لا يجهل أي مثقف أو مهتم بتاريخ المغرب ، ما لغمارة من أهمية كبرى في صياغة تاريخ المغاربة ، على مستويات عدة ، و قلما يغفل كاتب أو مؤرخ هذه الحقيقة في كتاباته ، سواء المنشورة بواسطة كتب و مطبوعات أو بواسطة مقالات قصيرة ، مسلطة الأضواء الكاشفة على معالم بارزة من هذا الجزء من جغرافية الوطن . إن غمارة تعتبر من أهم المناطق المغربية التي تتضمن تاريخا معتبرا جديرا بالبحث و التنقيب في كل تفاصيله ، و في هذا السياق ، جاء في وثيقة نشرها المؤرخ البحاثة الكبير محمد ابن عزوز حكيم ، أنه من الأشياء التي أهملها التاريخ أن قرية تاغصا الحضرية الواقعة بقبيلة بني كرير الغمارية ، التي تقع على بعد 3 كيلومترات من الجبهة ، كان بها معمل لضرب السكة في السنوات الأولى من الفتح الإسلامي للمغرب . لقد عثرنا ، يقول المؤرخ بن عزوز شافاه الله : على عدة قطع نقدية من دراهم و فلوس ضربت بتاغصا سنة 171 هجرية موافق 787 ميلادية ، الشيئ الذي يدل على انه في السنة المذكورة ، كان يوجد بتاغصا معمل لسك النقود الإسلامية ، حيث كانت تاغصا تابعة لإمارة إسلامية قوية . و لعل اختيار “تاغصا” لإقامة معمل بها لضرب السكة ، يرجع سببه إلى وجود منجم الفضة بمكان يعرف ب”أمالو” بالقرب من القرية المذكورة . و لا داعي للتذكير بأن وجود معمل للسكة بتاغصا التابعة حاليا لإقليم شفشاون ، كان قبل تأسيس الدولة الإدريسية الإسلامية بسنة 1 واحدة . إن مثل هذه الحقائق التاريخية الهامة كثير جدا ، المرتبط أساسا بغمارة ، فيما يخص الحضارة و التراث و الثقافة و الغزوات و الفتوحات ، إلا أنه و مع الأسف الشديد ، فإن المنطقة قد تعرضت لطمس متعمد لتاريخها و لكل ما بصمت به حياة المغاربة من بطولات في الجهاد ، و من صناعات و من تراث و أعلام و رموز ، التي تشهد لغمارة بحضور وازن بين جيرانها في المتوسط و بين جيرانها في الداخل المغربي . و أقل ذلك مساهمة الغماريين في فتح الأندلس مساهمة قوية جدا ، و إثراء ثقافة المغاربة من طرف الغماريين لقرون عدة في فنون و ضروب العلم المختلفة . و بما أن لغمارة أهمية كبيرة على مستوى الحضور الحضاري بين حواضر الوطن و حواضر الضفة الأوروبية الأخرى وجب على الدولة إنشاء متحف ، يكون بمثابة مجمع للقطع الأثرية و غيرها مما عرفت به المنطقة تاريخيا ، و لم لا بناء نصب تذكاري يذكر العالم بأن بتاغصا كان معملا لسك النقود إبان فترات تاريخية طويلة ، و إلم يلتفت لغمارة عموما و لتاغصا خصوصوا على المستوى التراثي و الثقافي ، فمعناه أننا سنصبح بلا تاريخ مجيد و بلا ماض مشرق ، يقتبس منه الجيل الحالي و القادم الدروس و العبر قصد الرفع من المعنويات و استعادة الثقة في النفس و التحفيز على بناء حاضر و مستقبل أكثر تحضرا .