا أن هناك بلدا يجب أن نحافظ عليه. وللحديث صلة فهذا الموضوع أكبر من أن نمر عليه مرورا سريعا عابرا * ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق: بعض الجماعات والجمعيات السياسية والحقوقية لا ينبغي أن تسرق من شباب الفيسبوك يومهم للتظاهر سلميا في الشارع. وبعض الوجوه التي تريد اليوم الاستيلاء على الواجهة دون وجه حق عليها أن تعود إلى الوراء لكي تتركنا نسمع صوت هؤلاء الشباب دون تشويش. العائدون من رحلاتهم الاختيارية أو القسرية والوجوه التي شاهدناها على امتداد سنوات تتحدث في كل شيء, واللاعبون على كل الحبال وأصحاب الشر والجذب مع النظام الحالي لاحق لهم اليوم في القول إنهم هم من ينزلون إلى الشارع يوم 20 فبراير، استيلاء هؤلاء اليوم على مطالب الشباب الجديد أسوء مايمكن أن يقع لهذا الحراك الاجتماعي السياسي حقا. وهذه مسألة على الشباب أنفسهم أن يعوها لوحدهم وأن يضعوا لها الحد الآن. -----