سميرة القادري نجمة فنية في سماء تطوان، تضيء مدينة الحمامة والإبداع والثقافة، وأهدت لها صيتا وشهرة عربية ودولية، من خلال صوتها الغنائي الراقي، الذي صدح بعدد من كبريات العواصم والمدن، كما استأثر باهتمام نقاد وصحفيين وأدباء. إن الحديث عن سميرة القادري، هو حديث عن فنانة، بشهادة عدد من النقاد، تميزت بإبداعها الفني الأصيل وصوتها الشجي القوي الذي تجاوز الآفاق، ومكنها من نيل لقب “السوبرانو” عن جدارة واستحقاق، إلى جانب إبداعها في ضروب أخرى من الغناء، وبحثها النهم في الموسيقى والصوتيات. وأسرت الفنانة، في بوح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنه يصعب عليها تصنيف نفسها، إن كانت فنانة مسرحية أم فنانة سوبرانو أم باحثة في علوم الموسيقى والصوتيات، لأنها بكل بساطة فنانة بصيغة الجمع، لمع نجمها في أغاني الأوبرا وأضاء على المسرح والبحث الموسيقي. ولدت وترعرعت سميرة القادري في أسرة تنتمي إلى شرفاء “الزاوية الشرقاوية” بمدينة الصويرة، أشتهر أفرادها بإبداعهم في مختلف ضروب الفن وبقصائدهم الصوفية، حيث تعودت أذناها على الأذكار والمديح والترانيم الصوفية منذ سني عمرها الأولى، فوالدها كان عاشقا للموسيقى وهاويا للتمثيل، زرع في نفس الطفلة سميرة موهبة المسرح والتشخيص والغناء، لم يثنه في ذلك تغير مدن الإقامة بسبب ظروف العمل. مع حصولها على الباكالوريا، مالت سميرة القادري مع هوى القلب لتختار الدراسة بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، عكس رغبة والديها في دراسة التجارة وإدارة المقاولات، حيث تبعت خيار القلب الذي لبى النداء العميق لصوت الفن والابداع والحرية، لتدرس الأدب والفن والتدبير الثقافي بشكل علمي. السوبرانو سميرة القادري، التي تألقت في أكبر مسارح الغناء البديع والأداء الفني الرفيع، عبر كل قارات العالم، استطاعت أن تنحت اسمها في الساحة الفنية المغربية، بل وتفردت في أن تصنع لنفسها قالبا متميزا، حيث أضحت اسما كبيرا متخصصا في رسم نسيج الموسيقى المغربية، بمختلف روافدها العربية والأندلسية والمتوسطية، لمنحها بعدا كونيا. وفي هذا الاختيار الفني، استطاعت سميرة القادري بصبر وعزيمة وتحد أن تنجح إلى أقصى الحدود في تطويع وتوليف كيمياء النصوص العربية والموسيقى المتوسطية الأندلسية والعالمية، وتقديمها في قالب موسيقي متجدد. ولأنها بالفعل فنانة من طينة الكبار، فإنها لا تتوانى عن استحضار أسماء كانت وراء صناعة مجدها الأوبرالي، حيث توقفت، في ذات البوح، باحترام أمام اسمين أثرا كثيرا في مسيرتها الفنية، ويتعلق الأمر برائدة الغناء الكلاسيكي صفية التيجاني، أستاذتها بالمعهد، والتي كان لها الفضل الكبير في اكتشاف موهبتها ودفعها لاقتحام عالم الغناء، إلى جانب الموسيقار الراحل مصطفى عائشة الرحماني، الذي كان له أثر قوي في انزياحها الجميل نحو فن السوبرانو. وأضافت، بلمحة حزن طافت مع ذكرى الراحل، أن الرحماني غذى فيها روح البحث والاشتغال على المشروع الموسيقي المغربي في قالبه العالمي الأوبرالي، حيث معه انطلقت في مشروعها الأول بالاشتغال على الشعر العربي، من أمثال قصائد جبران خليل جبران ونزار قباني وسعيد عقل وغيرهم، وتطويعه في قالب موسيقي عالمي. وأقرت سميرة القادري أن مسارها الفني تغير مباشرة بعد لقاء الموسيقار الراحل، حيث اشتغلا معا على إنضاج مشاريع موسيقية فريدة، كما حرك لديها فضول البحث في الموسيقى المغربية وارتباطاتها الأندلسية والمتوسطية والعالمية، وهو ما قادها إلى طرق أنماط وقوالب ولغات متعددة منها العريق والمتجدد، حيث اشتغلت على بعض أنماط الموسيقى العريقة، كالغناء السرياني الخاص بالكنائس الشرقية، كما اهتمت بموسيقى البحر الأبيض المتوسط، لتؤدي مقطوعات أندلسية قروسطوية مستوحاة من التمازج بين الشرق والغرب، كما غاصت في أهازيج “‘مادريجال” (الشعراء المتجولون كما يسمون جنوبفرنسا) أو قصائد القديسة مريم، بالإضافة إلى القصائد الصوفية المورسكية التي غنتها بلغة ألخاميادو (العجمية). ولأن التمثيل عرق دساس يسري في جسد القادري، فبين الفينة والأخرى يأبى إلا أن يتجلى، حيث يلاحظ كل متتبع لأدائها أن حضورها فوق الخشبة يمزج بين الاحتفالية والخشوع وتشريح القطع الغنائية من خلال لباس منتقى بعناية، أو سواء في الانزياح والعودة كليا إلى التشخيص. تجربتها في التمثيل لم تتوقف عند الأداء فوق مسارح الغناء، بل أطلت على الجمهور في دور رئيسي بالفيلم السينمائي “الفراشة” للمخرج حميد باسكيط، بجانب عدد من زملاء الدراسة من قبيل سعيدة باعدي وحفيظة باعدي ورشيد الوالي. عن هذا العشق للمسرح، أكد مدير المعهد الوطني للفنون الجميلة الدكتور المهدي الزواق، في حديثه لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن السوبرانو سميرة القادري زاوجت بين بحثها وانشغالها العميق في الغناء والموسيقى والتكوين في مجال الفنون الدرامية والتنشيط الثقافي، حيث كونت أجيالا في مجال المسرح بدار الثقافة بتطوان، مبرزا أنها كلما عادت إلى حياتها العادية والمهنية إلا وتجدد عشقها المسرحي والتنشيطي الذي أبدعت فيه كما أبدعت في الغناء. سميرة القادري، وبعدما راكمت تجربة عميقة في الطرب، قررت أن تضع خبرتها في خدمة مدينة تطوان من خلال إدارتها الفنية لمهرجان العود، الفريد من نوعه بالعالم العربي، لتحمله بتأن ليصبح واحدا من أهم المواعيد الفنية من المحيط إلى الخليج.