داحس والغبراء من أيام العرب في الجاهلية: "داحس" و"الغبراء ": هي حرب بين قبيلتي عبس وذبيان وتعد هي وحرب البسوس من أطول حروب خاضها العرب في الجاهلية ، دامت أربعين سنة. "داحس" هو اسم حصان أصيل ومشهور كان لقيس بن زهير العبسي، و"الغبراء " اسم فرس شهيرة كانت لحمل بن بدر الذبياني. وقبيلتا عبس وذيبان هما أولاد عمومة.. وقد تعددت الروايات لسبب نشوب الحرب بين أبناء العمومة، ومن أشهر الروايات أن قيسا العبسي وحمل الذبياني قد اختلفا حول أي الخيلين أسرع وأقوى "داحس" أم "الغبراء "، فاتفقا على إجراء سباق ورهان على ذلك قدره مائة "100" بعير تكون من نصيب الفائز منهما.. وكانت مسافة السباق تستغرق عدة أيام تقطع خلالها الفرس والحصان شعابا صحراوية كثيرة وغابات...وأوعز حمل بن بدر الذبياني صاحب "الغبراء " لأفراد من قبيلته أن يختبئوا في الشعاب ليقفوا في وجه "داحس" ويحولوا دون وصولها إلى خط الوصول، فنصبوا لها كمينا وقعت بسببه مما مكن "الغبراء " من الفوز بالسباق. ولما انكشفت المؤامرة اشتعلت نار الفتنة بين قبيلتي عبس وذبيان ونشبت حرب دامت أربعة عقود أزهقت فيها أرواح خلق كثير من الطرفين وأهدرت فيها أموال وثروات القبيلتين ومن حالفهما من القبائل العربية المجاورة. تنافس رياضي بروح جاهلية: ظهر جليا منذ المواجهة التي دارت بين الفريقين قبل شهور حيث فازت الجزائر أن المواجهة الثانية في مصر لن تكون مقابلة عادية، وبدأ التأجيج الإعلامي بين الطرفين، وشحذ كل طرف كل إمكانياته لتعبئة جماهيره، واستدعي التاريخ والجغرافيا ووظفت الرموز الفكرية والفنية، ودخل على الخط فنانون "أبدعوا" أغاني حماسية ذاعت وانتشرت بين جمهور الطرفين كما تنتشر النار في الهشيم، بل تجاوزت التعبئة مداها لتغدو تطاولا على تاريخ البلدين ، وبدا أن المواجهة غدت أشبه بمعركة كرامة وسيادة راهن عليها كل طرف ليرد لنفسه الاعتبار وينتقم لشرفه "الكروي"، وخرجت الأمور عن السيطرة. ولما اضطر الفريقان لمواجهة فاصلة في السودان جند الطرفان كل إمكانياتهما اللوجيستيكية حيث وبأمر رئاسي في البلدين اتخذت كل التدابير لنقل مشجعي الفريقين بواسطة جسر جوي ساعد على توافد عشرا الآلاف من الطرفين ضاقت بهم شوارع الخرطوم وانفلتت الأمور الأمنية بشكل استدعى تدخل السلطات المصرية على أعلى مستوياتها في تلميح لاستعدادها لحماية مواطنيها على أرض السودان، لتلوح في الأفق بوادر أزمة بين الجزائر ومصر تعيد إلى الأذهان فتنة "داحس" و"الغبراء " َتَعَنْتَرُ فيها إعلام البلدين في منازلات وهمية. استخفوا شعوبهم فأطاعوهم: حكى القرآن الكريم عن سياسة فرعون مصر القديمة التي لم تكن رشيدة، ومع ذلك استغفل قومه فأوهمهم أنه ما عهد لهم معبودا غيره، وأوردهم المهالك دنيا وآخرة يقول الحق سبحانه في سورة الزخرف:" فاستخف قومه فأطاعوه.." وبين جل سلطانه عاقبة اتباع المفسدين في سورة هود: "فاتبعوا أمر فرعون، وما أمر فرعون برشيد، يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار. وبئس الورد المورود." (الآيات:97،98،99) وعلى نفس المنوال يسير حكام الجبر في وطننا العربي والإسلامي يستخفون بشعوبهم ويستغفلونهم بالزج بهم في معارك هامشية جريا وراء "بطولات" وهمية، ولو حدث أن خرج بضعة آلاف أو أقل في أي بلد عربي تندد أو تطالب بتحسين ظروفها المعاشية لكسرت أجهزة الأمن العظام والجماجم ولغصت المعتقلات بالمتظاهرين ولفقت لهم تهم التآمر على استقرار البلد وأمنه وتم تخوينهم وإنزال أقصى العقوبات الحبسية بهم. استخفوا بعقول بسطاء الشعب وشغلوهم بالأوهام عن همومهم وقضاياهم، وإلا لماذا لم توظف هذه الكفاءات التعبوية لحشد الدعم المادي والمعنوي لشعبنا المحاصر في فلسطين؟ وأين كان هؤلاء الفنانون الذين تفتقت مواهبهم فأنتجوا ما يعمق جراح الفرقة العربية أثناء العدوان الغاشم ولا يزال على غزة العزة؟ ثم لماذا لم تتحرك هذه التعليمات الرئاسية لرد العدوان الصهيوني على أهل رفح المصرية جراء قصف الشريط الحدودي؟ أليس المتضررون مصريين تماما كالمشجعين المصريين في السودان؟ كيف يعقل أن يتم إحداث جسر جوي استثنائي بأمر رئاسي في البلدين لنقل المشجعين وقطاع غزة على مرمى حجر يعاني من الحصار العربي قبل غيره؟ كيف تصرف مقدرات الأمة في زرع الضغينة بين الشعوب العربية وحالة الجزائر ومصر نموذج فقط والفقر والتجهيل ينخر جسم الأمة؟ إنه من تمام الاستغفال أن تعبأ حشود من الشعب وتصرف جهود ومقدرات البلد في منازلات رياضية كان الأولى أن تستثمر لتوطيد الأواصر بين شعبي البلدين وليس في تغذية النعرات القبلية التي حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من عواقبها:" دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِئةٌ." وبعد: كل هذا الضجيج والتنابز بين الإعلاميين في البلدين لمجرد التأهل للمشاركة المشاركة فقط في كأس العالم. ترى ماذا كان سيقع من ضجيج وصخب لو فاز بلد عربي بكأس العالم؟ وماذا عساه يغير كأس العالم هذا من واقعنا العربي المرير؟ ألسنا في ذيل كل التصنيفات الدولية؟ أليست أنظمتنا السياسية تمثل "نموذجا" فريدا في الاستبداد؟ أليس حكامنا مخلدون في عروشهم، ومن ضايقه فصل من الدستور عدله أو حذفه، ومن شعر بدنو أجله ابتكر وسيلة "ديمقراطية" لتوريث الحكم للعائلة أو العشيرة أو القبيلة؟ هل ظفرنا بكأس العالم سيعالج احتكار عائلات الحكام أو عشائرهم أو قبائلهم ثروات ومقدرات البلدان العربية؟ هل كأس العالم سيحل معضلات الحريات العامة والبطالة والفقر والخدمات الاجتماعية والأمية؟ أم أنه سينضاف لمنجزات الحاكم العربي الذي هو بالضرورة الرياضي الأول وما كان لأي إنجاز أن يتحقق لولا حذقه وفراسته وسياسته ؟