طبعا يحق لمن يريد ذلك أن يقول مايشاء, لكن يحق لي _ على ما أعتقد _ أن أشرح فكرتي, أن أوضحها أكثر, وحينها من حق من يريد ذلك أن ينتقدني عليها مثلما توحي له كل الرغبات الذاتية والموضوعية بذلك. الأحزاب المغربية. عنوان فيلم سخيف للغاية يتابعه المغاربة منذ قرابة الأربعين سنة, أخذ منحناه الدرامي الخطير في السنوات الأخيرة, حين نفضت هذه الأحزاب _ بلا استثناء واحد _ يدها من الشعب, وأصبحت قادرة على "تفعيل كل خطواتها" بعيدا عنه تماما. سيقول لنا القائل إنه من العيب أن تعمم, وأنا متفق مع هذه المسألة, وكنت دائما ضد التعميم الظالك وضد الانخراط في ترديد الكلام الذي قد تقوله الجموع دون علم أو معرفة حتى, لكن بالنسبة لوضعية أحزابنا المغربية الوضعية هي أكثر من كارثية, هي فعلا حالة موت سريري معلن وكامل. الأحزاب المغربية للذكرى فقط هي المحجوبي أحرضان, محمود عرشان, محمد عصمان, صلاح الدين المزوار, عبد الكريم بنعتيق, عباس الفاسي, عبد الواحد الراضي, محمد أبيض, عبد الإله بنكيران, محمد الشيخ بيد الله, امحند العنصر, عبد الله القادري, نبيل بنعبد الله, والبقية ممن هم على الشاكلة ذاتها. القائل يقول إن القيادة تصل وفق مخططات لاعلاقة للقاعدة بها. القول مردود على أصحابه, فالقاعدة التي لاكلمة لها في اختيار قيادتها عليها أن تخلي الميدان فورا ودون تردد, لا أن تبقى في الحزب الكسيح المعتل, وأن تستكثر على من ينتقدونه اليوم من أبناء شعبنا قيامهم بهذا الانتقاد. الأحزاب المغربية هي أيضا الانتخابات. قديما كانوا يفرقون لنا جيدا بين "ولاد الشعب" و"صحاب الحال". كانوا يقولون لنا إن الحزب الإداري يشتري الأصوات, يدفع للفقراء لكي يمنحوه ثقتهم, يفسد في الصناديق ويزرعها كذبا وبهتانا بالنتائج الظالمة. كانوا يقولون لنا أيضا إن "أم الوزارات" (من يتذكر هذا المصطلح الأحمق الذي تربينا عليه نحن الآن؟) تفعل ماتشاء في التقطيع الانتخابي, وأن الشؤون العامة هي التي تحدد أسماء الفائزين والراسبين ومن بينهما أي الموضوعين على لوائح الانتظار. كنا نقول آمين ونسكت. اليوم أصبحنا نشاهد الجميع يلعب اللعبة ذاتها. شراء الأصوات أصبح حلالا على الكل. استقطاب الأعيان للفوز بهم بالمقاعد أضحى ضرورة نضالية لا محيد عنها, واللجوء لخدمات الكبار لتقسيم الرقعة جيدا ووضع كل البيادق في الأماكن التي تصلح لها لم تعد لعبة حزب دون آخر. الأحزاب المغربية هي أيضا العلاقة مع الشعب المغربي. في الزمن الآخر, ولعله ليس قديما إلى الحد الذي قد يتبادر إلى الذهن. كانت الأحزاب تنزل إلى المواطن حيث كان. كانت هناك أشياء بسيطة للغاية تحمل من الأسماء تأطير الناس وتعبئتهم. كنت تجد في مقر الاستقلال أناسا ينتمون للحزب لا طمعا في الدخول إلى الحكومة أو التقرب من الوزراء أو نيل شيء ما, لكن لأنهم كانوا استقلاليين. وكنت ترى في الاتحاد الاشتراكي اتحاديين حقيقيين يخفون جريدة "المحرر" تحت المعطف ويدلفون إلى أقرب مقر لكي يتذاكروا حول كل شيء. كان الببساويون من أهل التقدم والاشتراكية أناسا تعرف سيماهم من وجوههم دلالة فكر عزيز بلال والبقية, وكان بقية المنتمين لبقية التشكيلات فرقاء واضحين للغاية, وكنت تجدهم قرب الناس باستمرار, لذلك كان الناس يحترمونهم. اليوم أضحى بينهم وبين الشعب جدار سميك, أسموه هم التناوب, وأسماه غير المناصب, وأسماه الشعب "الله يخلينا فصباغتنا وصافي". الأحزاب المغربية أيضا هي العلاقة مع الحاكمين. رحم الله رجلا مثل عبد الرحيم بوعبيد في هذه الأيام المفترجة. رحم الله رجالا عبروا المكان, وكان لصوتهم رنين خاص للغاية أطرب المغاربة على امتداد السنين. كانوا يعرفون الفوارق الكبرى بين الاحترام وبين الخنوع, وكانوا رجالا حقيقيين حين الحاجة للاستماع إلى أقوالهم. لم يبيعوا كل شيء من أجل أشياء تافهة للغاية لا نرى لها نحن أهمية, ولا نعيرها أي اعتبار. كنا نرى بعضهم بعد "عمليات التحول السياسي" التي قام بها, فنشعر بالرغبة في البكاء إشفاقا لأن عددا كبيرا منهم كان يستحق أن ينهي المسار السياسي الكبير الذيعاشه بشكل أفضل للغاية من الهوان الذي يوجد فيه الآن. الأحزاب المغربية ختاما هي هذا الفراغ المحيط بنا من كل ناحية سياسية, هي سابع شتنبر يوم بقي المغاربة في منازلهم وقالوا لن نصوت "لحتى شي مسخوط من هادو كاملين", هي الترحال السياسي الذي يجل نائبك في البرلمان ينجح في دائرة باسم الحصان وينتهي حاملا الوردة, ممتطيا الجرار, فاتحا الكتاب, مصرا على أن تختل كفتا الميزان بين يديه, ومستعدا للفرار في أي سيارة يجدها أمامه, هي التوافقات السرية التي لانعرف عنها إلا نتائجها الختامية, هي الغموض التام الذي يجعل الناس تقول فيها بينها "راهم كلهم بحال بحال". فهل نلوم ختاما شعبنا لأنه أصبح يشك فيمن خانوه باستمرار؟