الخلفي: نعيش مرحلة إعلامية انتقالية تفرض وضع حد للرقابة القبلية الراشدي: الإعلام مدين للتحولات لأنها أعادت إليه الثقة وخلصته من عقدة الضعف لعل مصطفى السواق، مدير عام قناة الجزيرة شعر بالاستهداف الموجه للقناة القطرية ذات الصيت العالمي، وهو يواجه السؤال الذي تطرحه الندوة الإقليمية المنظمة بشراكة بين المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، ومركز الشروق للديمقراطية والإعلام وحقوق الإنسان المقامة على مدى ثلاثة أيام، حيث علق السواق في كلمته خلال الجلسة الافتتاحية للندوة مساء أول أمس على التساؤل «الإعلام العربي في زمن التحولات: هل انتصر للمهنية أم أجج الفتن؟» الذي تطرحه الندوة بكونه «مستفزا»، بل اعتبره في غير محله، محاولا خلال كلمته إبعاد تهمة تأجيج الفتن عن الإعلام وهو يطرح تساؤلا بديلا «إذا كان الإعلام يؤجج الفتن، هل يمكن أن نسميه إعلاما من الأصل أم أنه تضليل؟». مدير عام الجزيرة التي وجهت لها بعض الأطراف – حتى من بعض أبرز إعلامييها المستقيلين- أصابع الاتهام بالانحياز وخدمة أجندات معينة خلال تغطيتها للحراك الذي عرفته عدد من البلدان العربية، وقف وهو يدلي بكلمته أمام حضور زاخر بأقطاب الإعلاميين والوزراء والسياسيين العرب، موقف المدافع عن الإعلام والإعلاميين مؤكدا أن «الإعلام يفترض فيه أن ينقل المعلومة والحدث من جهة إلى أخرى» وأن يوفر على حد تعبيره «فرصة للرأي والرأي الآخر» في تذكير بشعار قناة الجزيرة التي حرص على التأكيد بأنها تشتغل على أساس المهنية والحياد التام، موضحا أن توفر شرط المهنية هو الذي يجعل الإعلام موجودا إذ «لا يمكن الحديث عن إعلام من دون مهنية» وانعدام شرط المهنية هو ما قد يدفع إلى الحديث عن «إعلام مثير للفتت» مضيفا في إشارة إلى التساؤل الذي تطرحه الندوة بأن الإعلام الذي يؤجج الفتن يخرج من أداء وظيفته الأساسية التي يفترض أن يؤديها الإعلام إلى أشياء أخرى. الحذر من التمويلات السواق دافع أيضا عن الكفاءات الإعلامية العربية وهو يقول بأنهم أكدوا في كل فرصة على قدرتهم الانتقال بالإعلام إلى درجات رفيعة من المهنية هذه الأخيرة التي تتطلب «الحرية والتكوين المستمر والإمكانات المادية»، مشيرا في السياق ذاته إلى ضرورة الحذر من التمويل الذي قد يفرض مصدره أجندته الخاصة التي تلغي صفة الاستقلالية عن المؤسسة الإعلامية. وأضاف السواق أن الإعلام يقوم بدور الرسول الذي ينقل الأخبار كما تجري على الأرض وبالتالي يفترض «احترام هذا الرسول بدل تحميله مسؤولية ما قد ينتج عن نقل تلك الأخبار»، مشددا على الخدمة المهمة التي يؤديها الإعلام للجمهور عندما يكون مهنيا «خاصة في زمن التحولات». من جهته اعتبر مصطفى الخلفي وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، أن السؤال الذي تطرحه الندوة «شائك»، ولا يمكن الإجابة عليه بشكل قاطع، مشيرا إلى أن الاتجاه العام للإعلام في المنطقة خلال فترة الحراك الذي شهدته عدد من البلدان «إيجابي»، موضحا أن الإعلام الذي لعب دورا فاعلا خلال تلك الفترة، لا يشمل فقط القنوات العربية، بل أيضا الأجنبية وبخاصة الأوروبية، موضحا أن الإعلام عرف تطورا مهما خلال فترة التحولات حيث انتقل من كونه «فاعلا في النخب فقط، إلى فاعل ومؤثر في الرأي العام أيضا» مشيرا إلى الدور الذي صار يلعبه الإنترنت سواء عن طريق المواقع الإخبارية أو مواقع التواصل الاجتماعي، وهي الوسائل التي مرت عبر ثلاث مراحل خلال فترة التحولات «أولها مرحلة كان فيها الإعلام مقاوما للتحولات، قبل أن ينتقل إلى مرحلة صار فيها فاعلا في التحولات، وأخيرا مرحلة انقسم فيها بين المرحلتين السالفتين، فاعل ومقاوم». كل هذه التغيرات طرحت حسب الخلفي أسئلة السيادة الإعلامية والمهنية والحياد، مشيرا في في مداخلته إلى الأوراش التي فتحتها وزارته لمواكبة التغيير الذي يعرفه القطاع الإعلامي الذي يعيش «مرحلة انتقالية تفرض وضع حد لمفهوم الرقابة القبلية». رهان التطوير الذاتي واعتبر الخلفي أن الرهان المطروح خلال الفترة الراهنة، هو «التطوير الذاتي للمهنة» مضيفا في السياق ذاته إلى كون «الدولة لا يمكنها أن تنظم، ولكنها تشجع على التنظيم». محمد أوجار، مدير مركز الشروق للديمقراطية والإعلام وحقوق الإنسان ركز في كلمته على الحراك الذي شهده المغرب، معتبرا أن التغيرات التي نشهدها اليوم نتيجة لتراكمات بدأت منذ إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة، مرورا بإصدار مدونة الأسرة الجديدة وصولا إلى الدستور الجديد، مضيفا أن التحول الذي عرفه المغرب « نتيجة نظرة استباقية للملك وضريبة ثقيلة عمرها نصف قرن من الزمن، دفعها عدد من المناضلين الذين قضوا سنينا داخل السجون». واعتبر أوجار وصول «حزب لم يسبق له تدبير الشأن العام» أحد نتائج «الانتقال السلمي» الذي شهده المغرب. يبدو بأن مدير عام الجزيرة، مصطفى السواق لم يكن الوحيد الذي شعر بالاستفزاز بسبب السؤال الذي تطرحه الندوة حيث افتتح حسن الراشدي، المدير السابق لمكتب الجزيرة بالرباط، والمستشار الحالي لمركز الدوحة لحرية الإعلام، بالإشارة إلى كون السؤال يفترض تضادا بين المهنية والثورة، كما يفترض أن الحراك الذي شهده العالم العربي هو نتيجة لانحياز الإعلام ولا مهنيته «كما يحيل على نظرية المؤامرة» يقول الراشدي الذي طالب بمنظومة تعليمية ترتكز على التربية الإعلامية للنشء، خاصة بعد تكسير الشعوب لحاجز الخوف ورفع سقف مطالبها التي حررت الصحفيين من عقدة الضعف. وأضاف الراشدي أن الشعار الذي ترفعه بعض الحكومات والذي يقرن الحرية بالمسؤولية «حق أريد به باطل»، معتبرا أن الحرية حق لا يساوم عليه. وختم الراشدي كلمته بالتأكيد على أن الإعلام «مدين» للتحولات التي عرفتها المنطقة «لأنها أعادت إليه الثقة»، مضيفا «تريد الشعوب أن تضع قضاياها في صميم العملية الإعلامية ولم تعد تكتفي بالفرجة، تريد الشعوب حقوق الإنسان، الشعوب تريد وتريد وتريد... وقد رأينا ماذا يقع عندما يرفع شعار «الشعب يريد....»».