من الصعب ان تلتقي ب" الشادور" في طهران العاصمة، هذا اللباس الديني الأسود الفضفاض الذي يغطي المرأة الإيرانية من رأسها حتى اخمص قدميها، فقد بدا في طهران، العاصمة الأكثر تحررا في إيران، وكانه نسيج من الماضي البعيد، والقلة فقط من النساء لا زلن يتمسكن به، وهن النساء اللواتي يوصفن بأنهن "ملتزمات"، ولكن هذا الالتزام لا يمنع صاحباته من ارتداء الجينز، واستخدام أحدث اجهزة الاتصالات. في طهران العاصمة بدأ نجم "الشادور" في الافول، لمصلحة الملابس الحديثة التي أصبحت المرأة الإيرانية ترتديتها بكل تحرر، والماكياج الكامل والعطور الفاخرة، وبغطاء متواضع جدا على الرأس يكشف فقط ثلثي شعر المرأة ورأسها. أحدث موديلات الأزياء تتجول في شوارع طهران، وكأن تلك الشوارع تحولت الى معارض مفتوحة تماما لعروض أزياء تستعرضها نساء رأين أن حريتهن بدأت تاخذ منحاها الأوسع من تعاليم الثورة الدينية الخمينية، التي فرضت في بواكير سنواتها قوانين صارمة ومتزمتة على المرأة الإيرانية. والذاهب الى طهران العاصمة يفاجأ بحجم تحرر "الفارسيات" قياسا بما كان عليه حالهن قبل سنوات قليلة مضت، هناك في شوارع طهران وأسواقها تتجول المرأة بكل حرية ترتدي ما تراه مناسبا لها، وتخرج إما للعمل، أو للفرجة ،أو للشراء، وربما لتقابل صديقا أو زميلا، او لتلتحق بجامعاتها ومدارسها، فلم يعد امام المرأة الإيرانية ما يعوق اظهار أنوثتها الفارسية الطاغية. "رحل الشادور الى الأقاليم" قيل لي ذلك وأنا مهتم بمصير "الشادور" الذي كاد يختفي تماما من طهران، لكنه يغزو كل العواصم الحضارية العربية الأخرى، وكأن الشادور جزء من عقيدة الإسلام، لا يكتمل إيمان المرأة إلا باختبائها واختفائها في لباسها الأسود الفضفاض، بكل ما تحمله دلالات اللون الأسود من معان واوهام يتم إسقاطها على المرأة. وحين تتجول في مقاهي إيران لن تفاجأ عند ما ترى اكثر من نصف الموجودين من النساء اللواتي يدخن الأرجيلة، ويستمتعن بالإستماع إلى الموسيقى والأغاني الحديثه، فقد بدات موسيقى "الهيبب هوب" و"الراب" تغزو هي الأخرى عالم الموسيقى الفارسية، وإن كانت لا تزال في بواكيرها، إلا انها تلقى جمهورا من الجيل الجديد الذي لم يعد مشغولا كثيرا بالسياسة بقدر انشغاله بالبحث عن حياة أفضل. ولا تقوم الحكومة الإيرانية بفرض قيود صارمة على تلك المقاهي التي تحتشد بالنساء يشربن الأرجيلة" يسمونها في إيران غليون"، ولا يبدو أن الحكومة في إيران مشغولة تماما بفرض ما يجب على الإيرانيين ان يسمعوه من موسيقى. ولعل أغرب ما في إيران ان وسائل الإعلام الإجتماعي الجديدة لا تزال محاصرة، والغريب أننا كنا نقيم بفندق خمسة نجوم، ولكن خدمة الفيس بوك والتويتر كانت محجوبة تماما، لكننا نجحنا باستخدام "ألواتس أب" لمواصلة الإتصال مع الأردن" وكان اتصالا متقطعا إلى حد كبير، فالفيس بوك ممنوع، والتويتر ممنوع. ولعل أبرز ظاهرة في ايران تتعلق بعادات الزواج، فالمرأة "العروس" هي التي تتكفل بتأثيث المنزل وتامين كل احتياجاته، ولا يتكفل الرجل "العريس" إلا بتأمين منزل الزوجيه، وحفلة الزفاف. لقد بقيت المرأة الإيرانية محتجزة خلف "الشادور" لعقود طوال مضت، أما الآن فإنه بدأ يختفي، وأصبح من حق الفارسيات" التباهي بكل ما يملكنه من فتنة وجمال، وصفهن الشاعر الايراني الشهير الفردوسي صاحب الشاهنامه قائلا: (من خلف الستارة شخص بشكل القمر للشمس المضيئة المملوءة بالالوان والعطر في خارج الستارة لم يكن احد قد رآني ولا احد سمع صوتي ).