لماذا قراءة مسألة الخمر بالذات؟ سؤال يطرحه الشاعر والباحث اليمني علي المقري في تقديمه لكتابه الخمر والنبيذ في الإسلام الصادر عن «رياض الريس» قبل أن يجيب عن هذا السؤال بالتأكيد على أن الهدف من وراء ذلك هو تحفيز الكثيرين للعودة لقراءة التراث الإسلامي بتعدده، ومن ثمة الخروج من الذهنية المنغلقة على قشور ثقافة الماضي الأحادية إلى ذهنية ابتكارية تعددية لا تقبل أي حدود فكرية.. ودائما في إطار الجواب عن هذا السؤال، يقول إن الخمر كمشروب في مستواه المسكر قد يصل إلى فعل المخدر الذي يغيب الشارب (السكران) عن أزماته الاجتماعية والنفسية، لكن الخمر كمسألة ثقافية ظل يمثل في جانب من موقعه في الثقافة، فعلا تصادميا حديثا ضد ثقافة الخنوع والاشكالية وذهنية الأتباع والتحريم، مستشهدا في هذا الصدد بما قاله أبو نواس «ألا فاسقني خمرا وقل لي هي الخمر.. ولا تسقني سرا إذا أمكن الجهر.» فأبو نواس من خلال قوله هذا حسب النقاد، لم يكن يجهل معنى شرب الخمر المباشر، وإنما عبر الشاعر عن روح الرفض لقيم ثقافية سائدة فتناول موضوع الخمر كمشكلة ثقافية، كما يرى علي المقري، يتعارض موقعها بين ذهنية التحريم وذهنية التحليل، ويساهم في نقد الخطاب الإسلامي بجماعات احتكرت حق انتقاء النصوص الأحادية بين التراث الإسلامي لأحكامها. والكتاب الذي يقع في 142 صفحة، يتناول فيه المؤلف مسألة الخمر والنبيذ في الإسلام، من خلال النصوص القرآنية والمصادر والمراجع التاريخية. ويعرض لاختلاف الفقهاء والباحثين في مسألة تحريم الخمر، ويبين أنه لا حد ولا عقوبة في القرآن والسنة على شارب الخمر، واتفاق المراجع الإسلامية على أن النبيذ حلال. ويتناول الكتاب تعريف الخمر والنبيذ، كما يعرف بمكانة الخمر قبل الإسلام وصولا إلى تناول الخمر والمجون في العصرين الأموي والعباسي. الخمر في العهد القديم يقول الكاتب علي المقري:«الخمر ارتبط في ثقافة العصور القديمة بشجرة الكرمة، وروي أن آدم أول من غرس الكرمة» (ص 31) مضيفا: « كما جاء في المراجع الدينية القديمة أن نوحا لما غرس الكرمة جاء إبليس فنفخ فيها فيبست، فاغتم نوح لذلك، وجلس يفكر في أمرها، فجاءه إبليس وسأله عن تفكيره فأخبره: «فذبح أسدا ودبا ونمرا و ابن آوى وكلبا وثعلبا وديكا وصب دماءهم في أصل الكرمة، فاخضرت من ساعتها، وحملت سبعة ألوان من العنب، وكانت قبل ذلك تحمل لونا واحدا، ومن أجل ذلك يصير شارب الخمر شجاعا كالأسد وقويا كالدب، وغضبانا كالنمر، ومحدثا كابن آوى، ومقاتلا كالكلب، ومتملقا كالثعلب، ومصوتا كالديك. فحرمت الخمر على قوم نوح.» وجاء في سفر التكوين أن لوطا اسكرته ابنتاه ليضاجعهما، فحبلتا من أبيهما، فولدت البكر ابنا ودعت اسمه مواب وهو أبو المؤابين إلى اليوم. والصغيرة أيضا ولدت ابنا ودعت اسمه بن عمي، وهو ابو بني عمون إلى اليوم «ص32» إلا أن المؤلف يقول أنه على الرغم من أن هذه الرواية عن لوط تعكس ربما الحملات التشهيرية لليهود ضد المؤابين والعمونيين، إلا أنها كغيرها من الروايات والمدونات تكشف عن مدى انتشار الخمر ومكانتها في العصور القديمة. وتذكر أسفار العهد القديم أسماء زعامات القوم الذين شربوا الخمر كداوود وأيوب وغيرهما، كما تروي الأسفار قصة رئيس سقاة فرعون، ملك مصر، الذي كان في السجن مع يوسف وحلم أنه يعطي «الكأس في يد فرعون»، أو يعصر خمرا حسب تعبير القرآن، الذي أورد القصة نفسها ولو بشكل مختلف. وتوجد العديد من القصص في التوراة تمتدح الولائم التي تقرب فيها الخمر كرائحة سرور للرب « ص 33»، لكن هناك أيضا عددا من القصص تحث على عدم شربها واجتنابها في أماكن العبادة أو خيمة الاجتماع. وتحفل الثقافات القديمة اليونانية والافريقية والهندية والشرقية عامة بالكثير من الأساطير والآداب والفنون عن الخمر وآلهاته، وطقوس تناوله، ومكانته في الثقافة والحياة. بالنسبة للخمر عند المسيحيين يقول علي المقري إن الانجيل يروي أن أولى معجزات المسيح هي تحويل الماء خمرا، فقد كان في عرس في قانا الجليل، ففرغت الخمر، فأخبرته أمه بذلك فطلب منهم المسيح أن يملأوا الأجران ماء، فملأوها وقدموها وإذا هي خمر، وكانت هذه بداية الآيات التي فعلها يسوع في قانا الجليل وأظهر مجده فآمن به تلاميذه. «ص35 » وظل النصارى ومعهم اليهود يشربون الخمر ويتاجرون بها في الجزيرة واليمن والعراق والشام «ص35» وأثرت الأديرة في تعريف التجار العرب بالنصرانية لوجودها في مواضيع كثيرة من جزيرة العرب والعراق والشام، وكان هؤلاء قد وجدوا فيها أماكن للهو والشرب، يطربون بشرب ما فيها من خمور ونبيذ معتق امتاز بصنعه الرهبان، ومن بين أشهر الأديرة كما جاء في هذا الكتاب، دير هند بنت النعمان ابن المنذر، الذي كان شباب الكوفة يخرجون إليه متنزهين يأكلون ويشربون، وفيه يقول حسان بن ثابت الذي لقب بشاعر الرسول فيما بعد.. «يادير هند لقد أصبحت لي أنسا ولم تكن قط لي يا دير مئناسا سقيا لظلك ظلا كنت آلفه فيه أعاشر قسيسا وشماسا قدما وقد كانت الاوقات من طرب ومن سرور به يا قوم أعراسا لا أعدم اللهو في أرجاء هيكله ولا أرد على الساقي به الكاسا» أما الخمر في شبه الجزيرة العربية فقد كانت هناك قبل زمن من ظهور الاسلام وهو الشراب المفضل للجاهليين. وقد ظهرت خمريات جاهلية في الشعر برز فيها الأعشى والمنخل اليشكري وطرفة بن العبد، ويقال إن ضريح الأعشى صار بعد وفاته مقصدا للفتيان الذين كانوا يؤمون ليشربوا عنده ويصبون عليه كؤوسا من شرابهم، يقول علي المقري إن عرب شبه الجزيرة قد عرفوا الكرمة وعصروا العنب في بوادي اليمن وتهامة والطائف ويثرب ووادي القرى، فتناثرت الكروم وتعالى شجر النخيل وضجت أرجاء الجزيرة بأصوات المَعَاصر. ومن خلال تحليل الشعر الجاهلي نتعرف على الصادرات اليمنية ومن بينها النبيذ، وأن الشاعر الأعشى انفرد مع كثرة مَعَاصر الخمر في أرجاء الجزيرة بمعصرة له خاصة أقامها في إحدى القرى اليمنية ذات الكروم المعرشة. وبالرغم من انتشار الخمر حينها إلا أن هناك من تركها قبل الاسلام ولم يشربها أمثال عثمان بن عفان بن هشام وعبد الله بن جدعات التيمي وقيس بن عاصم المنقري وأمية بن أبي الصلت وورقة بن نوفل والوليد بن المغيرة وعامر بن الطرب العدواني، وصفوان بن أمية بن محرث الكناني وعفيف معد يكرب ومقيس بن عدي السهمي وغيرهم. الخمر في القرآن وفي بداية الاسلام أفرد الكاتب اليمني علي المقري فصلا كاملا في كتابه حول الخمر في القرآن وفي بداية الاسلام، حيث استند فيما ذهب إليه إلى العديد من المراجع والمستندات، إذ يؤكد أن النبي محمد لم يحدد في بداية نشر الاسلام موقفه من شرب الخمر، ففي الطور المكي الذي دام 13 سنة كان المسلمون يشربون كالمشركين، واستمر في ذلك بعد الهجرة سنوات تمتد بين الثلاث والثماني سنوات تبعا لاختلاف الروايات. ويرجع ذلك إلى انتشار تجارة الخمر وشربها في مكة والحجاز في ذلك العهد، خاصة في أوساط الاغنياء الذين كانوا ينفقون على أفراحهم وعلى المناسبات الاجتماعية الاخرى، ويأتون بالقنان ويشربون الخمور والنبيذ ويطيبون خمرتهم بالزنجيل والكافور والمسكن ويقف على خدمتهم الغلمان يدورون عليهم بالأواني الفضية والأقداح البلورية. يقول الكاتب ان المسلمين المعتادين على شرب الخمر قبل الاسلام ظلوا يشربونها ويتاجرون بها بعده ويصطحبونها في غزواتهم ومعاركهم، كما تورد كتب السير والمصادر، فإن القرآن الكريم قد مدح في البداية مصادر الخمر. «ومن ثمرات النخيل والاعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون». وأغرى القرآن الكريم المؤمنين بشراب خاص في الجنة «إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا» و«يطاف عليهم بكأس من معين بيضاء لذة للشاربين» وخمر الجنة لاتجلب الصداع ولاتنفد «لا يصدعون عنها ولا ينزفون». ويؤكد الكاتب أن المسلمين حينما سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينةالمنورة عن الخمر جاءت الآية «يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس، وإثمهما أكبر من نفعهما». وكانت هذه الآية بيانا لنفع الخمر وضررها ولم تتضمن أي حكم آخر، لهذا ترك الخمر قوم وشربها قوم كانوا يستمتعون بمنافعها ويتجنبون مآثمها. ثم حدث أن شرب جماعة من الصحابة عند عبد الرحمان بن عوف حتى أدركتهم الصلاة، فأمهم أحد الصحابة فقرأ «قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون» إلى آخر السورة بحذف «لا» فنهاهم القرآن عن الصلاة في حالة السكر «يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون» وتعامل المسلمون مع هذه الآية كسابقتها فترك الخمر بعضهم، وشربها البعض الآخر في غير أوقات الصلاة، وكان المنادي إذا أقيمت الصلاة ينادي «ألا يقربن الصلاة سكران» وكادت أحداث بعد هذه الآية ناجمة عن السكر أن تؤدي إلى متاعب سياسية، فقد شرب الخمر رجل من المسلمين فجعل ينوح على قتلى بدر ويقول: تحيَّا بالسلامة أمُّ بكر... وهل لي بعد رهطك من سلام ذريني اصطبح بكراً فإني... رأيت الموت كفَّت عن هشام وودَّ بنو المغيرة لو فَدَوه... بألف من رجال أو سوام فبلغ ذلك النبي «فجاء فزعا يجتر رداءه حتى انتهى إليه، ورفع شناً كان في يده ليضربه، فلما عاينه الرجل قال: أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، والله لا أطعمها أبداً. «ص49» وعدد علي المقري الحالات التي تم فيها شرب الخمر، كما هو الشأن بالنسبة لرجال من الأوس والخزرج، فتذكروا أيامهم الدامية قبل الاسلام وتناشدوا الاشعار التي قيلت في تلك الأيام، وتطور الحال الى عراك أوشك أن يثير فتنة بين القبيلتين المتصارعتين في الماضي، كما شرب سعد بن أبي وقاص الخمر مع بعض الأنصار فتفاخروا وتناشدوا الأشعار، وأنشد سعد شعراً فيه هجاء للأنصار وفخر لقومه فضرب أنصاري رأس سعد فشجه، إلى غير ذلك من الوقائع التي أدت الى قلق النبي، ودفعت قادة المسلمين إلى التفكير في إيجاد حل، فجاءت الآيتان اللتان تدعوان إلى اجتناب شرب الخمر. «ص50» وقد رأى بعض الفقهاء أن ما جاء في الآيتين دليل على تحريم الاسلام للخمر، غير أن مفهوم التحريم، كما يقول الباحث هادي العلوم: «لا يبدو مكتملا بحسب نص الآيتين، ويمكن أن يفهم قوله «فاجتنبوه لعلكم تفلحون» على أنه تحبيذ للامتناع عن شرب الخمر روعيت فيه الاعتبارات الشخصية للفرد. والمحرمات في القرآن تكون جازمة إذا اقترنت بإحدى حالتين، أن ينطق بلفظ التحريم صراحة، كما في تحريم الدم والخنزير والميتة وزواج المحارم، أو أن يتضمن الفعل المحرم عقوبة على مرتكبه، كما في عقوبة الزاني والسارق والقاتل، وآية الخمر لم تذكر لفظ التحريم كما لم تتضمن عقوبة لشاربه، ولا يخلو ذلك من دلالة، لاسيما في ضوء السياق المتدرج الذي انتهى الى الأمر باجتناب الشرب، مما يدل في حد ذاته على التردد في التحريم. «ص51» يقول الكاتب: إن شرب الخمر ظل متاحاً للمسلمين وغيرهم من العرب، ومن الذين بقوا يشربون الخمر، نذكر من المشهورين من الولاة أيام عمر بن الخطاب، قدامة بن مظهون والي البحرين، والنعمان علي بن نضلة والي ميسان وغيرهما. وكان الوليد بن عقبة الذي هو أخو عثمان بن عفان لأمه، وكان والياً أيام خلافة عثمان على الكوفة، فصلى بالناس وهو سكران فزاد في الصلاة، ثم قال لهم إن شئتم زدتكم. «ص55» وشرب الخمر ابن الخليفة أبو بكر واسمه محمد، ومحمد ابن أبي حذيفة مكفول عثمان بن عفان، وأبناء الخليفة عمر بن الخطاب وهم ثلاثة: عبد الله، عصام، وعبد الرحمان، وهذا الأخير حده أبوه في الشراب حتى مات.«ص55 » وفي سنن أبي داوود عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤقت في الخمر حدا وقال ابن عباس: شرب رجل فسكر فبقي يميل في الفج، فانطلقت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما حاذى بدار العباس انفلت فدخل على العباس فالتزمه، فذُكر ذلك للنبي فضحك وقال: «أفعلها» ولم يأمر فيه بشيء. وقال علي بن أبي طالب: «ما كنت أدي (من الدية) من أقمت عليه حداً إلا شارب الخمر، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يَسنن فيه شيئاً إنما هو شيء قلناه نحن». «ص57» وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «ادرأوا الحدود عن المسلمين (بالشبهات) ما استطعتم، فإذا وجدتم للمسلم مخرجاً فخلوا سبيله، فإن الإمام لئن يخطىء في العفو خير له من أن يخطىء في العقوبة» «ص 58»، وكان النبي ينهي عن «لعن من شرب الخمر مراراً متعددة، إذا كان يحب الله ورسوله.»ص58 » ورُوي أن رجلا ساير عمر بن الخطاب في سفر وكان صائماً فلما أفطر الصائم أهوى إلى قربة لعمر رضي الله عنه معلقة فيها نبيذ فشرب منها فسكر فضربه (جلده) عمر عند الحد. فقال له الرجل: إنما شربت من قربتك، فقال عمر: إنما جلدتك لسكرك لا على شربك. «ص59» وبخصوص النبيذ في الاسلام، فإن مسألة الشرب لم تشهد جدلا واسعاً عند الفقهاء. ويرجع ذلك إلى وجود نصوص تشير إلى شرب النبي محمد للنبيذ، وكذا شربه في أوساط الفقهاء أنفسهم وأصحاب النبي والخلفاء والعامة. فقد روي في السنن «أن النبي محمد كان ينبذ له في سقاء، فإذا لم يجدوا سقاء نُبذ له في تور من حجارة، وهو إناء صغير يشرب فيه ويتوضأ منه » «ص62». وفي حديث آخر، أن النبي استسقى «فقال رجل من القوم: ألا نسقيك نبيذاً؟ قال: بلى». «ص62» وعن المادة التي يصنع منها النبيذ للنبي، روي أن عائشة قالت: «كنت أخذ قبضة من تمر وقبضة من زبيب فألقيه في إناء فأمرسه ثم أسقيه النبي» «ص 62». وفي هذا القول حجة لمن رأى الانتباذ بالخليطين ومخالفة للرواية التي تقول إن النبي نهى أن ينتبذ الزبيب والتمر جميعا، وعن عبد الله بن مسعود أن النبي محمدا قال له ليلة: «ما في أدواتك؟ فرد عليه «نبيذ» فقال له النبي: «ثمرة طيبة وماء طهور».« ص63» . وفي حديث رواه أبو هريرة يقول النبي: «إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم، فأطعمه، فليأكل من طعامه ولايسأله، فإن سقاه شرابا فليشرب من شرابه ولا يسأله، وإن خشي منه، فليكسره بالماء» «ص63». وأورد الدارقطني وهو من ثقاة المحدثين في سنن أحاديث أخرى للنبي في المعنى نفسه، منها قوله «إذا اغتلمت أوعيتكم فاكسروها بالماء». (يعني اذا فارت واشتدت فخففوها). «ص63» وفي رواية أخرى عن عبد الله بن مسعود أن «النبي شرب في آخر حجة له إلى مكة من سقاية العباس فوجده شديدا فقطب بين عينيه ودعا بدلو من ماء زمزم فصب عليه، وقال: إذا كان هكذا فاكسروه بالماء». «ص63» التداوي بالخمر والنبيذ يقول الشيخ الخطابي في شرحه لسنن أبي داوود إنه من المعلوم أن الخمر «من جهة الطب دواء في بعض الاسقام وفيها مصحة للبدن»، وفي موسوعة «الفقه الاسلامي» جاء أن «الاضطرار إلى الخمر، إما أن يكون للتداوي بها، وإما للعطش الشديد عند فقد الماء، وإما لإزالة الغصة، وعند مذهب الحنفية يجوز للعليل شرب الخمر للتداوي، كما رخص للعطشان شربها، ويتفق فقهاء المذهبين المالكية والشافعية، كما جاء في هذا الكتاب، على توفيقهم بين تحريم الخمر للتداوي وللجوع والعطش وبين جواز استعمالها للضرورة كإساغة الغصة «لأن إساغة الغصة بالخمر واجبة اذا خاف على نفسه الهلاك ولم يجد غيرها». «ص76» الشراب حسب الفصول عن الحاجة إلى الشراب حسب الازمان او الفصول يقول الرازي إنه «ينبغي أن يكون شرب الشراب في آخر الربيع والصيف كله على أقل ما يمكن. وليختر رفيقه، وليكثر مزاجه في صميم الحرارة وشدة الصيف ولينتقل (النُّقل: ما يؤكل مع الشراب) عليه الفواكه الحامضة ويستعمل السكنجبين الساذج الحامض بعض الافاقة منه.. وإذا جاء الخريف فينبغي ان يستعمل العتيق منه ممزوجا، ويختار من الحديث أرقه، فإذا جاء الشتاء. فليكن الشراب أقوى ويستعمل صرفا ويكون أكثر مقدارا وأطول زمانا، مما يستعمل في أكثر الازمان.. والخمر في الشتاء دواء وفي الصيف داء، والبدن النحيف أحوج الابدان إليه إذا اكثروا المزاج (مزجه بالماء)... وينبغي أن يجتنب الشراب بعد الخروج من الحمام وبعد التعب بساعتين وأكثر. وبعقب كثرة الجماع وطول السهر وافراط الاسهال، فإن احتاج إليه، فليكن القليل منه ولايبلغ السكر. وأفضل الشراب ما توسطت حاله بين العتيق والحديث، إذ لا مضرة فيه». «ص82» الخمر والمجون في العصرين الاموي والعباسي يربط البعض من دارسي التاريخ الاسلامي، بداية انتشار المجون في المجتمعات الاسلامية بالعصر العباسي، بينما المراجع التاريخية القديمة تشير الى انتشار واسع للمجون والخمر في العصر الاموي. ليس في أوساط طبقة الاغنياء والقادة، كما كانت حال عصر النبي وقبله. بل وفي أوساط بعض الخلفاء الأمويين أنفسهم، «ص 79»، فقد انتشر في العصر الاموي شرب الخمر والتشبب بالنساء في موسم الحج، واللهو واللعب والغناء والرقص والتخنت واللواط، وامتلأت مكةوالمدينة، ارض الحرمين، بالمغنين والمغنيات، وكان عدد من خلفاء بني أمية يضعون ستارة بينهم وبين الندماء محاكاة للفرس، أما الباقون فلم يكونوا يتحاشون أن يرقصوا ويتجردوا أو يحضروا عراة بحضرة الندماء والمغنيين. وتظهر المراجع التاريخية القديمة والدراسات المعاصرة الخليفة الوليد بن يزيد منهمكا في شرب الخمر واللهو واللواط، وهو الذي كان شاعرا مولدا للمعاني والافكار والتعبيرات حتى ليقال أن أبا نواس نقل عنه أكثر أغراضه ومعانيه. وفي العصر العباسي أدت عدة عوامل الى انتشار المجون في الدولة العباسية منها أن انضباط أمورها زاد في ثروتها. فمكنها من أن تعيش عيشة ناعمة. كما أن انخراط الفرس في الدولة العباسية ومشاركتهم في تصريف شؤون الدولة، كان أحد العوامل المهمة في انتشار المجون. وكان المترفون ينشرون في مجالسهم كما يقول الجاحظ «الرياحين في قاعة الشراب وكانوا يجملون كؤوس الخمر بالرسوم الفارسية الخلابة، ويزينون رؤوسهم بأكاليل الزهور. وامتلأ كتاب «الأغاني» ودواوين الشعراء مثل بشار وأبي نواس ومسلم بن الوليد بوصف مجالس اللهو والشراب. وما كان يجري فيها من خلاعة ومجون. «ص106 »