لاتحاديون بأكَادير يثمنون التجربة الرائدة للقباج في تسيير البلدية ويؤكدون الدفاع عنها عبداللطيف الكامل عقد مكتب الفرع الحزبي بأكَادير مجلسا موسعا يوم السبت 13يوليوز2011،في العاشرة والنصف ليلا، تدارس من خلاله مستجدات المجلس الجماعي لأكَادير، ونتائج لقاء الفريق الاتحادي داخل المجلس بأعضاء المكتب السياسي الذي حل بأكَادير في الأسبوع الماضي ،وحيثيات تقديم القباج بمعية الفريق الاتحادي للاستقالة قبل التراجع عنها بشروط محددة . هذا وانصبت تدخلات كل من مكتب الفرع الحزبي والكتابة الإقليمية والكتابة الجهوية على تقديم شروحات مفصلة وإيضاحات كثيرة عن إقصاء ومنع طارق القباج من أداء واجبه الوطني، وتقديم البيعة في حفل الولاء المقام بتطوان يوم 31 يوليوز2011،وما ترتب عن ذلك من تأويلات مغرضة للنيل منه والانتقام من شخص الرئيس، مما اعتبرها بمعية فريقه وكافة الاتحاديين إهانة كبيرة في حق المدينة وسكانها. كما بسطت الإيضاحات المقدمة أمام مختلف مكونات مجلس الفرع الذي عرف حضورا وازنا من منتخبين بالمجلس البلدي والغرف المهنية و مسؤولين بالأجهزة الحزبية والقطاعات الموازية، نسائية وشبابية، وأعضاء مجلس الفرع الحزبي بأكَادير وعدد كبير من المناضلين والمناضلات... خريطة طريق نضالية بجميع الوسائل للتصدي للمركب المصالحي واللوبي الفاسد الذي كان وراء إقصاء رئيس المجلس الجماعي من عدة بروتوكولات ملكية عديدة، كان آخرها منعه وإقصاؤه من أداء البيعة كحدث قوي ورمزي وتاريخي لدى المغاربة ملكا وشعبا. هذا وبعد استماعهم لمختلف الشروحات والإيضاحات حول حيثيات تقديم رئيس المجلس الجماعي والفريق الاتحادي لاستقالته إلى المكتب السياسي قبل أن يرجئها إلى حين تتحقق الشروط التي حددوها جماعة والتزم بها المكتب السياسي، أجمع الاتحاديون في تدخلاتهم التي اتسمت بالحدة والصراحة والنقد الذاتي، على تثمين التجربة الرائدة للقباج وفريقه المنسجم في تسيير الشأن المحلي بنزاهة تامة والتزام أخلاقي، وعلى التفافهم حول التجربة التي تعد رائدة على المستوى الوطني.وأكدوا كذلك على تضامنهم مع القباج وفريقه الاتحادي داخل المجلس الجماعي في محنته مع لوبيات الفساد بالمدينة وخارجها، وعن انخراطهم النضالي المستمر للتصدي للمركب المصالحي، وعلى التعبئة الشاملة التي دعت إليها الأجهزة الحزبية من أجل الاستمرار في التجربة الجماعية لتعزيز مكتسباتها الكثيرة وصون عقارات مدينة أكَادير من النهب والسطو، وجشع لوبيات الفساد، وكذلك التصدي للمؤامرة التي تحاك دوما منذ ثماني سنوات ضد الاتحاديين بالمجلس الجماعي لأكَادير.وشددوا أيضا على رفض الاستقالة التي لوح بها القباج وفريقه الاتحادي، بشرط أن تردالدوائر العليا الاعتبار لهذه المدينة وسكانها الذين أحسوا بالإهانة حين تم إقصاء ومنع القباج من أداء واجبه الوطني في حفل الولاء، ومعاقبة المتورطين الحقيقيين في هذا العمل الدنيء، وتشكيل لجنة التواصل واليقظة لهذه المهمة، وتوسيع لجنة الدعم والمساندة وابتكار أشكال نضالية لحماية إرادة المواطنين وحماية التجربة التي يقودها القباج في تسيير بلدية أكَادير لأنها تجربة افتخر بها سكان المدينة وعبروا عن ذلك في الاستحقاقات الأخيرة. وطالبوا بأن يبعد شخص الملك عن أي جدل أو صراع سياسي يقحمه فيه البعض لقضاء مصالح شخصية باسم الملك. وإذا كان هناك مركب مصالحي ينبغي أن يكشف نفسه للجميع، علما بأن الدستور الجديد وضع حدا مفصليا بين الإدارة والتجارة و الاقتصاد، وبالتالي فعلى من يريد أن يتاجر ويراكم المال أن يقدم استقالته من الإدارة حتى لا يستغل نفوذه للحصول على امتيازات كما هو الشأن بالنسبة للمركب المصالحي الذي حارب القباج بمنعه من حضور بروتوكولات ملكية بأكَادير و تطوان. وإبعاد السلطة عن السياسة لكي تنهج الحياد والموضوعية حتى لا تتورط في اللعبة السياسية وتصبح طرفا في المعادلة وتتدخل في تسيير الشأن المحلي على الخصوص، وتعرقل بسوء نية المشاريع والبرامج التي يضعها المنتخبون لتنمية مدنهم وفق الالتزام الذي عقدوه مع ناخبيهم في حملاتهم وشعاراتهم أثناء الانتخابات، خاصة أن بقاء السلطة على هذه الحالة وهي تحشر أنفها في أمور وشؤون الجماعات الحضرية والقروية لن يؤدي إلا إلى إضعاف أداء هذه الجماعات وعرقلة مشاريعها ومخططاتها. الكاتب الجهوي للاتحاد الاشتراكي يشرح تفاصيل ماوقع بأكادير عبداللطيف الكامل دأبت جريدة الانبعاث الجهوية على عقد لقاءات شهرية على شكل ندوات صحفية مفتوحة يشارك فيها صحافيون ومراسلون ممثلون للمنابر الإعلامية المكتوبة والمسموعة والمرئية لطرح أسئلتهم على مختلف الفعاليات الاقتصادية والسياسية والثقافية والجماعية بأكَادير و الجهة التي تستضيفها الجريدة، في عدة قضايا ترتبط باهتمامات هذه الفعاليات وانشغالاتها. في هذا الإطار، استضافت جريدة الانبعاث بأكَادير،ليلة الأربعاء 10غشت 2011، الكاتب الجهوي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بجهة سوس ماسة درعة ، في ندوة صحفية ساهم في تنشيطها الزملاء الصحافيون:محمد بركا عن جريدة الانبعاث،والمحفوظ أيت صالح عن جريدة المساء وعزالدين الفتحاوي عن مجلة مشاهد ومحمد السليماني عن جريدة»الصحراء الأسبوعية». وتمحورت أسئلة الصحافيين عن مستجدات الساحة السياسية وما ينتظره المواطنون من الأحزاب السياسية من تأطير و تنزيل للدستور الجديد بعد التصويت عليه بنعم من قبل معظم المغاربة، وبعد تحديد موعد الانتخابات البرلمانية، وكذا عن مستجدات حزب الاتحاد الاشتراكي على خلفية الاستقالة الجماعية للاتحاديين بالمجلس الجماعي بأكَادير قبل التراجع عنها وإرجائها بشرط تحقيق المطالب المتفق عليه، وكذا حول تنوع خطاب الاتحاد الاشتراكي ومذكرته المطلبية للإصلاحات الدستورية والسياسية التي سبق أن قدمها لصاحب الجلالة منذ أكثر من سنة ونصف وعن استعدادات الحزب للانتخابات البرلمانية بالجهة وغيرها من الأسئلة التي طرحت في جلسة تابعها عدد من المتتبعين للشأن السياسي بالجهة. وفي رده على الأسئلة التي طرحت، قدم في البداية الكاتب الجهوي لمحة عن تاريخ حزب الاتحاد الاشتراكي منذ تأسيسه إلى الآن وما قدمه للشعب المغربي كحزب معارض على امتداد 40 سنة من أجل الإصلاح السياسي والدستوري وترسيخ الديمقراطية وحقوق الإنسان بالبلاد،ولما انتقل إلى تدبير الشأن العام واصل الحزب مشروعه لمواصلة الإصلاح الإداري ومحاربة الفساد من داخل الحكومة ودافع عن القيم والمبادئ التي قدم تضحيات من أجلها. وقال إن أهم مستجد تعيشه بلادنا هو تصويت المغاربة بنعم وبنسبة عالية على الدستور الجديد،والذي أجاب عن مطالب الحراك الاجتماعي والمطالب التي شملتها مذكرة الحزب التي قدمها لصاحب الجلالة قبل اندلاع حركة 20فبراير،ونظرا لما جاء به الدستور الجديد من آليات جديدة يتطلب من الأحزاب السياسية بذل جهود كبيرة من أجل تجديد نخبها ودمائها لتكون أكثر فعالية واقترابا من المواطنين وتنزيل القضايا الأساسية التي تضمنها الدستور. وأضاف أن مستقبل المغرب رهين بسياسة نبيلة ودور الأحزاب وفاعليتها في التأطير السياسي ومنها بطبيعة الحال حزب الاتحاد الاشتراكي الذي له استعداد كبير لكي يلعب دورا كبيرا اليوم وغدا في انتقال المغرب إلى مرحلة جديدة خاصة أنه تعافى من أزماته بالرغم من اتسامه بخطابين يتعايشان جنبا إلى جنب: خطاب المعارضة وخطاب المشاركة في التدبير للشأن العام، كما لاحظنا ذلك في المؤتمر الوطني الثامن، فوجود هذين الخطابين في الاتحاد الاشتراكي أمر طبيعي إذا ما عدنا إلى تاريخه وتجذره في المجتمع ونجاحه الكبير في المعارضة خارج وداخل المؤسسات التمثيلية وفي تدبير الشأن الحكومي ومساهمته في وضع ترسانة قانونية لتثبيت دولة الحق والقانون وإصلاح القطاعات الحيوية بالبلاد وتحصين المغرب وتمنيعه من السكتة القلبية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي. وفيما يتعلق بما حدث ببلدية أكَادير،أوضح أن الاستقالة الجماعية للفريق الاتحادي الذي يقوده طارق القباج هي حدث يجب أن نضعه في سياقه العام، حيث إن الاتحاديين انخرطوا منذ الولاية السابقة في محاربة الفساد بالمدينة وهذا جعلهم يخوضون صراعا مريرا مع لوبيات كثيرة تشترك في هدف واحد هو النهب والتهافت على عقارات المدينة بشتى الوسائل، وبالتالي وجد القباج وفريقه نفسهما أمام ممارسات شاذة بهذه المدينة تمثل مفارقة حقيقية، ذلك أن أعلى سلطة بالبلاد تدعو في خطاباتها إلى ترسيخ الديمقراطية والتقدم في حين نجد ما يعاكس هذه الإرادة الملكية بهذه المدينة. ولهذا كان منع طارق القباج من أداء واجبه الوطني في حفل الولاء بتطوان بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس وكشفت للعيان عن تراكم المضايقات والاستفزازات التي تعرض لها القباج منذ ثماني سنوات من طرف السلطة الوصية وتحديدا الوالي ولوبي الفساد ولوبي العقار، بل وصلت هذه المضايقة إلى محاربة مخطط التنمية الجماعية في وقت كان فيه هذا المخطط نتيجة عمل تشاركي ساهم فيه الجميع. ولهذا لما بلغ السيل الزبي،يقول مدون،استنكرت الأجهزة الحزبية محليا وإقليميا وجهويا ووطنيا هذه السلوكات،ووقفت بجانب القباج وفريقه وتدخلت للحيلولة دون تقديم الاتحاديين الجماعيين بالمجلس الجماعي استقالتهم وتم إرجاؤها إلى حين تمحي الأسباب التي دفعتهم إلى الاستقالة،لأن جميع الأجهزة الحزبية تثمن التجربة الرائدة في التسيير،خاصة أن تجربة القباج تتسم بالبعد العلمي والأكاديمي من خلال اشتغاله على دراسات جامعية وعلمية والدليل على ذلك هو وجود ملامح هذين البعدين في مخطط التنمية الجماعية. وشدد الكاتب الجهوي في النهاية على ضرورة انخراط جميع الشرفاء الحزبيين والمتعاطفين أن يلتحموا في صف واحد ليقولوا جهرا كفى من هذا النهب الذي يطال عقارات أكَادير،وكفى من اقتصاد الريع و الامتيازات التي ساهمت في خنق مشاريع البلدية،بدليل أن المجلس الجماعي يعاني حاليا من قلة الأراضي والعقارات لإقامة المشاريع التي تضمنها مخطط التنمية الجماعية. وليقولوا كفى من تدبير الأمور من قبل أقلية تعيش بمحيط المخزن الذي تطورت عقليته، لكن للأسف الشديد، بقيت هذه الفئة تعزف خارج السرب وضد النهج الذي خطه المخزن للإقلاع بالبلاد سياسيا وحقوقيا واقتصاديا واجتماعيا وجعلها في صف البلدان الديمقراطية بيد أن بقاء هذه الممارسات التي عاشها القباج وفريقه داخل المجلس البلدي لا تجعلنا نطمئن على مستقبل المغرب إن لم تُواجه تلك اللوبيات بتدخل صارم من قبل سلطات عليا لإزالتها بصفة نهائية قضية طارق القباج ب ««دار الملك» «بتطوان..للبيت رب يحميه.. لحسن العسبي منذ 1976 والاتحاديون يسيرون مدينة أكادير. أي منذ 35 سنة وسكان المدينة يجددون ثقتهم للمرشحين الذين يقدمهم حزب الوردة المغربي. بمعنى آخر، منذ ست ولايات متتالية وعاصمة سوس تصوت يسارا. وهذا في الحقيقة يكاد يكون تحصيل حاصل عند أهل تلك البلاد المغربية الغنية جدا بثرواتها الطبيعية وبموقعها الجغرافي وبثرواتها البشرية. فالثقافة السلوكية هناك، لها خصوصيتها التي تراكمت منذ مئات السنين. تاريخيا تكفي قراءة سريعة لأحداث المنطقة للتأكد من ذلك. بل إن الإطلالة على دخائر كتب، مثل نفائس الراحل المختار السوسي، خاصة «المعسول» و «سوس العالمة» وبحثه القيم عن زاوية إيليغ، ثم تقاييد الفقيه العثماني، وقبلهما كتابات مؤرخي السلاطين المغاربة منذ «البيدق» وصولا إلى الفقيه الناصري السلاوي في تحفته «كتاب الاستقصا» والبحث الإجتماعي للفرنسي روبير مونتين «البربر والمخزن»، تقدم الدليل العلمي التاريخي على أن طبيعة السلوك الاجتماعي لأهل سوس غير السلوك الاجتماعي في سماوات مغربية أخرى. وهو سلوك يتأسس على تربية عالية للتعاون والتآزر والانضباط، عززته الطبيعة الجغرافية، ورسخه الدور التاريخي لأهل البلاد كونهم كانوا وظلوا منذ قرون أهل تجارة. وتاريخ ميناء أكادير يقدم لنا الدليل الحاسم على ذلك، كونه كان من الموانئ المغربية القديمة التي ظلت تفرض شكل معاملاتها الخاصة باستقلالية تامة، لأنه ظل صلة الوصل التجارية بين بلاد شنقيط ونهر السنغال وصولا إلى غانا، وباقي الشمال المغربي، وصولا إلى مضيق جبل طارق. ومن المعلومات التاريخية الهامة التي يوردها الناصري في كتابه «الاستقصا» في مجلده السابع (ص29)، أن السلطان سيدي محمد بن عبد الله قد بنى ميناء الصويرة الجديد لتأديب أهل سوس، حيث قال بالحرف: «وذكر (...) أن الباعث للسلطان المذكور على بناء الصويرة هو أن حصن أكادير كان تتداوله الثوار من أهل سوس، مثل الطالب صالح وغيره، ويسرحون وسق السلع منه افتياتا. ويستبدون بأرباحها. فرأى أن حسم تلك المادة لا يتأتى إلا بإحداث مرسى آخر أقرب إلى تلك الناحية». بل إن ذلك الدور الخاص لهذا الميناء إنما ظل يتوازى، في الواقع، ودور الوسيط التجاري الذي ظلت تلعبه قبائل سوس المترامية، من حاحة شمالا حتى آيت باعمران جنوبا، ومن شواطئ الأطلسي الممتدة بينهما وهي تقدر بأكثر من 250 كيلومترا، حتى قبائل آيت عطا المحيطة بجبال بوغافر قرب زاكورة، صعودا حتى دمنات في نقطة تلاقي سلسلتي الأطلس الكبير والمتوسط (دون إغفال أن سلسلة الأطلس الصغير كلها تقع في قلب إقليم سوس الموسع، أي ذاك الذي ظل الناس يتحدثون فيه بلهجة تاشلحيت الأمازيغية). بالتالي، فإن من بين أهم الممرات التجارية التي عرفها المغرب تاريخيا، مع عمقه الإفريقي من أجل جلب الذهب، هي تلك العابرة لبلاد سوس كلها، من ممرات ميناء أكادير إلى ممر حاحة على الساحل، إلى ممر أمسكروض بين تارودانت ومراكش، إلى ممر بلاد أيت ووازكيث بين درعة ومراكش. بل كما يؤكد ذلك المؤرخ المغربي، الأستاذ المبرز بكلية الآداب بالرباط، إبراهيم بوطالب أن كبرى الملكيات القديمة التي حكمت المغرب، ما كان يستتب لها الأمن والاستقرار، وتتحقق بالتالي الدعة الاقتصادية، سوى بالتحكم في ممر أيت واوزكيث الإستراتيجي (عمليا اليوم هو ممر تيشكا). والممر الوحيد الهام الذي كان يقع خارج هذه الممرات الاستراتيجية التجارية والأمنية، هو ممر سجلماسة الحاسم بين بلاد السودان ومدينة فاس، عبر بلاد تافيلالت. بالتالي، فإن التربية السلوكية لأهل سوس تاريخيا (وقد تبدلت، طبيعيا، اليوم لأن مفهوم الانتماء للجماعة قد توسع وأصبح السقف هو الانتماء للوطن والدولة وليس الإقليم. مثلما أن الرهانات الاقتصادية والأدوار التدبيرية قد تغيرت في عالم اليوم)، قد نحتت من خلال ما ظلت تسمح به الجغرافية والأدوار الاقتصادية وطبيعة الجغرافية الصعبة والمميزة، التي هي في أكثر من 70 بالمئة منها جبلية وعرة جدا، شكلا للتعايش بين أفراد الجماعة البشرية التي تعرف ب «أهل سوس». وهذا انعكس ليس فقط في شكل البناء ونوعية الفلاحة واللباس وكل أشكال الحياة الجماعية من زواج وإرث وتبادل تجاري، وكذا في الخزان الهائل للأدب الشعبي هناك (أشعارا وأغاني وأمثالا وقصصا)، بل في شكل بنية التدبير العامة الخاصة بساكنة تلك المناطق المترامية الأطراف، التي هي بنية تعاونية جد منضبطة ومنظمة، ولها آليات تدبير يمكن أن توسم بمصطلح اليوم أنها «ديمقراطية جدا». بل إن روبير مونتين، في بحثه الدقيق علميا، والخطير تأويليا كونه تحركه غايات استعمارية، قد خلص إلى أن لأهل تلك البلاد نظما تدبيرية جمهورية من خلال شكل التدبير الجماعي للقبائل والأحلاف، بمجالس الأربعين فيها وتقنية الخمس، التي كانت تجعل أمر قيادة القبائل يتم بالتداول بين أفراد مختارين بعناية لدورتين فقط غير قابلة للتجديد، سوى بعد اكتمال دورة المسؤولية القيادية بالتساوي بين المختارين الخمسة من قبل مجالس الأربعين. مثلما أن تقنية توزيع المياه للري كانت جد متقدمة ومضبوطة، مما يعكس قوة ذلك البنيان التدبيري التعاوني لساكنة المنطقة. وهذا هو ما يترجم طبيعة السلوك التربوي الإجتماعي لأهل سوس عموما عبر التاريخ. وليس اعتباطا أن العمل الجمعوي التنموي المحلي في المغرب، هو الأهم والأقوى في سوس منذ ستينات القرن الماضي، ما جعل الخدمات العمومية الأساسية هناك في كل باديتها (من كهربة قروية وماء شروب وتعبيد طرق وبناء مدارس) قد تم بفضل ذلك العمل الجمعوي وليس بفضل برامج المركز بالرباط، الذي اتبع، عمليا، المبادرة ودعمها في الكثير من الحالات ولم يكن دائما المبادر إليها. فالناس هناك في أغلبيتهم الإيجابية، لم يظلوا مكتوفي الأيدي ينتظرون أن تتذكرهم العاصمة الرباط تنمويا، بل تصالحوا مع تاريخهم في العمل التعاوني (التطوعي) وأنجزوا ما أنجزوه من أسباب أولية حاسمة للحياة الكريمة في حدودها الدنيا الواجبة. والتراكم اليوم، بعد أكثر من أربعين سنة، أعطى نتائج باهرة تغري بالدراسة والتأمل والاستفادة. هذه الوقائع التاريخية والمعطيات الدامغة، هي التي تجعل السوسيين عموما ظلوا منذ سنوات الاستقلال الأولى منحازين لليسار، بل ومنحازين بشكل أدق لعائلة الحركة الوطنية. بل وكان لهم دور حاسم في دعم تلك الحركة الوطنية، عملياتيا، سواء بالدعم السياسي أو الدعم المسلح أو الدعم المالي (الشبكة الحاسمة والهامة لقطاع التجار الصغار والمتوسطين)، تأسيسا على ما كانت توفره ثقافتهم السلوكية من انضباط وسلاسة ويسر في الفكر التعاوني. ويستطيع المرء أن يؤكد أن التجربة الجماعية بشكلها الحديث، الآتية من آلية الانتخاب العمومي المباشر، تقدم هناك مادة خصبة للدراسة والبحث. إذ مثلا ثمة جماعة قروية في آيت باعمران تعتبر أقدم جماعة قروية ظلت تصوت لنفس الحركة السياسية، ولنفس الرئيس، منذ انتخابات 1961 البلدية، وهي جماعة أملو ورئيسها محمد أبو الحقوق، وهي جماعة ظلت تصوت للاتحاديين إلى اليوم. وإذا ما تأملنا خريطة المجالس الحضرية الكبرى بسوس (أكادير، تارودانت، تزنيت ) سنجد أنها كلها تسير من قبل اليسار المغربي. بل وأنها تسير من طرف هذه العائلة السياسية منذ السبعينات والثمانينات. فالمجلس البلدي لأكادير ظل اتحاديا منذ سنة 1976 والمجلس البلدي لتارودانت ظل اتحاديا منذ 1992 والمجلس البلدي لتزنيت يرأسه اليوم السيد أوهمو باسم التقدم والإشتراكية لكن أغلب نوابه من الاتحاد. ويمثل المجلس البلدي لتارودانت حالة خاصة كونه ظل مجلسا اتحاديا بنفس الرئيس إلى اليوم وهو الأستاذ مصطفى المتوكل، إبن المربي والمناضل الوطني الكبير، العلامة الراحل الحاج المتوكل الساحلي، مؤسس معهد التعليم الأصيل بتارودانت ورفيق المقاومين الكبار محمد الزرقطوني، والراحل الفقيه البصري ومولاي عبدالسلام الجبلي. دون إغفال بلديات آيت ملول التي ظلت تصوت للاتحاد منذ 1992 وأيت إعزة وتاغازوت منذ 1992 وأمرزكان منذ 1976. عادت أكادير ومجلسها البلدي، إذن، لتبرز على الساحة مجددا هذه الأيام، منذ الطريقة غير اللائقة والوقحة التي تم بها التعامل مع رئيسها المنتخب ديمقراطيا أثناء مراسيم حفل الولاء بتطوان، كونه عمليا طرد من قصر الملك واعتبر غير مرغوب فيه من قبل جهة ما يظهر أن لها «جرأة التصرف» في قلب «دار المخزن» لتصفية حساب مع رئيس بلدية منتخب، كل تهمته أنه مع فريقه من المستشارين الاتحاديين وزملائهم المتحالفين معهم من العدالة والتنمية، لا يتنازلون عن واجب حماية مصالح ساكنة المدينة التي انتخبتهم وحملتهم أمانة تسيير شؤون مدينتهم، من مافيات العقار ومافيات التلاعب بالصفقات العمومية. وأيضا لأنهم أناس يملأون مقاعدهم وليسوا مجرد ديكور في حساب أي مسؤول إداري محلي أو مركزي ولو كان والي المدينة. الحقيقة، أن واقعة رئيس المجلس البلدي الأستاذ طارق القباج، ابن المناضل الاتحادي والوطني الصلب، ورجل الأعمال الناجح، الراحل عباس القباج (ومهم هنا التذكير بذلك، لأنه كل وما انتسب إليه. ورئيس المجلس البلدي لأكادير هو من سلالة وطنية صلبة، عرفت دوما أن راسها قاصح، في الحق)، تطرح أسئلة قلق عدة ظلت تطرح منذ 1976. ذلك أن صراع رؤساء المجالس البلدية الاتحاديين الذين تعاقبوا على تسيير عاصمة سوس (1) قد ظل صراعا مخصبا مهما كان للأفيد للمدينة، ما جعلها اليوم واحدة من أهمالمدن المغربية تقدما على مستوى الخدمات العمومية الأساسية، وأصبح لها مشروع متكامل لتهيئة المدينة بالشكل الحداثي للكلمة. ولم تكن الساكنة تصوت على نفس العائلة السياسية لسواد عيون مرشحيها ، ولكن لأن الواقع يبز الجميع، والنتائج كانت واضحة للعيان. وأكادير 1976 ليست إطلاقا هي أكادير 2011. فالتراكم الإيجابي متحقق دورة بعد دورة. ولو شئنا المقارنة هنا، يكفي تأمل واقع حال مدينة مثل الدارالبيضاء، والتساؤل: هل البيضاء اليوم هي بيضاء 1976؟. الجواب النزيه لا يمكن إلا أن يكون صادما. فعاصمة المغرب الاقتصادية «تبدونت» بشكل رهيب وتراجعت بشكل أفظع في كل الخدمات العمومية ولعل أخطرها اليوم التراجع البيئي فيها الذي يعتبر جريمة كاملة، لأن المدينة أصبحت للأسف عبارة عن مزبلة كبيرة بلا ضفاف. ظل الصراع إذن، في حدود التدافع بين منطق ممثلي السلطة في ترويض المجلس البلدي والدفاع عن هذه المصلحة أو تلك، لهذا الإكراه أو ذاك، وكان هناك رجال سلطة محلية نزهاء حقا وكان هناك آخرون عكس ذلك تماما. فيما كان الفريق المسير للمدينة يقاوم بهذا القدر أو ذاك، حسب الإمكانيات وحسب التجربة الذاتية في التسيير، مما حقق للمدينة تراكما في بلورة معنى «المدينة - la cit?»، وقد برز ذلك في مشاكل الصرف الصحي وإعادة هيكلة الميناء وإيجاد حلول حقيقية لمأساة حي أنزا العمالي، وتنظيم الأسواق الشعبية والقطع مع مشاكل تعبيد الطرق والتقدم عاليا في تهيئة المساحات الخضراء، وخلق أقطاب صناعية جد متقدمة وتسيير المداخل والمخارج إلى المدينة والقطع مع فوضى العقار والتوفق في إدماج السياحة مع طبيعة الساكنة المحافظة نوعا ما، وصولا إلى المخطط الجديد للمدينة الذي يعزز من مكتسب امتلاك أكادير صفة مدينة جديدة وحديثة. لكن، لم يصل الأمر قط إلى ما وصل إليه اليوم من محاولات التركيع والإساءة لممثلي السكانالمنتخبين ديمقراطيا، من خلال رئيس الفريق ورئيس المجلس الأستاذ طارق القباج. ولعل الخطورة كامنة في أن الأمر تم هذه المرة في «دار السلطان»، التي هي تاريخيا «دار المغاربة، كل المغاربة». بل وتم في حفل الولاء، مما يقتضي ردا واضحا وحاسما يقطع مع أي توظيف لرمزية «دار الملك» في تصفية حسابات خلافية محلية. وهنا ثقل الملف حقيقة، الذي على قدر ما يجب له من كياسة في الحل، فإنه يستوجب صرامة في التدبير حتى لا يتحول إلى سابقة في المغرب. والأكيد على كل حال، هو أن الأستاذ طارق القباج، وفريقه الداعم من المستشارين، سيظل وفيا لالتزامه المسؤول أمام ضميره النضالي وأمام الساكنة التي منحته ثقتها، وأيضا أمام واجبه في احترام واجبات المواطنة التي في الصلب منها خدمة الصالح العام، كترجمان أصلب لخدمة البلد وقائد البلد. وأكيد أيضا أن الرسالة وصلت في كافة معانيها السياسية. وأكبر معاني الرسالة تلك، أن الصراع من أجل الإصلاح هو صراع طويل النفس، وأنه ليس لحظة في ندوة أو لقاء تلفزي أو خطاب عمومي، بل هو دربة الصبر على الزمن وعلى أعطاب الطريق وأساسا فخاخها. وفي أكادير، وفي بلاد سوس، التي هي عاصمة لها، ثقافة الصبر على الإصلاح راسخة وقديمة. فقد عبر ولاة وعبر مسؤولون عموميون كثر، لكن الذي بقي هي الثقافة السلوكية لساكنة المنطقة، الثقافة الصارمة في الحساب والمؤمنة عميقا بمعنى التعاون والتكافل والصبر على الطبائع القاسية. هامش: (1) تعاقب على رئاسة المجلس البلدي لأكادير منذ 1976، تاريخ عودة المسلسل الانتخابي إلى المغرب، بعد حالة الاستثناء المعلنة منذ 1965، السادة: إبراهيم لشكر (أقالته السلطة بدعوى أنه معتقل سابق والحال أنه كان معتقلا سياسيا) وعوضه الراحل إبراهيم الراضي في ولاية 1983/1976 ثم الراحل إبراهيم الراضي في ولاية 1983 / 1992. ثم الأستاذ محمد الواثيق في ولاية 1997/ 1992. ثم الأستاذ محمد البوزيدي في ولاية 1997 / 2003. وبعدها الأستاذ طارق القباج في ولايتين حتى الآن / 2003 2009، ثم 2009 إلى اليوم. رسالة من عبد اللطيف جبرو إلى طارق القباج . .كانت لكم الشجاعة الكافية لإطلاق الصرخة من أكادير عبد اللطيف جبرو خصوم الديمقراطية لا يريدون للعمل الجماعي نجاحا حقيقيا خدمة للسكان، بل يريد هؤلاء الناس مجالس مطبوخة يشرف عليه«منتخبون» طيعون من ضعاف النفوس وقصار العقول، يفكرون فقط في مصالحهم الضيقة ومصالح لوبيات المضاربات العقارية ولو أدى الأمر إلى المزيد من تفاقم ظاهرة السكن غير اللائق والبناء العشوائي. وكما يقال ... « إنما للصبر حدود»... لهذا كنتَ وإخوانك في مجلس المدينة مضطرين إلى إعلان الاستقالة، وهي صرخة أطلقتموها ليعرف الرأي العام حقيقة العراقيل التي يتعرض لها في المغرب من يريدون القيام بواجبهم ولا استعداد لهم للخنوع والاستكانة والاستسلام لخصوم الديمقراطية،
أخي طارق, كنت أتمنى أن أزورك أنت وإخوانك في أكادير, لأعبر لكم عن تضامني، ولكن ظروفي الصحية تحول دون تمكني من مغادرة الرباط لمتابعة العلاج. لهذا أكتب إليك هذه السطور وأنت تعلم بأنني في الواقع أعبر لك عن مشاعري الصادقة ووجهة نظري بشأن النضال الاتحادي الذي يجمعنا، كل في مستواه. أتذكر دائما، وخاصة في مثل هذه المناسبات، أول مرة أسمع فيها من يتحدث عن طارق القباج بتأثر وانفعال: كنت في السجن المركزي بالقنيطرة عشية ذات يوم من أكتوبر 1963، وكنا مجموعة من الموقوفين في إطار حملة قمع وحشية أشرف عليها أوفقير والدليمي صيف تلك السنة بدعوى اكتشافهما مؤامرة ضد العرش. رغم خطورة التهم وما قد يتولد عنها من أحكام قاسية، كان لوجود والدك عباس القباج ضمن المتهمين ما كان يجعل الشباب وغيرهم ممن تقدموا في الأعمار، قادرين على أن يتحملوا معنويا حالات الإكراه البدني وظروف «الضيافة» في السجن المركزي بالقنيطرة مع استمرار المراقبة المباشرة الميدانية من طرف جلادي دار المقري ممن كانوا يتحولون في المراحل المظلمة لسنوات الرصاص إلى حراس سجون. لكن رغم هذه الأجواء القاسية كان وجود السي عباس يجعلنا في النهاية لا نستسلم لهول ما كان يمكن أن ينتظرنا من مصير مجهول, لا فقط لأنه من قدماء المناضلين الوطنيين الذين تعرضوا في عهد الاستعمار للاعتقالات وقرارات الإبعاد والنفي، بل نظرا لما كان للسي عباس رحمه الله من روح مرحة و استعداد منقطع النظير للمواجهات مع الأزمات واللحظات الحرجة. لكن في عشية ذلك اليوم من أكتوبر 1963، التحق بنا السي عباس القباج في ساحة الأشغال الشاقة بالسجن المركزي، بعد أول لقاء معك في ... «البارلوار»، وكانت ملامح الرجل وتقاسمات وجهه توحي بأنه كان على درجة قصوى من التأثر والانفعال. كان عمرك أربعة عشرة سنة. زرت والدك لأول مرة بعد عدة شهور، توقفت طوالها الاتصالات العائلية بعد الاختطاف وفترة «الضيافة» في دار المقري، ومرحلة التحقيقات القضائية التفصيلية... منحك قاضي التحقيق رخصة زيارة والدك ولهذا جئت عشية ذلك اليوم إلى السجن المركزي بالقنيطرة. ويعود سبب تأثر السي عباس وانفعاله بعد أول لقاء مع فلذة كبده إلى أن ابنه طارق تغير وأصبح، بعد شهور من الفراق، يتحدث معه في»البارلوار» كما لو كان رجلا تقدم في السن بعدة سنوات. ولما جمعتنا ساحة السجن في صباح اليوم الموالي اختفت من ملامح السي عباس آثار الانفعال وعادت إلى الرجل روحه المرحة وأخذ يحمد الله على أن طارق ، رغم صغره، أصبح من الكبار الذين يمكن الاعتماد عليهم تدريجيا لتدبير شؤون الأسرة. هكذا، كنتَ قد بدأت منذ عام 1963 تخوض معركة الحياة لأنك وجدت لدى السوسيين رفاق السي عباس في أكادير أو الدارالبيضاء ما يكفي من الإخلاص والوفاء والتشجيع والمساندة المعنوية. مرت مدة طويلة من الزمن لم تجمعني الظروف بك إلى ذات يوم فاتح ماي، الموعد النضالي للعمال والطلبة و.... الأساتذة. في ذلك اليوم تعرفت على أستاذ جامعي في كلية العلوم بالرباط، توحي نظارته بشيء من اللطافة, ثم سرعان ما تتحول الابتسامة إلى نظرات جدية وملامح صارمة، لأن النقاش بدأ يحتد في موضوع نضالي. مناسبات قليلة في الرباط التقيت خلالها في جو عائلي مع المرحوم عباس وفلذة كبده طارق والسيدة الفاضلة حرمه وطفلهما الذي حمل اسم عمر تيمنا بشهيد الصحافة الاتحادية. من المحقق أن السي عباس كان يتمنى لو أن الله جمع شمل الأسرة كلها بجانبه في أكادير. إلا أنك فضلت إعطاء الأولوية للعلم والبحث العلمي والنضال بالعاصمة الرباط ,إن في الواجهة السياسية والنقابية أو الثقافية والإجتماعية. كان من الممكن أن تظل في الرباط وأن تستمر حياتك هكذا استاذا جامعيا مناضلا في عدة واجهات. لكن في ماي 1984 كان الموعد مع الفاجعة: وفاة عباس القباج إثر حادثة سير مؤلمة. المغرب ومنطقة سوس كانا وما زالا في أمس الحاجة إلى رجل حنكته التجارب كرجل أعمال وكوطني اختار أن يظل مناضلا مدى الحياة. بعد مراسم الجنازة وطقوسها في أكادير، عاد طارق القباج إلى الرباط ومعه الأسرة الصغيرة على أساس أن تستمر الحياة كما كانت من قبل، ولكن أي مسار كان ينتظر الجهد الذي كرس عباس القباج حياته من أجله في المعاملات الاقتصادية التي ارتبط بها مصير العديد ممن عملوا بجانبه طوال عدة مراحل ؟ كان الرجل جديا في نشاطه المهني أو مواقفه النضالية، إبان معركة التحرير الوطني أو في المعارك الديمقراطية على الصعيد الوطني أو المحلي. ليقول الحق، كان رحمه الله لا يخاف لومة لائم. كان عباس القباج في نهاية 1950 ضمن مجموعة الوطنيين الذين طردهم الجنرال جوان من مجلس شورى الحكومة واتجهوا إلى القصر الملكي, حيث استقبلهم أبو الأمة محمد الخامس وولي عهده الأمير مولاي الحسن رحمهما الله. وبعد خمس عشرة سنة جمعت ظروف أخرى الملك الحسن الثاني وعباس القباج رحمهما الله: زيارة ملكية لأكادير في مطلع 1965 اعتبرها ملك البلاد مناسبة لاستقبال ستة برلمانيين اتحاديين عن منطقة سوس ومن ضمنهم السي عباس الذي خاطب الحسن الثاني هكذا: «يا جلالة الملك إن فرحتنا باستقبالكم في منطقة سوس نريدها أن تكتمل بإصداركم عفوا ملكيا على المعتقلين السياسيين». ظهرت علامات الانفعال على ملامح الملك الراحل الذي لم يكن يتوقع هذه المفاجأة, و ما هي إلا شهور معدودة حتى كان الإعلان عن العفو الملكي في خطاب تلفزي شهير يوم عيد الأضحى من تلك السنة. بطبيعة الحال كان العفو الملكي نتيجة لعدة تطورات إيجابية عرفها المشهد السياسي الوطني ومع ذلك يشهد التاريخ لعباس القباج الجرأة التي جعلته يخاطب ملك البلاد بصراحة في موضوع سياسي دقيق. هذا هو الرجل الذي فقدته ساحة النضال الوطني في ماي 1984. في تلك المرحلة كنت يا طارق أستاذا في كلية العلوم بالرباط, وكانت لك رغبة قوية في المزيد من البحث العلمي وكنت بصدد تقديم أطروحة بدأت تستعد لها منذ عدة سنوات. ولكن الفقيد العزيز عبد الرحيم بوعبيد عرف كيف يقنعك بوجوب الاستقرار في أكادير للسهر على استمرار الأعمال والمعاملات التي عرف الراحل عباس كيف يطورها وينميها. في البداية لم يكن الأستاذ بكلية العلوم مرتاحا لهذا التحول الذي فرض عليه أن يعود إلى مسقط رأسه. وفي النهاية اضطررت إلى ترك الجامعة والتخلي عن البحث العلمي لبداية تجربة جديدة في الحياة، تجربة إدارة وتدبير المقاولات التي كان لابد أن يستمر وجودها ودورها في الاقتصاد الوطني، بعد رحيل الرجل الذي افنى حياته من أجلها وكان لابد من حمايتها وصيانتها. كانت البداية صعبة، ولكن الجدية التي تميزت بها في النضال الطلابي أو الجامعي، هي الصفة التي جعلتك تنجح في مهامك الجديدة وعلاقاتك بكل الذين ربطوا مصيرهم بمجموعة القباج أو اعتادوا التعامل معها. وجاءت مرحلة تولي رئاسة مجلس مدينة أكادير بعد الانتخابات الجماعية لصيف 2003 ولأنها كانت تجربة ناجحة فقد جدد سكان المدينة سنة 2009 الثقة في الفريق المرافق لطارق القباج من أجل النهوض بعاصمة سوس. السكان من مختلف الفئات الاجتماعية بأكادير يقولون عن هذه التجربة كلاما لا مثيل له بالمقارنة مع ما يقال عن التعثرات التي تعاني منها تجارب المدن الأخرى، ومع ذلك تتعدد الجهات التي لا تخفي تضايقها من هذا الأمر. وخصوم الديمقراطية لا يريدون للعمل الجماعي نجاحا حقيقيا خدمة للسكان، بل يريد هؤلاء الناس مجالس مطبوخة يشرف عليها «منتخبون» طيعون من ضعاف النفوس وقصار العقول، يفكرون فقط في مصالحهم الضيقة ومصالح لوبيات المضاربات العقارية ولو أدى الأمر إلى المزيد من تفاقم ظاهرة السكن غير اللائق والبناء العشوائي. وكما يقال ... « إنما للصبر حدود»... لهذا كنتَ وإخوانك في مجلس المدينة مضطرين إلى إعلان الاستقالة، وهي صرخة أطلقتموها ليعرف الرأي العام حقيقة العراقيل التي يتعرض لها في المغرب من يريدون القيام بواجبهم ولا استعداد لهم للخنوع والاستكانة والاستسلام لخصوم الديمقراطية، وما أكثرهم في كل زمان ومكان ببلادنا مع كل أسف. أنت يا طارق ومن معك قمتم بالواجب وأخذتم القرار الذي يرضي ضمائركم، كدليل على الرغبة في جعل العمل الجماعي يتواصل في إطار من الوضوح والجدية, بدلا من ترك المخربين يعملون ما يحلو لهم دون أن يستطيع أحد كشفهم. لهذا أديتم الواجب وجعلتم الرأي العام على علم بما تقوم به جهات لا يهمها أساسا مصير السكان والتعامل بوضوح وشفافية مع المدافعين المخلصين عن مصالح السكان. أنت على علم بأنهم يعرفونكم جيدا ويعرفون أنك ومن معك لا تتهافتون على مصلحة شخصية ويعرفون بالضبط مدى إخلاصكم لهذه المهام النضالية ,ولهذا كانت الاستقالة موقفا مشرفا أقدمتم عليه بكل شجاعة في وقت يخاف بعض « المنتخبين» من رفع أصواتهم أمام السلطة. لكن في البداية والنهاية تخوضون تجربة يريد لها الاتحاديون النجاح والتوفيق، تجربة تحملتم فيها المسؤولية باسم القوات الشعبية. ومن هنا يبقى للحزب في النهاية حق الحسم وتجنب القطيعة وتجنب الاستسلام للدسائس والمناورات، من أجل الاستمرار في النضال الديمقراطي و لو في ظروف صعبة ومعقدة. هكذا بقدر ما كانت لكم الشجاعة الكافية لإطلاق الصرخة من أكادير، تحليتم بما يكفي من الوعي والتبصر بانضباطكم لقرار الحزب القاضي بأن تستمر التجربة، لأنها من المهام النضالية التي كان السي عبد الرحيم بوعبيد يعتبرها طوال حياته من الأركان الأساسية لجوهر كفاح القوات الشعبية مهما تعددت العراقيل والعقبات. وكيف ما كانت التطورات التي ستعرفها علاقات السكان، من خلال ممثليهم، مع السلطة، فإن الرأي العام يعرف الآن من هم الذين يريدون خدمة السكان ومن هم الآخرون الذين يدافعون عن مصالح أخرى لا علاقة لها بالسكان، والفضل يعود إليك يا طارق ومن معك من الإخوان