الوزير قيوح يدشن منصة لوجيستيكية من الجيل الجديد بالدار البيضاء    حقائق وشهادات حول قضية توفيق بوعشرين مع البيجيدي: بين تصريحات الصحافي وتوضيحات المحامي عبد المولى المروري    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة .. السيد الراشيدي يبرز الخطوط العريضة لورش الدولة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك    حصيلة سنة 2024.. تفكيك 123 شبكة لتنظيم الهجرة غير النظامية والاتجار في البشر    الدكتور هشام البوديحي .. من أحياء مدينة العروي إلى دكتوراه بالعاصمة الرباط في التخصص البيئي الدولي    التجمع الوطني للأحرار يثمن المقاربة الملكية المعتمدة بخصوص إصلاح مدونة الأسرة    فرض غرامات تصل إلى 20 ألف درهم للمتورطين في صيد طائر الحسون بالمغرب    الدفاع الحسني يهزم الرجاء ويعمق جراحه في البطولة الاحترافية    38 قتيلا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان (حصيلة جديدة)    رحيل الشاعر محمد عنيبة أحد رواد القصيدة المغربية وصاحب ديوان "الحب مهزلة القرون" (فيديو)    المهرجان الجهوي للحلاقة والتجميل في دورته الثامنة بمدينة الحسيمة    انقلاب سيارة على الطريق الوطنية رقم 2 بين الحسيمة وشفشاون    المغرب الرياضي الفاسي ينفصل بالتراضي عن مدربه الإيطالي غولييرمو أرينا    رئيس الرجاء يرد على آيت منا ويدعو لرفع مستوى الخطاب الرياضي    الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الندوة 12 :"المغرب-البرتغال. تراث مشترك"إحياء الذكرىالعشرون لتصنيف مازغان/الجديدة تراثا عالميا. الإنجازات والانتظارات    حركة حماس: إسرائيل تُعرقل الاتفاق    أخبار الساحة    الخيانة الزوجية تسفر عن اعتقال زوج و خليلته    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    جهة مراكش – آسفي .. على إيقاع دينامية اقتصادية قوية و ثابتة    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آية الله في الفراش أو الجنس في الجمهورية الاسلامية

في السنوات الأولى للثورة الإيرانية، أصبح رجل دين مغمور يدعى آية الله جيلاني نجما في التلفزيون العمومي بنشره لفرضيات غريبة يتقاطع فيها الإسلام و الجنس. و من أغرب سيناريوهاته الأكثر جنونا و التي لا زال الإيرانيون يتندرون بها رغم مرور ثلاثة عقود على بثها هو التالي:
تصور أنك شاب صغير السن، تغط في النوم في غرفتك. و في الغرفة السفلى تنام عمتك أيضا. و تصور الآن أن هزة أرضية وقعت و تهدمت أرضية غرفتك و سقطت مباشرة فوق عمتك. و لنفترض جدلا أنكما كنتما معا عاريين، و أنك كنت منتعضا حين سقطت مباشرة فوق عمتك بشكل يجعلكما،لا إراديا، تمارسان الجنس. فهل يكون الطفل نتيجة هذا الحمل حلالا أم حراما؟
يبدو أن مثل هذه القصص اللامعقولة لا مكان لها في جمهورية إسلامية متقشفة. لكن برنامج «جيلي» جذب إليه الطبقات التقليدية، التي كانت هذه المواضيع المحرمة تدغدغ مشاعرها، كما جذبت نخبة طهران التي كانت تتابع البرنامج لطابعه الكوميدي.هكذا ساهم جيلاني في انتشار صناعة تقليدية افتراضية تمثلت في تحول عدد من رجال الدين و المفتين إلى خبراء هواة في الجنس، مقدمين نصائح غير متماسكة حول جميع القضايا، بدءا من العلاقات الجنسية السريعة (التي تطفئ رغبة الرجل بأسرع ما يمكن قبل أن تتحرك شهوة المرأة) حتى الاستمناء.
ليس من المستغرب أن يقوم الأصوليون الشيعيون الإيرانيون (على غرار نظرائهم المسيحيين الإنجيليين أو الكاثوليكيين أو اليهود الأورثودوكس أو المسلمين السنة) بتمضية معظم الوقت في التفكير في الجنس. فهم بشر على كل حال.غير أن العادات الجنسية للأصوليين الإيرانيين تستحق دراسة أكثر عمقا، خاصة و أنهم يقودون دولة بطموحات نووية، ذات ثروة نفطية هائلة، و ساكنة شابة دينامية و مخنوقة. و مع ذلك، و لأسباب مختلفة - الخوف من التحول إلى سلمان رشدي أو أن يوصف بالمستشرق أو خوفا من زعزعة الحساسية الدينية - فإنه غالبا ما يتم تفادي النفاق الملحوظ للنظام.
هذا خطأ. لأنه تم تسييس الدين من خلال نظام ثيوقراطي مثل النظام الإيراني.فالمعلومات غير المضبوطة و القديمة عن الجنس لم تقتصر على غرف النوم. بل غمرت الحوزات و الثكنات العسكرية و قاعات الاجتماعات و الفصول الدراسية. فطبقا للقول المأثور و الشائع بين الإيرانيين، كان الناس قبل الثورة يحتفلون في الخارج و يؤدون الصلاة داخل البيوت, أما اليوم فقد أصبحوا يُصلون في الخارج و يحتفلون داخل بيوتهم. هذا التضاد يصح بالنسبة لكثير من السلوكات الاجتماعية بإيران. فبالنسبة لكثير من الإيرانيين، يعد هذا الواقع المشوه متجدرا لدرجة أنه لم يعد ملحوظا ، لكن بالنسبة للغربيين الذين يريدون فهم السحر الخاص لطهران، فإن الهوس الغريب للنظام بالجنس لا يمكن تجاهله.
و على غرار ما قاله رئيس مجلس النواب الأمريكي الراحل «تيب أونيل» فإنه في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، يمكن لكل السياسات ألا تكون جنسية، و لكن الجنس كله سياسي. و الدليل على ذلك هو أب الثورة، الراحل آية الله الخميني. فمثل جميع رجال الدين الذين يريدون أن يصبحوا «مرجع تقليد»، أمضى الخميني الجزء الأول من مساره في دراسة الفرائض و السلوكات الشخصية المثالية بدءا من فرائض الوضوء حتى أكثر السلوكات تقززا.
ففي دراسته الفقهية سنة 1961 «توضيح المسائل»، قدم الخميني تصريحات مفصلة حول مسائل تبدأ من اللواط (إذا أتى رجل إبن أو أخ أو والد زوجته، بعد زواجهما، فإن الزواج يبقى صحيحا) حتى وطأ الحيوان ( إذا ما وطأ شخص بقرة فإن حليبها يصبح غير صاف و بالتالي فهو حرام شربه). و باعتباري شابا ترعرع في وسط الغرب الأمريكي، أذكر أني قد روعت و فوجئت بعد قراءتي لبعض المقاطع من كتاب للخميني مترجم وجدته لدى بعض المهاجرين الإيرانيين.
و يعتبر المتخصصون في الشيعة، بمن فيهم المنتقدون للخميني، بأن هذه المواضيع كانت مواضيع عادية لدى رجال الدين و ينبغي تفسيرها في سياقها الخاص: فالإسلام دين برز في صحراء بدوية، و النبي محمد كان راعي غنم. ففي الوقت الذي تعتبر المسيحية و اليهودية هذه السلوكات خطايا، كان الإسلام يباشرها من وجهة نظر فقهية و قانونية.
و يقول الفقيه الإسلامي»مهدي خلجي» و هو من قدماء حوزة قم الشيعية، أن عمق المشكل ليس في طرح هذه المسائل و معالجتها، و لكن المشكل هو أن «الفقه الإسلامي لم يتم تحديثه بعد. فلذلك تجده مقطوعا عن القضايا التي تمس سكان الحواضر العصرية»
و بالفعل، فالفتاوي الدينية للخميني غالبا ما تتعرض للسخرية من جانب شباب ما بعد الثورة. و في هذا السياق قال لي رسام الكاريكاتور الشهير «نيكاهانغ كوسر» : «لم أر أبدا ناقة في طهران، و بالأحرى أن أميل لممارسة الجنس عليها».
و الشرق الأوسط اليوم مطبوع بالانفجار الديمغرافي للشباب، فالمعدل العمري بالعالم العربي مثلا هو 22 سنة و هو في إيران 27 سنة بينما هو في أوربا الغربية قريب من 40 سنة. كما أن تغلغل الأنترنت و التلفزة الرقمية بمحتوياتهما البورنوغرافية شبه اليومية وسط الساكنة الشابة بالمنطقة، قد زاد من توتر العلاقة ،المتوترة أصلا ،بين الشرق الأوسط المسلم و الجنس.
و يظهر «غوغل تريندس» الذي يشرف على جميع الأبحاث التي تجري في العالم، أن خمسة من بين الدول السبع التي يأتي سكانها في مقدمة من يبحث عن كلمة «جنس» في محرك البحث «غوغل»، هي بلدان مسلمة. و البلد الآخر هو الهند الذي يضم أقلية مسلمة مهمة.كما يبين مراقب بحث مماثل أن الكلمة المطلوبة لدى الإيرانيين في محركات البحث الإلكترونية هي «غولشفته فرهاني» و هي فنانة شعبية إيرانية تعيش بالمنفى،نشرت صورتها عارية الصدر في يناير المنصرم بمجلة «مادام فيغارو» الفرنسية.
قبل ثورة 1979 ،كان الأصوليون يحتجون على عرض صور النساء الإيرانيات في لباسهن الخفيف في تلفزيون و سينما البلاد. أما اليوم فإن التلفزة العمومية و السينما الإيرانيتين تحظران إظهار صور النساء بدون حجاب. و هذا بالرغم من حيازة معظم المواطنين (بأثمنة غالية) للربط التلفزي بالأقمار الصناعية (رسميا يتم منع بيع الهوائيات المقعرة إلا أن بيعها يتم بشكل واسع في السوق السوداء من طرف أفراد «حراس الثورة» أنفسهم). وفي هذا الصدد يقول لاعب كرة السلة الأمريكي «كيفين شيبارد» - في برنامج وثائقي سيتم بثه قريبا - و الذي يلعب ضمن فريق إيراني محترف أنه صدم حين اكتشف أن تلفزته مربوطة بحوالي 600 محطة تلفزية ، من بينها 400 مخصصة لبرامج الجنس.
و مع ذلك، و بسبب مزاعمه الدينية، فإن النظام الإيراني مضطر إلى إنفاق ملايين الدولارات من أجل اقتناء أجهزة التشويش على التقاط المحطات الأجنبية. و هي محاولة لمكافحة التقدم التقني و معارضة الطبيعة البشرية. و في مقابلة سابقة مع صحيفة «نيويوركر» الأمريكية فسر ضابط أمن إيراني الأمر بصراحة كالتالي:
«غالبية السكان شباب... و الشباب بطبيعتهم مثارون جنسيا. و نتيجة لهذه الإثارة فإنهم يحبون مشاهدة القنوات البورنوغرافية كي ينتعضوا...فعلينا أن نكافح هذه القنوات حماية للمجتمع من هذا الوضع الهذياني»
و يمكننا افتراض بلد يعاني من التضخم و البطالة المزمنة، دون الحديث عن العقوبات الدولية القاسية، و الحرب المرتقبة ضد برنامجه النووي، مثل إيران لا يجد عملا أفضل من منع شبابه من الاستمناء. و مع ذلك، فإن النظام يواصل ضخ مئات الملايين من الدولارات في تكنولوجيا الرقابة الصينية من أجل بناء قبة فولاذية أخلاقية ضد التخريب السياسي و الثقافي، دون نتيجة تذكر. فمحطة «بي بي سي» الفارسية أو صوت أمريكا مثلا يتم التشويش عليهما بنجاح، بيد أن المهتمين بالبورنوغرافيا لا يجدون أي مشكل في التقاط محطاتهم المفضلة.
خلال عهد الدكتاتور الموالي للغرب الشاه محمد رضا بهلوي، كانت طهران مجتمعا متطورا يبدو و كأنه يقوم بعبور خادع نحو العصر الحديث. و ربما عكست قصة عائلتي مسار الطبقة الوسطى المدينية خلال القرن العشرين: فجدتي التقية المولودة سنة 1907، كانت ترتدي الشادور و لم تتمكن من ولوج المدرسة النظامية ،بينما تمكنت ثلاث من بناتها الأربع من الانتساب للجامعة و لم تحمل أي واحدة منهن الحجاب. و كل بناتهن ترعرعن في طهران حيث كانت التنورة القصيرة هي الموضة.
و قد تغذت معارضة الخميني للشاه جزئيا من الحرية التي منحها هذا الأخير للنساء، و التي قرنها الخميني عن عمد بالانحلال الجنسي. ففي كتابه الصادر سنة 1970 «الحكومة الإسلامية» - الذي سيصبح نموذجا أيديولوجيا و سياسيا لإيران بعد الثورة . يقول الخميني أن : «الرذيلة الجنسية قد بلغت الآن حجما يخرب أجيالا كاملة، و يفسد شبابنا و يدفعهم إلى إهمال كل أشكال العمل. فتراهم يتسابقون جميعا للتمتع بمختلف أنواع الرذيلة التي أصبحت في متناول الجميع و يتم تشجيعها بحماس»
و قبل الثورة ببضعة شهور، حين كان في منفاه الباريسي، طمأن الخميني مواطنيه الليبراليين، حين قال بأن «النساء سيكُن حرات داخل الجمهورية الإسلامية، في مستقبلهن و في لباسهن»، و لذلك اصطف عدد كبير من المثقفين الليبراليين، نساء و رجالا، وراء الخميني الذي وصفه بعضهم ب»غاندي إيران». لكن الذي حدث بعد فترة من تثبيت السلطة، هو أن الخميني وتلامذته سارعوا إلى سحق وجهات النظر المعارضة و تقليص الحريات الاجتماعية و منها حرية النساء في ارتداء اللباس الذي يروقهن. ففور إعلانه مرشدا أعلى قال الخميني : «الإسلام يمنع ارتداء لباس البحر في الشواطئ»
و تعرضت النساء اللواتي قاومن حمل الحجاب الإجباري للعنف و الترهيب. و من ذلك تلك الجملة الشهيرة «يا روساري ، يا تو ساري» (إما أن تغطي رأسك و إلا ستنالين ضربة على رأسك). و كما كتبت ذلك صاحبة نوبل للسلام المحامية الإيرانية «شيرين عبادي» مؤخرا : «رغم أن ثورة 1979 بإيران قد سميت بالثورة الإسلامية، فإنها كانت ثورة للرجال ضد النساء... فالذين صاغوا القانون الجنائي الإسلامي قد أعادونا في الواقع 1400 سنة إلى الخلف»
و كما إسلاميو مصر اليوم - والبعض من اليمين المسيحي الأمريكي - فإن إسلاميي إيران 1979 قد وجدوا أرضية خصبة استخدموا فيها سياسة الشعبوية التقية، بدل المواجهة الملموسة لتحديات بناء الاقتصاد. فالثروة النفطية الضخمة للبلاد أعطت الانطباع الخاطئ بأنها ستسهل جميع الحلول. بل إن الخميني كان يعتبر الاقتصاد مهمة «الحمير» و حين ووجه بالشكايات من التضخم أجاب بالقول : «إن الثورة لم تقم من أجل تخفيض سعر البطيخ». و بعد ثلاثة عقود على الثورة، نلاحظ أنه في 1979 كان الناتج الداخلي الخام لإيران، الغنية بمواردها الطبيعية، مرتين أكثر من الناتج الداخلي الخام لتركيا الفقيرة، أما اليوم فإن هذا الناتج قد تقلص إلى النصف.
و الواقع القاسي هو أن الإيرانيين قد منحوا مصيرهم الوطني لرجل، الخميني، أمضى الكثير من الوقت في التفكير في العقوبات الدينية لمرتكب الفاحشة مع الحيوانات أكثر من اهتمامه بتدبير اقتصاد عصري.
و بعد وفاته سنة 1989،خلف الخميني المرشد الحالي، آية الله علي خامنئي، الذي ظل وفيا لرؤية الخميني في كل شيء بما في ذلك نظرته للأمور الجنسية. فخامنئي , الذي قال بأن «حجاب المرأة يحول دون سقوط مجتمعنا في الفساد و الإثارة» , يرى أن كشف المرأة لجمالها، ليس فقط خروجا عن الدين بل يمثل تهديدا وجوديا للنظام نفسه.
فخامنئي يؤكد بأن صحة و وحدة الأسرة، تعتبر جزءا لا يتجزأ من سلامة الجمهورية الإسلامية، و هي سلامة مهددة من طرف جمال المرأة. « منعت النساء في الإسلام من عرض جمالهن لجلب الرجال أو خلق الفتنة. فعرض المفاتن الجسدية للمرأة على الرجال هو نوع من الفتنة...فإذا ظهر هذا الميل نحو الجمال للجنس الآخر خارج الإطار الأسري، فإن استقرار الأسرة سيهتز و يضطرب.».
و جدير بالإشارة إلى أن الكلمة المستعملة من طرف خامنئي في وصف سفور النساء ( الفتنة ) هي نفسها التي استعملها في وصف الحركة الخضراء للمعارضة التي ملأت الشوارع في صيف 2009 احتجاجا على إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد. و بعبارة أخرى فإن شعر المرأة هو نفسه محرض و مضاد للثورة. و حتى السياسيون الليبراليون المزعومون في الجمهورية الإسلامية ركزوا طويلا على موضوع شعر المرأة. فأبو الحسن بني صدر، أول رئيس لإيران ما بعد الثورة، الذي أمضى العقود الثلاثة الأخيرة منفيا في باريس، قال مرة بأنه ثبت علميا أن شعر المرأة من المحرضات الجنسية، حيث تبعث بأشعة مثيرة جنسيا.
و خلال العقدين الماضيين، سحب الجيل الجديد من الإيرانيات غطاء الرأس بالتدريج إلى الخلف بعض الشئ ، لكن أي حديث أو نقاش حول الإلغاء التام لغطاء الرأس غير مقبول من طرف خامنئي. فإضافة لمعارضته لكل من الولايات المتحدة و إسرائيل يعد الحجاب غالبا الركن الأيديولوجي الثالث للجمهورية الإسلامية. و يفسر «أزاده مويني» و هو كاتب أمريكي-إيراني الأمر بقوله : « بالنسبة لمسؤولي الجمهورية الإسلامية، فإن للحجاب أهمية رمزية كبيرة. فهو السد الذي يوقف باقي مطالب الإيرانيين في الحريات الاجتماعية... فهم يقولون إذا رفع الحجاب, فإن الجحيم سيفتح أبوابه علينا، إذ سيطالب آخرون بشرب الجعة في الشوارع و يطالبون بقراءة كتب محرمة، معتقدين بأن ذلك يشكل بوابة نحو الحرية» . و رغم تأكيد خامنئي بأن الحجاب يمنع الرجال من الانحراف، فإن السياسات الحكومية، في الواقع ، تقوم بالعكس. فبهدف تهدئة الإثارة لدى الرجل الإيراني، ساند البرلمان «زواج المتعة» (المعروف باسم «صيغة» بالفارسية) الذي يتيح للرجل تملك ما يشاء من الشريكات الجنسيات. إذ يمكن لعقد الزواج ألا يتعدى بضع دقائق و ليس في حاجة إلى تسجيل رسمي. أما النساء اللواتي لا يملكن مبادرة التطليق، فإن من خرجت عن قدسية الرابطة الزوجية، تفعل ذلك مخاطرة بحياتها نفسها. فقد لقيت العشرات منهن الرجم بالحجارة حتى الموت في إيران. كما أن سوء الأوضاع الاقتصادية بالبلاد ساهم في انتعاش أقدم مهنة في العالم، التي لا يعاقب عليها الإسلام. فسائقو الطاكسيات الراقية بطهران، و غالبا ما يكونون من حملة الشهادات العليا، يشيرون إلى ذلك في معرض حديثهم العابر مع الزبناء.
و يقول «بارديس مهدوي» و هو صاحب كتاب حول الجنس في إيران : «حين يعرف الاقتصاد بعض التباطؤ، فإن الاقتصاد غير المنظم و الشبكات غير الشرعية تصبح أكثر جاذبية...كما أن التكنولوجيا تيسر الظاهرة» .
بعد الثورة تم هدم حي «شهري نوي» (المدينة الجديدة) و هو حي معروف كان يحتضن دور الدعارة في عهد الشاه، اعتقادا من المسؤولين الجدد بأنه تم القضاء على الظاهرة لكن الذي حصل هو أن طهران كلها أصبحت «شهري نوي».
فليس من المفاجيء إذن أن الطبيعة العفيفة ظاهريا للثقافة السياسية الخمينية قد شوهت السلوك الجنسي السوي، خالقة ميولات غريبة في البيروقراطية الإيرانية. فقد حكى لي «أوميد ميماريان» و هوصحفي أمضى عدة شهور في سجن «إيفين» الرهيب بسبب مقالاته الانتقادية للحكومة، أن المحققين كانوا مهتمين بحياته الجنسية أكثر من سهامه النقدية اللاذعة «فقد حاولت الإجابة عن أسئلتهم بعبارات عامة لكنهم كانوا يوقفونني طالبين تفاصيل دقيقة»
و كان ميماريان قد أمضى جزءا من فترة تجنيده الإجباري في طهران محررا لخطب قائد أعلى في الحرس الثوري الذي كان يهاجم دوما و بانتظام الانحطاط الأخلاقي «للاستكبار العالمي» (أي الولايات المتحدة)، و عن هذه الفترة يقول ميماريان أن «المكلف بتزويد الضابط بالأفلام المقرصنة و المسجلة في أقراص مدمجة، اعترف لي فيما بعد بأن الضابط كان يطلب منه أفلاما فيها «مشاهد» كناية على الأفلام البورنوغرافية»
و في فضيحة وطنية مدوية سنة 2008، تم اعتقال،قائد شرطة طهران المكلف بمحاربة الدعارة، «رضا زارعي» عاريا مع ست نساء في إحدى الدور المغلقة بطهران، و قد أدى انكشاف هذا الأمر إلى وضع زارعي حدا لحياته في زنزانته.
كما استخدم الانحراف الجنسي بشكل منهجي من طرف النظام كأسلوب للردع و الضغط السياسيين. فحين تم اعتقال رجل الدين الإصلاحي الشهير «محمد علي أبطحي» نائب الرئيس السابق محمد خاتمي، بعد الاحتجاجات التي أعقبت نتائج الانتخابات الرئاسية لسنة 2009 ، فاجأ أتباعه باعترافه أنه كان جزءا من مؤامرة يساندها الغرب للقيام بثورة مخملية. و بالرغم من أن هذه الاعترافات قد أخذت منه بالقوة، إلا أن مساعديه المقربين يؤكدون أن ما دفعه لتقديم تلك الاعترافات لم يكن التعذيب الجسدي أو النفسي، و لكن الدافع الحقيقي لاعترافاته تلك هي صور أخذت له متلبسا في أحد أعشاش الحب السرية في طهران.
و مع ذلك، فإن الجمهورية الإسلامية ليست دائما عفيفة. فقد لجأت إلى الجنس كشكل من أشكال الحكامة. ففي رسالة لوزارة الخارجية الأمريكية كشفت عنها «ويكيليكس» يعترف القائد العشائري العراقي أبو شعفاط لأحد الدبلوماسيين الأمريكيين في بغداد أن طهران التي مارست تأثيرا على ساسة عراقيين قاموا بزيارتها «لأسباب طبية» كانوا يتزوجون هناك «زواج متعة» مع نساء إيرانيات. و قد جاء اعتراف شعفاط هذا ليوضح للدبلوماسي الأمريكي أن الأسلوب الإيراني كان أفضل من أسلوب أمريكا، التي زار البيت الأبيض بها سنة 2008 دون أن يحصل على «زواج متعة».
و مؤخرا ، تم اعتقال ثلاثة عملاء إيرانيين حاولوا اغتيال مسؤولين إسرائيليين في فبراير المنصرم ببانكوك دون أن يتمكنوا من ذلك، و قد جرى تصويرهم في حانة من حانات مدينة «باطايا» صحبة مرافقات تايلانديات. و حين سألتُ مُفتي طهران القوي عن رأيه في «الانحلال الخلقي» لبعض أتباع الخميني، استبعد الموانع الدينية بسرعة قائلا أنه بإمكانهم الحصول على «مُجوز شريعي» (عذر شرعي) من أكبر المفتين في البلد، يسمح لهم باستهلاك الكحول و مرافقة العاهرات من أجل غاية أسمى هي استبعاد الشبهة.
ففي العمق، تعتبر مقاربة النظام الإيراني تجاه الجنس، تماما مثل فلسفته في الحكم، مقاربة مطبوعة بالمصلحة، فخلال صيف 2009، حينما نزل مئات الآلاف إلى الشوارع للاحتجاج على إعادة انتخاب أحمدي نجاد، تم التنكيل بقوة بالعديد من المتظاهرين من طرف ميليشيا «الباسيدج» ، وهي عصابات من فُتوات النظام تمتطي دراجات نارية، و تعتدي على المتظاهرين. و كما كتبت ذلك الأستاذة الجامعية الأمريكية, الإيرانية «شيرين مالكزاده»، فإن ميليشيا «الباسيدج» كان يحركها فيما يبدو، حقد طبقي و إحباط مكبوت . فهم كما قال لي أحد مصادري «لا يمارسون الجنس و لا يشربون و لا يتعاطون للمخدرات...فماذا سيفعلون بكل هذه الطاقة الزائدة؟».
ربما كانت اللحظة الأصعب في الثورة الخضراء هي اغتيال المناضلة الشابة «نيدا أغا سلطان» (26 سنة) التي تم التقاط و تصوير لحظة موتها بواسطة كاميرات الهواتف النقالة و دخل شريط قتلها التاريخ . و في برنامج وثائقي حول حياة «ندا» تقول والدتها أنها تذكر أن ابنتها توصلت قبل أيام من اغتيالها بتحذير من بعض المنتسبات للباسيدج يقول : «عزيزتي، رجاء لا تخرجي كاشفة عن جمالك...لا تخرجي لأن الباسيدج يستهدفون البنات الجميلات. و لن يترددوا في إطلاق النار عليك».
فيما كانت الصور الرمزية لثورة 1979 ،صور رجال ملتحين فإن «ندا» أصبحت هي رمز الثورة الإيرانية في القرن الحادي و العشرين: شابة مثقفة و عصرية. و لمعارضتها للنظام و للحجاب، أصبحت تجسد الفتنة في أعين خامنئي.
ثلاث سنوات بعد ذلك، يواجه النظام الإيراني من جديد أزمة خارجية هذه المرة. فبينما يهدد رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتانياهو» بشن الحرب عليها كل مرة، يمر البنتاغون إلى التخطيط الاستراتيجي للحرب منتظرا قرار البيت الأبيض.هل ستمنع المفاوضات الدبلوماسية إيران من حيازة القنبلة النووية؟ أو أن الهجوم على منشآتها النووية ضروري لذلك؟
كثير من المراقبين للشأن الإيراني يؤكدون أنه من أجل إقناع طهران بعدم مواصلة برنامجها النووي، فإن على واشنطن أن تطمئن خامنئي بأن الولايات المتحدة تسعى فقط إلى تغيير في سلوك إيران و لا تريد تغيير النظام.
إلا أن ما ينسى هؤلاء أخذه بعين الاعتبار هو اقتناع خامنئي الراسخ بأن الولايات المتحدة تهدف قلب نظام الجمهورية الإسلامية، ليس من خلال الغزو العسكري و لكن بواسطة التخريب الثقافي و السياسي بغاية خلق ثورة «مخملية» من الداخل و هو ما يؤكده خطاب للمرشد الأعلى ألقاه سنة 2005:
«إن أعداء إيران بحاجة إلى أكثر من المدفعية و البنادق وغير ذلك. هم بحاجة إلى نشر القيم الثقافية التي تقود إلى الفساد الأخلاقي...لقد قرأت مؤخرا في الصحافة أن موظفا كبيرا في مركز سياسي أمريكي مهم قد صرح : «بدل القنابل، أرسلوا لهم تنورات قصيرة». و معه حق في هذا. فإذا أثاروا الغرائز الجنسية في بلد ما، و إذا نشروا الاختلاط بين الجنسين دون رادع، و إذا دفعوا الشباب للتصرف حسب غرائزهم، فلن يكونوا بحاجة إلى مدفعية و لا إلى بنادق ضد هذه الأمة».
و توضح كتابات و خطب خامنئي الكثيرة، بوضوح أن أسلحة الدمار الشامل التي يخشاها أكثر من غيرها هي الأسلحة الثقافية. فهو يخشى «كيم كارداشيان» و «ليدي غاغا» أكثر من خشيته من القنابل المدمرة و حاملات الطائرات الأمريكية. و بصيغة أخرى، فإن طهران مهددة ليس فقط بما تفعله أمريكا، لكنها مهددة بما تمثله أمريكا بالنسبة لها: قوة كولونيالية فائقة الحداثة و نظام فاسد يسعى إلى فرض هيمنته الثقافية على العالم. و في هذا الإطار صرح خامنئي أن «السياسة الاستراتيجية لأمريكا هي نشر الرذيلة عن طريق الاختلاط بين الجنسين «.
فتصريحات خامنئي تعبر عن المفارقة و الانحراف، بينما قد يشكل قذف النظام الإيراني بالقنابل تمديدا لحياته، فنظام يعتبر شعر النساء تهديدا وجوديا له هو نظام تجاوز تاريخ صلاحيته.
مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية
ماي - يونيه 2012


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.