إعادة انتخاب الميلودي موخاريق أمينا عاما للاتحاد المغربي للشغل لولاية رابعة    المغرب في الصدارة مغاربيا و ضمن 50 دولة الأكثر تأثيرا في العالم    المغرب ضمن الدول الأكثر تصديرا إلى أوكرانيا عبر "جمارك أوديسا"    نقابة تدعو للتحقيق في اختلالات معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة    رسالة مفتوحة إلى عبد السلام أحيزون    إسبانيا.. تفكيك شبكة متخصصة في الاتجار بالبشر استغلت أزيد من ألف امرأة    الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي يُهدد القدرات المعرفية للمستخدمين    بوتين يستخدم الدين لتبرير الحرب في أوكرانيا: مهمتنا الدفاع عن روسيا بأمر من الله    جمعية الصحافة الرياضية تستعد لاستقبال مؤتمر الاتحاد الدولي    طنجة تتصدر مقاييس التساقطات المطرية المسلجة خلال يوم واحد.. وهذه توقعات الإثنين    حادثة سير مروعة في نفق بني مكادة بطنجة تسفر عن مصرع فتاتين وإصابة شخصين بجروح خطيرة    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال 24 ساعة الماضية    جمال بنصديق يحرز لقب "غلوري 98"    خامنئي: المقاومة تستمر ضد إسرائيل    انطلاق انتخابات تشريعية في ألمانيا تحت ضغط اليمين المتطرف وترامب    تقرير.. أزيد من ثلث المغاربة لايستطيعون تناول السمك بشكل يومي    الكلاسيكو المغربي: الرجاء والجيش في مواجهة نارية بالقنيطرة    نهضة بركان يجني ثمار 10 سنوات من الكفاح و العمل الجاد …    حماس تتهم إسرائيل بالتذرع بمراسم تسليم الأسرى "المهينة" لتعطيل الاتفاق    عودة السمك المغربي تُنهي أزمة سبتة وتُنعش الأسواق    الملك محمد السادس يهنئ إمبراطور اليابان بمناسبة عيد ميلاده    هل الحداثة ملك لأحد؟    بعد منعهم من حضور مؤتمر الاتحاد المغربي للشغل.. نقابيون يعلنون تضامنهم مع عبد الحميد أمين ورفاقه    مسؤول أمني بلجيكي: المغرب طور خبرة فريدة ومتميزة في مكافحة الإرهاب    "غضب" نقابي بسبب "انفراد" رئيس جماعة الفقيه بن صالح بإجراء تنقيلات واسعة في صفوف الموظفين    أنشيلوتي: "مواجهة أتلتيكو في دوري الأبطال ستكون صعبة"    توقيف ثلاثة أشخاص بشبهة نشر محتويات عنيفة    رونالدو: تشرفت بلقاء محمد بن سلمان    مؤتمر دولي مغربي لنموذج محاكاة الأمم المتحدة    متهم بالتهريب وغسيل الأموال.. توقيف فرنسي من أصول جزائرية بالدار البيضاء    لقاء تواصلي بين النقابة الوطنية للصحافة المغربية ووفد صحفي مصري    نجاح كبير لمهرجان ألوان الشرق في نسخته الاولى بتاوريرت    سامية ورضان: حيث يلتقي الجمال بالفكر في عالم الألوان    نزار يعود بأغنية حب جديدة: «نتيا»    إسرائيل تهاجم موقعًا عسكريًا بلبنان    الميلودي موخاريق يقود الاتحاد المغربي للشغل لولاية رابعة    خبراء وباحثون يؤكدون على أهمية قانون المالية لسنة 2025 في النهوض بالاستثمارات العمومية وتمويل المشاريع المهيكلة    فقدان الشهية.. اضطراب خطير وتأثيره على الإدراك العاطفي    أخنوش يدشن الجناح المغربي بالمعرض الدولي للفلاحة بباريس    القوات المسلحة الملكية تساهم في تقييم قدرات الدفاع والأمن بجمهورية إفريقيا الوسطى    الصين تطلق قمرا صناعيا جديدا    رضا بلحيان يظهر لأول مرة مع لاتسيو في الدوري الإيطالي    القصة الكاملة لخيانة كيليان مبابي لإبراهيم دياز … !    الشاذر سعد سرحان يكتب "دفتر الأسماء" لمشاهير الشعراء بمداد الإباء    إصابة عنصر من القوات المساعدة بحروق خطيرة في حريق سوق بني مكادة بطنجة    المغرب يعود إلى الساعة القانونية    فيروس غامض شبيه ب"كورونا" ينتشر في المغرب ويثير مخاوف المواطنين    في أول ظهور لها بعد سنة من الغياب.. دنيا بطمة تعانق نجلتيها    السينما المغربية تتألق في مهرجان دبلن السينمائي الدولي 2025    التخلص من الذباب بالكافيين يجذب اهتمام باحثين يابانيين    رمضان 2025.. كم ساعة سيصوم المغاربة هذا العام؟    المؤتمر الوطني للعربية ينتقد "الجائحة اللغوية" ويتشبث ب"اللسانَين الأم"    الحصبة.. مراقبة أكثر من 9 ملايين دفتر صحي وتخوفات من ارتفاع الحالات    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفصل العشرون من رواية " عيون المنفى " لعبد الحميد البجوقي
نشر في شمال بوست يوم 28 - 03 - 2015


زيارة العمدة

استيقظ سعيد في الصباح الموالي وهو ما يزال يُفكر في خافيير وفي الحقيبة والمسدس والذخيرة، وخرج مسرعا قبل أن تُقفل إدارة البلدية ليسأل عن لوازم الحصول على رخصة الحانة التي لم يكن يتوفر عليها رغم شهرة الحانة وزبنائها من الشرطة المحلية.
كان يعرف أن وضع الحانة غير القانوني قد يتسبب في الإغلاق الفوري وفي غرامة كبيرة لن يستطيع أداءها الآن. لكن إكراهات مصاريف الرخصة وما تتطلبه الحانة من إصلاحات، لا تسمح له مداخيله الحالية وديونه بإجرائها، تمنعه مؤقتا عن طلبها.
في مقر البلدية سأل سعيد عن زبون من زبنائه يشتغل في قسم الرخص، لكنه تراجع في آخر لحظة بعد أن تذكر كلام الشرطي خافيير عن حسد البعض وعن نفاقهم، وتظاهر بالسؤال عن رخص استعمال الساحة المجاورة لحانته وانصرف مسرعا بعد أن دعا زبونه لزيارته في المساء.
في باب البلدية، التقى سعيد بماريا خليلة الشرطي خافيير التي فاجأته بقبلتين على خده وأمسكت بيده بنعومة وغنج، وارتبك سعيد من معاملة ماريا له، لكنه سرعان ما طمأن نفسه بأنه سلوك عادي من الإسبان ولا يعني أكثر من الحفاوة. ودعته ماريا وهي تردد:
"خايمي موريتو وابو لا تكن خجولا، ولو أن خجلك يزيدك جاذبية" وواصلت وهي تداعب يديه:
" كم هي محظوظة من تنعم بمصاحبتك هاهاهاها"
تابعت ماريا طريقها وهي تضحك بصوت عال. وتابع سعيد طريقه إلى حانته، وفي طريقه عرج على السوق المركزي لأداء فاتورة كبد الدجاج التي كان يؤديها في نهاية كل أسبوع. كانت رائحة عطور ماريا لاتزال تداعب أنف سعيد، فتذكر بنشوة قبلاتها وغنجها وكلماتها واستمر يُفكر في أمرها وفي نواياها وهي خليلة الشرطي خافيير. وتبادر إلى ذهن سعيد أن ماريا تريد الانتقام من خليلها الذي يخونها، وتخيل للحظات أن يشك خافيير بأمره وماذا سيكون مصيره، واستمر تائها يُفكر ويلعن فيه اليوم الذي التقى فيه بخافيير وبزوجته وبخليلته وبكل هذه الظروف.
مر سعيد من شارع الدستورCalle La Constitución، الشارع الرئيسي بالقرية، وتوقف قليلا عند حانة دومينغو وجلس يحتسي قهوة إكسبريس ويشرب سيجارة وهو يتبادل الحديث معه، وسأله دومينغو عن أحوال حانة إبريق الفضة وهنأه على شهرته المتزايدة.
بعد لحظات دخل شرطيان من الشرطة المحلية التابعة للبلدية كلاهما من زبناء سعيد، وبعد التحية سأل أحدهما الذي كان بدينا ومتوسط السن سعيدا عن حال حانته، فأجابه سعيد أن كل شيء على ما يرام، وقبل انصراف الشرطيين خاطب أحدهما دومنغو بصوت عال: "لا تنس، دومنغو، أن تُجدد رخصة الحانة، وإلا سنضطر لتفعيل قرار الإغلاق"، انصرف الشرطيان وبقي دومنغو يسب المجلس البلدي والعمدة ويصفهم بأشنع الأوصاف ويحذر سعيدا من مكرهم.
كان سعيد يتظاهر بالتضامن مع دومنغو، ثم انصرف مسرعا نحو حانته مهموما بموضوع الرخصة التي لم يطلبها بعد، ويتخيل إمكان افتضاح أمره ويستغرب كيف لم تعرف الشرطة ولافرقة المراقبة سره وأغلبهم زبناء عنده.
لما وصل سعيد، كان سمير قد سبقه وفتح الحانة وصفف الموائد، وكان العجوز مانولو كعادته في ركن الكنتوار يعلق على المارة ويتابع مؤخرات النساء مُطلقا صفيرا حادا ترد عليه بعضهن بكلمات نابية وتأنيب للعجوز، والذي كان يستمتع بذلك مزهوا كلما ردت إحداهن على استفزازه.
بينما كان سعيد يستعد لتهيئ المقبلات وترتيب المطبخ، دخل باكوPaco، أحد أعز زبناء سعيد، وما إن سمع سعيد صوت باكو حتى خرج من المطبخ مُرحبا به وناوله كأس النبيذ مع بعض الزيتون. يرجع سر صداقة باكو وسعيد إلى أن باكو كان مناضلا في الحزب الشيوعي وكان يتضامن مع سعيد ومع اللاجئين، وغالبا ما يتعارك في الحانة وفي الحي دفاعا عنهم.
قرر سعيد، بعد تردد، أن يكاشف باكو في موضوع الرخصة الذي كان يُؤرقه، ورغم أن الموضوع فاجأ باكو، إلا أنه طمأن سعيدا ووعده بالمساعدة لحل هذا المشكل والحصول على الرخصة، كما نصحه بعدم الحديث مع أي كان في الموضوع.
استمر تقاطر الزبناء على الحانة وبدأت تمتلئ كالعادة مع منتصف النهار، وبدأ سعيد يوزع مقبلات من المخوخي الشهير ويتعمد التقسيط في البداية حتى تمتلئ الحانة، غادر باكو الحانة بعد أن نادته ابنته بيغونياBegonia التي أرسلتها أمها في طلبه وظل سعيد كعادته يصرخ كلما طلب أحد الزبائن مشروبا طالبا من مساعده مقبلات بعدد الزبائن، وكاد في غمرة العمل والاهتمام بالزبناء أن ينسى موضوع الرخصة حتى توقفت أمام المقهى سيارة كبيرة سوداء مصحوبة بسيارة الشرطة المحلية يمتطيها الملازم أنطونيو وشرطيين، وكان الملازم أنطونيو من زبناء الحانة.
ما إن رأى سعيد السيارة السوداء وسيارة الشرطة، والملازم أنطونيو بلباسه الرسمي وملامح الجدية بادية عليه وهو يتوجه نحو الحانة، حتى خارت قواه وارتبك وشعر بذعر كبير وظن أن أمره قد انكشف، وبينما كان الملازم أنطونيو يفتح الطريق لرجل قصير ببدلة زرقاء وربطة عنق حمراء وشعر أبيض كثيف، كان سعيد يرتجف وهو ينتظر وصول الرجل لإقفال الحانة وإخباره بقرار التغريم، وتبادر إلى ذهن سعيد صديقه باكو، الوحيد الذي يعرف سره، واستغرب كيف لشيوعي متضامن أن يُخبر عنه بعد أن وضع ثقته فيه وأفشى له سره.
ظل سعيد مشدوها متسمرا في مكانه من داخل الكونتوار وهو يتابع الرجل متبوعا بالملازم أنطونيو، وكان الرجل يرد التحية على الجميع متبسما إلى أن وصل حيث يقف سعيد غير شاعر بركبتيه ولا آبه بنداء بعض الزبناء، فبادره الرجل:
"أنت المورو خايمي، أليس كذلك؟"
تمتم سعيد بكلمات غير مفهومة ونطق بصعوبة:
"نعم سيدي"
ابتسم الرجل بعد أن أخذ مكانه في الكونطوار يرافقه دائما الشرطي أنطونيو وقال لسعيد بلطف:
" ماذا تنتظر؟، هيا اسقنا من نبيذك وأعطنا من هذا المخوخي الذي دوخت به القرية"
لم يصدق سعيد ما يسمع، وللحظة ظن أنه في حلم أو كابوس من كوابيسه، وظل ينظر إلى الرجل حتى سمع أنطونيو يخاطبه: "ما بك خايمي، إنه العمدة شخصيا يُشرفك بزيارته، أسرع يا رجل"
أيقظت صرخة الشرطي أنطونيو سعيدا وفهم أن الأمر يتعلق بزيارة عادية وأن شهرته وصلت إلى العمدة، فأسرع يفتح زجاجة من النبيذ وهو يصرخ طالبا من مساعده صحنا كبيرا من المخوخي، وانشرحت أساريره وانتابته رغبة في الضحك، لكنه تمالك نفسه وانطلق يتحدث مع أنطونيو ويُجيب على أسئلة العمدة وفضوله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.