قال مصطفى المعتصم، الأمين العام لحزب “البديل الحضاري”، إنه مقتنع بأن التغيير في المغرب قادم فقط علينا أن نختار اي طريقة نريد. وأضاف المعتصم في حوار مع “لكم” من داخل زنزانته في السجن، هناط “سبيلان لا ثالث لهما لإحداث التغيير:إما القيام بالإصلاحات السياسية والدستورية والحقوقية والاقتصادية والاجتماعية الضروري... وإما أن التغيير سيقوم على انتفاضة شعبية قد يكون من الصعب التكهن بمداها..” ثلاث سنوات مرت على اعتقالك رفقة السياسيين في ملف ما يعرف بخلية “بلعيرج” كيف تختزل تجربة السجن؟ تجربة السجن قاسية خصوصا مع الإحساس بالظلم والمهانة ومع تنكر رفاق كنت أحسبهم من الاخيار والفضلاء الديمقراطيين . قاسية عندما تحس أنك تعاقب على حب الدين والوطن والشعب والديمقراطية ، هي تجربة لا تخلو من جمال .. عندما تجد رجالا مبدئيين ديمقراطيين حقيقيين يدافعون عن براءتك ويقفون بجانبك ويواسون أهلك. هي تجربة غنية تعلمك تفهم المجتمع أكثر وتفتح عينيك على الواقع المرير الذي تعيشه فئات واسعة من الشعب المغربي ، فئة المهمشين والفقراء. في السجن وجدت الوقت للتأمل في تجربتي ومساري ووجدت فسحة أكثر لأوسع مطالعاتي ومعارفي كي أفهم العالم بشكل أكبر. في السجن تقترب أكثر من الله وتحس بمعيته مما يعينك على الآلام والظلم وتتحلى بالصبر والمصابرة وتتشبت بالآمال في شروق شمس الحرية و العدل والديمقراطية. إلى أي حد باعدت تجربة السجن بينكم كرفاق، أقصد بينكم وبين الأستاذين المرواني والعبادلة، وكيف يمكن أن تلخص لنا الاختلاف في وجهات النظر بينكم إن وجد هناك خلاف من هذا القبيل؟ نحن مختلفين قبل دخولنا للسجن بدلالة انتمائنا لتجارب سياسية مختلفة . صحيح أننا ما كنا نتخذ أية خطوة فيما يتعلق بالقضية المتابعين فيها إلا بعد الحوار والاتفاق مع هيأة دفاعنا . ولكن انفراد الأخ العبادلة والأخ محمد المرواني بالدخول في إضراب مفتوح عن الطعام بدون استشارتنا واستشارة هيأة الدفاع بحيث لم نطلع على قرارهما إلا عبر الصحافة جعلنا أنا وعبد الحفيظ السريتي ومحمد الأمين الركالة نقرر أن نلتزم بكل ما سنتفق عليه مع هيأة دفاعنا كما حدث في المهرجان التضامني الأخير بقاعة بنبركة على أن تبقى لنا المبادرة سواء الحزبية أو العائلية ، كل حسب قناعته وأجندته شرط ألا تسئ هذه المبادرة إلى استراتيجية الدفاع. اعتقلت مباشرة بعد انتخابات 2007 وما أشرت إليه من عزوف شعبي ، كيف تقرأ المشهد السياسي المغربي بعد مرور ثلاث سنوت؟ الشعب المغربي رفض التوجه إلى صناديق الاقتراع في 2007 لأنه لم يعد يثق في العملية السياسية برمتها ولم يعد يرى جدوى من وجود برلمان فاقد لكل مصداقية. بعد ثلاث سنوات من استحقاق 2007 تدهور المشهد السياسي بشكل خطير لا يبشر بخير وازداد استنقاعا في العبث واللامعنى .فالحكومة استقالت يوم تنصيبها عندما خرج الوزير الأول بعد استقباله من طرف الملك ليقول إنه ينتظر التعليمات الملكية .تحولت الحكومة إلى حكومة لتصريف الأعمال افتقدت في العديد من الأحيان للكفاءة والفاعلية والسرعة المطلوبة في الزمن الحقيقي . المعارضة أصبحت أغلبية في البرلمان تساند هذا الوزير وتعارض ذاك الوزير ، تساند الأقلية الحكومية وتعارض المعارضة وتترأس الغرفة الثانية .. مشهد سريالي لديمقراطية فريدة من نوعها في العالم. في هذه السنوات الثلاث ظهر حزب جديد (البام) دخل البرلمان بثلاث نواب ويتوفر اليوم على أكبر فريق برلماني . حزب يريد إخراج الإسلاميين من اللعبة السياسية والهيمنة على الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والرياضية والإعلامية ... كل المؤشرات تدل على أن الجماهير ازدادت نفورا من السياسيين ومن عبثهم هناك فراغ هائل وخطير على استقرار البلاد وأمنها. كيف تقرأ ما حدث في تونس ومصر؟ ما حدث في مصر وتونس هي ثورة شعبية ضد الظلم والاستبداد والفساد والمحسوبية والريع ومصادرة الحريات والتضييق على المعارضة والصحافة .. ثورة ضد هيمنة الحزب الوحيد على السياسة والثقافة والرياضة والإعلام والاقتصاد .. ثورة ضد الأوليغارشيا ولوبيات الفساد التي نهبت البلاد والعباد . ما حدث في تونس ومصر لعب فيه شباب البلدين ، شباب التويتر والفايس بوك دورا بارزا ولكن من دون أن ننسى التراكمات السلبية نتيجة سنوات من الاحتقان والظلم اللذين مارستهما السلطة في هذين البلدين . لن نبخس تضحيات أحزاب أخرى ونقابات مهنية ومنظمات حقوقية وتضحيات الأسر التي عانت من سجن أو تهجير أبنائها. وصدقا أنا لم تفاجئني هذه الثورات وأنتظر أن تحدث أخرى لأن الأصل ألا تسكت الشعوب على القهر والجوع والبطالة وسوء التوزيع للثروة واحتكار السلطة ومصادرة سيادتها الأصل أن تحاكم الشعوب الحكام المستبدين اللصوص والبلطجية الذين يحكمون البلاد بالمؤامرة والكيد على شرفائها. والأكيد أن العالم العربي سيعرف قريبا سقوط أنظمة بليدة وكيانات مهترأة وقد تسبق بعض الأنظمة هذه الثورات فتقوم بالإصلاحات الضرورية وأتمنى أن يكون المغرب أولها . إن المستجد اليوم هو موقف الغرب بقيادة أمريكا الذي لم يعد يتردد في ترك أصدقائه من حكام فاسدين لقدرهم عندما تثور في وجههم الشعوب والأخطر والأهم هو امتناع الجيوش في مصر وتونس في أن تبقى أدوات لقمع الشعوب لصالح الفاسدين والمستبدين إنها رسالة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وشهيد. هل ترى أن المغرب يتجه سياسيا نحو نفس المسار الذي عرفته تونس ومصر؟ الأوضاع في الدول العربية تتشابه بشكل كبير وتختلف في بعض التفاصيل فقط .صحيح أن الوضع السياسي والحقوقي والإعلامي المغربي قد عرف تحسنا ملموسا منذ 1994 وخصوصا منذ مجيء الملك محمد السادس ولكنه بدأ في التراجع بشكل كبير ..ففشل الإنتقال إلى الديمقراطية وتراجع منسوب الحرية وتم التضييق على الإعلام. مع مجيء الملك محمد السادس عقد المغاربة آمالا واسعة على عهده وبالرغم من تدهور الأوضاع الاجتماعية فلا يزال بعض الأمل يحدو المغاربة في غد أفضل وأقول أن الإحساس بالأمل هو الفرق الوحيد بين المغاربة والمصريين أو التونسيين الذين فقدوا هذا الأمل في أنظمتهم منذ مدة طويلة. ومع استمرار التراجع والإخفاق فسيتحول الأمل إلى فقدان الثقة وسيعرف المغرب ما لم تعرفه دول أخرى .. حينما سيكتشف دعاة الخصوصية المغربية أنهم كانوا يكذبون على الناس وعلى أنفسهم ويحاولون تغطية شمس الحقيقة بالغربال. الوضع في المغرب سيئ ولابد من القيام بالإصلاحات الضرورية قبل فوات الأوان نريد جعل حد للهشاشة والفقر والطبقية الفاحشة، نريد تداولا سلميا للسلطة وتوزيعا عادلا للثروة، نريد العيش في كرامة فلسنا عبيدا لأحد ، نريد أن نكون مواطنين كاملي المواطنة وليس مجرد أشياء (الترجمة الحقيقية لكلمة sujet) يتحكم فيها الحكام كما يشاؤون وحسب أهوائهم ونزواتهم ، نريد الإنصاف والعدل والحرية والمساواة أمام القانون في الحقوق وفي الواجبات ، نريد المدارس لأبنائنا والمستشفيات لمرضانا والأرض لمن يحرثها والشغل لشبابنا . الخصوصية التي يجب أن نتمسك بها هي التي لا تعارض سنة الله في خلقه : الحكم العادل الراشد ، فالحكم العادل الراشد يدوم والجائر إلى زوال ، والله ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة والعدل أساس الملك. البعض يرى أن تنامي قوة المخزن بسبب ضعف الفاعلين السياسيين وإقصاء الشعب عن الاهتمام بالشأن السياسي ... يجعل التغيير في المغرب بعيدة المنال ..ما رأيك؟ أريد أن أقول أن المغرب ومنذ 2007 قد سار في نفس المسار الذي عرفته تونس ومصر من تضييق على العمل السياسي الجاد وتمييعه ومن محاولة لخلق حزب وحيد مهيمن تدور في فلكه أحزاب لا شعبية لها حتى يعطي انطباعا بوجود تعددية الخ .. أي انه هناك محاولة جادة في محاكاة التجربة التونسية (تونسة النموذج المغربي). وطبيعي ولمن يسعى لمثل هذا أن ينمي قوته مقابل إضعاف الآخرين خصوصا الأحزاب التي تعارض هذا التوجه... والحمد لله فقد أثبتت تجربتا تونس ومصر فشل هذا النموذج وجنب الحكام المغاربة- إن كانوا يسمعون ويستوعبون ما يحدث -.مطبات هذا النهج الفاسد إن الرهان على إضعاف العمل السياسي وإحداث الفراغ فيه لدفع الجماهير بعيدا عن الاهتمام بالشأن السياسي هو رهان خاطئ بعيد المنال في زمن حضارة الصوت والصورة والديجيتال حضارة الأنترنت والفضائيات. في زماننا لم يعد التأطير في المقرات الحزبية ضروري لتراكم الوعي فيكفي لمسة خفيفة لزر صغير حتى تتدفق عليك المعلومات .. ومن امتلك المعلومة ارتفع وعيه وهذا ما أظهرته ثورتا الفل والياسمين. القفة في زمن الاسعار الملتهبة والفوارق الطبقية الفاحشة مصدر إلهام ووعي. .الاستبداد واحتقار الناس والمس بالكرامة يلهمون وعي المواطنين .. ويكيليكس صدم وعي الناس ورفع درجة انتباههم لما يجري حولهم... أنا مقتنع أن التغيير في المغرب قادم فقط علينا أن نختار اي طريقة نريد. هما سبيلان لا ثالث لهما لإحداث التغيير: إما القيام بالإصلاحات السياسية والدستورية والحقوقية والاقتصادية والاجتماعية الضرورية وجعل حد للفساد وإقرار الديمقراطية بما هي تداول سلمي بواسطة انتخابات حرة ونزيهة على السلطة وتوزيع منصف عادل للثروة أي العودة إلى مسارات التحولات إلى الديمقراطية ودعم الحريات العامة واحترام حقوق الإنسان وإما أن التغيير سيقوم على انتفاضة شعبية قد يكون من الصعب التكهن بمداها.. قبل اعتقالك كنت من الأوائل الذين تحدثوا عن “ملكية مواطنة” كصيغة وسط بين الملكية المطلقة والملكية البرلمانية ، أين أنت اليوم من هذا التصور؟ الملكية البرلمانية هوالأفق الذي نرومه ولكن ستصل إليه بالاتفاق والتوافق بين المؤسسة الملكية ومختلف الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والاقتصاديين الخ.. وحيث إن الوصول إلى هذا الأفق سيكون توافقي فإن الانتقال من ملكية رآسية (الوضع الحالي) إلى ملكية برلمانية سيكون إما تدريجيا عبر مراحل وسيطة أو مباشر فإن طرحنا في الحالة الأولى صيغة وسطية (ملكية مواطنة) وفي الحالة الثانية يمكن الانتقال مباشرة من ملكية رآسية نحو ملكية برلمانية . موقفي اليوم هو أن نتحرك في اتجاه إقرار إصلاحات حقيقية تعيد المعنى لحياتنا السياسية وتعيد السيادة للشعب وتفصل السلطات وتحدد المسؤوليات. هل انتهت تجربتكم السياسية بدخول قيادة حزب البديل الحضاري إلى السجن؟ بكل ثقة أقول بالعكس ابتدأت... فالمتآمرون على تجربتنا قد فشلوا في تشويهها والنيل من قيادتها أمام صمود رجالها ونسائها وكما يقول عمر المختار “الضربة التي لا تميتك تقويك” . نحن كنا تجربة ناشئة شابة لكنها كانت جادة وككل التجارب الجادة في العالم فإن ضربها يقويها ويمنحها حب الجماهير والتفافها حولها وخصوصا عندما تلمس في رجالها الصدق والتفاني في خدمة الصالح العام. سجن ذ عبد السلام ياسين لم ينهي تجربة العدل والإحسان ، واعتقال مانديلا وديسموند توتو لم ينهي تجربة المؤتمر الوطني الإفريقي في جنوب إفريقيا. وما قامت به السلطة اتجاهنا قد أدى إلى التعريف بالحزب وبرجالاته فازداد التعاطف الشعبي معنا واتسعت قاعدتنا التنظيمية . ألا ترى أن السلطة حسمت موضوعكم بصدور أحكام الاستئناف وهي تراهن على نسيانكم وراء القضبان؟ بكل يقين لن ينسانا المغاربة لأننا في السجن سنحول خطأهم في حقنا إلى مأزق حقيقي لأننا ولله الحمد في زمن الصوت والصورة زمن التويتر والفايس بوك قادرين على التواصل وإيصال مواقفنا ومظلوميتنا ليس فقط إلى المغاربة بل إلى كل العالم . لن ننسى ولنا أصدقاء كثر في الصف الديمقراطي لن ننسى في السجن ولنا أصدقاء في المشهد الإعلامي من أمثال علي أنوزلا وتوفيق بوعشرين ومحمد حفيظ وآخرين كثيرين ممن جعلوا منابرهم منابر من لا منبر له لخدمة القضايا العادلة . ألا ترى أن الوحدة بين كل الديمقراطيين ربما تكون الرد الحقيقي على تحديات المرحلة؟ بكل تأكيد وهذا ما يجب السعي إليه من دون تردد ، نحن اقتنعنا منذ بداية عهد محمد السادس وربما قبل ذلك بقليل أن المغرب في حاجة إلى قطب ديمقراطي لمواجهات تحديات المرحلة ولهذا سعينا إلى بناء القطب الديمقراطي مع فعاليات وطنية يسارية وغير يسارية. طبعا نحن نتصور أن مثل هذه الوحدة قد تكون مقدماتها وحدة قوى اليسار الديمقراطي ليشكل القاعدة الأساسية لتجميع كل القوى الديمقراطية . وحينما أتكلم عن اليسار فإني لا أحيل على المرجعية اليسارية بالقدر الذي أحيل على البرنامج والموقف .. أي أني أحيل على تعريف جديد لليسار. فاليساري بالنسبة إلي ليس من يتبنى المرجعية الماركسية اللينينية أو الاشتراكية فكم من هؤلاء غير شعاره عندما غير بيئته أو وجوده . ولكن من يتبنى اليوم مطالب من الحق في الحرية والحق في العدل والمساواة واحترام حقوق الإنسان والحق في سيادة الأمة ويناضل ضد القمع والطبقية الفاحشة والأوليغارشيات الفاسدة ويناضل من أجل إقرار ديمقراطية حقيقية وعولمة إنسانية أكثر عدلا وإنصافا ويناضل من أجل بيئة سليمة ويناصر قضايا الشعوب المغلوبة على أمرها ويتصدى للاستعمار ومخططاته . إذا أصبح هذا تعريف اليساري فإن تجمعا معتبرا يبدو في الأفق يجمع أناسا من مرجعيات مختلفة ولكنهم يتعاونون على هذه الفضائل من أجل غد أفضل. في رأيك أين يمكن تصنيف تجربة حزب “البام” والى أين سينتهي مثل هذا النموذج الحزبي؟ بمرجعيته ، بممارساته ، بأهدافه بإمكانياته ، بتركيبته البشرية ، بجمعه لكل تناقضات المشهد السياسي من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين .. أقول إن البام يعيد إنتاج الفديك التي خرجت من القصر في بداية الستينات من القرن الماضي . أنا متأكد ولا أتكلم من فراغ أن الكثيرين من رجالات هذا الحزب كانوا متأثرين بالتجربة التونسية ولم يكونوا يخفون هذا الأمر على كل حال هذه التجربة صارت إلى الفشل بالنسبة إلي فإن حزبا بالتناقضات التي يحملها البام سيجد صعوبة كبيرة جدا في الاستمرار خصوصا وأن الغرب (أوربا وأمريكا)يطالبون من المغرب القيام بإصلاحات سياسية و(هذا الغرب) لا يتصور إصلاحات من دون أن يأخذ المسافة من بعض السياسيين الذين يتكلمون باسمه. البام تنتظره أياما صعبة خصوصا وأن التجارب/النموذج، المشابهة في تونس ومصر قد انتهت النهاية التي نعرفها اليوم. — يقضي مصطفى المعتصم الأمين العام لحزب “البديل الحضاري” المحظور، ونائبه في الحزب محمد أمين الركالة، ومحمد المرواني الأمين العام لحزب “الحركة من أجل الأمة”، وماء العينين العبادلة عضو حزب “العدالة والتنمية” وعبد الحفيظ السريتي مراسل قناة المنار اللبنانية، أحكاما بالسجن النافذ لمدة عشر سنوات في قضية بلعيرج، وذلك على إثر محاكمات سياسية انتقدتها الكثير من المنظمات الحقوقية المغربية والدولية لأنها لم تحترم شروط المحاكمة .العادلة