في موقع استراتيجي على قمة جبل يعلو عن سطح البحر ب 236 متر، في الشمال من قلب محافظة أغادير المغربية، تنتصب قصبة (قلعة) أغادير أوفلا (العليا بالأمازيغية). القلعة التي شيدها السلطان محمد الشيخ السعدي عام 1540 م، تعرضت لزلزال ضرب المحافظة عام 1960، لتتحول إلى مقبرة جماعية وأطلال لهيكل يخفي تحت ترابه وأحجاره آثار حضارة عريقة وتاريخ مجيد يمتد قرابة ستة قرون. وتجسد قلعة “أغادير أوفلا” معلم تاريخي تراثي ومعماري حي يحكى تاريخ محافظة أغادير التي شهدت زلزالا منذ أكثر من خمسين عاما دك المنطقة، من دون أن تتأثر به القلعة، حيث بقي سورها شامخا. مراسل الأناضول تجول في القلعة التي شيدها السلطان السعدي، وتحولت اليوم إلى أطلال طالها الإهمال والنسيان، على الرغم من أن وزارة الثقافة المغربية تدرجها ضمن عداد المواقع التاريخية المصنفة تراثا وطنيا مغربيا. حال قلعة أغادير أوفلا لدى ساكني المنطقة أو “أغادير إغير” كما تكنى في بعض المصادر التاريخية اليوم مثير للشفقة، فهي في وضعية صعبة جدا جراء عدم التدخل للقيام بما تقتضيه شروط المحافظة للتهيئة اللازمة من أجل التدخل لإعادة إعمارها مجددا، وبسبب الاستمرار في اعتبارها مقبرة جماعية للعديد من ضحايا الزلزال الذي ضرب المحافظة منذ نحو 53 عاما، بحسب نص عريضة وجهت إلى وزارة الثقافة تحمل عنوان “دفاعا عن الذاكرة التاريخية لمحافظة أغادير”. الخبير لدى المركز الوطني للمباني التاريخية بالمغرب أحمد أوموس، يلخص في حديثه لمراسل الأناضول واقع الإهمال الذي طال القلعة، في “عدم تحديد الجهة التى لها سلطة توحيد جهود كل الجهات المعنية في هذا الشأن”. ومضى قائلا: “بل المؤسف أنها أضحت في قبضة مجموعة من الأطماع والتدخلات غير القانونية، خاصة تلك الجهة التي ترى الأهمية الاستراتيجية لهذا المعلم التاريخي في استغلال المنطقة في إقامة غابة من وسائل الاتصال اللاسلكي، بالإضافة إلى أنشطة أخرى ليست لها أية علاقة بتاريخ القلعة”. وتفيد المعطيات التي حصل عليها مراسل الأناضول من وزارة الثقافة المغربية أن “أسوار وقلعة أغادير أوفلا متدهورة باستثناء الجزء من السور المجاور لمدخلها، خاصة وأن بعض عمليات الترميم التى تمت يبدو أنها لم تكن وفق القواعد المطلوبة”. وبحسب أوموس فإن “ضعف أشغال الصيانة والترميم وعدم احترافيتهما، عبر مقارنة أسوار المدن العتيقة التي صمدت قرونا مع أسوار تم ترميمها سنة 2005، وتساقطت مع أول قطرة مطر، إضافة إلى ما يقوم به بعض زوار القلعة من تخريب وحفر لعبارات وكلمات على أحجارها، يعرض كسوة الأسوار للهشاشة”. وقد عاين مراسل الأناضول التدهور الحاصل على مستوى الأسوار والجدران التي تتهاوى في مختلف الاتجاهات داخليا وخارجيا، وكذا مدخل القصبة وبابها الرئيسي الذي لم يخضع قط للترميم أو الإصلاح الذي حكم عليه ب “المؤبد منسيا”. حال القلعة اليوم، انتشار كبير للرادارات والهوائيات فوق المقبرة الجماعية بداخلها، وتنامي لظاهرة الإرشاد السياحي غير المنظم وكثرة الباعة، ولا أحد يستطيع أن يمنع كل هذه الظواهر المشينة. بدورها، دعت هيئة مدنية تحمل اسم القلعة “أكادير أوفلا” في بيان لها، حصل مراسل الأناضول على نسخة منه، إلى ” فتح نقاش بين مختلف المؤسسات والجهات الفاعلة لتحديث ملف القلعة والقيام بدراسات تقنية وعلمية من قبل مكتب مختص في الآثار التاريخية والترميم، للبدء في ترميمها بشكل احترافي وعلمي وإعادة ترميم أجزاؤها المدفونة بعد جمع وتحويل الرفات إلى مقبرة جماعية”. وعوضا عن أن يبقى هذا المعلم التاريخي حائطا للمبكى والركون إلى الماضي، ناشدت الهيئة جميع الجهات المعنية من أجل “استشراف مستقبل هذه الذاكرة الحضارية، بما يحفظ للمكان ذكراه عبر مختلف الأجيال، عوضا عن أن يكون مدعاة للسخرية، ومعرضا مفتوحا للقمامة، والمصابيح المكسورة، والأسوار المنهارة”. وكانت وزارة الثقافة المغربية قد نظمت ورشة عمل لتدارس أفضل السبل لإعادة إحياء القلعة وإعادة الاعتبار إليها، خلص إلى أن الضرورة “تقتضي التدخل العاجل من أجل وقف كل أشكال الاستغلال غير القانوني لها، وتنسيق الجهود من أجل توحيد الرؤية لحمايتها وإعادة الاعتبار إليها” . كما أفاد بيان للوزارة، حصل مراسل الأناضول على نسخة منه، أن الوزارة بتعاون مع الجماعة الحضرية لأغادير (مجلس تدبير شؤون المحافظة) “مصممة العزم من أجل إعادة الاعتبار لهذا الموقع الأثري وتجاوز كل الإشغالات غير القانونية التي يعاني منها”. وعدد البيان هذه المشكلات في “تعدد المتداخلين، ودراسة وضع القلعة كمقبرة جماعية، وتحديث المعلومات حول وضعه القانوني من خلال مراجعة قرار تصنيفه ضمن باقي القلاع التاريخية بالمغرب، ليصبح مرتبا ضمن المواقع الأثرية المحمية بموجب التشريعات المغربية الخاصة بالمحافظة على التراث الثقافي الوطني”