في ظل الفوضى وانعدام وجود فصول قانونية محددة وصارمة، وغياب الوازع الأخلاقي والديني لدى بعض الرجال، تضيع حقوق بعض النساء اللاتي تتعرضن للاغتصاب، والأطفال الذين لا ذنب لهم سوى أنهم خرجوا للحياة عن طريق الغلط . يعتبر القانون المغربي الاغتصاب جريمة أخلاقية، وليس فقط جريمة ضد السلامة البدنية، إلا أنه أغفل أن يفرد فصلا خاصا بالأبناء الذين خرجوا إلى الوجود نتيجة الاغتصاب ؛ في حال تأكد تلك . النازلة التي بيننا ،و هي لفتاة تعرضت للاغتصاب من طرف ابن شيخ القبيلة التي تنتمي إليها، وإن استطاعت إثبات حالة الاغتصاب، عوقب إثرها الجاني بالسجن أربعة سنين نافدة لثبوت حالة الاغتصاب ابتدائيا واستئنافيا، في حين لم تقبل محكمة الأسرة أن تنسب الإبن الناتج عن ذلك الاغتصاب لأبيه، فماهي حيثيات هذا الحكم ؟ اغتصاب ومعاناة تعرضت (أ-أع) للاغتصاب من طرف شاب، حين كانت ترعى الغنم في منطقة بعيدة شيئا ما عن الدواوير التي تسكن فيها، ترددت في الأول في إبلاغ والدتها بالأمر مخافة أن تقسو عليها، ومخافة أن تجلب العار لعائلتها، لكنها قررت البوح بما أصابها ، لا سيما وأن الأخ الأكبر للجاني سبق وأن اعترض سبيل فتاة أخرى من القبيلة ذاتها ؛ واغتصبها، فقررت أسرة الضحية بعد معرفتها بخبر الاغتصاب مقاضاته؛ خاصة وأن أباه هو شيخ القبيلة التي ينتمون إليها . وبناء على المقال المقدم من طرف المدعية (أ-أع) من خلال محاميها، بتاريخ 2006/09/26 عرضت، أنها اغتصبت من طرف المدعى عليه (ه-أ) وأدين من أجل ذلك في الملف الجنائي رقم 03/428 ابتدائيا، وقررت محكمة الاستئناف أن تأخد بالحكم ذاته بناء على البراهين التي قدمها محامي الضحية، وحكم عليه بعقوبة حبسية لأربع سنوات، إلا أنه، نتيجة ذلك الاغتصاب ، حبلت الضحية وولدت على إثره طفلا أسمته إبراهيم، .إلا أن المدعى عليه الذي لا يتجاوز العشرين من عمره، أنكر عملية الاعتداء بالاغتصاب التي قام بها في الخلاء، فلجأت الضحية من خلال محاميها إلى طلب إنجاز الخبرة الطبية الجينية حول الحامض النووي لإثبات حالة الاغتصاب والأبوة معا . تأكيد حالة الاغتصاب أوضحت نتائج الخبرة الطبية، في الموضوع الذي أدلت به الضحية، أن الجاني اغتصب الضحية بالفعل، وانبنى القرار الاستئنافي على هذه النتيجة، لتؤكد الحكم بثبوت نسب الطفل ابراهيم ،المزداد 2004/01/27 لوالده الجاني (ه.أ)، والحكم تبعا على ذلك بتسجيله في سجلات الحالة المدنية، وأرفق المقال بشهادة إدارية تتعلق بالميلاد، وبقرار جنائي، وبناء على مستنتجات النيابة العامة المسجلة تحت عدد 06/2747 وتاريخ 2006 /15/11 والتي التمست من خلالها البث في النازلة طبقا للقانون. ورغم صدور الحكم الاستئنافي بثبوت نسب الطفل لأبيه المغتصب، وجدت المغتصبة نفسها أمام مشكلة أخرى، وتتمثل في تسجيل الإبن في الحالة المدنية، فرفعت قضية أخرى أمام محكمة الأسرة. لكن حسب مقتضيات المادة 152 وما بعدها من مدونة الأسرة، فتبوث النسب يتم في حالتين لا ثالث لهما وهما الفراش، والوطء، للشبهة، مع وجوب فهم الإقرار على ضرورة أن يصدر في إطار الحالتين المذكورتين، وأن الخبرة التي أمرت بها المحكمة الجنائية كانت لإثبات واقعة الاغتصاب التي نفاها المدعى عليه، وليس لإثبات نسب الولد المزداد نتيجة هذه الواقعة، ومادامت المحكمة قد أدانت المدعي عليه من أجل اغتصابه للمدعية؛ فإن ذلك يؤكد أن الوطء الذي تم بين المدعى عليه كان زنى، فحكم القاضي وبناء على اجتهاد لـالشيخ خليل بألا يلحق نسب الولد الناتج عن الوطء، وبالتالي فالطفل إبراهيم هو ابن زنى مقطوع النسب حسب اجتهاد الشيخ خليل ، مما يكون معه طلب المدعية غير مرتكز على أساس قانوني سليم، فتعين التصريح برفضه، وحيث إن خاسر الدعوى يتحمل صائرها، فعلى المدعية تحمل الصائر . التعليق على الحكم يرى الأستاذ لحبيب حاجي محامي بهيئة تطوان، أن التعليل المقدم من طرف المحكمة في هذه النازلة لا ينسجم مع المفاهيم القانونية الجديدة لمدونة الأسرة، بل يتعلق باجتهادات قديمة تم تجاوزها، والتخلي عنها ؛ لأنها لا تتلاءم مع تطور المجتمع المغربي ؛ وروح نصوص مدونة الأسرة الجديدة ؛التي سعت من خلال بنودها إلى حماية مؤسسة الأسرة الصغيرة، حماية النسب، الأبناء، الزوجات..، في حين تم رفض دعوى النسب الذي طالبت به المدعية ؛ بالرغم من حكم محكمة الاستئناف بسجن المدعى عليه ؛ بسبب تبوث الاغتصاب، معللة ذلك باجتهاد قديم متجاوز يعود للشيخ خليل، . وأضاف حاجي، في تعليق له على الحكم الذي بين أيدينا، أن المحكمة عندما قالت لا يلحق نسب الولد الناتج عن الزنى، ويكون ابن الزنى مقطوعا نسبه، حسب اجتهاد الشيخ خليل: وأن الطلب غير مرتكز على أساس قانوني سليم تكون قد استبعدت ما ينص عليه قانون الأسرة وعلل الأستاذ حاجي تعليقه بما يلي :1 الزنى الذي أشار إليه التعليل لا علاقة له بهذه الواقعة، فهو يعني ممارسة الجنس بين امرأة ورجل خارج علاقة الزواج، وعن طريق الرضى والاتفاق، بمعنى الفساد في القانون الجنائي. إن شرط الرضا يعتبر أحد أركان قيام الزنى والفساد، وهو المنتفي في حالتنا، والدليل هو عدم معاقبة المدعين على الزنى والفساد. 2 الاغتصاب ليس هو الزنى، إذ ليس في الزنى طرف يعتبر ضحية، على عكس الاغتصاب الذي يترك ضحية مغتصبة، وهو عمل إجرامي بشع، فيه مجرمان ارتكبا خيانة جنائية ضد الحرية، والعرض، والصحة البدنية والنفسية ،وضد المجتمع والأسرة، خاصة عندما ينتج عن ذلك مولود يكون الضحية الحقيقية قبل الضحية الأم. 4 إن اجتهاد الشيخ خليل يستند على الشرع والفقه الاسلامي، والإسلام جاء رحمة بالعالمين ورحمة بالناس، والإسلام رحيم إلى درجة لا يمكن في هذه النازلة أن يجعل من طفل بريء أجبر على الخروج إلى الدنيا عن طريق الاغتصاب مقطوع النسب، إذ لا ذنب للطفل، ولاذنب لأمه فهي ضحية اغتصاب ضدا على إرادتها ورغبتها وإذا كان الشرع أكد قواعد النسب وحددها ، فلأن بعض الأحكام لم تكن في زمن معين من الممكن تأكيد وإثبات نسب طفل إلى أب معين ، لذلك ذهبت في إطار الاجتهاد ؛لإيجاد حلول حسب الظروف، وحاليا هناك وسائل علمية لإثبات النسب ومعرفة والد المولود، بواسطة تحليل الحامض النووي لإثبات النسب، واستطاعت الطالبة أن تثبت ادعاءها بالوسائل العلمية التي استعملها القضاء نفسه في ملف الاغتصاب، وتأكد بأن الولد لأبيه المدعى عليه عن طريق الخبرة والحامض النووي، بما لا يدع مجالا للشك، والخبرة منصوص عليها في مدونة الأسرة لإثبات النسب وحماية النساء؛ بعدما كانت ،حقوق النساء المغتصبات ؛والأطفال الناتجين عنه مهضومة، مما كان يسبب مشاكل أسرية عويصة بل مجتمعية خلقت جيشا من الأطفال والشباب الرجال تربوا على أنهم أبناء زنى، وفي جو نفسي غير طبيعي أثر على السلامة النفسية لهذه الفئة التي تؤثر على المجتمع سلبا بسلوكهم غير الطبيعي في المجتمع . ومظاهر السلبية متعددة كالجريمة مثلا، ثم إنه عندما يكونون أسرا؛ فإن طريقة المعاملة تكون غير سليمة ، وتصبح في دورة أسرية غير طبيعية ، وهذا ما حاولت مدونة الأسرة أن تعالجه من خلال القواعد الجيدة ، حيث أدخلت الخبرة في مجال إثبات النسب، كما أقرت إثبات النسب خلال فترة الخطوبة، أي أن مدونة الأسرة خلقت قواعد وأحكام جديدة لإصلاح واقع الأسرة ودعم موقع الأسرة والطفل خاصة. 6 الفصل الذي ندعم به موقفنا القانوني، والذي لم يعره اجتهاد المحكمة أي اهتمام وهو الذي كان محل جديد المدونة ، وكان بمثابة ثورة في مجال الأسرة، هو الفصل 158 الذي ينص على أن النسب يتبث : بالفراش أوبإقرار الأب، أوبشهادة عدلين، وببينة السماع، وبكل الوسائل الأخرى المقررة شرعا بما في ذلك الخبرة الطبية التي اعتبرها الفصل أعلاه من الوسائل الشرعية . وبالتالي فإن الخبرة القضائية كوسيلة شرعية تثبت نسب الأب إلى والده المدعى عليه ، وهي نفسها الخبرة التي اعتمدها القضاء الزجري، ، والمدونة سهلت أمر إثبات النسب؛ شرط أن يكون الإبن فعلا من صلب ذلك الأب، وذلك يستنبط من الفصول التالية: ,156,155,153 الذي أقر النسب أثناء فترة الخطوبة عندما يزداد مولود عبر ممارسة جنسية داخل هذه الخطوبة . أما محكمة الاستئناف فأدلت بالحكم إعمالا بالقاعدة الفقهية التي تقول إن الزنا جريمة والنسب نعمة والنعمة لا تنتج عن جريمة أبدا. كما أن الفصل 147 عندما يتحدث عن الأمومة الشرعية ويعتبر الاغتصاب... من وقائع الأمومة، فقياسا على ذلك، عندما يثبت اغتصاب بحكم قضائي ويحدد الغاصب بخبرة قضائية جينية تجري على المولود؛ تقوم الأبوة الشرعية .