إن المتتبع للشأن التعليمي للمغرب وما اكتنفه من تعثرات عويصة منذ انطلاق الموسم الدراسي الحالي يصاب بخيبة أمل ممزوجة بتدني منسوب الرجاء في إيجاد حل لهذه المعضلة التي أضحت ككرة الثلج التي بات حجمها أكثر من حجم المشكل ذاته . خاصة ونحن على مشارف نهاية الأسدوس الأول من السنة الدراسية ؛ على بعد أسبوع واحد حسب المقرر التنظيمي لهذا الموسم . إن الأزمة التي تعيشها المنظومة التعليمية اليوم لا يمكن اختزالها في نظام أساسي تعذر الاتفاق حوله لما تضمنه من قوانين مجحفة في حق هيئة التدريس بشكل خاص باعتبارها الفئة العريضة والمحورية التي تعتبر رحى نجاح العملية التعليمية التعلمية ، بل الأمر بالتمحيص يجرنا لنجزم بالقرائن أن الأزمة في عمقها هي أزمة حكامة في التدبير لهذا القطاع ، وأزمة ثقة بين الأسرة التعليمية والقطاع الوصي والتي جعلت كل قنوات التواصل – المفضي إلى حلول مرضية – موصدة ، تضيف تشنجا لكلا الطرفين حتى وصل الحال إلى ماهو عليه مع تبني سياسة شد الحبل المفضي إلى اجتثاث كل أمل في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من السنة الدراسية وإدخال البلاد في نفق مظلم ليس له أفق . الآن ، وبعد سياسة صم الآذان من قبل القائمين على القطاع الوصي على التربية والتعليم ، وبعد ما شهده القطاع من إضرابات تعتبر الأطول زمنيا في تاريخ الإضرابات التي سجلها سجل الاحتجاجات في تاريخ التعليم بالمغرب . وبعد ما صارت الاستحقاقات الإشهادية الوطنية تنذر بتعذر إجرائها و مدى مصداقيتها ؛ خاصة امتحانات البكالوريا التي تتيح للناجحين فيها إمكانية إجراء مباريات الانتقاء لولوج المعاهد الوطنية والدولية ، مع استحضار أن هناك مؤسسات تنتمي إلى القطاع الخاص استمرت فيها الدراسة بشكل طبيعي إلا أنها هي الأخرى باتت منزعجة من الوضع المأزوم الذي يتحمله " حكماء " القطاع الوصي . وفي الوقت الذي يستلزم الأمر كثيرا من الحكمة والتبصر لحلحلة هذا الملف ، وكشف ملابساته وإيجاد حلول لإنقاذ القطاع من شبح سنة بيضاء ، تلح الوزارة المعنية بصب مزيد من الزيت على نار الاحتجاجات ؛ وذلك باستصدار قرارات توقيف مؤقتة في حق عدد غير يسير من نساء ورجال التعليم . فمتى كان التوقيف أو العزل حلا من الحلول الناجعة ؟ مع العلم أن قراءتنا لهذا السلوك اللاقانوني إنما أرادت به الوزارة حسب من يوحي إليها تكسير صولة الاحتجاجات الوطنية وترويع أسرة التعليم من خلال التلويح بإيقاف الأجرة الشهرية و حصر قيادات التنسيقيات الوطنية في زاوية التهديد والإخضاع لإفشال مسلسل الإضرابات وإرغام الأساتذة على الرجوع إلى فصولهم الدراسية مجبرين خانعين لسياسة التركيع الأمنية التي لا تتقن الوزارة غيرها في مثل هذه المحطات .وحتى لو سلمنا جدلا بهذه الخطوة التي أقدمت عليها الوزارة الوصية من خلال مديرياتها الإقليمية كإجراء يحق للمشغل وفق قانون الوظيفية العمومية استعماله ، إلا أنه استعمال معيب من عدة نواحي . أولا : تطبيق القانون اجتماعي بطبعه وإنما وضعت التشريعات القانونية بقصد استتباب النظام والأمن والسلم الاجتماعي . فكيف سيتحقق كل ذلك مع استصدار قرارات التوقيف في حق كثير من أطر التدريس ومعظمهم يعول أسرا ويضطلع بالتزامات ومسؤوليات مع إيقاف الأجرة الشهرية . أليس هذا الإجراء كفيلا بخلق أزمة اجتماعية جديدة تنضاف إلى الإخفاق في حل مشكلة التعليم . ثانيا : قرارات التوقيف من حيث المضمون لا تنسجم مع الفصل 75 مكرر من قانون الوظيفة العمومية الذي ينص على ما يلي : باستثناء حالات التغيب المبررة قانونا، فإن الموظف الذي يتعمد االانقطاع عن عمله، يعتبر في حالة ترك الوظيفة. ويعد حينئذ كما لو تخلى عن الضمانات التأديبية التي ينص عليها هذا النظام الأساسي . والحال اليوم أننا لسنا بصدد انقطاع عن العمل ، ولا غياب غير مبرر ، وإنما هو إضراب عن العمل ، والإضراب كما هو منصوص عليه في دستور 2011 ضمن الفصل 29 حق دستوري؛ إذ ينص على أن "حق الإضراب مضمون، ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته"، وبعد مضي 5 سنوات صادق المجلس الوزاري في شتنبر من سنة 2016 على أول مشروع قانون تنظيمي يُنظم هذا الحق في المغرب، لكنه لم ينه بعد المسطرة التشريعية ليصبح ساري المفعول. وبعد المصادقة عليه من قبل المجلس الوزاري، أُحيل مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب على مجلس النواب، وبقي هناك دون مناقشة لأربع سنوات، وهو اليوم محط جدل بين الحكومة والنقابات والاتحاد العام لمقاولات المغرب. فعلى أي أساس دستوري تستصدر الوزارة الوصية هذا القرار القاضي بالتوقيف المؤقت للأساتذة المضربين في غياب نص تنظيمي يقنن شروط وكيفيات الإضراب ؟ وحتى إن سلمنا جدلا بكون الأساتذة الموقوفين في وضعية ترك الوظيفة ، فإن قانون الوظيفة العمومية يلزم رئيس اإلإدارة بتوجيه إنذار إلى الموظف المؤاخذ بترك الوظيفة لمطالبته باستئناف عمله، يحيطه فيه علما بالإجراءات التي يتعرض لها في حالة رفضه استئناف عمله. والحال اليوم أن كل الأساتذة الموقوفين لم يتسلموا أي إنذار بهذا الخصوص يطالبهم باستئناف عملهم ، مما يعضد قضية الطعن في هذه القرارات باعتبارها غير قانونية لعدم احترامها المقتضيات القانونية لقانون الوظيفة العمومية .خاصة وأن القانون قد قيد هذا الإجراء بترتيبات شكلية تعتبر أساسا في وضعية ترك الوظيفة والتي تتمثل في توجيه الإنذار إلى الموظف بآخر عنوان شخصي له مصرح به للإدارة وذلك بواسطة رسالة مضمونة الوصول بإشعار بالتسلم. و إذا انصرم أجل سبعةأيام عن تاريخ تسلم الإنذار ولم يستأنف المعني بالأمر عمله فلرئيس الإدارة صلاحية إصدار عقوبة العزل من غير توقيف الحق في المعاش أو العزل المصحوب بتوقيف حق المعاش وذلك مباشرة وبدون سابق استشارة المجلس التأديبي. و إذا تعذر تبليغ الإنذار أمر رئيس الإدارة فورا بإيقاف أجرة الموظف المؤاخذ بترك الوظيفة. و إذا لم يستأنف هذا الأخير عمله داخل أجل ستين 60 يوما ابتداء من تاريخ اتخاذ قرار إيقاف الأجرة وجب تطبيق العقوبة المنصوص عليها، وفي حالة ما إذا استأنف الموظف عمله داخل الأجل المذكور عرض ملفه على المجلس التأديبي. وتسري عقوبة العزل في الحالات المنصوص عليها في هذا الفصل، ابتداء من تاريخ ترك الوظيفة . فهل استحضرت الوزارة الوصية كل هذه المقتضيات القانونية في خطوتها اللامحسوبة هاته والتي لا يمكن إلا أن تعمق من الأزمة بما يجعل الحل أكثر تعقيدا واستحالة . ثم هل قطاع التعليم صار قطاعا في أدنى سلم الأولويات حتى يصبح موضوع مقامرة من لدن من لا يحسنون التدبير ؟ ألا يوجد حكماء تحكمهم مصلحة الوطن أولا ومصلحة تلميذات وتلاميذ هذا البلد ثانيا وهم طليعة المستقبل الواعد لهذا البلد ؟ نأمل أن تجد هذه الصيحة المنبعثة من آخر النفق من يلقي السمع وهو شهيد و يجعل صوت الوطن فوق كل صوت .