هناك العود الأبيض "ديال الإشهار" وهناك العود البركي المشهور في عيوط المغاربة، وهناك العود الأحمد الذي نترقبه كلما طال بنا الاشتياق لبرلمانيينا وأحسسنا أن كلماتهم، وجلساتهم ولحظات التفرج عليهم قد غابت عنا أكثر من اللازم. اليوم تنطلق دورة تشريعية جديدة. ستنطلق وكل المغاربة أمل أن تكون قادرة ليس على تجاوز عثرات سابقاتها، بل أن تكون فقط مثل مامر سابقا والسلام. لم نعد مع البرلمانيين المحترمين نطلب الأفضل، بل أصبحنا نكتفي بالتعادل ونتمنى ألا ينزل المستوى أكثر مما نزل في السابق من الدورات. سينصتون اليوم للكلام الملكي، وسيفهمون أنهم مقصودون بكثير منه تماما مثلما فعلوا في الدورات السابقة، لكنهم وفور البدء في "العمل" سينسون كل شيء وسيتذكرون فقط طبيعتهم الأولى تلك التي تفرض عليهم نقارهم الخاص بهم الذي يميزهم عما وعمن عداهم في كل دول المعمور. نعم في برلمانات الدنيا صراعات وأشياء من هذا القبيل وتقاذف بكلمات ليست القبة مكانها، لكن في برلمانات الدنيا (ونحن نتحدث عن الدنيا المتقدمة لا دنيا برلمان مصر الذي أذن فيه يوما أحد الأشاوس المحترمين صلاة العصر) هناك حد معين لا يصله المرء ولا يمكنه أن يصله لأن الأمر يتعلق في البدء وفي المتم بمؤسسة تشرع للناس قوانينهم، ترهن مستقبلهم القريب والبعيد وتعطي عنهم صورة الوطن ككل. هل يدرك برلمانيونا هذا المعطى؟ بعضهم نعم، ويحاول أن يقدم صورة مشرفة عن العمل البرلماني، حتى وسط كثير من الأجواء غير المساعدة على ذلك. لكن الأغلبية للأسف الشديد لا. هي بالعكس تعطي الدليل يوما بعد الآخر، دورة بعد الأخرى أسبوعا بعد الأسبوع على أن الذي يهمها هو الدفاع عن مصالحها وتدبر أمر مستقبلها فيما بعد والسلام. اليوم نحن أبناء الحاضر، وأبناء هاته الدورة التشريعية التي ستنطلق، ومن الممكن نسيان كل مافات والتركيز على القادم فقط. هل سيشتغل برلمانيونا (في المجلسين معا ) على تنظيف تصور الناس للسنة الانتخابية التي تنتظرنا؟ هل سيحاولون في الأسابيع التي ستدومها هاته الدورة تقديم صرفات وأفعال ومشاريع قوانين ونقاشات سواء في اللجان الداخلية (التي حرمت الصحافة من متابعتها) أو في الجلسات الخاصة بالأسئلة الشفوية تنسي الناس النقاش السياسي الكئيب وغير المنعدم المتوفر اليوم في البلاد والذي يجعلنا نترحم يوميا على من رحلوا ؟ هل سيعرفون أن أي سقطة جديدة لأي برلماني منهم هي سقطة جماعية للبرلمان ككل، وليست خاصة بهذا الفريق أو بذلك، لأننا في مجتمع علاقته بالسياسة شبه منعدمة أو على "قد الحال" على الأقل والخلط الساري بين الناس يقضي أن يتحمل المشهد السياسي المغربي كله وزر الهفوات التي يرتكبها البعض عن حسن نية أو عن سوئها؟ هل سنتفادى نقاش "أنت داعشي"، و"أنت فاسد" الذي شنف أسماعنا والأنظار في الدورة السابقة؟ هل سنجد من بين البرلمانيات المحترمات أو من بين البرلمانيين المحترمين من يقرأ علينا نصا سياسيا ذات يوم يبقى للتاريخ من أعلى منصة برلماننا نفاخر به الدول الأخرى التي تستل بين الفينة والثانية من قواميس سياستها خطابا تعتبره دليلا على شيء ما حي داخلها؟ هل يدهشنا فريق أو تجمع أو قليل أو كثير من بينهم بمشروع قانون يحرك نقاشا مجتمعيا في البلد، ويدفع نحو بعض الخلخلة لعديد الأمور التي نعرف أنها ليست على مايرام، لكننا نتركها على حالها بسبب تكاسلنا وعدم رغبتنا في فتح أي علبة "باندورا" قد تدهشنا بمالانعرفه من أشياء؟ هل تنتهي تلك الراحة الأبدية التي تعلو وجوه برلمانيينا في الجلسات وهي تعكس رضاهم على واقع لاينال رضا الناس، ولا يجد من المغاربة إلا كثير التشكي وغير قليل من الاستفهامات؟ أكثرنا الأسئلة عليهم؟ لا حل لنا إلا ذلك، فمع غالبية المحترمين في القبة لا نجد إجابات واضحة، ونجد النفس مضطرة للتساؤل المرة بعد الأخرى إن كان الجديد قادرا على النفاذ إلى هاته الدورة بعد أن استعصى على الدورا السابقة، وإن كان الأمر يتطلب عناء متابعتهم وتسقط أخبارهم ونقلها ثم انتظار رأيهم فيها علما أنهم لا ينتظرون رأي الناس في أدائهم وفيما يقدمونه في البرلمان في كل الأحوال شاهدنا دخولا سياسيا خاص من نوعه منذ أيام على شاشة القناة الثانية حين التقت أحزاب المعارضة والأغلبية وانتهت حلقة الدخول بإعلان خروجنا التام من سياسة البلد إذا كانت ستستمر بهذ الشكل، وأمنيتنا بعد أن يبدأ برلماننا أشغال دورته الحالية أن تكون تلك الحلقة صدمة للمحترمين، مثلما صدمت المواطنين، تفهمهم أن المطلوب منهم أكبر بكثير من هذا الذي يرتكبونه حتى الآن في الانتظار ودخول برلماني مبارك وسعيد إن شاء الله تعالى. الله يدير الخير وصافي ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق جميل أن يسمع الأزهر الشريف صرخة المغاربة، وأن يبادر إلى التبرؤ من الفتوى الكاذبة التي طالت عيدنا الكبير. جميل والأجمل منه أن نحرص في المغرب على أن تكون لعلاقتنا بديننا كل الحرمة التي لاتسمح لأي كان بأن يتدخل في شؤوننا كائنا من كان. علينا أيضا أن نتعلم عدم التدخل في شؤون الآخرين، وإياك أعني وإسمعي...يارابعة