من الشاطئ تبدو طوريمولينوس مثل صخرة تتكئ على صدر الجبل مكسوة بضياء خفيف ، بفنادقها المعلقة وعقباتها التي تزداد علوا كلما أوغلنا في المسير. كنت متعبا وأنا أحاول أن أدفع بجسدي المنهك باتجاه النزل ومطارق الألم تدق في رأسي وترغمني بين خطوة وأخرى على الجلوس فوق مقعد خشبي أو عتبة حانة مقفلة. وحين وصلت إلى حديقة السان ميغيل الجانبية بدا لي أن أكمل نومي فوق عشبها . كان الشارع فارغا والمتاجر والمطاعم موصدة فأجبرت نفسي على مواصلة السير. وقفت أمام باب النزل أبحث عن المفتاح ، غير أن الباب فتح في ذات اللحظة وانفرج عن زوجين في منتصف العمر . أقرأتهما تحية الصباح لكنهما تلافياني وتابعا سيرهما في صمت جنائزي . أقفلت الباب خلفي ومضيت إلى غرفتي ،ولدى مروري بالصالون رمقت إيزابيلا تمسد قدمي الخالة ماريا ، لم تبتسم لي كعادتها . تقدمت مني وقالت بإنجليزية مبعثرة : - عليك أن تدفع ثمن الليلة الماضية واليوم. - ألم يدفع لك صاحبي ؟ - وأين هو ؟ لقد ظننت أنكما ذهبتما وكدت أؤجر الغرفة لشخصين آخرين . - لكن متاعنا لايزال هنا . - ومن أدراني ؟ ثم وقفت تنتظر وهي تتحاشى النظر إلي . كان غضبها مفاجئا لي فناولتها مئة بسيطة ومضيت ، وأقسمت على ألا أكلمها بعد اليوم ، وحين دخلت الغرفة وجدتها في حال من الفوضى العارمة . لاشك في أن بوجمعة قد مر من هنا بصحبة تلك الإنجليزية الطائشة أو فتاة مستباحة أخرى . وأينه الآن ؟ كان صداع الرأس وتعب الجسد يدفعاني باتجاه السرير فاستلقيت عليه من دون أن أخلع ملابسي. لا أدري كم من الوقت نمت . لم أستيقظ على غناء إيزابيلا ولا على صيحات الصبايا في الخارج ، كان صمت الأحد الموحش يرين على النزل وأنا أتضور جوعا فهرعت إلى المطبخ وتناولت علبة حليب وقطعة مادلين ابتلعتهما في الحال وعدت إلى النوم ، غير أني سمعت خطوات تقترب من باب الغرفة ثم فتح الباب ولاح لي وجه بوجمعة المكفهر . - أين كنت ؟ هل جئنا معا ليمضي كل منا في سبيل خاص به؟ - أنت الذي أثرت الفضيحة وذهبت . عند الباب وقف رجل في الثلاثين بشاربين معقوفين على غرار شاربي سلفادور دالي وبرفقته فتاة في غاية الحسن والجمال ، كانت ترتدي تنورة مزركشة وقميصا صيفيا أخضر يكشف عن ذراعين بضتين وصدر نافر . كانت تقضم أظافرها بعنف ملجوم . تقدم الرجل مني ومد لي يده بالسلام: - أنا أنطونيو ، وهذه بلانكا ، وأنت عبدو ، لقد حكى لي عنك بوجمعة ، مرحبا بك في بلاد الأندلس. كان يبدو لطيفا وبسيطا ويتحدث بإنجليزية مفهومة بحيث أني شعرت نحوه بود لايقبل التأجيل . شكرته وأفسحت له طرف السرير ، وسألت بلانكا إن كانت ترغب في تناول مشروب ما ، لكنها لم تجبني . قال أنطونيو : - هي لاتتحدث الإنجليزية . هل لديكما نبيذ أحمر ؟ أحضرت قنينة النبيذ وبعض الكؤوس وجلسنا نشرب وندخن وننصت إلى شريط موسيقي من اقتراح أنطونيو : - هذا «مانويل دي فايا «، هل سمعته من قبل ؟ - كلا أبدا ، أنا لم أكتشف هذه الموسيقى إلا ونحن على متن الحافلة من الجزيرة الخضراء إلى هنا. - طيب ، سأزودك بالكثير منها . - شكرا لك ، حتى أنت إذا ما تسنى لك أن تزورنا في المغرب سأزودك بموسيقانا . - آه بالطبع ، لقد اتفقت مع بوجمعة على أن أزور فاس في فصل الربيع وبعدها نذهب معا إلى كتامة ، سمعت عنها وعن ناسها الطيبين والكرماء الشيء الكثير. كان بوجمعة يشرب في صمت مريب وهو يسترق النظر إلى صدر بلانكا ، ولذلك لم يدل بشيء في هذا الحديث الذي انخرطنا فيه ببساطة أنا وهذا الرجل الوسيم الذي ألتقي به لأول مرة. وكانت تتخلل أحاديثنا برهات صمت نكون فيها مأخوذين بالموسيقى أو بتأملات شاردة من وحي التحشش . - تعالوا نمض إلى خمارة بيدرو كي أعرفكم به ونستمتع برؤية السكندينافيات العائدات من البحر. نطق أنطونيو باقتراحه هذا ونهض ممسكا بيد بلانكا التي كانت شاردة في عالم خاص وهي تقضم أظافرها ولا تنظر إلى أحد . وعند باب الغرفة دنوت من بوجمعة وهمست في أذنه : - لاتنس أن تسدد ثمن الأمس واليوم . لكنه حدجني بنظرة قاسية ومضى خلف بلانكو وكأنه يتأهب لنهش مؤخرتها بعينيه . كانت موسيقى «ليد زيبلين» تسمع من رأس العقبة فاختلط علي الأمر وصرت ألتفت ذات اليمين وذات الشمال باحثا عن مصدرها . كان أنطونيو ينظر ما بي وهو يكتم ضحكه ثم أشفق على حالي وقال: - لا تستعجل الأمر ، نحن في طريقنا إلى هذه الموسيقى ، ستألف خمارة بيدرو ولن تبرحها أبدا. كل شيء هنا في هذه الخمارة مرتب بأناقة فائقة : مزيج من الذوق الإنجليزي المرهف والعناية الأندلسية الرفيعة . قدمنا أنطونيو لبيدرو ولصديقته الإنجليزية «ليندا» ثم انتحينا جانبا من رصيف الحانة . كانت بلانكا تجلس إلى جانب أنطونيو وهي تقضم أظافرها وتنظر في الفراغ وقد احتواها حزن معد فلم أرغب في محادثتها ، وكان بوجمعة يتنقل بين خمارة بيدرو والحانة المقابلة التي يرتادها الإنجليز بكثرة وكأنه يبحث عن شخص ما. وكانت موسيقى « ليد زيبلين» تفتح شهيتي لكل السوائل ، ولذلك لم أذخر أي جهد في تنويع المشروبات بدءا بالجعة الألمانية ومرورا إلى النبيذ الفرنسي ومنه إلى الفودكا وإلى باقي السوائل التي تسكر في الحال . كان أنطونيو يغادر الجلسة من حين لآخر نحو الداخل ويختفي لبضع لحظات فأثار ذلك فضولي ودخلت أبحث عنه . كانت ليندا تقف خلف الكونتوار وهي تتابع بحثي باسمة في حياد إنجليزي عجيب . وحين لاحظت أن بيدرو هو الآخر غير موجود خمنت الأمر ووقفت أمام الكونتوار وطلبت كأس فودكا بالليمون وأنا أحرك رأسي مترنما بالأنغام الموسيقية ، هنا يستطيع المرء أن ينصت إلى أجمل أغاني البيتلزوالمودي بلوز والرولينغ سطونس والدوبي برادرس وكورتيس مايفيلد وتينا تورنر و»أمريكا» إلى جانب المشاهير الراحلين من أمثال جيمي هندريكس وجانيس جوبلين وجيم موريسون. كانت ليندا تتحرك في أرجاء الخمارة لخدمة الزبناء وهي ترتدي ثيابا شفافة تكشف عن جسد شامخ يستعصي على الاحتواء . وبعد حين جاءت امرأة تشبهها وصافحتها بالحضن ثم وقفت بجواري فشعرت بارتباك قوي، كانت هي الأخرى ذات حسن يضاهي جمال ليندا. كنت أشرب وأنا التفت من حين لآخر نحو الخارج : كانت بلانكا تجلس في نفس الوضع وكأسها لاتزال مملوءة ، حين بدت لي ديانا برفقة صديقتها تصعدان درجات الزقاق . أسرعت نحوها وأمسكت بها من الخلف . التفتت مذعورة نحوي ، ولما رأتني انقضت علي : - أين كنت ؟ اشتقت إليك . - أنا أيضا . كنت نائما . وعدنا معا إلى خمارة بيدرو . كان أنطونيو قد عاد من اختفائه الغامض . قدمت له ليندا وصديقته فانحنى هامسا في أذني : - أيهما صديقتك ؟ - ديانا . - لديك ذوق رفيع ياصديقي . كانت ليندا ترتدي سترة بنفسجية وسروالا من الساتان الأزرق وحذاء صيفيا أحمر . كنت قد أشرفت على حال السكر . سألتها وصديقتها : - ماذا تشربان ؟ تلكأت ليندا في الجواب ثم نظرت إلي باسمة وقالت : - لم يكن في نيتي أن أشرب اليوم ، لكن لابأس فالكأس معك تحلو . سأتناول الكوكتيل . أما صديقتها فقد كانت تنظر إلى حزن بلانكا ولم تسمع سؤالي . نهضت وأحضرت كأسين ، ولدى وقوفي بالكونتوار رمقت صديقة ليندا تتصفح مجلة « بلاي بوي» وهي تنظر إلي خلسة وعلى شفتيها سؤال مؤجل. ابتسمت لها وسألتها : - هل أنت صديقة ليندا ؟ - أنا أختها ، سامانتا . ثم مدت لي يدها وصافحتني فأصابني مس من كهرباء. - لم أرك من قبل هنا . - أنا أيضا ،،، أنا أمزح ، هذه أول مرة أجيء فيها إلي هذا المكان الجميل . وضعت ليندا الكأسين على الكونتوار وهي تنظر إلى أختها نظرة تحمل أكثر من معنى. دفعت لها الثمن وتناولت الكأسين وقلت لسامانتا : - نتراءى فيما بعد . وسرت نحو الخارج وأنا أشعر بنظرات سامانتا تتعقبني من الخلف . كانت ديانا قد رأت كل شيء ، لكنها تناولت كأسها وقبلتني وهي تنظر في اتجاه سامانتا ثم ابتلعت الكأس دفعة واحدة فصحوت ، ولما اعتذرت صديقتها عن الشرب تناولت الكأس وابتلعته بنفس السرعة ، ونهضت نحو الكونتوار لتأتي بكأسين أخريين مدت لي واحدة وقالت بعنف لم أعهده فيها : - سنسكر اليوم أيضا، لكننا لن نقضي الليلة في الشاطئ. لم أدرك قصدها . كان أنطونيو يغرق في الضحك وقد سمع قولها ثم انحنى علي وهمس في أذني : - لا تستسلم ، ما ألذ النساء حين يكشرن عن أنوثتهن . أما أنا فقد عصفت بي الحيرة وخفت من أن تغضب ديانا وتتركني . لكن ماذا فعلت ؟ هل يستحق مجرد حديث عابر مع أخت ليندا كل هذا الغضب ؟ أم إنها حدست مالاعلم لي به ؟ لكن من يدري فالنساء يعرفن بعضهن وأنا لست خبيرا بمثل هذه الأمور. أنا مجرد شاب حديث العهد بالوظيفة قادم من بلد تندر فيه مثل هذه المصادفات ، وعلاقتي بالنساء تقتصر على آمنة بنت الجيران التي تشملني في ما أعتقد بحب عذري وترى في زوج المستقبل ، وفي ما عدا ذلك ثمة بضع ترددات متباعدة على كهوف إيموزار أو الحاجب أو أزرو لتفريغ الكبت. هذا كل مافي الأمر. نهض أنطونيو وأشار لي باللحاق به في الداخل . كان بوجمعة يقف عند مدخل الحانة المقابلة في حديث ثنائي مع شاب أسود حليق الرأس على غرار الجنود الأمريكان . وقفت وقلت لليندا : - لاتنزعجي ياحلوتي ، سأعود في الحال . اطلبي ما شئت . أنت اليوم في ذمتي. كانت تحدق في بنظرات ناعمة لاتخلو من عتاب . ونهضت في أثر أنطونيو ، وماكدت أجتاز العتبة حتى سمعت صوتا يشبه صوت سارة أم بريتني يتعقبني من الخلف : - هاي جيمي ، نحن هنا. لم ألتفت، بل إني أسرعت الخطى نحو الداخل. كانت ليندا وسامانتا تنظران إلي ثم إلى سارة التي كانت تحادثني من رصيف الخمارة. لاشك في أن ديانا الآن تحاول أن تفهم سر هذه الازدواجية التي تطبع شخصيتي وأحملها فوق ظهري مثل حدبة أنطولوجية. جلسنا في غرفة منزوية بها أثاث بسيط وديكورزهيد على الطراز الياباني الذي يعتبر الفراغ هو جوهر الامتلاء . كان بيدرو يحشو شيلوما كبيرا بالحشيش الممزوج بالتبغ ، يدخن نصفه قبل أن يتكرم علينا أنا وأنطونيو بنصفه الآخر تقاسمنا إياه من حين لآخر صديقته ليندا ، وكنت أنتظر دوري بفارغ الصبر، وكلما أطلت علينا ليندا بجسدها الذي يملأ المكان انتابني شعور متناقض : كنت ألتذ برؤيتها وأستاء في نفس الوقت، لأنها تقتطع نصيبها من نصيبنا أنا وأنطونيو في التدخين . أما أنطونيو فلم يكن يعير أدنى اهتمام لذلك ، كان يبدو محلقا في سماواته وهو يبتسم لنفسه مثل ملاك خارج السرب. وكانت ليندا لسبب ما تتعمد الجلوس بيننا وهي تفرج فخذيها وكأنها تصبن أو تعجن ، وخلالها ينزاح تبانها الأسود عن شعيرات شقراء تلمع خلف سواد التبان. ياإلهي ! أية مؤامرة هاته ؟ ماذا لو ضبطني بيدرو متلبسا بتلك المنطقة المحظورة وعيناي تكادان تخترقان التبان ؟ علي أن ألتزم الحيطة حتى لا أثير غضب هذا الرجل ذي الجسم الهائل وكأنه واحد من « التيتان العشرة « . لحسن الحظ أنها كانت مشغولة بخدمة الزبناء وإلا لاوقع المكروه ولقذف بي هذا الجبار الصموت في عرض البحر المجاور. وبعد انصرافها سألت أنطونيو بصوت مهموس : - ما بال بلانكا غارقة في الحزن وقضم أظافرها؟ - لقد كانت في سجن مالاگا حيث قضت سنتين . - هل ارتكبت جريمة ما؟ - ضبطوا في حوزتها نصف كلغ من الحشيش . سرت في دواخلي قشعريرة باردة ولم يعد للخمورالتي شربت ولا للحشيش الذي دخنت أي مفعول . وكان أنطونيو بعد أن زودني بهذا النبأ الصاعق قد نهض باتجاه الفونوغراف ووضع أسطوانة الفلامنكو ثم أخذ يرقص رقصة الثعبان . كان بيدرو ينظر إليه باسما ثم يلتفت نحو باب الغرفة حيث وقفت على حين غرة ليندا وفي يدها كأس نصف فارغة ، كان هو الآخر ينظر باتجاه تلك المنطقة المحرمة التي سلبت عقلي قبل قليل وعيناه داميتان مثل ثور خارج للتو من العتمة باتجاه نور الحلبة. كنا نبدو وسط الدخان المتصاعد في أرجاء هذه الغرفة مثل شخصيات غائمة في لوحة ل «غويا» أو» بيلاسكيث» ، وحين انخرطت ليندا في الرقص بحركاتها المتأنقة اعتلت وجه أنطونيو ملامح استياء وصار يستعد لإيقاف الرقصة . لكن ليندا لم تفطن إلى ذلك ولم تنتبه إلى نظرات بيدرو الذي أدرك ما جال بخاطر ابن قومه في الحال، وتمادت في رقصها الممسوخ : لاهو برقص عصري ولابرقص غجري. جلس أنطونيو بجوار بيدرو وتبادلا نظرة مشفرة ، ثم أخرج أنطونيو من جيبه قطعة حشيش وسلمها لبيدرو وهو ينظر إلي : - تذوق هذا الحشيش المغربي. عكف بيدرو على حشو الشيلوم وحين ملأه أعاد إلى أنطونيو ماتبقى من القطعة ، لكنه أبى أن يتناولها وقال : - احتفظ بها ، لدي من ذلك زاد كثير. ظهرت سامانتا عند الباب وأشارت لأختها بالمجيء ، لعل زبونا ما في حاجة إلى شيء. ولما انصرفت ليندا التفت إلي أنطونيو بسؤال مفاجئ: - هل تعرف الغجر ؟ لم أكن قد سمعت بهذا الاسم من قبل فانعقد لساني واكتفيت بالنظر إليه باسما . كان بيدرو ينظر إلي باستياء كلبي كما لو أن صمتي لم يقنعه ، ثم ناول أنطونيو الشيلوم وخاطبه ببضع كلمات لم أتبين معناها ، لم تكن بلهجة إسبانية في ما بدا لي ، لكن أنطونيو لم يجبه وابتلع نفسا طويلا من الشيلوم احتفظ به في صدره وقال وقد التمعت عيناه : - الغجر يا صديقي هم أبناء التيه الأبدي ، بعضهم يقول إنهم أبناء آدم من امرأة لاحقة على حواء ، والبعض يذهب إلى أنهم من قبيلة إسرائيلية هائمة على وجهها في شعاب التاريخ ، والبعض الآخر يقول إنهم من أصول هندية ، لكنهم في جميع الحالات منذورون للسفر والغناء والإقامة المؤقتة على ضفاف الأنهار والبحيرات ، لا وطن لهم سوى أجسادهم المستقوية بأرواح نظيفة. ران الصمت على جلستنا، وانكفأ كل منا على نفسه ، وذوت تلك الابتسامة الملائكية التي ظلت تلازم وجه أنطونيو منذ لقائنا الأول . كان مجموع الأوصاف الواردة في حديث أنطونيو ينطبق علي إلى حد كبير فبادرت إلى القول بحماسة صادقة : - أنا أيضا غجري ، ليس لي وطن ولاعلم بي بجذور ثابتة ، وبي دوما رغبة جامحة في التيه والترحال. انفجر أنطونيو ضاحكا وصوب بيدرو نحوي نظرة غائمة ، ولاحت عند الباب ليندا : - تعال يا جيمي عبدو ، صديقتك تسأل عنك. كنت في غمرة هذه الجلسة الحميمة قد نسيت ديانا وكل ما هو خارج غرفة التناجي في صمت ، ولذلك لم أستجب لكلام ليندا إلا بعد حين . نهض أنطونيو وأمسك بيدي قائلا: - تعال أيها الغجري المغربي. فرحت لهذا الوصف المبتدع وسرت خلفه ، تلاحقني نظرات بيدرو المشوبة بنفس الاستخفاف الكلبي . كان مغروسا في مكانه مثل هندي أحمر يجلس في قمة جبل وهو يطل على البشرية بإشفاق لامثيل له. وحين رأتني ديانا قادما نهضت ومضت أمامي صامتة. كانت بلانكا تجلس وهي تقضم أظافرها وكأسها لاتزال مملوءة عن آخرها . ودعت أنطونيو وسرت خلف ديانا ورفيقتها التي كان بها حزن شبيه بحزن بلانكا . ترى هل كانت هي الأخرى في السجن ؟ أم إن بها صدمة ما أقوى من ذلك ؟ كنا نمضي باتجاه البحر فتقدمت من ليندا وأمسكت بيدها وطبعت على نحرها الصقيل قبلة ناعمة ارتعشت لها، ثم همست في أذنها : - إلى أين نحن ذاهبون ياعزيزتي ؟ أجابتني بجفاء خشن : - إلى «ماربيا» ، ألم أقل لك إننا لن نقضي الليلة في الشاطئ؟