اعتبر ولده إمام مسجد مجدل عنجر بطلا قوميا باسلا، لا يجهر إلا بكلمة الحق. طالب رئيس الجمهورية و دولة رئيس مجلس الوزراء و الأمنيين جميعا رفع عمامة ولده الشيخ محمد المجذوب التي ألقيت على الأرض خلال عملية الخطف، مشبّها عمامة الشيخ بعمامة خليفة المسلمين عمر بن الخطاب. ثم توعّد بإذكاء الفتنة في لبنان إن لم تُحترم كرامة أهل السنّة بدءا من رئيس الجمهورية و انتهاء بأصغر شرطي بلدية. لكن ما أن بزغ فجر اليوم الثالث لعملية الخطف حتى دهمت القوى الأمنية مسكن كمال حندوس في بلدة "لالا" البقاعية و ألقي القبض على الشيخ المجذوب و صديقه حندوس، فيما أصدرت النيابة العامة الاستئنافية في البقاع مذكرتي توقيف بحقهما، و أحالتهما على فرع المعلومات في بيروت للتحقيق. اعترف إمام مسجد مجدل عنجر الشيخ محمد المجذوب أمام المحققين، أنه هو من دبّر عملية اختفاءه و أن كمال حندوس جاراه بناء على طلبه. و قال الشيخ المجذوب انه خطط لفعلته بهدف استعطاف أصحاب النفوذ و الثروة و إلقاء الأضواء الإعلامية عليه و تقديم نفسه انه ضحية مواقف سياسية متشددة كان قد اتخذها في مراحل سابقة ضد "حزب الله"، تمهيدا لتسلمه منصبا سياسيا في منطقته و دعمه ماديا في أسوأ الأحوال. كانت الخطة المرسومة أن يختبئ الشيخ مجذوب في منزل صديقه حندوس بعدما تمكن من انجاز الشق الأول من سيناريو الخطف الوهمي، حيث اتفق و الحندوس أن يعاونه فيما بعد على حلاقة لحيته و تشطيب نفسه قبل تقيده ثم إلقاءه على حافة الطريق، على أن يتولى الشيخ المجذوب بعد ذلك "فبركة" تفاصيل رواية الخطف أمام الإعلام على طريقته الخاصة، و اتهام الفريق الشيعي، تمهيدا لإشعال الفتنة بين السنّة و الشيعة التي هي أشدّ من القتل ! في كتاب مفتوح موجه إلى مفتي الجمهورية اللبنانية، دعا الرئيس سليم الحص الشيخ محمد رشيد قباني إلى إقامة دعوى قدح و ذم على من تجرأ على توجيه الاتهامات التي طالت سمعة المفتي أو الاستقالة من منصب الإفتاء، كون السكوت على الاتهامات مدة طويلة هو دليل على صحتها و صدقتيها، بل شاهدا قاطعا على الضلوع في الارتكاب. و أضاف الرئيس الحص "ولا يغرّنك أن في هذا البلد جهات سياسية تخصك بالدعم و التغطية على معاصيك، فحبل دعمها، كما تغطيتها، قصير و عرضة للانقطاع في أي لحظة". ردّت دار الفتوى كما نائبان من تيار المستقبل على رسالة الرئيس الحص المفتوحة، بنفس اسلوب والد إمام مسجد مجدل عنجر. ففيما اعتبر والد الشيخ المجذوب "أن كرامة أهل السنّة لم تحترم و أن الفتنة سوف تشتعل"، رأت دار الفتوى كما النائبان أن كلام الرئيس الحص "مسيء إلى كرامة المسلمين و يشجع على الفتنة المدمرة". و الملفت للنظر أنه كلما حاولت جهة ما الإشارة إلى مكامن الهدر و الفساد في هذا البلد، يتم اتهامها بالمس بكرامة إحدى الطوائف أو إثارة الفتن. مما يبيّن أن النظام الطائفي في لبنان يُساء استخدامه من قبل رموز السلطة، كدرع واقي لإحباط أية عملية إصلاحية. والغريب في الأمر أن دار الفتوى كما نائبي تيار المستقبل، استهجنا بحدّة مضمون رسالة الرئيس الحص إلى المفتي قباني، كون الرسالة أتت قبل اكتمال عمل اللجنة المكلفة بالتدقيق المالي في حسابات دار الفتوى. لكنهم لم يستهجنوا يوما اتهام فريق 14 آذار، دمشق باغتيال الرئيس رفيق الحريري قبل انتهاء عمل المحكمة الدولية. فلماذا يجوز لهم ما لا يحق لدولة الرئيس سليم الحص؟ و هل أصبح أهل السنّة مواطنين من درجتين، الأولى تعتبر نفسها فوق الشبهات كونها موالية لدار الفتوى و لتيار المستقبل و الثانية محرّم عليها طرح أبسط الأسئلة ؟ وهل يطمحون أن تُنحر الحرية ليصبح لبنان مماثلا لفترة حكم جوزيف ستالين، الذي كمّ أفواه الشعب الروسي لمجرد إبدائهم وجهة نظر مغايرة أو المجاهرة برأي أخر؟ ويبدو أن نجل المفتي قباني، المتهم حاليا من قبل الرأي العام السنّي بهدر ملايين الدولارات من أموال المسلمين تحت ستار "دراسات هندسية لمشاريع وهمية"، قد تلوّث بمناخ الهدر و الفساد الذي أشاعته الطبقة السياسية بكل مذاهبها و طوائفها، مما أوصل لبنان ليكون دولة مديونة بما يفوق الخمسين مليار دولار أمريكي. ثم ما هذا المنطق المعتلّ الذي يدعو التكتم على المعاصي و السكوت عن الهدر و الفساد حرصا على وحدة الطوائف. فأية وحدة من ركائزها التستر على الارتكابات ، إنما هي وحدة مريضة، فاشلة، بائسة، وحدة تفترس الوطن في عتمة الليل ! طالما أن بعض العمائم قد بدأت بالانحدار، فمن حقنا التساؤل: هل كانت أحدى أهداف عملية خطف الشيخ المجذوب لنفسه فيما لو أفلحت، توجيه الأنظار بعيدا عن الفساد الذي ضرب دار الفتوى؟ و هل كانت الخطة المرسومة لإعادة إيقاد الفتنة المذهبية بين السنّة و الشيعة، عبر الخطب الملتهبة في مساجد العاصمة و خارجها، كي تعود الحاجة إلى أمثال الشيخ مجذوب لإدارة الحرب الأهلية؟ وهل كانت من أهداف مسرحية الخطف استثارة المشاعر المذهبية لدى أهل السنّة لاستخدامهم في الحشود المليونية ؟ لم يكن اعتراف الشيخ مجذوب أمام المحققين سوى مجرد عيّنة بسيطة لما وصلت إليه حال البلاد من جشع و انحطاط خلقي و فقدان كامل للتعاليم السماوية، حيث أصبح إشعال الفتن المذهبية ممراً طبيعيا لتسلم المناصب السياسية أو الحصول على الدعم المادي من أصحاب النفوذ و الثروة. و يبدو أن الشيخ مجذوب راقب طويلا عبور الآخرين إلى السلطة و الثروة، لذلك تجرأ على المغامرة في عملية الخطف، تماما كما فعل نجل المفتي قباني. إنها نماذج مقلقة للعمائم المنحدرة، في بلد تاه الضمير فيه... يا عيب الشوم !