سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الدكتور اجعيط إدريس اختصاصي في الأمراض النفسية والعصبية ل «الاتحاد الاشتراكي» .. الاغتصاب لا يموت بالتقادم ويمكن لأثر الجرح الدفين أن ينفجر في أية لحظة
في حوار مفتوح لجريدة الاتحاد الاشتراكي مع الدكتور اجعيط إدريس ،اختصاصي في الأمراض النفسية والعصبية، أفاد بأن الدراسات أثبتت أن عدم طرح ملابسات الاعتداء الإجرامي والتعامل مع جريمة الاغتصاب كما لو كانت منتهية يعتبر خطأ فادحا، العكس هو الصحيح، بمعنى أن مناقشته وعدم التستر عليه جزء أساسي وضروري لعلاجه، فالمغتصب يعيش هموما داخلية صعبة جدا تؤثر سلبيا على حياته ومستقبله ويزداد الأمر سوءا في حالة عدم علاجه نفسيا وتضامن أسرته الصغيرة والكبيرة ، مضيفا أن ما يفوق 80 بالمائة من جرائم الاغتصاب بالمغرب غير مصرح بها لدى المحاكم و أن جريمة الاغتصاب لا تموت بالتقادم، ويمكن لأثر الجرح الدفين أن ينفجر حتى ولو بلغ المتضرر 50 سنة. وذكر في معرض حواره أن 60 في المائة من المغتصبين يعيدون نفس الانتقام ويقعون في الشذوذ، خاصة وأن أغلب العائلات المغربية تتعامل مع جريمة الاغتصاب بالكتمان. الدكتور اجعيط إدريس اختصاصي في الأمراض النفسية والعصبية للصغار والكبار، خريج كلية الطب بنانت بفرنسا، طبيب رئيسي سابقا بمستشفى ابن الحسن بفاس، وبمستشفى محمد الخامس بصفرو . اختصاصي في معالجة الإدمان على المخدرات والكحول، الصرع، العلاج النفسي التخطيط الكهربائي للدماغ. وفي ما يلي نص الحوار: - كيف تنظرون كطبيب مختص إلى ظاهرة الاغتصاب على نحو عام، واغتصاب الأطفال على وجه التحديد وكيف تفسرونها؟ - حسب تعريف منظمة الصحة العالمية، ووفق ما هو متعارف عليه دوليا، فإن ظاهرة الاغتصاب تخص الأطفال كما تخص الراشدين، والاغتصاب ممارسة جنسية ضد رغبة الطرف الآخر، أو «مواقعة شخص دون موافقته » وهي غالبا ما ترتكب من طرف الأقارب حسب العديد من الوقائع والأحداث. بمعنى أن الفاعلين أناس غالبا ما تكون لهم علاقة قرابة عائلية بالطفل. لنقل أنه شذوذ جنسي يمارس برغبة حيوانية وبدون تفكير. مما جعل الإجماع شبه عالمي على تشديد أقسى العقوبات، وبالتالي عجل مطالب بعض المنظمات الحقوقية و بعض شبكات المجتمع المدني المطالبة بعقوبة الإعدام كحد أدنى في حق مرتكب جريمة اغتصاب الأطفال، مشترطة في بعض الأحيان أن يكون الإعدام علنيا كما هو الشأن في إيران والسعودية ..، حتى يكون عبرة لمن يعتبر، «فجرائم من هذا النوع ، يقول المطالبون بالتشدد في العقوبة ، في حال التستر عليها تهدم كيان المجتمع وتهدم براءة الطفولة، رجال الغد وأمل المستقبل» . - مرتكب جريمة الاغتصاب في نظرالطب النفسي هو مجرم أم مريض أم ماذا؟ - حاليا يعتبر مرتكب واقعة الاغتصاب مجرما بقوة القانون، حتى أن المنظمة العالمية للصحة تجرم مرتكب مثل هذه الأفعال ذات الطابع التدميري للشخصية، ولنتصور أن جرائم الاغتصاب لا تقف عند حد، فاغتصاب طفولتنا جرح غائر عقوبته ضعيفة لا تتجاوز بضع سنوات سجنا سرعان ما تنجلي بفعل عفو أو رشوة ، حتى بتنا نسمع صحافة متخصصة في هذا الصنف من الانحطاط المجتمعي، صاحب محل حلويات في الأربعينيات حاول اغتصاب طفل في العاشرة ولولا صراخه واستغاثته للمارة لكان المجرم قد أتم جريمته واغتصبه وربما أجهز عليه، ألقت وحدة من مكافحة الجريمة القبض على شخص في الرابعة والثلاثين من عمره، وذلك أثناء محاولة اغتصابه طفلة عمرها 8 سنوات، ويذكر أن هذه الحادثة هي الثالثة من نوعها في مدينة اكادير في اقل من شهر، فقط كان آخرها قيام رجل مسن بخطف واغتصاب طفلة عمرها عشر سنوات بحي الميناء، إنه إجرام لا لبس فيه ، ومرتكبه لا يجب ان يفلت من العقاب ، لكن، في نفس الوقت يجب ان يحظى بحقه في العلاج. ولأنه لا قياس مع وجود الفارق، فإن العالم المتقدم في سياق اهتمامه بتشديد عقوبة الاغتصاب سن عقوبة سجنية موازية للعلاج النفسي، هناك عقاب وهناك إصلاح . هذه النظرة الإصلاحية الثنائية هي المفتقدة لدى القانون المغربي، أمر يجب أن لا نغفله ويبدو لنا، انه حتى مع الحراك القانوني والحقوقي وفي ظل التحديث والملاءمة التي تعيش بلادنا مجرياتها، لم نصل بعد إلى هذه الكيفية في التعاطي مع مرتكب الجريمة، والقانون المغربي لم يلزم المجرم بالعلاج، بل يقذف به الى السجن ليمضي فترة عقوبة وبعد انصرامها يعانق الحرية ليرتكب جريمة مشابهة . في فرنسا هناك إلزامية للعلاج ولو خارج السجن ، المتابعة النفسية une obligation du souin، لأن هناك اعترافا رسميا من قبل الدولة الفرنسية بالشذوذ الجنسي كمرض يتعين علاجه، إلا أن الدافع الجنسي الحيواني بدون تفكير يفقده الصفة الإنسانية. - مالذي يمكن للطب السيكوسوماتي أن يفعله لمحو آثار وتداعيات الاغتصاب على نفسية الطفل وعلى الوضع الاعتباري للأسرة؟ - نحن نعتبر أن التستر على جريمة الاغتصاب بالمغرب كما في باقي الأقطار العربية مشكلة كبرى، المعضلة، أن ما يفوق 80 بالمائة من جرائم الاغتصاب بالمغرب غير مصرح بها لدى المحاكم، الأمر هنا يتعلق بإحصائيات رسمية وليس تكهنات، ولما كان المتضررون لا يصرحون، فإن القضاء يظل خارج تفعيل وظيفة الإنصاف والعدل، وبالتالي يتعذر إنصاف المغتصبين بفتح الصاد ويظل المجرمون خارج نطاق المتابعة القضائية، طبعا، دور الطب النفسي حاسم في مثل هذه القضايا، ونسبة التخفيف من الآلام كبيرة جدا ، لكن هذا ما لا يدركه معظم الناس ، فالتستر والكتمان مسلكيات مؤثرة تحجب الحقيقة ،ليس لأن جريمة الاغتصاب لا تموت بالتقادم حيث يمكن لأثر الجرح الدفين أن ينفجر حتى ولو بلغ المتضرر 50 سنة، بل لأن الجريمة لا يمكن كتم سرها إلى الأبد، حيث لابد من وقت يفجر فيه المتضرر ألمه بشكل أو بآخر، من هنا أهمية المساعدة الطبية والعلاج النفسي الذي يصبح حاجة ملحة، لكن فيما يتعلق بالجانب التشريعي، الملاحظ والغريب في الأمر أن الشواذ جنسيا الذين يقومون بجريمة اغتصاب الأطفال 60بالمائة منهم حينما يصلون سن الرشد يفعلون نفس الشيء، يعيدون نفس التجربة، من هنا ضرورة العلاج الطبي والنفسي، لأنهم يكررون نفس الانتقام، فيصبحون شواذ ! معنى هذا، أن تقصير الدولة واضح جدا في التعاطي مع ظاهرة الاغتصاب. يجب أن نكون جريئين بالقول أنه لا توجد لدينا مؤسسات الطب النفسي، وهذا الأخير لا يعار له الاهتمام اللازم ببلادنا حتى من طرف وزارة الصحة، من هنا يتعين ضرورة المساعدة الطبية والنفسية التي تواكب الجروح للتخفيف منها وتقليص حدة الآلام النفسية للمصاب، المساعدة الطبية النفسية ضرورية، إلا أن المشكل الموجود بالمغرب فكل يوم تطالعنا الجرائد بأخبار من قبيل «تم إلقاء القبض على شخص يبلغ من العمر الرابعة والثلاثين وذلك أثناء اغتصابه طفلة عمرها 7سنوات، ويذكر أن هذه الحادثة هي الثالثة من نوعها في مخافر الشرطة خلال ثلاثة أيام فقط كان أخرها قيام رجل مسن بخطف واغتصاب طفلة عمرها عشر سنوات بأحد أحياء مدينة الدارالبيضاء»، ونقرأ في جريدة يومية اخرى، «أما نادية وتبلغ من العمر 6 سنوات فقد تم اغتصابها بوحشية وعنف وشدة من قبل شاب مجهول في حي الدومة بالجنوب ووصلت لمرحلة الموت حيث تم اغتصابها من الأمام والخلف بوحشية قل نظيرها بين الحيوانات وليس البشر » ! - هل حصل تقدم في جغرافية الطب النفسي وطنيا؟ - يوجد بالمغرب 250 طبيبا نفسيا يتوزعون ما بين الصحة المدنية والعسكرية، أي الجيش والصحة العمومية ثم القطاع الخاص بمعدل طبيب نفسي لكل 144 ألف مغربي. أما بفاس فهناك طبيب نفسي واحد لكل 462الف نسمة، وهذا طبعا يغني عن أي تعليق ،أضف إلى ذلك انحسار نسبة كبيرة من هذه الكفاءات بمحور الرباطالبيضاء. - ثمة دور يمكن أن تضطلع به المدرسة المغربية للتحسيس بخطورة الاغتصاب كجريمة ؟ - ليس المؤسسة التعليمية وحدها، بل المؤسسة الأسرية أيضا، خاصة في الجانب المتعلق بالوقاية. لا يجب أن تصمت المدرسة، يجب أن نتحدث مع أطفالنا وبناتنا بجرأة وصراحة شديدة، وبالوضوح اللازم، يجب أن نحذرهم لأن جريمة الاغتصاب كامنة بالمجتمع ، كما لا يجب أن يكون الحديث بين الأسرة وأبنائها محرما بخصوص ثقافة الحفاظ على الجسد من الاختراق، لا يجب تحريم الحديث مع بناتنا حول أهمية الحفاظ على الجسد من العبث، يجب أن نكون جريئين، لأن ما نربحه بصوت مسموع أكثر بكثير مما قد نتوهم أننا فقدناه بالكتمان، كذلك الأستاذ والمعلم يجب أن يتحدث وينفتح على تلاميذه بكل صراحة وموضوعية في إطار ثقافة جنسية واقية مثلما هو الشأن في الدول المتقدمة، فمواد الثقافة الجنسية ضرورية لتوعية الطفولة بما قد يهدد حياتها من أخطار وآلام ترافقها مدى الحياة، على الأسرة أن تتجاوز طابو الحديث عن الاغتصاب من اجل تفاديه بصوت مسموع « ابنتي داك الجسد راه ديالك ماخص يعبث به احد كيفما كان انه ملكك» من مسك فهو معتد، بل مجرم في نظر القانون. يجب نشر الثقافة الجنسية في الأوساط العائلية والمجتمعية وان لا نتحرج من فتح نقاش جدي وواقعي حول هذه الظاهرة وتداعياتها النفسية المدمرة، لان الأمر يتعلق بحياة نظيفة وصافية من كل عقد، هناك دروس كلاسيكية ومنهجية يمكن للأسر المحافظة تبليغ ثقافة الجسد من غير تحرج ولا انحلال، كذلك على المسؤولين في إعداد المقررات والمناهج الدراسية الاهتمام بالموضوع، إذ من شبه المحقق الجزم ان مقرارات المدرسة المغربية بمختلف أسلاكها خالية من أي إشارة من هذا القبيل . - هل لمستم كمتخصصين نوعا من الجرأة في مناقشة الاغتصاب الطفولي، وهل يصرح مرضاكم بمعاناتهم النفسية جراء الاغتصاب؟ - اعتقد أن أغلب العائلات المغربية تتعامل مع جريمة الاغتصاب بالكتمان، فهي تستنفر علاقاتها التقليدية مع محيطها منذ وقوع الجريمة من أجل التغطية، والحد من انتشار الخبر، فتحاول جاهدة تكريس الصمت كأسلوب في العلاج، لكن الجيران لابد أن يصلهم الخبر. كذلك لابد من التأكيد على أن 80 بالمائة من جرائم الاغتصاب لا تصل إلى ردهات المحاكم، 20 بالمائة فقط تجد طريقها إلى العدالة، حتى ولو وصلت الى المحاكم يبقى التحرج جرحا فادحا جدا، رغم الحذر الشديد داخل العائلة بهدف التستر و تجاوزه. لقد أثبتت الدراسات أن عدم طرح ملابسات الاعتداء الإجرامي والتعامل مع جريمة الاغتصاب كما لو كانت منتهية يعتبر خطأ فادحا، العكس هو الصحيح ، بمعنى أن مناقشته وعدم التستر عليه جزء أساسي وضروري لعلاجه. فالمغتصب يعيش هموما داخلية صعبة جدا تؤثر سلبيا على حياته ومستقبله، ويزداد الأمر سوءا في حالة عدم علاجه نفسيا وتضامن أسرته الصغيرة والكبيرة معه.