لم نكن نتمنى أن يأتي يوم نرى فيه برلماننا بغرفتيه، النواب والمستشارين، يشجع على الشغب والاحتقان من خلال المناوشات الزائدة وقلة أدب النقاش واحترام حق الآخر في الكلام بل واستخدام كلام الشارع والمقاهي من بعضهم ومقاطعة المتكلم بطريقة تفتقد لأبسط شروط أدب الحوار، وبعضهم تقوده طريقة انتخابه بطرق الفتونة والاعتماد على" أسلوب البلطجة" في كسب الانتخابات بطرق لا تختلف كثيرا عن شغب الملاعب والجماهير المحسوبة على كرة القدم، وأكثر من ذلك الاستهتار بقضيتنا الوطنية الأولى، قضية أقاليمنا الصحراوية، في ظرف حساس جدا تحاك فيه ضد وحدتنا الترابية المكائد ويتربص بها المتربصون من كل جانب؛ كل ذلك من أجل حسابات انتخابية أو بمصطلح "السياسويون الجدد في المغرب" انتخابوية حزبية ضيقة. من المفترض في نواب الأمة أو ممثلي الشعب أنهم من خيرة وأكفأ وأعقل وأحكم الناس الذين اختارهم المواطنون لتمثيلهم في طرح ومساءلة الحكومة بشأن أمور تهم المصلحة العامة وتقديم أفضل الخدمات وتبليغ انشغالات وهموم ومعانات سكان الدوائر الانتخابية التي يمثلونها وهي بمثابة أمانة في أعناقهم وسيسألون عنها أمام الخالق قبل الخلق. هذا المفترض، لكن الواقع الأليم عند نواب ومستشارين هو عكس ذلك تماما، إذ إن الواحد منهم تنتهي وعوده الوردية ومشاريعه الخيالية في ثاني يوم من إعلان النتائج التي نعرف جميعا كيف يحصل السواد الأعظم منهم عليها، وربما لو دخلت مع أحدهم في نقاش حاد لرد عليك "أنا نجحت بفلوسي وسير سول اللي صوتوا علي". ما شاهدناه منذ سنوات ونشاهده اليوم، مع شيء من المبالغة مقارنة بالسنوات الماضية أو على الأقل على أيام المرحوم الحسن الثاني، داخل قبة البرلمان المغربي أمر لا يسكت عنه سئم المغاربة من متابعة مسلسله" الحامض" والثقيل على القلب. والمتتبع لجلسة الاثنين الماضي وبعض الحلقات، وليس الجلسات، السابقة التي أبطالها رؤساء فرق حزبية ونواب ومستشارين مما يسمى"المعارضة"، يدرك المستوى المتدني الذي وصل إليه النقاش وعدم احترام حق الآخر في الكلام والرد والتدخل والمقاطعة أثناء الكلام والنقاشات الزائدة مع مسير أو مسيرة الجلسة، وهنا أتعاطف مع رئيسة جلسة الاثنين التي ربما كرهت اليوم الذي تولت فيه المسؤولية. وهنا لا بد أن نحمل الأحزاب السياسية أن تكرار هذه الظاهرة في البرلمان مخطئ منهم من يظن أنه بهذه الطريقة هو بصدد كسب الأصوات وإعجاب المواطنين وخاصة الشباب منهم الذين هم عازفون أصلا عن المشهد السياسي والمشاركة الانتخابية، ولمن يعتقد عكس ذلك ما عليه إلا أن يقوم باستطلاع للرأي العام وسيرى بأم عينه الحقيقة الصادمة وأنا على يقين بأن الجواب سيكون " لم نعد نثق بالانتخابات، وانظر المسرحية في البرلمان". وما أثارني شخصيا وشغل المغاربة أو لنقل من مازال عندهم استعداد لتحمل حلقات المسلسل الهزلي البرلماني هو الحلقة، عفوا، الجلسة التي خصصت لمناقشة المقترح الأميركي المتعلق بقضية الصحراء المغربية، حيث كشفت الوجه الحقيقي لمن أوكلهم المغاربة مهمة الدفاع عن حقوقهم ومتطلباتهم وقبل ذلك كله الدفاع عن مقدسات الوطن من خلال تحركاتهم الدبلوماسية وعلاقات مفترضة مع نواب وبرلمانيين في باقي دول العالم من أجل حشد الأصوات المعارضة لذلك المقترح الخبيث والمبطن؛ ذلك أن نوابنا"المحترمين" بدلا من تقدير الظرفية والسياق التاريخي الهام في مناقشة موضوع قضية وحدتنا الترابية وصحرائنا المسترجعة والالتزام وترك الخلافات الحزبية الضيقة والتكاتف على قلب رجل واحد كما فعلنا في المسيرة الخضراء سنة 1975، بدا كل منهم يناوش الآخر ويقاطعه ويشوش عليه لمدة فاقت 25 دقيقة كل هراء وحسابات انتخابوية ضيقة تاركين جوهر وصلب الموضوع جانبا مما يكون بلا شك قد أثلج صدر اعداء وحدتنا الترابية خصوصا وأن الحلقة كانت على الهواء مباشرة في نقل حي من قبة البرلمان. إن المغاربة ينددون بهذا السلوك اللاوطني لنخبة من المغاربة من المفترض أن الشعب "اختارهم" لتمثيله والنطق باسمه ونقل هموموه وانشغالاته، فيما انصرفوا هم للدفاع عن مصالحهم الحزبية الضيقة ومصالحهم الانتخابية الخاصة معتقدين أن كثرة الكلام وانتقاد هذا الفريق أو ذاك من شأنه أو هذه الحكومة أو تلك أن يوصلهم إلى مقاعد الحكومة على غرار " معارضة فتح الله والعلو" في الثمانينات التي لعبت دورا في إيصال الاتحاد الاشتراكي إلى الحكم حيث اعتقد الناس أن الرجل ذا مواقف ويسكنه هاجس خدمة الأمة لكنه بمجرد ما أصبح وزيرا للمالية وبعدها عمدة للرباط اختفى الرجل المناضل المدافع عن الحق وظهر خطاياه. إننا كمغاربة بمختلف الطبقات والتوجهات والألوان الحزبية نتطلع إلى برلمان قوي بمواقف نوابه ومستشاريه، يمارس سلطاته التشريعية والرقابية بعيدا عن العرقلة والمصالح الحزبية الضيقة، وقادر على تقدير الظرفيات وتحديد الأولويات كلما تعلق الأمر بقضية وطنية كما كان الحال في الأسبوع الماضي وأخذ قرارات جريئة واستغلال السفريات خارج الوطن المدفوعة من جيوب المواطنين لمصلحة الوطن وخلق صداقات وتكتلات ولوبيات قوية في الخارج وليس السفر من أجل التبضع والاستجمام على حساب المال العام، فكثير من برلمانيينا من الغرفتين لا يتوفر على أرقام تلفونات نواب في الاتحاد الأوروبي أو الكونغريس الأميركي أو الشيوخ الإيطالي أو الفرنسي.