، 10-03-2013 1- الحيرة: عندما سمعنا لأول مرة بخبر تدشين مؤسسة بأغبالة باسم "أحمد المعتصم"، تساءلنا من يكون أحمد هذا؟ هل هو باحث، أم مقاوم، أم مقاول؟ هل يضاهي "غزافيي" مثلا حتى يطلق اسمه على مؤسسة ثقافية؟؟ الأكيد أننا حاولنا التعرف إلى هذه الشخصية التي كسر اسمها روتين أغبالة، بحثنا ب"غوغل"، فلم نجد جوابا شافيا. بكتابة "أحمد مع..." في نافذة البحث، اقترح غوغل "أحمد معتز"، وبعد إتمام الإسم "أحمد معتصم" خيرنا محرك البحث هذا بين "معتصم سيد أحمد" و"أحمد فتحي يا معتصم".. أنت أيضا تجهل الرجل يا حاج غوغل؟ ثكلتك أمك، إن الرجل سيحل هنا بمعية أساتذة كبار ومثقفين عظام.. تجاهل "غوغل" السباب واقترح صفحات لأعلام من محافظات خليجية وأسماء أطفال وأصحاب صفحات فايسبوكية، فازدادت الحيرة أكثر... وفي أسفل الصفحة يقبع "معتصم القذافي".. يالك من وقح يا حاج غوغل.. 2- الجواب: عندما وصل الضيوف صبيحة العاشر من مارس، بدأت أجول بعينين حيراوين بين القادمين أين هو المعتصم هذا الذي يبدو أهم من الخليفة العباسي.. كل القادمين يرمقون المستقبلين بعيون مبتسمة يبدو عليها التعب. ثم نزل شيخ من الناقلة وجثم وسجد وقبل الأرض ودمعت عيناه.. هذا أنت إذن؟ يالك من رجل طيب.. أتقبل الأرض الموحلة رغم ما يحيطك من هالة يا شيخ؟ لابد أن لك شأنا سيدي، فالرجل كلما سما تواضع.. ثم لابد أن ذكرى غالية تشدك إلى هذه الأرض التي قبلتها.. ولج الرجل قاعة شاي (مكتبة وسائطية بمقر الجماعة) فقامت حوله حلقات جمهور، هذا يكلمه، وذاك يقدم له كوب شاي وحلوى، وآخر ينصت مطأطئ الرأس، ورابع يختار الأوضاع المناسبة لأخذ صور للضيف العزيز... انتظرنا بداية الندوة لمعرفة المزيد، وما إن شرع المتكلمون في نبش ذاكرة الرجل حتى بدت غنية.. لقد كان الرجل سباقا إلى التنظير لأنصاف من طرائق التدريس التي أتتنا من بعد ملفوفة في ورق ملغوم بشروط لا علاقة لها بواقع المغرب الثقافي ولا التاريخي.. بل لقد مارس تلك الطرائق حتى قبل أن يفطن إليها أولئك الذين ذيلت المنهجيات بأسمائهم، فكيف يجهل "غوغل" أمر هذا الرجل؟ هل في الأمر مؤامرة؟.. تناول البروفسور الكلمة فشكر الذين احتضنوه أول يوم، وخص بالذكر أسماء وعائلات.. عاد بنا في مشهد سينمائي محبوك إلى مساره العملي والعلمي الذي ابتدأه بأغبالة وتجاوز حدود الوطن إلى جامعة السوربون وغيرها. عينه المستعمر سنة 1946 "ناسخا" بأغبالة.. ثم أسس أول مدرسة بأغبالة حيث شرع يلقن أبناء المنطقة مبادئ القراءة والكتابة.. حيث بدأ يطبق طرائقه ويمرر أفكاره التي لم ترق للمستعمر. وفي هذا الصدد قال الأستاذ عثمان زوهري في مداخلته إن هذا الباحث كان مشاكسا إبان عمله معلما هنا بأغبالة، حيث مرر العديد من الأفكار التي لم يحبذها المستعمر، لقد كسر جدار الصمت، وخرق الحدود التي وضعتها له الإدارة "التربوية"، فأتاه العقاب.. العقاب هنا ليس "توبيخا" ولا "إنذارا" ولا تنقيلا تأديبيا.. إنما كان قطع الحطب عن المدرسة، وهل الحطب مهم لدرجة أن يكون أداة لضرب فكرة؟؟ بالطبع هو كذلك.. فالحطب أداة التدفئة، والحطب أداة لطبخ الحريرة التي يقتات منها التلاميذ.. فالحطب أساس استمرار المدرسة، على الأقل من وجهة نظر المستعمر.. والحريرة هنا – كما قال المتدخل – وسيلة ديداكتيكية في مدرسة أحمد المعتصم.. دعونا نلج مدرسة أحد المعتصم بأغبالة ونستكشف فضاءها، ولنر حجم التسهيلات التي قدمها المقيم الفرنسي لتلميذ الأطلس المتوسط المركزي؛ لقد كانت الشموع أداة الإنارة، والألواح والأوراق "من عند مول الحانوت"أداة الكتابة الوحيدة المتوفرة، والحصير البارد فراشهم، كانت الفكرة تُتداول وتُناقش شفويا، وكان البؤس أهم شيء ميز هذه المدرسة، ومع ذلك استمر المدرس الشاب في تحدي الصعاب وبذل النفيس من أجل تلامذته الذين لقوه اليوم وعانقوه بعفوية وحرارة.. يقول أحمد معتصم: "أجمل مدرسة عندما يتعلم الإنسان والمجتمع بائس".. يضيف "إن حب العلم والتعلم أهم من أية تسهيلات" تميزت مداخلة البروفسور بالصدق والصراحة والجرأة في طرح التساؤلات والقضايا؛ صرخ ضد نسخ تجارب الآخرين في ميدان التعليم، لأن ما يصلح لثقافة ما لا يصلح للمغرب بالضرورة، فللمغرب ميزاته ومرجعيته وثقافته. وعن الهدر قال: "الهدر الحقيقي هو هدر الطاقات"، أضاف أنه ساهم في الإصلاحات في بلدان شتى باستثناء المغرب، وآلمه كثيرا أن تلج أفكاره المنظومة التربوية للمغرب باسم منظمات غربية.. بل إن غزافيي الذي حاولنا نسج مقارنة بينه وبين المعتصم هو تلميذ لهذا الأخير. 3- ماذا بعد؟ بعد هذا اللقاء بأسبوع، هاتف البروفسور الأستاذ عثمان زوهري لمناقشة حيثيات تأسيس مكتب المؤسسة، والأبحاث المزمع القيام بها لإغناء رصيدها والحفاظ على تراث أحمد المعتصم وإنتاجاته الفكرية والأدبية الغنية. كما أبلغه استعداد العديد من الأساتذة والباحثين من الرباط والدار البيضاء والسوربون للمساهمة في المؤسسة. وأثناء مكالمة ثانية تقرر أن يكون التأسيس الفعلي للمكتب المسير يوم 11 أبريل 2013 ببني ملال بحضور البروفسور، الأستاذ العلام، الدكتور حليم، والأستاذ زوهري. محمد ﯖيالي