تعددت الروايات والأساطير واختلفت حول أصل وتاريخ الاحتفال بعيد العشاق أو عيد "القديس فالنتين"، فمن قائل أنه يعود إلى أصول رومانية وثنية، حيث كان يعتقد الرومان أن (رومليوس) مؤسس مدينة (روما) أرضعته ذات يوم ذئبة فأمدته بالقوة ورجاحة الفكر، لذلك فهم يحتفلون بهذه الحادثة في منتصف شهر فبراير من كل عام احتفالا كبيرا، ومنهم من رد أصل الحكاية إلى أصول نصرانية فاسم (القديس فالنتين) ارتبط باثنين من قدامى ضحايا الكنيسة النصرانية قيل: إن أحدهما توفي في روما إثر تعذيب الإمبراطور كلوديوس- الذي كان وثنيا- له بعد أن حاول رده عن النصرانية، لكنه ثبت على دينه النصراني وأعدم في سبيله وبنيت كنيسة في روما تخليدا لذكراه. أما الأخر فهو "القديس فالنتين" الذي كان يعيش في مدينة تورني وقتله الإمبراطور الروماني كلوديس الثاني؛ بعد أن تمرد على قانون إمبراطوري يقضي بمنع الشباب من الزواج، ويبدو هذا قبل تحريف النصرانية وإدخال الرهبنة، كما أن البعض جعلوا من الاحتفال بالمناسبة فرصة اقتصادية كبرى، فيكفي أن نعلم مثلا أن قيمة النفقات والصرف في عيد الحب هذه السنة من قبل المستهلكين الأمريكان -ورغم الأزمة المالية- تبلغ حوالي 17.6 مليار دولار، أي ما يعادل 126 دولار للشخص الواحد.
بالتأكيد لا يقتصر الاختلاف فقط بين المؤرخين حول أصل المناسبة في الغرب، بل تختلف أيضا مواقف علماء المسلمين منه: مابين مبيح ومانع للاحتفال، فالمانعون يرون فيه تشبها بالكفار واتباعا لهم ينم عن خواء روحي واستلاب حضاري وتقليد للغرب الغالب وخضوعا لقيمه " فالمغلوب مولع بتقليد الغالب" كما يقول العلامة ابن خلدون، أما المبيحون فيرون في المناسبة فرصة للتهادي، وتكريس وإفشاء بعض القيم الجميلة بين الناس، وتلاقحا حضاريا بين الشعوب لا ضير فيه مادام الأصل في الأمور هو الإباحة، ما لم يرد نص قاطع الدلالة على رأي الفقهاء، ومادام الإنسان يحتفي بوعي ومعرفة.
ندع الخلاف لمن يحترف الخلاف بلا داع ولا دليل، ونجعل من المناسبة فرصة للحديث عن الحب، بل نجعلها حديثا بالحب، ولنا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم متسع يفتح لنا آفاق الفهم، يقول "رواة السير" أنه لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وجد يهود يصومون يوم عاشوراء ويعظمونه فسأل عن السبب فلما عرف، قال:" نحن أولى بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه" أولى باعتبار الأخوة الإيمانية ولاستمرار الرسالة، والحديث عند المتأملين أوسع في الدلالة على أن المسلمين أولى بكل القيم الجمالية والإنسانية والحضارية من الناس لأنهم ينتمون إلى رسالة محمدية خاتمة، ولا يمكن حصر الفهم على أنه حكم خاص بواقعة خاصة، فالرسالة المحمدية أتت لتتمم مكارم الأخلاق على وجه الإطلاق، وكل خلق كريم تشترك الأمة مع الإنسانية فيه ينبغي أن نثمنه وننشره ونحتفي به ونقدره، فالدفاع عن المظلومين والمحرومين، وتقديم يد العون للفقراء والجياع في العالم، والدفاع عن البيئة وعن الأرض والدعوة إلى السلام، ومحاربة الحروب والتسلح والأسلحة النووية كلها قيم ودعوات ينبغي على المسلمين أن يضعوا أيديهم في أيدي من يدعون إليها أو يحاولون إشاعتها وترسيخها في الإنسانية، مع الحفاظ على الهوية وعلى التميز وعلى الخصوصية الإسلامية. ولا التفات إلى من يريدون إدخال الإسلام إلى "كيتوهات" بفهمهم الضيق كأن الإسلام لم يكن عالميا كونيا، ولم يجئ رحمة وهدى للعالمين. إن من المسلمات الكونية أنه لا يمكن أن يكون الناس كلهم مسلمين، لذا وجب الاعتراف بضرورة التعايش بين كل الحضارات دون ذوبان أو انسلاخ. فمع –وبالرغم من- إيماننا المطلق بأننا على حق مطلق، وهو الإسلام باعتباره دينا خاتما تاما عقيدة وشريعة، نبحث عن مساحات إنسانية مشتركة على المستوى الإنساني والثقافي والحضاري، نجعلها نوافذ للتعريف بقيمنا وهويتنا، فالبرغم مما يعيشه المسلمون من واقع التخلف والتبعية والذيلية في قطار الحضارة الإنسانية اليوم، فلهم كلمتهم في مجال القيم والأخلاق، ومثل هذه المناسبات قد نجعل منها فرصة لندلي بدلونا ولنعرف بقيمنا.
بكل تأكيد أنه عندما تذكر كلمة الحب الآن تنصرف الأذهان إلى حب الذكر للأنثى أو العكس، وتقصر عليه حكرا، رغم أن للحب صورا متعددة، أو قد تنصرف بفعل القصف الإعلامي ومطارق الإباحية الفاشية في الغرب المتسللة لمجتمعاتنا إلى الجنس، فالحب والجنس صارا رديفين في عرف ثقافة الفرويدية الإباحية المنحلة، وتحول الحب العاطفة إلى غريزة شهوانية دوابية بهيمية صرفة. ويتعجب فئام من الناس ما للإسلام والحب والجمال والمرأة وهو في زعم بعضهم جفاء وغلاظة وفضاضة؟ وأين الإسلام من رومانسية روميو أو من رقة جولييت؟ أم أين هو من رومنتيكية الغرب وارث الجمالية الإغريقية الهيلينية والفنية الرومانية؟ أين هؤلاء العرب الأجلاف من رقة شعراء وأدباء الرومانسية المعاصرة؟ أسئلة تنم عن جهل عظيم بإسلام –للأسف- شوه بعض بنيه صورته بشذوذهم وفهمهم الضيق ويجتهد أعداؤه في نشر الأراجيف عنه. وهو براء من هؤلاء وهؤلاء، فالإسلام هو دعوة دائمة للحب، ولكن لما جافت المعاني قلوبنا جعلنا لها الأيام معالم نحييها لتذكرنا بما نسينا، فالله محبة في التراث الديني النصراني وفي كل الديانات، والحب في الإسلام قيمة إنسانية جميلة وغاية سامية تتطلع لها الأرواح الصحيحة، الحب عطاء، الحب رحمة، الحب ولادة وعبادة، فالحب "نبوة صغيرة، والحب قريب من العبادة، ما دام هذا الحب هو تجلي نفس في نفس، وما أشبه الحب بدين يعبد فيه الجسم الجسم، فالمعشوق حالة نفسية متألهة معبودة، والعاشق حالة أخرى متولهة عابدة!).وصلى الله على من قال:"حبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة".