قرر المجلس الحكومي في اجتماعه الأخير، يوم الخميس الماضي ما يلي: «اتخاذ قرار بالتفاعل السريع والإيجابي مع المقترحات والشكايات والملاحظات الواردة من المجلس الوطني لحقوق الإنسان على الحكومة، وخاصة وزارة الداخلية ووزارة العدل، ولاسيما الشكايات القادمة من لجان المجلس في الأقاليم الجنوبية، بكل من العيون والداخلة وطانطان، وتعيين نقط اتصال دائمة ومخاطبين محددين داخل الوزارات المعنية، وتحديد مدة لا تتعدى 3 أشهر للإجابة عن هذه الشكايات، والعمل على نشر الردود المتعلقة بها»... الآن نمر إلى التحليل ثم التعليق. قرار إعلان الصحراء «محمية حقوقية وسياسية» يأتي على بعد أيام من تقديم الأمين العام للأمم المتحدة تقريره السنوي حول نزاع الصحراء، والمغرب يريد بهذا القرار، وقرار آخر ألغى مثول المدنيين أمام المحاكم العسكرية، أن يقول لأعضاء مجلس الأمن: «إنني قادر على حماية حقوق الإنسان في الصحراء بواسطة الآليات الداخلية (المجلس الوطني لحقوق الإنسان)، ولا حاجة إلى آليات دولية (توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء)». هذا معناه أن المغرب يقول للغرب: «لا داعي إلى أن تقتطعوا جزءا من سيادة المغرب الإدارية على الصحراء. أنا سأقوم برِجيم قاس لضبط سلوك رجال الشرطة والأمن في الصحراء»... إلى هنا يظهر أن الحكومة والدولة واعيتان بأن احترام حقوق الإنسان في الصحراء لم يعد «ترفا»، ولا «خضرة» فوق الطعام، بل الأمر جدي وخطير، وقد يكلفنا خرق حقوق الإنسان الكثير من الخسائر، على اعتبار أن نزاع الصحراء دخل إلى الأجندة الدولية والأممية، التي لها معايير وقواعد لا علاقة لها بحكاية الخصوصية التي تسوقها الدولة في مناطق أخرى من المغرب... الآن، التعليق.. أنا مواطن مغربي، ورغم قناعتي بأن الصحراء جزء من هذا الوطن، وأن قضيتها قضية حيوية ومعقدة ومصيرية للبلاد كلها، فإنني شعرت بالإهانة بعد أن سمعت وزير الاتصال، مصطفى الخلفي، يردد هذه الجملة: «خاصة الشكايات القادمة من العيون والداخلة وطانطان»... دون أن يرف له جفن أو تعلو وجهه حمرة خجل. لماذا؟ ما معنى أن تعلن الصحراء «محمية حقوقية» دون غيرها من مناطق المغرب؟ لا تقولوا لي إن القرار يشمل دكالة وعبدة والريف والشمال وسوس والأطلس... لا تضحكوا على ذقوننا، كما لا توهمونا بأن إلغاء مثول المدنيين أمام المحاكم العسكرية كان قرارا مفصولا عن الضجة التي خلقها قرار خاطئ بعرض معتقلي مخيم أكديم إيزيك على محكمة استثنائية لا يعترف أحد بوجود عدالة داخلها، اسمها المحكمة العسكرية... الانطباع الذي ستخلقه مثل هذه القرارات هو التالي: إن السلطة في الرباط لن تراعي حقوق المواطنين إلا إذا كانوا انفصاليين، ولن تحمي حقوق الإنسان إلا في بؤر التوتر، وإن الذي يريد أن يُسمع صوته في وزارتي الداخلية والعدل عليه أن يصرخ في نيويورك وجنيف وباريس ولندن ومدريد... الصحراويون سيشكون في جدية الحكومة إزاء وقف خروقات حقوق الإنسان مادام أن القرار سياسة ظرفية خاصة بمنطقة متنازع عليها، وليس سياسة عمومية تشمل كل خريطة الوطن، وغير الصحراويين سيشعرون بمرارة الإهانة، لأن الحكومة لا تهتم بالمواطنين الذين لا يعضون أصابع السلطة ولا يهددون وحدة المملكة. المواطَنة وحقوقها غير قابلة للتجزيء، وإذا لم يكن في جعبة الحكومة من طريقة لحماية الوحدة الترابية غير التمييز السلبي بين المواطنين في الشمال والجنوب، فحق لنا أن نضع أيدينا على قلوبنا.. هذا أمر مخيف... مدير نشر جريدة أخبار اليوم