مغربية الصحراء تكتسب زخما دوليا غير مسبوق    مستشار الرئيس الأمريكي: واشنطن تتحرك لإغلاق ملف الصحراء وإعادة العلاقات بين المغرب والجزائر    الشارقة تضيء سماء الرباط: احتفاء ثقافي إماراتي مغربي في معرض الكتاب الدولي 2025    المغرب يسير نحو طفرة عسكرية نوعية عبر اقتناء دبابات K2 الكورية    جمارك بني انصار تحبط محاولة تهريب كمية من مخدر الشيرا    الحبس النافذ للمعتدية على سلمى    يتسع ل5000 طالب.. أشغال بناء المركب الجامعي بالحسيمة تصل مراحلها النهائية    احتفالية "رمز الثقافة العربية ل2025" تكرم الشاعر بنيس والفنان الفخراني    ‪ بكتيريا وراء إغلاق محلات فروع "بلبن" الشهيرة بمصر‬    هل يقود مغربي سفينة "الملكي"؟ أنس لغراري الرجل الخفي الذي قد يرأس ريال مدريد سنة 2029    مدرب شباب قسنطينة يشكر المغاربة على حسن الاستقبال قبل مواجهة بركان    احوال الطقس .. امطار وثلوج مرتقبة بمنطقة الريف    عمر مورو: مشاريع البنيات التحتية لكأس إفريقيا 2025 تسير بوتيرة متقدمة بمدن الشمال    "الأشبال" ينهون التحضير للقاء مالي    الناصري ينفي التهم الموجهة إليه في قضية "إسكوبار الصحراء" ويكشف تفاصيل عن لطيفة رأفت وتاجر المخدرات "المالي"    الأبيض والأسود من تقرير دي ميستورا: إن موعدهم نونبر؟ -3-    عمر هلال: العودة إلى الصحراء المغربية مشروطة بالإحصاء الإسباني لعام 1974    وفد رفيع من سفارة رومانيا بالمغرب يزور ENCG طنجة ويوقع بروتوكول تعاون أكاديمي    حين تصبح معلوماتك سلعة .. من يحمي المغاربة من تسريبات البيانات؟    حادثة سير مميتة تودي بحياة شخص بإقليم الدريوش    مقتل صحراويين في مخيمات تندوف : ائتلاف حقوقي يطالب بتحقيق دولي ضد الجيش الجزائري    الحوامض المغربية تلج السوق اليابانية    شرطة البيضاء توقف مواطنا نرويجيا    خلال 2024.. المركز الجهوي للاستثمار بجهة الشمال وافق على مشاريع استثمارية بقيمة 85 مليار درهم قد تخلق حوالي 70 ألف فرصة شغل    ناصر بوريطة يواصل جولة دبلوماسية ناجحة لتعزيز دعم أوروبا لمغربية الصحراء    من الرباط.. السفير الصيني بالمغرب لي تشانغ لين : الصين تعتزم عقد مؤتمر عالمي جديد للمرأة خلال هذا العام    وفاة الفنان المصري سليمان عيد    تزايد حالات السل اللمفاوي يسائل ضعف مراقبة سلاسل توزيع الحليب    بيان توضيحي لولاية أمن أكادير بشأن ادعاءات واهية لمنظمة    المعرض الدولي للنشر والكتاب يتعقب الفنون التمثيلية في الصحراء المغربية    دعم إنتاج الأعمال السينمائية.. الكشف عن مشاريع الأفلام المستفيدة برسم الدورة الأولى من 2025    مهرجان "جازابلانكا".. 26 حفلا موسيقيا يحييها 180 فنانا    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    "حماس" تدعو إلى إنهاء حصار غزة    نقابات التعليم تسجل غياب الإرادة السياسية لدى الحكومة في الوفاء بالتزاماتها وتحتج على "التسويف"    بيانات تكشف ارتفاع الإصابة بالتوحد وكذلك زيادة معدلات تشخيصه    واشنطن بوست تدق ناقوس الخطر: البوليساريو شريك لإرهاب إيران في إفريقيا    أكادير يحتضن مؤتمر التنظير عنق الرحم وجوف الرحم والجهاز التناسلي    الارتفاع العالمي لسعر الذهب ينعكس على محلات المجوهرات في المغرب    شي جين بينغ وهون مانيت يتفقان على تعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وكمبوديا    شركة للطيران تمتنع عن نقل ثلاثة جثامين لمغاربة مقيمين بهولندا    إطلاق الشعب المتخصصة في فنون الزجاج بالمعهد المتخصص في الفنون التقليدية بمكناس، في سابقة على المستوى الوطني    الدورة التاسعة إياب من بطولة القسم الوطني الممتاز لكرة السلة : .ديربي محلية بالعاصمة بين الفتح والجيش    أولمبيك خريبكة يوضّح واقعة محاولة انتحار أحد لاعبيه    مهرجان "تيم آرتي" يختار مواهب الراب الشابة في دورة جديدة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    روبيو: على أوروبا أن تقرر ما إذا كانت مستعدة لإعادة عقوبات إيران    ممثلون عن اليهود في بريطانيا يدينون العدوان الإسرائيلي في غزة    رغم التأهل.. فليك غاضب من أداء لاعبي برشلونة أمام دورتموند ويطالب بمزيد من الانضباط    إيقاف السباح التونسي أحمد الحفناوي 21 شهرا بسبب انتهاكات لقواعد المنشطات    مجلس الأمن يدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار وعملية سياسية شاملة في السودان    استشهاد 15 فلسطينيا في غارة إسرائيلية جديدة على غزة    توظيف مالي لأزيد من 46 مليار درهم من فائض الخزينة    وزارة الصحة تخلّد اليوم العالمي للهيموفيليا وتطلق حملة تحسيسية وطنية لمكافحة هذا المرض    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما الفرق بين قاعدة الولد للفراش والخبرة الجينية !!!


26/12/2024
تابع الرأي العام العرضين الذين قدما أمام جلالة الملك حول ما انتهت اليه المرحلة الأخيرة من الاستشارات التي أمر بها جلالته بخصوص التعديلات المراد إدخالها على مدونة الأسرة الجاري بها العمل اليوم.
وقدم العرض الأول السيد وزير العدل ومن بين ما ذكر ان التعديلات ستحترم من جملة ما ستحترم الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب. بينما قد العرض الثاني السيد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية وذكر بان التعديلات لن تمس بالقضايا القطعية في الدين الاسلامي.
وكان كل ذلك مناسبة للرأي العام للاطلاع على ما انتهى إليه المجلس العلمي الأعلى حول القضايا التي عرضت عليه. علما ان المجلس الاعلى العلمي يمارس دستوريا وفقا للفصل 41 من الدستور نوعين من الاختصاص:
الاختصاص الأول: وهو دراسة القضايا التي يعرضها عليه الملك بصفته أمير المؤمنين. وفقا لأحكام الفقرة الثانية من الفصل 41 من الدستور.
الاختصاص الثاني: إصدار الفتوى التي تعتمد رسميا في شأن المسائل المحالة عليه وفقا للفقرة الثانية من نفس الفصل من الدستور.
وشكل ما انتهى إليه المجلس العلمي الأعلى وفق ما نقله وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المرحلة الختامية للمخطط التشاوري المؤسسي الذي أمر به جلالة الملك, بهدف وغاية واضحتين وهما ان ينقل الى جلالته كل آراء ووجهات نظر مؤسسات الدولة والمجتمع بخصوص الحاجة الراهنة الى تعديل تلك المدونة. وهو المخطط التشاوري الذي شارك فيه المجتمع بكل مكوناته السياسية والنقابية والحقوقية وكل أطر المجتمع وفعالياته.
ومن المفهوم ومن المقبول كذلك أن يتفاعل المجتمع مع تلك الدراسة/الفتوى. وهو التفاعل الذي يعتبر أمرا إيجابيا لأنه يطور النقاش ويساعد على اختيار الحلول الأكثر نجاعة لمقاربة أعقد الإشكالات الصعبة التي تتناولها مدونة الأسرة. إذ ان وجه الصعوبة فيها يتجلى في الدور الذي تلعبه والأثر الذي تحدثه القوانين المتعلقة بالأسرة, سواء في بلدنا المغرب. او في غيره من البلدان. في إعادة تشكيل العلاقات الاسرية التي تجمع بين الزوج وزوجته وما تنسل منهما من اطفال. او ما تنسل من الاب. وما تحدثه من أثر مباشر على المجتمع.
وهذا المقال يندرج تحت سقف هذا التفاعل, لأن هناك آراء أخرى أكثر تدقيقا مما سيرد فيه.
لكنه مقال يتضمن رأيا يستحضر القيمة العلمية والفقهية للسادة الاجلاء اعضاء المجلس العلمي الأعلى, ولا يضع نفسه في مقابلة معهم.
إن الرأي المعبر عنه في هذا المقال ينطلق من طرح السؤال في صيغة التعجب مفاده هل فعلا هناك فرق بين قاعدة الولد للفراش التي تعتبر قاعدة ضاربة في التاريخ ومستندة الى حديث نبوي, استعملت لنسبة أطفال للآباء فقط لكون هؤلاء الإباء تربطهم من أمهات الأطفال عقد زواج. ويصبح الزوج ملزما بقبول الطفل كما لو تنسل من صلبه.
ومع ان هذه القاعدة هي مستندة على حديث للنبي محمد صلى الله عليه وسلم, إلا أنها لم تقبل كقاعدة قطعية في نتائجها. ولا يجوز الطعن فيها. بل تم التلطيف من حجيتها عندما اعطي الحق للزوج في المنازعة في نسبة الولد المزداد في ظل عقد الزواج اليه. وذلك عن طريق مسطرة اللعان المعروفة. وهو ما يبين ان قاعدة الولد للفراش هي قاعدة نسبية الى ان يثبت ما يخالفها. وليس قطعية لا منازعة فيها.
وكما أن الخبرة الجينية كوسيلة علمية وسيلة طارئة في التاريخ لإثبات العلاقة البيولوجية بين الأب والطفل الذي تنسل من صلبه. هذه الوسيلة كذلك يحتج عليها بكونها تتصف بشبه القطعية في نتائجها. أي ان نتائجها ليست محققة مائة بالمائة.
إن الجواب على سؤال الفرق بين قاعدة الولد للفراش وبين الخبرة الجينية يتجاوز الجواب عليه مجال المقارنة بين قاعدة شرعية وآلية عليمة.
يعتقد الناظر لكل من قاعدة الولد للفراش والخبرة الجينية على أنهما في وضع تعارض. بينما في الواقع هما تتقاطعان في نقطة المركز لكل منها. أي في الغاية التي تهدف لها كل منهما هي غاية أولى. وغاية ثانية.
وأما الغاية الاولى فهي الحرص على نسبة الولد إلى الأب الذي تنسل الولد من صلبه.
وأما الغاية الثانية فهي حماية المجتمع من الفساد. سواء بمفهومه الشرعي أي التهرب من أثر مسؤولية العلاقة الجنسية خارج عقد الزواج. او بمفهومه المجتمعي أي الاضرار بالنسل بعدم ضبط تدرجه والمس بهوية الطفل الطبيعية. وفي المحصلة الإضرار بالمرأة باعتبارها الحلقة الضعيفة في العلاقة الزوجية. او في العلاقة خارج إطار الزواج عندما يترتب على تلك العلاقة الجنسية حمل ما. وهي الوضعية التي تولدت عنها ظاهرة الأمهات العازبات. بكل الألم الذي يلازم المرأة وعلى رأسه نظرة المجتمع لها.
فقاعدة الولد للفراش هي قاعدة لا تنطلق من البحث هل الولد من صلب ابيه ام لا. بل هي تنطلق من أن العلاقة الزوجية الموثقة بعقد زواج شرعي هي قرينة يترتب عليها بالضرورة ان كل ولد ازداد في ظل تلك العلاقة الزوجية فهو ينسب للزوج.
وهذه القاعدة ليست فقط هي قاعدة مهمة بالنسبة للولد. بل هي مهمة كذلك للمجتمع ولاستقراره وحماية المصلحة الفضلى للطفل. هذه المصلحة الفضلى للطفل التي سيتعرف عليها المجتمع الدولي بعد عدة قرون من إعمال قاعدة الولد للفراش.
ومدونة الاسرة الحالية أكدت على قاعدة الولد للفراش وانطلقت منها كوسيلة لإثبات النسب. لكنها لم تعتبرها وسيلة قطعية. ما دام أنها سمحت للزوج أن ينازع في نسبة المولود الى صلبه مع وجود عقد زواج وذلك بما يعرف بمسطرة اللعان. كما هي منصوص عليها في المادة 153 من مدونة الأسرة.
والمدونة الحالية لم تقف عند تلك القاعدة وحدها بل تحركت تحرك نبض المجتمع لتلامس حالات أخرى يمكن الاستناد إليها لربط نسب الولد مع أبيه الطبيعي. أي الأب الذي ينتسل من صلبه الولد.
وهكذا نرى ان مدونة الاسرة الحالية اعترفت بحالات أخرى لربط النسب بين الولد مع ابيه خارج عقد الزواج. واعتبرتها هي كذلك مبرر لثبوت السبب. عندما عرفت النسب بكونه يمكن ان يبث بالظن. وهو الامر الواضح من المادة 151 من مدونة الاسرة التي ورد فيها ما يلي:
"يثبت النسب بالظن ولا ينتفي……….."
فالظن الذي يثبت به النسب ليست عبارة وردت عن خطأ في الطبع او لا عن خطأ في اللغة. كما ان المادة 151 المذكورة لم تؤسس الظن ولم تربطه بوجود عقد زواج شرعي, لا بالنص الصريح عليه ولا بشكل مضمر. بل هي إرادة واضحة من مشرع مدونة الاسرة التي ذهبت الى إمكانية ربط نسب الولد إلى أبيه الذي تنسل منه أي ابيه الطبيعي فقط بناء على الظن على وجود تلك العلاقة.
وهي الإرادة التي نلاحظها تتكرر في المادة 152 من مدونة الأسرة التي تنص على ان لحوق النسب يمكن ان يكون بالشبهة. أي ان المادة 152 تؤكد على ان الشك يمكن ان يستند اليه لربط نسب الولد إلى أبيه. اذ تنص المادة 152 من مدونة الاسرة على ما يلي:
– أسباب لحوق النسب "
3-الشبهة "
وحتى لا يقال بان نية مشرع مدونة الاسرة الحالية بخصوص الزامية وجود عقد زواج في حالة الظن وفي حالة الشبهة هي نية مستبطنة مفترضة, فإن هذا القول لا ينسجم مع ما نصت عليه نفس إرادة مشرع المدونة التي خصصت للعلاقة الزوجية المؤسسة على عقد زواج المادة 153 والمادة 154 والتي اشترطت وذكرت بكل وضوح فيهما وجوب التوفر على عقد الزواج.
بينما خصصت مدونة الاسرة للشبهة المادة 155 ونصت على أن النسب يثبت بالشبهة فقط. اذ تنص تلك المادة على ما يلي:
"إذا نتج عن الاتصال بشبهة حمل و ولادة المرأة ما بين أقل مدة الحمل وأكثر ما يثبت "نسب الولد من………."
وهكذا يتبين مما سبق ان مدونة الأسرة الحالية نصت وأسست لقاعدتين مختلفتين:
الأول: اشترطت فيها ضرورة وجود عقد الزواج. وهي القاعدة المنصوص عليها في المادتين 153 و154 منها
الثانية: لم تشترط ولم تذكر فيها ضرورة وجود عقد زواج. وهي القاعدة المنصوص عليها في المواد 151 المتعلق بالظن. والمادة 155 المتعلق بالشبهة.
أي ان مدونة الأسرة الحالي تعتبر ان النسب يثبت بالظن ويثبت بالشبهة. بدون أي ذكر واشترط لوجود عقد زواج.
وهكذا يتبين من الصياغة التي اختارها واستعملها محرر مدونة الاسرة الحالية في صياغة المادة 155 من مدونة الاسرة. نجده لم يستعمل عبارة الزوج ولا الزوجة. ولا صيغة العلاقة الزوجية التي يفهم منها وجود عقد زواج. بل استعمل كلمة "الاتصال" أي العلاقة الجنسية بين شخصين لا تربط بينهما عقد زواج. فسمح بنسبة الولد للرجل الذي مارس الاتصال الجنسي. ولم تسميه المادة 155 بالزوج.
وعندما أتوقف عند الصيغ المستعملة في كتابة نصوص مدونة الاسرة فإنني أعيد الى الاذهان المقال الذي سبق لي ان نشرته في 18/06/2010 تحت عنوان (محددات الفكر الحداثي المجتمعي الذي أسس لمدونة الاسرة) والذي تناولت فيه اللغة التي استعملت في صياغة أعقد وأصعب القضايا التي تناولتها المدونة. ومن بينها إشكالية العلاقة بين المولود وأبيه البيولوجي. استعملت المدونة كلمة أكثر دقة وشمولية من كلمة الاب البيولوجي. وهي الكلمة المذكورة في المادة 142 من مدونة الاسرة التي تتكلم عن (تنسل الولد من ابويه).
وانه يفهم من المادة 151 والمادة 155 من مدونة الاسرة ان النسب يتحقق كذلك من علاقة جنسية بدون عقد زواج بين المولود وبين من مارس الاتصال بشبهة.
بل ان مشرع المادة 155 من مدونة الاسرة ذهب الى اكثر مما سبق بيانه بان سمح بإثبات النسب للشبهة, أي خارج وجود عقد زواج, بكل الوسائل المقررة شرعا.
بل ان مشرع مدونة الاسرة وسع من حالات ثبوت النسب بإن تجاوز حالة عقد الزواج المسماة بالفراش. وتجاوز الاتصال الجنسي أي الاب البيولوجي. واعتبرت ان النسب يثبت كذلك بإقرار الاب. وهو ما يعني ان الاب قد لا يكون هو الاب الطبيعي للولد. ولكن يكفي ان يقر بان الولد ينسب اليه.
بل ان مشرع مدونة الاسرة سمح بإثبات النسب ببينة السماع. أي ان الرجل يلزم بنسبة مولود له بناء على يسمعه الناس في المجتمع من كون الولد فلان هو من صلبه. وهي القاعدة المنصوص عليها في المادة 158 التي ورد فيها ما يلي:
"يثبت النسب بالفراش او بإقرار الاب او بشهادة عدلية او بنية السماع وبكل الوسائل" "الأخرى المقررة شرعا بما في ذلك الخبرة القضائية"
وهكذا نلاحظ ان مدونة الاسرة الحالية لم تقف في اثبات النسب فقط عند وجوب وجود عقد زواج. بل فتحت المجال لإثبات النسب بناء على إقرار الاب. او بناء على بينة السماع. أو بناء على الخبرة القضائية.
فالخبرة القضائية المذكورة في تلك المادة ما هي إلا الخبرة الطبية والعلمية التي يأمرها بها القضاء.
وبطبيعة الحال فإن المقصود بالخبرة القضائية المنصوص عنها في المادة 158 هي الخبرة الجينية التي يأمر بها القضاء. لأنه لا توجد أي خبرة أخرى للبث في علاقة الولد مع ابيه إلا الخبرة الجينية.
غير ان مدونة الاسرة حصنت استعمال الخبرة الجينية بأن حصرت الجهة التي يجب ان تامر بها وتراقب إنجازها تم بعد ذلك تصادق او لا تصادق عليها في سلطة القضاء.
وان موقف مشرع مدونة الاسرة الحالية من توسيعه لآليات اثبات النسب بما فيها الخبرة الجينية القضائية كان يرمي الى:
-حماية تماسك الاسرة. بان حد من حالة الشك التي قد تنتاب الاب لمعرفة علاقته مع ابناءه.
– حماية المولود بان مكنه من:
1-معرفة ابيه البيولوجي. أي الاب الذي تنسل منه عن اتصال بالظن او بالشبهة او بغيرها. كما تنص على ذلك المادة 151 والمادة 155 المشار اليها أعلاه.

2-ضمان انتماء المولود للأب معروف. وحمايته من نظرة المجتمع القاتلة له
وجعله منتجا بشكل إيجابي في وسطه وفي مجتمعه. وحتى لا يحقد على هذا المجتمع ولا يضر به. ما دام ان هذا الطفل لا مسؤولية له في خروجه الى هذا العالم. فإي حق نحمله ما يعتبر خطأ ارتكبته امه وابيه الذي تنسل من صلبه.

3-الحد من أثر الفساد الجنسي الذي يتزايد في هذا العصر. وذلك بتحميل كل من اتصل جنسيا مع امرأة وانجبت منه ولدا بان يتحمل المسؤولية القانونية والمالية وغيرها على ذلك الولد مثل ما يتحملها الاب الشرعي عن ولده.
وليس ان يعاقب بعقوبة موقوفة التنفيذ من أجل جريمة الفساد. تم يغادر قاعة المحكمة ليمارس نفس الفعل الجنسي مع امرأة أخرى. بينما المرأة الاولى تغادر نفس القاعة وهي محكوم عليها نفس العقوبة لكنها بالإضافة للعقوبة فهي تخرج المحكمة للمجتمع بمولود لا يتعترف به هذا الاخير ويحملها وحدها مسؤولية ذلك المولود بكل ما يعني ذلك من تبعات مالية. لكن الأخطر من ذلك هي اضطراها لمواجهة نكران المجتمع لها و لمولودها مع كل تبعات ذلك التي يعرفها الجميع.
4-ان الخبرة الجينية أصبحت حقا من حقوق الطفل. والتزاما على الدولة. وليس فقط موضوع نقاش بين المتناظرين. لأنها تمكنه من حقه الطبيعي في التعرف على ابيه البيولوجي أي ابيه الحقيقي أي الاب الذي تنسل من صلبه.
5-تمكن الطفل من حقه في هويته الطبيعية.
ولذلك فإن التراجع على هذه الحقوق هو تراجع على المادة 7 من اتفاقية حقوق الطفل والتي تنص على ما يلي:
"يسجل الطفل بعد ولادته فورا ويكون له الحق منذ ولادته في اسم والحق في "اكتساب جنسيته ويكون له قدر الإمكان الحق في معرفة والديه وتلقي رعايته.
هذه المادة التزم المغرب بتطبيقها احترامها في كل تشريعاته لكونه صادق على اتفاقية حقوق الطفل من جهة. ولكون دستور المملكة يلزم الدولة المغربية باحترام تلك الاتفاقية الدولية. وفقا للبند السابع من الفقرة الرابعة من ديباجة الدستور التي ورد فيها ان الدولة تؤكد وتلتزم ب:
– حماية منظومتي حقوق الانسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما والاسهام في تطويرهما مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق وعدم قابليتها للتجزئة.
كما ينص البند التاسع من نفس الفقرة على ان الدولة تؤكد وتلزم ب:
– جعل الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب وفي نطاق احكام الدستور وقوانين المملكة وهويتها الوطنية الراسخة تسمو، فور نشرها, على التشريعات الوطنية والعمل على ملاءمة هذه التشريعات مع ما تتطلبه تلك المصادقة.
وهكذا يتبين ان الخبرة الجينية المأمور بها قضائيا هي آلية تتبنى وتسير في نفس الاتجاه التي وضعت من اجله قاعدة الولد للفراش. ألا وهي حماية هوية المولود, وليست تتعارض معها.
وان مشرع مدونة الاسرة الحالية كان محيطا بكل جوانب هذا الاشكال المجتمعي المتسم بالحرية في التنقل وفي الاختلاط. واستحضر وجوب الحرص على مواجهة من يريد استعمال هذه الحقوق بقصد الإضرار بغيره. وخصوصا بالمرأة والطفل اول الامر. ويتهرب من تحمل مسؤوليته في علاقته مع ولده الذي تنسل من صلبه. او الاضرار بالمجتمع في مرحلة ثانية حتى لا يترك الطفل بدون هوية من جهة. وموضوع لعنة المجتمع الذي يصفه باللقيط من جهة أخرى.
هذه هي الحاجة المجتمعية التي تبرر الإبقاء على ما أسس له مشرع مدونة الاسرة الحالية. لتكتمل المنظومة الاسرية بما سيستجد من التعديلات المراد إدخالها عليها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.