الليل في خيريس له مذاق خاص جدا. ليل ليس له جدران… قمر يضيء الطريق، تقل الحركة، لكن الحانات و العلب الليلية والنوادي تظل مفتوحة. يرتادها كل من يحب السهر، والمرح، والاسترواح… كل من يحب الرقص، والشراب، و… يدلف خالد إلى حانة، يجلس على الكونطوار، صاحب الحانة يقدم وحيدا الطلبات للزبائن… لقد أدرك للتو أن الأزمة المالية لا ترحم، وتذكر احتجاجات مصارعي الثيران، والصحفيين المطرودين، وعمال النظافة وغيرهم… ثم، بعد هنيهة، طلب من صاحب الحانة زجاجة هينكين، وأترع منها بمتعة. لم تكن الحانة عامرة… فقط، بضع إسبانيين، منهم من يحتسي البيرة أو النبيذ الأحمر الخيريسي المتدفق بالحيوية. رنا خالد ببصره إلى ما وراء الكونطوار، كان ثمة قطع كبيرة من لحوم الخنزير معلقة، وزجاجات نبيذ أحمر متغطرسة، كأنها تدعوه بغنج لشربها. طلب خالد من صاحب الحانة أن يفتح له زجاجة نبيذ أحمر… ابتسم ، وقال له: ستشرب أفضل نبيذ عندنا. وضع صاحب الحانة كأسا دائري الفم، وملأ له من الزجاجة قطرات صغيرة، فتذوقه، وقال بتلذذ: نبيذ عذب. عاد إلى مكانه الاعتيادي، ووقف يتأمل خالد، وينتظر طلبيات الزبائن الذين لا يتجاوزون أصابع اليد. في هذه البرهة، تذكر خالد توجهه في صباح ذلك اليوم، بينما كانت السماء زرقاء صافية، ولا أثر للغيوم،إلى بوديغا وليامز وهمبرت، مؤسسة إسبانية لكنها تحمل إسما إنكليزيا، كانت أشبه بكهف ضخم حيث يعيش أكثر من خمسين ألف برميل يتم فيه تخزين النبيذ حتى يصل إلى الكمال، ويتم تخزينه على شكل هرم " فينو" فيحتاج خمس سنوات من النضج بالتقريب حتى يغدو جيدا وفي متناول الزبائن بعد أن يؤخذ إلى " سوبير ماركت" لبيعه. خالد يترع من كأسه الأحمر ببطء ويتذكر ثانية قسما من الكهوف، هناك، عبارة عن متحف يعرض أدوات مثيرة للاكتراث، والمقاييس والأختام كما كانت تستخدم في القرن الماضي، كما يتذكر أيضا تلك النافذة الزجاجية الضخمة ذات الألوان الجذابة المشهية. "الليل ليس له جدران… والشراب ليس له جدران… إذا بدأت لا بد أن تتمم…"، هذا ما قاله خالد في سره. لم يشعر خالد بالسأم. شرع في شراب النبيذ الأحمر الخيريسي اللذيذ، ورنا ببصره إلى التلفاز، كان يعرض فيلما من أفلام الكوبوي، في الحين، تذكر أفراس خيريس التي تربت في أحضان الرهبان في دير " لا كارتوجا"، منذ سنوات عديدة والرهبان يقومون بذلك، أفراس نقية، رشيقة، ولكنها قوية، تحمل في أغوارها دما عربيا، ما يجعلها سهلة للترويض. قال أحد الإسبان العاشق لهذه الأفراس لخالد، وهو يبتسم برقة " عند الولادة تكون هذه الأفراس كلها سوداء،وبعد خمس سنوات يتغير لونها فتتحول إلى اللون الأبيض النقي" فقال خالد: " شيء غريب"، قال له الإسباني، الذي لم يسأله خالد عن إسمه: " هذا شيء خصوصي جدا". تابع خالد الفيلم الأمريكي، كانت أفراس بنية وسوداء وبيضاء تجري كقطيع يضربها بعنف أصحابها، فغضب خالد، وتذكر تلك الرقصات الجميلة لأفراس خيريس كأنها ترقص الباليه. خرج خالد من الحانة، بعد تأدية ثمن ما شربه. خرج وهو يرقص كفرس. الليل في خيريس ليس له جدران. شم رائحة عطر. نساء مثل الأزهار. أزهار مثل النساء. نغمات موسيقى الفلامنكو. كلمات تتساقط كالرذاذ أصوات تدلف إلى القلب سريعا كالضوء. خيريس مدينة الطعام والنبيذ والأفراس والفلامنكو، مدينة تحوي، يقول خالد، أصول الثقافة الإسبانية القديمة. نبيذ خيريس كان له أثره البالغ. هاهو الآن يخطو خطى متثاقلة في شارع البلدة القديمة حيث الاحتفالات… يحكى أن هذه الاحتفالات تقام كل عام في خيريس فيخرج الناس ومواكب تجوب الشوارع الفسيحة ذات البنايات الرائعة المعمار. عندما اقترب خالد من الأوطيل، مرت قدامه فتاة ممشوقة، حسناء، ومالت عليه، كانت نشوانة، طلبت منه سيجارة شقراء، فلبى رغبتها، أشعلت السيجارة، ضحكت، وقالت له "عليك بقراءة هذه المجموعة الشعرية الجميلة "، ثم ضحكت، واختفت كنجمة. خيل إلى خالد أنه كان يحلم، بيد أن عطرها دوخه أكثر فأكثر. ذاك العطر الأندلسي الذي يتقطر في أرجاء المدينة. في غرفة الفندق، تذكر خالد أن غدا في الصباح له لقاء مع صديقه أنور الصفصافي، صحافي قدير، وبرلماني معروف، ينتمي لحزب المهدي بنبركة… في مقهى بخيريس قرب الأوطيل. وقبل أن ينام. فتح الكتاب. الكتاب لكاباليرو بونالد، شاعر وروائي، بعنوان " الليل ليس له جدران"، قرأ بعض قصائده، فشفي من أحزانه، راقه أن الشاعر يطالب بالحق في الارتياب، إذ يقول " الشخص الذي لا يرتاب والمتأكد من كل شيء، يكون على نفس مسافة اقترابك من معتوه". هذا الشاعر ولد في مدينة خيريس لأب كوبي وأم فرنسية وطور مسيرته الأدبية جزئيا في كولومبيا حيث درس بجامعة في بوجوتا. كان يصف الشعر بأن له " قوة شفائية". أصر خالد على أن يتابع قراءة الكتاب. ثم، بعد هنيهة، نام، والكتاب فوق صدره وبدأ يهذي: " الليل ليس له جدران"… " الليل ليس له جدران"… الليل في خيريس له مذاق خاص جدا. ليل ليس له جدران… قمر يضيء الطريق، تقل الحركة، لكن الحانات و العلب الليلية والنوادي تظل مفتوحة. يرتادها كل من يحب السهر، والمرح، والاسترواح… كل من يحب الرقص، والشراب، و… يدلف خالد إلى حانة، يجلس على الكونطوار، صاحب الحانة يقدم وحيدا الطلبات للزبائن… لقد أدرك للتو أن الأزمة المالية لا ترحم، وتذكر احتجاجات مصارعي الثيران، والصحفيين المطرودين، وعمال النظافة وغيرهم… ثم، بعد هنيهة، طلب من صاحب الحانة زجاجة هينكين، وأترع منها بمتعة. لم تكن الحانة عامرة… فقط، بضع إسبانيين، منهم من يحتسي البيرة أو النبيذ الأحمر الخيريسي المتدفق بالحيوية. رنا خالد ببصره إلى ما وراء الكونطوار، كان ثمة قطع كبيرة من لحوم الخنزير معلقة، وزجاجات نبيذ أحمر متغطرسة، كأنها تدعوه بغنج لشربها. طلب خالد من صاحب الحانة أن يفتح له زجاجة نبيذ أحمر… ابتسم ، وقال له: ستشرب أفضل نبيذ عندنا. وضع صاحب الحانة كأسا دائري الفم، وملأ له من الزجاجة قطرات صغيرة، فتذوقه، وقال بتلذذ: نبيذ عذب. عاد إلى مكانه الاعتيادي، ووقف يتأمل خالد، وينتظر طلبيات الزبائن الذين لا يتجاوزون أصابع اليد. في هذه البرهة، تذكر خالد توجهه في صباح ذلك اليوم، بينما كانت السماء زرقاء صافية، ولا أثر للغيوم،إلى بوديغا وليامز وهمبرت، مؤسسة إسبانية لكنها تحمل إسما إنكليزيا، كانت أشبه بكهف ضخم حيث يعيش أكثر من خمسين ألف برميل يتم فيه تخزين النبيذ حتى يصل إلى الكمال، ويتم تخزينه على شكل هرم " فينو" فيحتاج خمس سنوات من النضج بالتقريب حتى يغدو جيدا وفي متناول الزبائن بعد أن يؤخذ إلى " سوبير ماركت" لبيعه. خالد يترع من كأسه الأحمر ببطء ويتذكر ثانية قسما من الكهوف، هناك، عبارة عن متحف يعرض أدوات مثيرة للاكتراث، والمقاييس والأختام كما كانت تستخدم في القرن الماضي، كما يتذكر أيضا تلك النافذة الزجاجية الضخمة ذات الألوان الجذابة المشهية. "الليل ليس له جدران… والشراب ليس له جدران… إذا بدأت لا بد أن تتمم…"، هذا ما قاله خالد في سره. لم يشعر خالد بالسأم. شرع في شراب النبيذ الأحمر الخيريسي اللذيذ، ورنا ببصره إلى التلفاز، كان يعرض فيلما من أفلام الكوبوي، في الحين، تذكر أفراس خيريس التي تربت في أحضان الرهبان في دير " لا كارتوجا"، منذ سنوات عديدة والرهبان يقومون بذلك، أفراس نقية، رشيقة، ولكنها قوية، تحمل في أغوارها دما عربيا، ما يجعلها سهلة للترويض. قال أحد الإسبان العاشق لهذه الأفراس لخالد، وهو يبتسم برقة " عند الولادة تكون هذه الأفراس كلها سوداء،وبعد خمس سنوات يتغير لونها فتتحول إلى اللون الأبيض النقي" فقال خالد: " شيء غريب"، قال له الإسباني، الذي لم يسأله خالد عن إسمه: " هذا شيء خصوصي جدا". تابع خالد الفيلم الأمريكي، كانت أفراس بنية وسوداء وبيضاء تجري كقطيع يضربها بعنف أصحابها، فغضب خالد، وتذكر تلك الرقصات الجميلة لأفراس خيريس كأنها ترقص الباليه. خرج خالد من الحانة، بعد تأدية ثمن ما شربه. خرج وهو يرقص كفرس. الليل في خيريس ليس له جدران. شم رائحة عطر. نساء مثل الأزهار. أزهار مثل النساء. نغمات موسيقى الفلامنكو. كلمات تتساقط كالرذاذ أصوات تدلف إلى القلب سريعا كالضوء. خيريس مدينة الطعام والنبيذ والأفراس والفلامنكو، مدينة تحوي، يقول خالد، أصول الثقافة الإسبانية القديمة. نبيذ خيريس كان له أثره البالغ. هاهو الآن يخطو خطى متثاقلة في شارع البلدة القديمة حيث الاحتفالات… يحكى أن هذه الاحتفالات تقام كل عام في خيريس فيخرج الناس ومواكب تجوب الشوارع الفسيحة ذات البنايات الرائعة المعمار. عندما اقترب خالد من الأوطيل، مرت قدامه فتاة ممشوقة، حسناء، ومالت عليه، كانت نشوانة، طلبت منه سيجارة شقراء، فلبى رغبتها، أشعلت السيجارة، ضحكت، وقالت له "عليك بقراءة هذه المجموعة الشعرية الجميلة "، ثم ضحكت، واختفت كنجمة. خيل إلى خالد أنه كان يحلم، بيد أن عطرها دوخه أكثر فأكثر. ذاك العطر الأندلسي الذي يتقطر في أرجاء المدينة. في غرفة الفندق، تذكر خالد أن غدا في الصباح له لقاء مع صديقه أنور الصفصافي، صحافي قدير، وبرلماني معروف، ينتمي لحزب المهدي بنبركة… في مقهى بخيريس قرب الأوطيل. وقبل أن ينام. فتح الكتاب. الكتاب لكاباليرو بونالد، شاعر وروائي، بعنوان " الليل ليس له جدران"، قرأ بعض قصائده، فشفي من أحزانه، راقه أن الشاعر يطالب بالحق في الارتياب، إذ يقول " الشخص الذي لا يرتاب والمتأكد من كل شيء، يكون على نفس مسافة اقترابك من معتوه". هذا الشاعر ولد في مدينة خيريس لأب كوبي وأم فرنسية وطور مسيرته الأدبية جزئيا في كولومبيا حيث درس بجامعة في بوجوتا. كان يصف الشعر بأن له " قوة شفائية". أصر خالد على أن يتابع قراءة الكتاب. ثم، بعد هنيهة، نام، والكتاب فوق صدره وبدأ يهذي: " الليل ليس له جدران"… " الليل ليس له جدران"…