ليس مسموحا لأحد، بتحويل المواطن كمال العماري لأصل تجاري....و ليس لأحد بأن يفخر لأنه أصبح للمغرب شهيدا ، في هذا الحراك العربي...و لم أحبذ الصفحة الفيسبوكية التي تدعي أننا كلنا كمال العماري،و التي نبتت بسرعة،و كأنها كانت في المنعرج، تنتظر أن يسلم الفقيد روحه لبارئيها... كنت أود أن تكون الصفحة ،كمال العماري كُلُنا،أن يضل حيا بيننا،يعتنق مياه البحر و هي تتلحف بسواد الليل،ينقل رائحة السمك و صدأ أدوات البحارة التي يحرسها في ميناء آسفي،عبر دروبها المتربة و أحيائها الهامشية،ما كان يهم فقره و لا معاناته في مقابل الحياة التي سلبناه إياها.... الكثيرون كانوا يتوجسون هذا الحدث،الكثيرون كانوا يأملون أن يسقط ضحية،لا يهم لون الرداء، بقدر ما كان المأمول هو غروب الحياة،لتشرق الفوضى كشمس أغسطس الحارقة.... الآن و قد ضاع منا كمال العماري،هل من الضروري أن نسلك دروبا نمطية ، لم تفض جميعها للشدو الذي صدح في ميدان التحرير، و لا لتفتح الياسمين في مملكة قرطاجنة، بل الكثير من هذه الممرات اختنقت بكتل الدم المتخثر ،و الذي لم تعد حتى شرايين التاريخ قادرة على استيعاب صبيبه من فرط السيلان؟؟ لا يعني ذلك بأننا سندفن الفقيد، و نوزع التين الجاف و قطع الخبز في اليوم الثالث من غيابه....و نمضي...هي اللحظة المفصلية في هذا الحوار الذي ابتدأ حضاريا، و كاد أن ينتهي، ضد منطق التاريخ، همجيا...لحظة تنزع عنها كل الأطراف ثياب تَمَلُكِ الحقيقة المطلقة،دينية أو دنيوية،و بسط قواسم معتقداتها و الآخرين،و الاستعداد لمسك المجداف، كي ترسوا باخرة الوطن المتعبة ، على شاطئ السلام،دون أن نكون مضطرين لتفريغ دلاء الدم التي قد تغرقها... على الدولة أن تتوقف عن استعمال العنف ضد مواطنين،ليسوا مطالبين بالاتفاق و اختياراتها،و عبروا عن هذا الاختلاف بالتظاهر السلمي...عليها أن تعترف بمسؤوليتها في وفاة كمال العماري،مع كل ما يترتب عن ذلك من جزاءات، جنائية،بتقديم المسؤولين الأساسيين ، العناصر السبعة التي قيل أنها تكالبت على الفقيد، و أوسعته ضربا في مناطق حساسة من جسده، و سببت له جروحا و كسورا أفضت لوفاته، و سياسية، باستقالة المسؤولين الذين أمروا باستعمال العنف ضد المتظاهرين، ليس في آسفي وحدها، بل في مجموع التراب الوطني... عليها أيضا أن تكف عن استفزاز أسرة الضحية، و أصدقاءه الناشطين برفقته في تنسيقية العشرين من فبراير،بإدعاء أن وفاته كانت نتيجة مضاعفات مرض رئوي، أو سكتة قلبية،لأن الظاهر الآن هو وفاة بسبب عنف فظيع مارسه سبعة من عناصر القوة العمومية على مواطن أعزل....حتى لو كان يعاني من مرض الربو أو وهن في القلب، فالدولة مسؤولة عن رعايته الصحية، و أوهنت جسده كي تتمكن منه الأمراض التي تتذرع بها... على الدولة كذلك أن تسن خارطة طريق للتفاعل مع المطالب السياسية و الاجتماعية و الثقافية التي رفعتها حركة العشرين من فبراير ، في صيغتها الأصلية،و في أفق الملكية البرلمانية كما طالبت بذلك،و جعل تلك المطالب ميثاق التزام بين جميع الأطراف بما فيهم الدولة،لأنه دون ذلك،و في مقابل نهجها سلوك التعنيف لقمع هذا الحراك، سيتجه ذات الحراك لرفع سقف المطالب عاليا بما ينذر بانهيار كل ممكنات التعايش السلمي و الايجابي بين الأطراف... على حركة العشرين من فبراير أن تبرز مفاتنها الانتمائية دون مواربة،أن تتضح وجوه الفاعلين فيها،العدلين واليساريين،المستقلين و المنتمين للأحزاب الوطنية التقليدية منها و الحديثة،و أن تلزمهم بوثيقتها التأسيسية،في حدود المطالب المحددة،مع فتح الاستعداد لمواكبة الدولة في تحقيق هذه المطالب،طبعا بالحفاظ التام على المسك بناصية الشارع،كقوة ضغط سلمية... لعلنا كنا نحتاج لشهيد كي نؤثث به مزهرية ربيعنا، و ها قد نبت في تربة أسفي....لا نريد مزيدا من الشهداء...نريد وطنا جميلا لكل ابناءه الأحياء