على غير عادته، أنهى وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، لقاءه الأسبوعي أمس مع الصحافة عقب اجتماع المجلس الحكومي بسرعة ودون الرد على سؤالين جاء الصحافيون ليسمعوا من الناطق الرسمي جوابا عنهما. أولهما هو: ماذا جرى في لقاء الملك محمد السادس مع رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، وعبد الله باها وزير الدولة، ومصطفى الخلفي وزير الاتصال، مساء الأحد؟ جواب الخلفي كان هو: «أنا لست مخولا للحديث عما دار في هذا اللقاء». والسؤال الثاني كان هو: «ما مصير دفاتر التحملات المجمدة في مقبرة الحكومة، الأمانة العامة، بعد الضجة التي راجت حولها، وبعد أخبار متفرقة عن تراجع الحكومة عن بعض بنود هذه الدفاتر؟»، جواب الوزير كان بلا طعم ولا رائحة حيث قال: «دفاتر التحملات بين يدي الحكومة!».
الوزير الشاب تعرض لضغط شديد، وهو يحس بالمرارة ولا شك، والارتباك الحاصل الآن في وزارة الاتصال وفي رئاسة الحكومة ناتج عن إحساس وزراء العدالة والتنمية بأنهم «خسروا» قضية عادلة، وانهزموا أمام «لوبي صغير» لا يمثل سوى «حزب فرنسا في المغرب»، وبعض المتنفذين الذين لا يريدون لصناديق الاقتراع أن تحكم، ولهذا وظفوا دفاتر التحملات كقميص عثمان لفرملة الأداء الحكومي، ووضع متاريس كثيرة أمام الحكومة التي ظنت أن الربيع العربي ودستور 2011 ونتائج اقتراع 25 نونبر أوراق اعتماد قوية ستسمح لها بتغيير خارطة صناعة القرار الاستراتيجي.
ببراغماتيته السياسية، التقط بنكيران هذه الرسالة، وحاول الرد سريعا يوم الأحد الماضي في الرباط على هجوم كتيبة التلفزيون الرسمي، عندما قال إن الربيع العربي لم ينته، «ويمكن أن يرجع إذا رشقات ليه، والملوك يكونون محاطين أحيانا بخصوم يصبحون أول من يتخلى عنهم».
رسالة بنكيران كانت مثل رصاصة أخطأت الهدف، إذ سرعان ما رجع إلى الوراء، وأبدى استعداده لمراجعة دفاتر التحملات التي لم تنشر إلى الآن، ليس لأن المعارضة قاومتها، أو لأن البرلمان أسقطها، أو لأن الهاكا تحفظت عليها، أو لأن الشارع انتفض ضدها... أبدا، الحكومة خضعت للوبي صغير له مصالح مؤدى عنها، ويخوض الحرب ضد الحكومة بالوكالة.
لنقرأ فقرة فقط من دفاتر تحملات 2M ونر هل تحمل فعلا «منفستو» أصوليا لخنق الحداثة في شاشة سليم الشيخ. تقول المادة 3 من هذه الدفاتر: «تعمل الخدمة العمومية وفق القواعد التالية: - الالتزام بالدقة والإنصاف والموضوعية والنزاهة وعدم التحيز والاستقلالية التحريرية عن المصالح التجارية والفئوية والسياسية والإيديولوجية، خاصة في الأداء الخبري. - عدم الإشادة بالعنف أو التحريض على الميز العنصري أو على الإرهاب أو العنف تجاه شخص أو مجموعة بسبب أصلهم أو جنسهم أو انتمائهم من عدمه إلى مجموعة عرقية أو جنس أو ديانة...»، انتهى الاقتباس.
عندما يقرأ المرء هذه الفقرة يتذكر الحملة التي شنتها 2M على زميلنا بوبكر الجامعي، مدير مجلة لوجورنال، حين اتهمته القناة الحداثية المفرنسة والعلمانية جدا بأنه نشر رسوما كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد (ص) في مجلته، وجاؤوا إلى البلاطو بالفنان عمر السيد، و«اصطادوا» من فمه كلاما لم يعرف سياقه إلا بعد أن خرج من قناة عين السبع. واكتشف كما اكتشفنا جميعا أن المجلة لم تنشر أي رسم مسيء لمقدسات الإسلام، وأن التظاهرة التي نظمت أمام مقر الجريدة في البيضاء كانت بطلب من شخصية نافذة في الرباط وأن القناة الثانية كانت بمثابة المدفعية الثقيلة التي وجهت إلى رأس المجلة وأصحابها، في الغد، لم يبعث بوبكر الجامعي ابنه إلى المدرسة لأنه خشي على حياته وعلى حياة عائلة رأى المغاربة في التلفزة أن صاحبها يسيء إلى النبي (ص). هذه واحدة من سوابق كثيرة للقناة التي يدافع عنها بعض مدعيي الحداثة اليوم بلا خجل ولا حياء.