بصراحة أو على المشربح كما يقول عامة الناس في بلادنا، فإن سُحب الفتنة كقطع الليل التي تعصف بالفلسطينيين في الأراضي المحتلة هي تجليات لحرب داحس والغبراء بين فتح وحماس. وفي الحروب تستخدم كل الأسلحة وكل المكائد وتستدعى وتستنفر كل الاصطفافات والتحالفات. وإذا كان صحيحاً أن إسرائيل سعيدة باستنزاف الفلسطينيين في صراعهم الداخلي، وانحرافهم عن مجرى الصراع الطبيعي ضد احتلالها لفلسطين، فإنها أيضاً حريصة على أن تدعم تحالفها مع قيادة السلطة الوطنية الفلسطينية، وتعتبر أن حرقها وخنقها لغزة هو لإضعاف حماس، كما أن التهديد بذبح غزة هو تهديد بذبح حماس وإنهاء سلطتها في غزة التي تعلن إسرائيل أن لديها خطة عسكرية جاهزة لإسقاط هذه الحكومة باقتحام القطاع عسكريا بما يترتب على ذلك من إبادة جماعية تدفع أهالي غزة للتخلي عن حماس، وتسوق ذلك بإدعاء أنها تساعد السلطة على استعادة ملكها في غزة. وليس خافياً أن التحالف العريض الذي يضم إلى جانب السلطة كلا من إسرائيل ودول الاعتدال العربي والمعسكر الغربي الأطلسي بقيادة الولاياتالمتحدة ومن يدور في فلكها مباشرة أو تتأثر مصالحه برضاها، أي كل دول العالم تقريباً، هذا التحالف منخرط إلى جانب السلطة في حصار غزة وإطلاق يد إسرائيل في تصعيد حرب الإبادة والدمار بهدف فرض الاستسلام على غزة ورفع الراية البيضاء ووضع حماس أمام خيارين إما أن تذبح قسراً أو تلغي نفسها طوعاً.. ويسوق ذلك كله كذلك بأنه لنصر السلطة. في سياق ما سبق يصبح مفهوماً لماذا تصر مصر على إغلاق معبر رفح الذي أصبح إغلاقه في ظل إغلاق إسرائيل لكل المعابر والمنافذ مكملاً للحصار الانتقامي المطبق.. ولا تخفي مصر انحيازها للسلطة الوطنية الفلسطينية، وهذا قد يكون مفهوماً في حدود الدعم السياسي لنهج التسوية بشروط إسرائيلية وإرادة أمريكية، لكنه غير مفهوم على المستوى الإنساني ووشائج القربى وجحيم غزة، وبما يحيط به من شبهات أخرى. كل شيء مفهوم في إطار ما ذكرنا، بما في ذلك تخلي السلطة الفلسطينية عن شعبها في غزة والتحريض عليها والتشجيع الخفي للمحرقة الصهيونية الانتقامية ضد غزة، كل هذا الاصطفاف العربي ضد غزة إلى أن تتبرأ من حماس ومن المقاومة والصمود معروف.. لكن أن يستغل الدين في حرب الضغوط على غزة فذلك قاع الحضيض وذروة الحقد والثأرية والانتقامية، وحتى لو حرم أهالي غزة من الحج وحتى لو هدمت كل مساجدهم وكنائسهم فإن هذا البعد في الحرب ضدهم وهذا السلاح الإضافي لن يجعلهم يخسرون أنفسهم ويخسرون قضيتهم، وهم مستعدون لكل الاحتمالات مهما زادت الضغوط وتوسعت حرب الإبادة، وهم جاهزون للتخلي عن أرواحهم في سبيل وطنهم وقضيتهم.