لهؤلاء أقول أنكم تعيشون ضحية وهمين الأول أن التاريخ في تقديركم وكأنه يسير على خط تصاعدي مستقيم ننتقل فيه من الأدنى إلى الأعلى بسلاسة وبدون تعقيدات لكن الحقيقة هو أن التاريخ لا يتحرك بشكل مستقيم ولكن بالضرورة عبر قفزات أو طفرات تحدث بين الفينة والأخرى، وبدون أن أفصل كثيرا في هذا الموضوع أذكر فقط بمثالين - أن المغرب ماكان له أن يدخل في السبعينات فيما عرف بالمسلسل الديمقراطي لو أنه لم يعرف هزات عنيفة سواء بمحاولتي الانقلاب أو بحركة 3 مارس المسلحة - ثم أنه بعد أن وصل هذا المسلسل إلى الباب المسدود في أواخر الثمانينات، لم يكن من الممكن تجاوز ذلك لولا التصعيد النضالي الذي عرفه المغرب في بداية التسعينات بتكوين الكتلة الديمقراطية وتقديم ملتمس الرقابة ضد الحكومة والإضراب العام الذي قادته الكدش، مما اضطر معه الملك الحسن الثاني في الأخير أن يجلس إلى طاولة الحوار مع قادة المعارضة آنذاك، للتفاوض حول مرحلة جديدة في تاريخ المغرب هي ما عرف بتجربة التناوب التوافقي - و لأن هذه التجربة الأخيرة قد وصلت هي أيضا إلى الباب المسدود حاليا وتم إجهاض الانتقال الديمقراطي الذي حلمنا به مع عبد الرحمان اليوسفي، فإنه لا بد للمغرب أن يمر إلى تجربة جديدة، غير أن هذه التجربة لن يمكن تحقيقها إلا عبر ضغط شعبي أو هزات جديدة ترغم الملك مرة أخرى أن يجلس إلى طاولة الحوار
الوهم الثاني، أنهم يعتقدون أن الملك سيقبل يوما ما وهكذا حين ترشق له أن يقدم على تعديل دستوري من تلقاء نفسه ويقدم تنازلات عن بعض من صلاحياته الدستورية مجانا هؤلاء لا يعرفون كيف تشتغل المؤسسة الملكية أو المخزن في بلادنا، فهذا الأخير هو عبارة عن تكتل للوبيات مصالحية كل لوبي منها سيبقى يدافع بشراسة عن مصالحه الخاصة، وبما أن القيام بأي إصلاح سياسي في البلاد يعني التنازل عن بعض المصالح أو بعبارة أخرى التضحية بلوبي من تلك اللوبيات، فذلك ما سيواجه بمعارضة قوية من داخل محيط الملك وسيعرقل أي إصلاح إلا إذا كان هناك ضغط شعبي قوي يعتمد عليه الملك في مواجهة تذلك اللوبي أو تلك اللوبيات المعارضة ذلك ما حدث في السبعينات مع اللوبي المرتبط آنذاك مع أو فقير وذلك ما حدث أيضا في التسعينات مع اللوبي المحيط بادريس البصري، فأي لوبي الآن سيضطر الملك إلى التضحية به إذا ما هو اضطر غدا إلى تحقيق بعض من الاصلاحات السياسية المطلوبة؟