بعد مضيّ عام على جريمة الاعتداء على القطاع، عادت غزة الصامدة لتحتل مكانة هامة، ومركزاً كقلعة من قلاع المقاومة، يصعب تجاهلها على المستوى العربي والدولي، ولأن صمود غزّة لم يكسرها الحصار، ولم يدفع أهلها للاستسلام، فما يزال حصارها مستمراً، والتحالفات العربية- الأمريكية – "الإسرائيلية" تزيد من شدّة وقسوة الحصار سواء ببناء الجدار الفولاذي العنصري بين الشعب العربي الواحد، أو بتدريب "قوات دايتون" في الضفة الغربيةالمحتلة، والضغط على سلطة رام الله للعودة إلى مائدة المفاوضات دون شروط، مما يعني جلسة احتفال غير معلن لعشاء أخير، غايته تصفية القضية الفلسطينية، وإبقاء السلطة على حالها شكلاً وموضوعاً، كما هي عليه الآن، ولا مانع من إطلاق وعود سرابية مؤجلة سواء أكانت اقتصادية أو سياسية. وما زال الاحتلال يعمل على التهام ما بقي من أراضي الضفة، وتهجير المقدسيين من أرضهم، لتصبح القدس موحدة وعاصمة أبدية ل (دولة يهودية). بمعنى آخر، فقد ركن الكيان الصهيوني إلى جهود دايتون وسلطة الاتفاقيات، لإنهاء ملف المقاومة في الضفة الغربية وفي القدسالمحتلة، وتدجين الشعب الفلسطيني لمجرد وعود مشاريع الازدهار الاقتصادي، والانفتاح الثقافي على العالم، وكل ذلك من خلال سيطرة مطلقة وتحكّم "إسرائيل". لكن على الرغم من استعدادات "إسرائيل" العسكرية، ورحلات ميتشل المكوكية، ومحاولة تضليل المهرولين لتسوية ما، وتضييق الخناق أكثر على القطاع، وعلى كل من يتضامن مع الشعب الفلسطيني في القطاع معنوياً ومادياً، ثمة سؤال مطروح: هل سيُشن اعتداء ثلاثي على قطاع غزّة مرة جديدة؟. هناك عدد من الاحتمالات، لا شك في أن المقاومة المسلحة والشعب في القطاع يستعدان لها، الاحتمال الأول، يكمن في شن هجمة عسكرية أخرى أكثر شراسة من الأولى على قطاع غزّة. أما الاحتمال الثاني، فيكمن في التهديد والوعيد والسعي لاغتيالات قادة سياسيين وعسكريين في القطاع، وغارات محدودة ومنتقاة لأهداف محددة، وطلعات جوية وحرب نفسية لتثبيط عزيمة الشعب وإرهابه. الاحتمال الثالث، إسقاط حكومة حماس المقامة، عبر العملاء والمستفيدين من عودة السلطة والمعارضة المدفوعة بحسابات خاصة وأخرى غير وطنية، بذريعة عودة توحيد شطريّ الوطن المحتل، بقيادة أجهزة دايتون، والحاكم بأمرهم. كل الاحتمالات واردة، وكلها قد تتحقق من خلال ضربة عسكرية واحدة، لكن.. هل بإمكان التحالف الثلاثي الأمريكي الصهيوني العربي، وقوى الاستعمار في العالم، القيام بهذا الاعتداء، وعلى مرأى من العالم، ضاربين بعرض الحائط تقرير جولدستون، والهيجان الشعبي العربي والدولي، ومواقف الدول التي ساندت وتساند أهل القطاع؟!. طبعاً في موضوع التحليل هناك مجال للخطأ والصواب، وأعتقد أنهم جميعاً لن يقدموا على هذا العمل الإجرامي المفضوح، فمن عادة "إسرائيل" تسليط الضوء على جانب، بينما تقوم بالتنفيذ في جانب آخر، وكل الاحتمالات مفتوحة ما دام الموقف العربي لا يقوم بأي خطوة غير الانتظار، وحدوث الفعل للقيام بالحد الأدنى من رد الفعل، فهو بواقع الحال إما مساند لا مشارك ميداني لما يحدث، أو متحالف مع العدو علناً أو سرّاً. أسئلة كثيرة مطروحة، فهل سيقوم الكيان الصهيوني بتوجيه ضربة للمقاومة الإسلامية في لبنان في محاولة ثأر يائسة للقضاء على حزب الله عسكرياً، أم توجيه ضربة إلى سورية؟. فسورية دولة عربية مركزية ومحورية وممانعة، ومتحالفة مع إيران، وأي عدوان عليها، لن تصمت الثانية، وكذلك المقاومة العربية بشكل أو بآخر، كون سوريا الداعم لوجستياً وسياسياً للمقاومة بشكل عام، وإما ضرب إيران مباشرة، حيث الرأس- كما يعتقدون-، إلا أن المعطيات والظروف الدولية وتخبط الإدارة الأمريكية وتورطها بمستنقع أفغنستان والعراق، وارتباك "اسرائيل" وترددها بضرب إيران، يجعل هذا الاحتمال ضعيفاً في الوقت الحالي. أغلب الظن أن "إسرائيل" وحلفاؤها، غير مستعدين في الوقت الحاضر لتلك الاحتمالات، وسيبقى الوضع على ما هو عليه بين تصعيد وتهديد واغتيالات وغارات على القطاع، ومراوغة سياسية للإيحاء بإمكانية الوصول إلى (حلّ سلمي عادل)، وذلك من خلال طرح مبادرات ومشاريع، إما بتشكيل وحدة كونفدرالية (الأردن والسلطة و"إسرائيل")، تكون الأخيرة هي المسيطرة على الوضع بأكمله في كل المجالات، وإما إشعال الفتن الطائفية والدينية والسياسية في كل بلد عربي، وتفكيك الدولة الواحدة من الداخل، والدخول في النفق الفوضوي المدمر ذاته. إن المشهد المرئي للبلاد العربية بشكل عام، وكلّ له دوره، بطرق وسيناريوهات مختلفة، يشي بمرحلة أكثر خطورة على كيان وهوية الوطن العربي برمته. وقد تعلمنا من الأحداث والتاريخ دروساً واضحة جليّة لكل عاقل، بأن الانتصار والكينونة والانتماء لا يمكن أن يمنحها الاستعمار هِبة وتفضلاً منه، وهذا يعني بما لا يقبل أي خلط وشبهة أن طريقنا هو في المقاومة على كل الجبهات وبشتى المجالات، ولا خيار آخر غير المقاومة.